عام على قانون القومية: الموقف من الغاء القانون بوصلة المرحلة القادمة ام مرّ على قانون القومية المشؤوم، عام حافل بالأحداث المتسارعة التي تكاد أن تحجب الأنظار عن هذا القانون وتجعله أمرا واقعا مثله مثل الكثير من القرارات السياسية والسياسات الظالمة. من ضمن أكثر ردود الفعل شيوعا شعبيا قبل عام على القانون كانت: هذا قانون اضافي يضاف الى سجل القوانين العنصرية المتنكرة لحقوقنا في هذه الدولة، وليكن. هذا التعاطي مع القانون عبر في حينه عن حالة من الإحباط شعرت به جماهيرنا العربية ازاء واقع تتفاقم فيه العنصرية في المجتمع الإسرائيلي اليهودي تغذيها وتتفاعل معها عملية تحريض مستمرة ومتصاعدة من حكومة يمينية متطرفة. للأسف القانون لم يكن وهو ليس قانونا آخر يضاف الى السجل وانما هو تعبير عن تغيير عميق في بنية دولة إسرائيل ومنعطف حاد يريد اليمين الإسرائيلي الفاشي تنفيذه بتسارع للتأسيس لوعي جديد في الرأي العام الإسرائيلي، يكون من المستحيل لأية حكومة قادمة تغييره مهما تبنت من مواقف "يسارية" أو وسطية تغييره. هذا القانون الذي يمأسس لفوقية عرقية يهودية في الدولة (وهي مع حدود مفتوحة لتشمل المناطق الفلسطينية المحتلة في 67) ويمحو وجود الآخر (في هذه الحالة نحن الفلسطينيين) وحقه ليس فقط الوطني او القومي وإنما الانساني والمدني، هو قانون أطلق بشكل علني مارد العنصرية والسياسات الاحتلالية الأحلالية وشرعن للعديد من الممارسات، ليس فقط على المستوى الشعبي وانما على صعيد الممارسات الرسمية والقضائية وعزز تذويت فكرة التفوق العرقي لدى قطاعات واسعة في المجتمع اليهودي. لم يكن قانون القومية ليُحدث هذا الأثر الواسع لولا أمرين هامين الأول انه ليس الطلقة الاولى في الحرب التي يشنها اليمين العنصري علينا كأقلية قومية وشعب فلسطيني بالمجمل، وإنما هو تتويج لمرحلة سنوات من التحريض ونشر لفكر يمهد ويحضر الأرضية للقانون. وثانيا كونه يأتي ضمن رزمة متكاملة من القوانين العنصرية ( قانون لجان القبول، قانون المؤذن، قانون كمنيتس، قانون الجمعيات، الافضلية للجنود المسرحين، قانون العلم وغيرهم) التي تضرب في صميم أشلاء الدمقراطية وفكرتها حتى لو كانت وهمية في الخطاب العام السياسي السائد في البلاد وتشرعن الضم والاستيطان والاستيلاء على الارض. على هذه الخلفية تم سن القانون وبهذه الأجواء يتم التعاطي معه رسميا وشعبيا منذ عام. كما أن التراجع الحاصل في النقاش والنضال ضد القانون بفعل التطورات السياسية المتفاقمة يوما بعد يوم، لا تعني بأي شكل من الأشكال أن روح هذا القانون قد خفتت أو أن استعماله قاعدةً مستقبلية قد خفت، بل على العكس تماما. العفولة مثلا مظاهر العنصرية كانت واضحة منذ سنوات في مدينة العفولة بوتيرة متفاوتة ولكن في السنتين الاخيرتين كان لهذه المدينة أن تتصدر الانباء في ثلاث حالات واضحة: الاولى حين تظاهر أهل المدينة أكثر من مرة رافضين فوز مجموعة من السكان العرب في مناقصات قسائم أرض وبناء بيوتهم في العفولة؟ هذه التظاهرات كان هدفها واضحا: لا مكان للعرب في العفولة وللأسف نجح العنصريون في هذه المعركة. المرة الثانية كانت عندما أدى رئيس البلدية الجديد المنتخب ومجلسه البلدي قسَم اليمين في بداية دورتهم مضيفين اليه بشكل استثنائي بأن يحافظوا على العفولة مدينة يهودية. كل محاولاتنا كأعضاء كنيست لإلزام وزير الداخلية بإلغاء هذا القسم ومنع تكراره باءت بالفشل إذ أصر المستشار القضائي للوزارة بأن ما قام به المجلس البلدي غير مخالف للقانون. عمليا بهذه الحادثة تعاطى المجلس البلدي في العفولة مع قانون القومية أرضا خصبة ليمينهم العنصري ومظلة قانونية تشرعن قانونيا وقيميا فعلتهم العنصرية. والحالة الثالثة، عندما قامت بلدية العفولة بمنع العرب من دخول المتنزهات العامة في المدينة وهنا التوجه للقضاء عاد بالفائدة، اذ الزمتهم المحكمة بالغاء قرارهم بناء على قانون المتنزهات والموارد العامة والذي يلزم باتاحتها بشكل متساو لجميع مواطني الدولة. وهنا لا نستغرب اذا ما كانت هناك مبادرات مستقبلية لطرح تعديلات على قانون المتنزهات العامة تتيح وتشرعن التمييز العنصري بشكل أو بآخر. وادي الحمص مثلا جريمة الهدم البشعة الوحشية البهيميّة التي قامت بها قوات الاحتلال لعشرات المنازل في وادي الحمص في القدس، والجريمة الأخرى التي تحضر لها في سلوان دليل على أن التعامل مع مدينة القدس الواقعة تحت الاحتلال يسير بتسارع غير مسبوق وفظ نحو فرض واقع جديد فيه القدس بحسب قانون القومية وصك الاعتراف الأمريكي، سوف تبقى تحت السيادة الإسرائيلية في اية صفقة سياسية مستقبلية، وبالأساس من خلال عملية تطهير عرقي وتهويد لا تراعي فيها حكومة الاحتلال أي من المواثيق أو القرارات الدولية. العراقيب وأم الحيران والهدم مثلا بحسب البند السابع من قانون القومية تصبح عملية بناء وتطوير التجمعات السكنية اليهودية قيمة قومية عليا، الأمر الذي بات واضخا في تأثيره على سياسات الهدم والتشريد والتهويد لكل بقعة في هذا الوطن الممتد من البحر الى النهر، ويشرعن لهذه السياسات بحيث تشمل سلب ما تبقى من احتياطي أرض لتوسيع مسطحات القرى والمدن العربية ولمنع امتدادها الطبيعي الجغرافي. هذا البند من القانون يغلّب المصلحة القومية والتفوق العرقي اليهودي في سياسات البناء على أي حق مدني انساني مكتسب بفعل المواطنة والانتماء للوطن للجماهير العربية الفلسطينية. ساحات القضاء مثلا أخيرا وليس آخرًا قامت المحاكم الإسرائيلية خلال العام الماضي باستعمال وذكر قانون القومية تسع مرات في قرارات صادرة عنها، في اربعة من هذه الاحكام كان القاضي هو بعينه القاضي موشيه دروري المعروف بمواقفه اليمينية المتطرفة حيث استعمل القانون بمفهومه العرقي العنصري لاستصدار احكام تفرض عقوبات وغرامات مالية على السلطة الوطنية الفلسطينية، تحت غطاء اضرار لحقت بمواطنين ومستوطنين يهود جراء عمليات مقاومة للاحتلال، ونفت الحق من خلال تفسيراته القانون عن مواطنين عرب، من خلال استعمال البند الذي يمنح إسرائيل الحق في الدفاع عن اليهود الذين يتعرضون للضرر بسبب مواطنتهم الإسرائيلية أو انتمائهم لليهودية. وورد ذكر القانون والاستناد اليه في قرارين للمحكمة المركزية وثلاثة في العليا. ومن الجدير ذكره انه بالمقابل لم تحدد المحكمة العليا حتى الان موعدا للنظر في خمس عشرة قضية ضد القانون وتطالب بالغائه تم تقديمها من مجموعات ومراكز حقوقية. هذه كانت محصلة تطبيق واستعمال تفسيرات القانون في السنة الاولى فقط لاقراره مما يؤكد وبحسب المناخ العنصري السائد في البلاد، وما تم من تغييرات في الجهاز القضائي وما هو مخطط له من تغييرات اضافية بحسب مشاريع حكومة اليمين، أن تسارعا أخر في استعمال القانون كغطاء لقرارات عنصرية، سوف يشهد تسارعا في السنوات المقبلة اذا لم يتم فعلا احداث تغيير في الخارطة السياسية والبرلمانية تحديدا. قانون القومية كما هو، مأسسة رسمية لنظام فصل وتمييز عرقي، وشرعنة لجرائم فعلية تمارسها حكومة اليمين الفاشي بأذرعها المختلفة. وأي مطلب مائع ومهادن لأجراء تعديلات عليه هو لعب في مربع العنصرية والعنصريين. الغاء القانون وابطاله هو المطلب الأساس لمعركة وجودية للجماهير العربية الفلسطينية المواطنين في إسرائيل وللشعب الفلسطيني برمته ولكن ليس فقط. وانما هو معركة حقيقية للقوى اليهودية الدمقراطية في إسرائيل، معركة على وجه ووجهة هذه الدولة، وهو الحد الفاصل في فرز الخارطة السياسية في هذه البلاد. لن يكون أي من المهادنة في معركة ابطال هذا القانون، لا على المستوى البرلماني ولا الشعبي، الموقف من هذا المطلب يجب أن يكون البوصلة في المرحلة الاوولى القريبة، الانتخابات القادمة للكنيست.