news-details

الماركسية هي النظرية المنسجمة في مواجهة تحديات المرحلة| د. خليل إندراوس

نحن نعيش الآن في عصر يعاني الكثير الكثير من الأزمات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية. وهذا الواقع لا يستطيع أي إطار سياسي أو اقتصادي التنكر لأزماته وتناقضاته، فمن جهة استيقظت قوى صناعية تكنولوجية إعلامية وعلمية لم تكن لتخطر في بال الناس في أي من العهود السابقة في تاريخ البشرية، ومن جهة أخرى تتبدى علامات وظواهر الانحطاط والتأزم الاقتصادي والسياسي على مستوى عالمي فحتى الولايات المتحدة أصبحت مكونة من مجتمعين، أمريكا الغنية وأمريكا الفقيرة، حيث زاد غنى الأغنياء وزاد فقر الفقراء على مستوى عالمي.

وكما كتب ماركس: "وفي زمننا يبدو كأن كل شيء ينطوي على نقيضه. فنحن نرى الآلات التي تملك قوة عجيبة لتقصير مدة العمل البشري وجعله أوفر ثمارًا تجلب للناس الجوع والإعياء. ومصادر الثروة الجديدة، غير المعرفة حتى الآن تتحول، بفضل سحر ما غريب وغير مفهوم إلى مصادر للفقر وانتصارات التكتيك تبدو كأن الانحطاط الأخلاقي كان ثمنها. ويخيل ان الإنسان يمسي إما عبدًا لغيره من الناس وإما عبدًا لسفالته بالذات بقدر ما تُخضع البشرية الطبيعة لنفسها. وحتى نور العلم الصافي لا يمكنه، حسبما يبدو، ان يشع إلا في خلفية الجهل الحالكة. وكأن جميع اكتشافاتنا وكل تقدمنا يؤدي إلى هذا الواقع، وهو ان القوى المادية تكتسب حياة فكرية بينما تفقد البشرية جانبها الفكري وتنحط إلى درجة مجرد قوة مادية. إن هذا التناحر بين الصناعة المعاصرة والعلم المعاصر من جهة، والإملاق المعاصر والانحطاط المعاصر من جهة أخرى، هذا التناحر بين القوى المنتجة والعلاقات الاجتماعية في عهدنا هو واقع محسوس ومحتم ولا جدال فيه" (ماركس – كلمة في يوبيل "The People’s Paper" من كتاب ماركس – انجلز بصدد الثورة الاشتراكية).

إن أسلوب إنتاج الحياة المادية يشترط تفاعل الحياة الاجتماعي والسياسي والفكري، بصورة عامة، فليس إدراك الناس هو الذي يعين معيشتهم، بل على العكس من ذلك، معيشتهم الاجتماعية هي التي تعين إدراكهم. وعندما تبلغ قوى المجتمع المنتجة المادية درجة معينة من تطورها، تدخل في تناقض مع علاقات الإنتاج الموجودة أو مع علاقات الملكية وليست هذه سوى التعبير الحقوقي لتلك التي كانت إلى ذلك الحين تتطور ضمنها. فبعدما كانت هذه العلاقات أشكالا لتطور القوى المنتجة، تصبح قيودًا لهذه القوى. وعندئذ ينفتح عهد الثورة الاجتماعية. ومع تغير الأساس الاقتصادي يحدث انقلاب في البناء الفوقي الهائل، بهذا الحد أو ذاك من السرعة، وعند دراسة هذه الانقلابات، ينبغي دائمًا التمييز بين الانقلاب المادي لشروط الإنتاج الاقتصادية – هذا الانقلاب الذي يحدَّد بدقة العلوم الطبيعية -  وبين الأشكال الحقوقية والسياسية والدينية والفنية أو الفلسفية، أو بكلمة مختصرة، الأشكال الايديولوجية التي يُدرك فيها الناس هذا النزاع ويكافحون لأجل حله. فكما انه لا يمكن الحكم على فرد وفقًا للفكرة التي لديه عن نفسه، كذلك لا يمكن الحكم على عهد انقلاب كهذا وفقًا لوعيه. بل بالعكس ينبغي تفسير هذا الوعي بتناقضات الحياة المادية، وبالنزاع القائم بين قوى المجتمع المنتجة (قوى الإنتاج) وعلاقات الإنتاج.

إن أي تشكيلة اجتماعية لا تموت قبل أن تتطور جميع القوى المنتجة التي تفسح لها ما يكفي من المجال، ولا تظهر أبدًا علاقات إنتاج جديدة أرقى قبل أن تنضج شروط وجودها المادية في قلب المجتمع القديم بالذات. ولهذا لا تضع الإنسانية أبدًا أمامها إلا المسائل التي تستطيع حلها إذ انه يتضح دائمًا عند البحث عن كثب، ان المسألة نفسها لا تبرز الا عندما تكون الشروط المادية لحلها موجودة، أو على الأقل، آخذة في التكون.

إن أساليب الإنتاج، الأسلوب الآسيوي، والقديم، والإقطاعي والبرجوازي الحديث، مرسومة بخطوطها الكبرى، يمكن اعتبارها بمثابة عهود متصاعدة من التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية.

إن علاقات الإنتاج البرجوازية هي الشكل التناحري الأخير لعملية الإنتاج الاجتماعية، التناحري لا بمعنى التناحر الفردي، بل بمعنى التناحر الذي ينمو من الشروط الاجتماعية لحياة الأفراد، ولكن القوى المنتجة المتنامية في قلب المجتمع البرجوازي تخلق في الوقت نفسه الشروط المادية لأجل حل هذا التناحر.

ففي عصرنا الحاضر تتعمق أكثر فأكثر سياسات الخصخصة التي تتبناها الدولة الغربية الرأسمالية وتخلق ظروفا موضوعية لتركيز رأس لمال في أيدي أفراد وعائلات لا تتعدى أصابع اليدين وهذا يؤدي إلى تعميق الفجوة والتفاوت الاجتماعي ويهدد وجود الطبقات الوسطى ويعمق فقر وتهميش الطبقة العاملة، والتي من منطلق جدلي ستقود النضال مستقبلا ضد هذا النمط الاقتصادي السياسي الرأسمالي القائم.

ولئن كان هناك ضرورة لتعريف عصرنا الامبريالي المعاصر تعريفًا غاية في الإيجاز، ينبغي أن يقال: الامبريالية هي الرأسمالية في مرحلة الاحتكار (لينين – كتاب الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية).

ولكن علينا أن نؤكد بأن كل تعريف بوجه عام طابعه نسبي وشرطي، ولا يمكن أن يشمل جميع وجوه التطور لأي ظاهرة اجتماعية اقتصادية، وهذا ينطبق على الرأسمالية.

ولكن هناك علامات أساسية لتطور الرأسمالية وانتقالها إلى مرحلتها الأخيرة أي الامبريالية، وهذه العلامات هي:

  • تمركز الإنتاج والرأسمال تمركزًا بلغ في تطوره حدًا من العلو أدى إلى نشوء الاحتكارات التي تلعب الدور الفاصل في الحياة الاقتصادية.
  • اندماج الرأسمال البنكي في الرأس مال الصناعي ونشوء الطغمة المالية على أساس "الرأسمال المالي" هذا.
  • تصدير الرأسمال، خلافًا لتصدير البضائع، يكتسب أهمية في منتهى الخطورة.
  • تشكيل انتماءات رأسماليين احتكارية عالمية تقسم العالم.

ولذلك نستطيع أن نقول بان الأساس العميق الاقتصادي للإمبريالية هو الاحتكار وهذا يؤدي إلى تراكم هائل للرأسمال النقدي في عدد قليل من دول العالم وهذا ما يحدث في عالمنا المعاصر، وتصدير رأس المال هو من أهم أسس الامبريالية الاقتصادية وعولمتها المتوحشة والطفيلية لأنها تعيش من استثمار عشرات الدول والتي تقع خارج دول المركز الامبريالي.

وفقط النظرية الماركسية هي النظرية المنسجمة والمنطقية والعلمية المادية ومضمونها الرئيسي يعرض ويبحث ويكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع القائم حاليًا أي المجتمع الرأسمالي. فدراسة عملية الإنتاج والبضاعة وإنتاج القيمة الزائدة وتراكم رأس المال وعلاقات الإنتاج من حيث نشوئها وتطورها وزوالها ذلك هو مضمون نظرية ومذهب وفلسفة ماركس الاقتصادية.

وهكذا انقسم عالمنا المعاصر إلى حفنة من الدول المرابية والى أكثرية هائلة من الدول المدينة والتي تعاني من البطالة والفقر والجوع والبؤس والأمراض والعنف.

وفي هذا الوضع كما قال لينين: "لا يمكن للتقاسم في ظل الرأسمالية ان يرتكز على أي أساس، على أي مبدأ، غير القوة".

لذلك تسعى الدول الامبريالية وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وحليفتها الاستراتيجية إسرائيل من فرض هيمنتهما على مناطق مختلفة من دول العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، وفرض الأمر الواقع منذ قيام دولة إسرائيل على الساحة الفلسطينية من الاحتلال والاستيطان وممارسة التطهير العرقي، وممارسة سياسات الحروب الاستباقية العدوانية الهمجية المتكررة من أجل فرض الأمر الواقع لصالح الهيمنة الامبريالية والمشروع العنصري الشوفيني الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط.

فالصهيونية كأيديولوجية هي من إفرازات وتقيحات الامبريالية العالمية.

والرأسمالية الاحتكارية تستخدم كل الوسائل من أجل إزاحة المنافس وهي لا تكتفي بالوسائل السياسية والحروب وحتى إلى الوسائل الإجرامية.

وهذا ما تمارسه إسرائيل ربيبة الامبريالية الأمريكية على أرض الواقع تجاه الشعب العربي الفلسطيني من خلال حرمانه من حق تقرير المصير وحل قضية اللاجئين لا بل والتنكر لكل قرارات هيئة الأمم المتحدة بخصوص القضية الفلسطينية.

لذلك علينا تشجيع ظاهرة النضال الاقتصادي المختلفة من أجل قيام نضال اقتصادي جماهيري عام سيجذب أكثر فأكثر فئات واسعة من الطبقة العاملة وشرائح المجتمع المختلفة. وكل تاريخ الحركات الثورية لم ينبثق إلا على أساس مثل هذه الحركات الاقتصادية الجماهيرية. لذلك ينبغي على الأحزاب اليسارية وخاصة الأحزاب الشيوعية أن تولي هذه الظاهرة، أي ظاهرة النضال الاقتصادي الجماهيري اهتمامًا جديًا للغاية، وأن تجمع دراسات اقتصادية اجتماعية حول تركز رأس المال ورأس المال الطفيلي ودراسات عن البورصة وهيمنة رجال رأس المال على رجال السياسة والدولة هنا وهناك وحول البطالة والفقر وحقوق المرأة وغيرها من المواضيع الاجتماعية والاقتصادية وطرحها على جدول أعمال الأحزاب اليسارية والشيوعية خاصة، والعمل على تعميم ونشر هذه الدراسات للجماهير الشعبية الواسعة وتركيز أكثر ما يمكن من القوى الحزبية على التحريض الاقتصادي والسياسي بين الجماهير.

فعلى الطبقة العاملة وأحزابها اليسارية وخاصة الشيوعية، معرفة عناصر النجاح في هذا النضال الثوري ألا وهو جمهور يقوده التنظيم وتقوده المعرفة. فالنضال من أجل مثل هذه السياسة الداخلية والخارجية هو جزء من النضال العام، من أجل تحرير الطبقة العاملة.

  •  
  • ماركس انجلز – بصدد الثورة الاشتراكية.
  • لينين – الامبريالية أعلى مراحل الرأسمالية.
أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب