news-details

المراقب: فشل في مكافحة غسل أموال الإجرام المنظّم| تقرير: هشام نفاع

هناك علامة سؤال كبيرة على مدى ملاحقة سلطات إنفاذ (تطبيق) القانون لعصابات الجريمة المنظّمة. ما يشهده مجتمعنا العربي دليل صارخ على هذا. المعطيات التي تثبت الأمر عديدة، منها على سبيل المثال لا غير، ما وثّقه بحث أجراه معهد الأبحاث في الكنيست في آذار 2018 لمعطيات من الشرطة نفسها، أفادت أنه في 70% من ملفات التحقيق التي بقيت مفتوحة في جرائم القتل في السنوات 2014- 2017، كان الضحايا عربًا.

خصّص مراقب الدولة، في الجزء الثاني من تقريره لهذا العام، فصلا بعنوان "مكافحة الجريمة بواسطة العقوبات الاقتصادية". وهو يفتتح كالتالي: في العقدين الأخيرين ازدادت القناعة لدى سلطات إنفاذ القانون في البلاد والعالم، بأن العقوبات والسجن والغرامات والقانون الجنائي هي أدوات غير كافية لمحاربة جميع أنواع الجريمة، وعلى وجه الخصوص ما يعرّف كـ "الجريمة الخطرة والمنظمة". وتمت على هذا الأساس بلورة خطة للإنفاذ القانوني الاقتصادي وهدفها الأساس نفي إمكانية الانتفاع المادي لدى المخالف حين يرتكب جريمته.

مراقب الدولة السابق القاضي المُتقاعِد يوسف شابيرا، كتب في تقرير بعنوان "تعامل شرطة إسرائيل مع حيازة الأسلحة غير القانونيّة وحوادث إطلاق النار في بلدات المجتمع العربيّ والبلدات المختلطة" (أواسط آب 2018) "إنّ نسبة السكّان العرب المتورّطين في جرائم العنف الجسديّ هي أكبر بضعفين من نسبتهم من مُجمل السكّان، ونسبة المتورّطين في جرائم القتل أعلى بضعفين ونصف ضعف. ظواهر إجراميّة أخرى تبرز في الوسط العربيّ هي الحيازة غير القانونيّة للأسلحة أيضاً، مثل: البنادق، المسدّسات، القنابل اليدويّة، قنابل الصوت والعبوّات الناسفة، وكثرة حوادث إطلاق النار والتخريب التي تهدّد حياة المواطنين". فوضى السلاح أدت مباشرة الى أنه بين عامي 2014 وَ 2016 كانت نسبة مخالفات إطلاق النار لدى المواطنين في المجتمع العربيّ أعلى بـ 18 مرة من نسبة المخالفات نفسها لدى المواطنين اليهود.

ومما استخلصه المراقب: الشرطة الإسرائيليّة أخفقت في معالجة آفة انتشار السلاح غير القانوني في المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل؛ جهاز الأمن العّام (الشاباك) والجيش الاسرائيلي لا يتعاونان ولا يُنسّقان مع الشرطة في هذه القضايا؛ الحدّ من الجريمة الخطيرة في المجتمع العربيّ يتطلب خطوات حكوميّة واسعة النطاق وفعّالة.

هناك تقرير جديد لمراقب الدولة يتناول مسألة شديدة الأهمية ترتبط مباشرة بالتقاعس السلطوي في محاربة الجريمة المنظمة، التي يُستخدم فيها السلاح لأغراض الترويع والابتزاز وفرض "الخاوة". هذه المسألة هي مكافحة غسل الأموال.

كانت الحكومة قررت منذ العام 2006 تشديد مكافحة الجريمة المنظمة بواسطة إقامة هيئة تضم أذرع قانونية عدة بينها الشرطة، النيابة، الوصي العام، سلطة الضرائب وسلطة منع غسل الأموال. وهذه تعني، بحسب تعريفها في المنظمة الدولية Financial action task FORCE  التي انضمت إسرائيل اليها في العام 2018: تمويه الممتلكات التي تم الحصول عليها واقتناءها نتيجة لممارسات إجرامية لتبدو ذات طابع قانوني لهدف منع تعقب مصادرها غير القانونية. وهي تؤكد أن محاربة غسل الأموال هي خطوة استراتيجية أساسية في محاربة الجريمة المنظمة.

يقول تقرير المراقب إن إحدى أهم الوسائل للمكافحة هي مصادرة الممتلكات التي بحوزة المجرم المُدان ونقلها الى ملكية الدولة بأمر قضائي. "هذا حمل رسالة معيارية مهمة أقوى أثرا من الرسالة التي يبثها الاجراء الجنائي بحد ذاته"، يقول. لكن، على أرض الواقع تستصعب سلطات إنفاذ القانون وضع اليد على ممتلكات مرتبطة مباشرةً بتنفيذ الجريمة، وذلك بسبب طرق غسل الأموال التي تزداد براعة بمرور الوقت. ومن أجل مواجهة هذه الصعوبة نص قانون منع غسل الأموال أنه يمكن مصادرة ممتلكات "معادِلة القيمة"؛ أي أنه لا حاجة لمصادرة ممتلكات مرتبطة مباشرة بتنفيذ الجريمة، وإنما ممتلكات أخرى بنفس قيمتها تكون بحوزة المجرمين.

يتضح من تحليل نشاطات العقوبات الاقتصادية التي تم في إطارها وضع اليد ومصادرة ممتلكات، أن معظم العمليات تمت في مجال مخالفات الضريبة، الاحتيال، الرشاوى وخيانة الأمانة. مثلا وفقا لمعطيات الشرطة، 96% من الحالات كانت مرتبطة بمنع غسل الأموال، 2% متعلقة بمكافحة المخدرات، 1% وفقا لأمر القانون الجنائي و1% فقط وفقا لقانون مكافحة منظمات الجريمة وقانون مكافحة الإرهاب. ولذلك فإن المراقب يعرض الفجوات والمعيقات التي ما تزال تصعّب تطبيقا أوسع لهذه الإجراءات في مجال مكافحة الجريمة المنظمة.

في العام 2006، تبنت الحكومة استخدام وسائل الملاحقة الاقتصادية وأٌقيم طاقم قيادي وظيفته تحديد سياسة مكافحة الجريمة المنظمة والخطرة ويترأسه المستشار القانوني للحكومة، وبين أعضائه عدد من رؤساء سلطات إنفاذ القانون ومكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. تقرير مراقب الدولة في العام نفسه 2016 أوصى بأن يعمل هذا الطاقم على إعطاء حلول بنظرة منظومتية عامة وليس كهيئة تعالج قضايا عينية محددة. ولكن، يقول، "وفقا لما تبين فهذا الطاقم لم يستوف قدرته الكاملة والكامنة في جَمع رؤساء جميع أذرع إنفاذ القانون معا، ولا ينجح في بلورة أولويات أبحاثه، واجتماعاته لا تتم بشكل منتظم وناجع، بل تحولت إلى لقاءات تطرح فيها معطيات في قضايا محددة وأحيانا بدون اتخاذ قرارات عملية وبدون تحديد الجهة التي يفترض أن تشرف على تطبيقها".

فرغم إقامة هذا الطاقم لا يتسنى، بسبب مشاركة عشرات المسؤولين في اجتماعاته، إجراء بحث معمق وناجع، يجزم المراقب. وهو يصف نوعًا من الاستهتار إذ يشير الى تغيّب مسؤولين كبار عن الاجتماعات والأبحاث على نحو دائم، مما يصعّب اتخاذ قرارات عملية، ويحول الأبحاث إلى مجرد استعراض معطيات ومحاضرات إثراء فقط بدون أي جانب تطبيقي.

عن المعيقات في مراحل التحقيق المختلفة جاء في التقرير أن تنجيع الإجراءات تطلب تغييرات بنيوية وإدخال تعديلات في قسم التحقيقات وقسم تطبيق الإجراءات الاقتصادية. هناك عدة "خلايا" مسؤولة عن مجالات مختلفة وطواقم في مختلف الألوية وطاقم فيما يسمى "حرس الحدود" وآخر في وحدة مكافحة الجريمة 433. مجمل هذه الأذرع مسؤولة عن العثور على ملفات غسل أموال وتحديد أهداف للملاحقة والتحقيق والمباشرة بتحقيقيات وتركيزها. الأمر نفسه ينطبق على النيابة العامة التي وضعت أمامها هدفا مركزيا لزيادة نسبة مصادرة أموال الضالعين في الجريمة والمخالفات. وقد أجرت عدة تغييرات بنيوية وتنظيمية. وتم تعيين موظفي نيابة مسؤولين مباشرة عن هذا الجانب ليعملوا مباشرة ويرافقوا طواقم تحقيق وتوفير المشورة القانونية الضرورية لهم.

ولكن هناك إشكاليات في الانتقال من مرحلة التحقيق إلى مرحلة تقديم الدعاوى ولوائح الاتهام. وبكلمات التقرير: "هناك عنق زجاجة بين انتقال الملفات من الوحدات المتخصصة بالتحقيق إلى الجهات التي تعالج الدعاوى المختلفة. كذلك فإن تحديد الأهداف لوحدات التحقيق لا يأخذ بالاعتبار قلة الموارد ومحدوديتها بشأن مواصلة سلسلة إنفاذ القانون، مما يخلق فجوة جدية بين زيادة عدد ملفات التحقيق التي يتم فتحها في الشرطة والسلطات الأخرى المتعلقة بالتحقيق، وبين مصادرة ممتلكات وقدرة جهات الادعاء على معالجة تلك الملفات وتطبيق المصادرات".

لقد تبين خلال فحص إضافي في كانون الأول 2019 أن حجم الممتلكات المصادرة تراجع من 1,3 مليار شيكل إلى 800 مليون شيكل. ويتضح أن السبب في التراجع هو قيام النائب العام بتحديد سياسة مفادها اتخاذ قرارات وإنهاء ملفات بشكل أسرع مما أدى إلى إغلاق العديد من الملفات. كذلك يتضح أن بعض المعطيات من شهر حزيران 2019 لم تكن دقيقة. وهناك فجوة ما بين الأموال المقدرة للمصادرة في بداية الإجراء وبين ما يتبقى منها فعلا مع استكمال بناء الملفات.

لم يتم التغلب في العام الماضي 2019 على اكتظاظ الملفات ففي شهر حزيران بقيت 326 ملفا مفتوحا و13 ملفا تم إغلاقها لعدم توفر الأدلة وتم تقديم 14 لائحة اتهام فقط. وغياب المعالجة يؤدي إلى أضرار فادحة بقدرة الردع لدى هيئات إنفاذ القانون وهذا بالإضافة الى المساس القاسي جدا بالميزانية العامة. هذا ينجم عنه فرار مجرمين ومخالفين في مجالات الحسابات الوهمية التي تضم مئات ملايين الشواكل حيث يتملصون من الوقوف أمام المحكمة. يجب ربط هذه النقطة مع حقيقة أن منظمات الإجرام لا يطالها سوى 1% من هذه العقوبات الاقتصادية. هذا سبب آخر يجب أن يقلق كل مجتمعنا العربي بشأن أداء السلطة المتقاعس عمومًا ضد الجريمة، والمضاف إليه تقاعس بدوافع عنصرية أيضًا في سياقنا.

(نُشرت بصيغة أوسع في "المشهد الإسرائيلي"، مركز "مدار")

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب