news-details

انتخابات آذار أضعفت الكتل الصغيرة: تزايد قوة القائمة المشتركة عمّق الأزمة

جاءت نتائج انتخابات آذار الجاري، البرلمانية الإسرائيلية، وهي الثالثة خلال 11 شهرا، وفق التوقعات، بأن تبقي على أزمة الحكم، وعدم حصول أي فريق على الأغلبية الحاسمة، 61 نائبا من أصل 120 نائبا. وتدل النتائج على أن حزب "الليكود" من جهة، وتحالف "أزرق أبيض" من جهة أخرى، زادا قوتيهما على حساب الشركاء الأكبر لكل واحد منهما.

إلا أن الليكود زاد قوته بأربعة مقاعد، مستفيدا بتحويل عشرات آلاف الأصوات له من حركة "عوتسما يهوديت" (قوة يهودية) المتطرفة، في حين حافظ تحالف "أزرق أبيض" على قوته البرلمانية. أما القائمة المشتركة، فقد زادت قوتها بمقعدين، وبـ 110 آلاف صوت جديد لها. وقد قلص العرب الفجوة في التصويت مع اليهود، إلى أدنى نسبة منذ أكثر من عقدين. 

وقد غاب عن الحملة الانتخابية الثالثة، التي جرت في غضون 11 شهرا، الجدل السياسي الجوهري، ورأينا أنه بالذات في الحملة الأخيرة، ما كان بالإمكان تمييز تحالف "أزرق أبيض" عن الليكود واليمين الاستيطاني في الموقف من القضية الفلسطينية، بعد تبني هذا التحالف كليا، لما تسمى "صفقة القرن"، التي صاغها ممثلو اليمين الاستيطاني الصهيوني في البيت الأبيض، بشراكة تامة مع بنيامين نتنياهو ومبعوثيه.

وذوبان الجدل السياسي، خاصة لدى من يزعم أنه ليس في تيار اليمين الاستيطاني، أو حتى من ينسب لنفسه صفة ما تسمى "اليسارية الصهيونية"، وجّه ضربة للقوة السياسية والعدد الكلي للأصوات، لتحالف "أزرق أبيض" رغم احتفاظه بعدد مقاعده البرلمانية، ولتحالف "العمل- غيشر- ميرتس"، الذي خسر 4 مقاعد برلمانية من قوته الاجمالية في أيلول، بادعاء أن التحالفين معسكر واحد، وقد خسرا سوية 69 ألف صوت؛ وثلث هذه الأصوات إن لم يكن أكثر، كانت في الشارع العربي، واتجهت إلى القائمة المشتركة. 

وجاءت النتائج، من باب التوثيق، بحصول الليكود على 36 مقعدا، مضيفا له 4 مقاعد، مقارنة بأيلول، وزاد عدد الأصوات بقرابة 238 ألف صوت. في حين حافظ تحالف "أزرق أبيض" على مقاعده الـ 33، ولكنه حصل على قرابة 60 ألف صوت إضافي. 

أما القائمة المشتركة فقد زادت قوتها بمقعدين وحصلت على 15 مقعدا، مقابل 13 مقعدا في أيلول، و10 نواب في نيسان 2019، للقائمتين اللتين اعادتا تشكيل "المشتركة"، قبل انتخابات أيلول. وقد أضافت المشتركة لقوتها 110 آلاف صوت، غالبيتها من رفع نسبة التصويت بين العرب، وهذا ما سنأتي عليه. 

كما حافظت كتلتا المتدينين المتزمتين "الحريديم"، "شاس" للشرقيين، و"يهدوت هتوراة" للأشكناز، على قوتيهما، 9 مقاعد للأولى و7 مقاعد للثانية. وتلقى تحالف حزبي "العمل" و"ميرتس"، ومعهما حزب "غيشر" حديث العهد، ضربة قاصمة، إذ انهار تمثيلهما المشترك من 11 نائبا في أيلول، إلى 7 نواب، ثلاثة لحزب "العمل"، مؤسس إسرائيل، ومثلها لحركة ميرتس، والمقعد السابع للنائبة أورلي ليفي أبوقسيس.

وعلى الرغم من أن حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان خسر 50 ألف صوت، إلا أنه لم يفقد من قوته البرلمانية سوى مقعد واحد، وبات مع 7 مقاعد، وهو الذي بقدرته أن يحسم لصالح حكم الليكود.

وتلقى تحالف أحزاب التيار الديني الصهيوني، وبتعريف أدق، تحالف أحزاب المستوطنين، والمسمى "يمينا"، ضربة أخرى، سددها له الليكود، بتراجعه بـ 20 ألف صوت، وبمقعد برلماني، وبات تمثيله 6 مقاعد، بدلا من 7 في أيلول.


 

مصادر ومدلولات ارتفاع قوة الليكود

 

حقق حزب الليكود زيادة 4 مقاعد، مقارنة مع انتخابات أيلول 2019، ومقعد واحد إضافي مقارنة بانتخابات نيسان 2019، إلا أن انتخابات نيسان لا تشكل مقياسا للقوة، لأن كل القوائم التي دخلت إلى الكنيست، استفادت في ارتفاع قوتها، من حرق 9% من الأصوات، ذهبت لأحزاب لم تعبر نسبة الحسم، 7% منها لليمين الاستيطاني.

وفي الأرقام، فإن الليكود زاد قوته في انتخابات آذار الأخيرة، بنحو 238 ألف صوت، ولكن هذا لم يأت على حساب القائمة المنافسة، تحالف "أزرق أبيض"، التي زادت بحوالي 60 ألف صوت. كما أن زيادة الليكود، لم يكن في خلفيتها ارتفاع كبير في نسبة التصويت بين اليهود، لأنها ارتفعت بشكل طفيف، بنحو 0,4% عن انتخابات أيلول، وهذا حوالي 22 ألف صوت، ومع الزيادة الطبيعية قرابة 50 ألف صوت جديد اجمالي، توزعت على مختلف الأحزاب. 

ولهذا فإن زيادة الليكود، جاءت بالأساس من داخل قطاعات اليمين الاستيطاني. ومن أجل معرفة مصدر هذه الزيادة، أجرينا مقارنات مع نتائج جولتي الانتخابات الأخيرة والسابقة.

ووجدنا أن الجانب الأبرز في زيادة الليكود، نجده في تراجع قوة قائمة "عوتسما يهوديت" (قوة يهودية)، المنبثقة عن حركة "كاخ" الإرهابية المحظورة قانونيا في إسرائيل ودول أخرى، بنحو 64 ألف صوت، من 83609 أصوات في أيلول 2019، إلى 19363 صوتا في الانتخابات الأخيرة. 

وهذا انهيار يحصل في غضون أقل من 6 أشهر، وهو ليس انهيارا طبيعيا، خاصة وأن الجمهور الذي يصوّت لهذه القائمة، هو الأكثر تشددا وتطرفا في اليمين الاستيطاني، ومن صفوفه تخرج عصابات إرهابية دموية ترتكب جرائم ضد الفلسطينيين.

وحسب التقديرات فإن القوة الحقيقية لهذه الحركة تتراوح ما بين 70 ألف إلى 80 ألف صوت وأكثر. وهذا ما رأيناه حينما حصلت هذه القائمة في انتخابات العام 2013 على ما يقارب 67 ألف صوت، بينما في انتخابات 2015، تحالفت هذه القائمة مع المنشق عن حركة "شاس"، الوزير الأسبق إيلي يشاي، وحصلت القائمة أكثر بقليل من 125 ألف صوت، وأثبت التدقيق في تلك النتائج، أن مساهمة إيلي يشاي لم تتجاوز 50 ألف صوت، جاءت على حساب حركة "شاس"، للمتدينين المتزمتين "الحريديم" لليهود الشرقيين.

وفحصنا عينات لنتائج تصويت "عوتسما يهوديت" في الانتخابات الأخيرة، وقارناها بانتخابات أيلول من العام الماضي، منها مستوطنات صغيرة نسبيا، تعكس نمط تصويت هذا الجمهور المتطرف، وأيضا في مدينة القدس، وكانت المعادلة واضحة، فحيث تراجعت هذه القائمة، كان الارتفاع كبيرا لصالح الليكود. 

وهذا استنتاج كان بارزا جدا في القدس، إذ انهارت قوة "عوتسما يهوديت"، من 8794 صوتا في انتخابات أيلول، إلى 1784 صوتا في انتخابات آذار الأخيرة. وفي المقابل، ارتفعت قوة الليكود في المدينة، من 59798 صوتا في أيلول الماضي، إلى 72601 أصوات. وأمام مشهد كهذا، لا يوجد ما يثبت حتى الآن، على انهيار مفتعل لصالح الليكود، ولكن لهذا الأمر مؤشرات عديدة، بمعنى أن ناشطي الحركة وجهوا جمهورهم للتصويت لصالح الليكود، وقد نعرف ثمن صفقة افتراضية كهذه لاحقا. خاصة وأنه حتى مساء اليوم الأخير قبل الانتخابات، استمرت محاولات الليكود لإبرام صفقة بينه وبين "عوتسما يهوديت"، لجعل القائمة تعلن انسحابها من الانتخابات، حتى جاء بيان رئيسها إيتمار بن غفير، رافضا للانسحاب. 

إلا أن عدم المنطقية في هذا الانهيار، يعزز فرضية "الصفقة السرية"، ولكن هذا سيسدد ضربة قاصمة لهذه الحركة في السنوات القليلة المقبلة، لأنه بحصيلتها الأخيرة، لن تجد من يقبل بالتحالف معها مستقبلا، خاصة وأن تحالف "يمينا" رفض التحالف معها، على خلفية شراسة تطرف هذه الحركة، حتى تجاه جهات في التيار الديني الصهيوني.

المصدر الآخر لقوة الليكود، كان من حزب "يسرائيل بيتينو" بزعامة أفيغدور ليبرمان، الذي خسر قرابة 47 ألف صوت، ولكن هذه الكمية أدت إلى فقدانه مقعدا واحدا، وهذه الأصوات صبّت لصالح الليكود، من الجمهور اليميني الاستيطاني العلماني، المتشدد بسياسته، ولكن في ذات الوقت متشدد بعلمانيته، إلا أنه في الانتخابات الأخيرة، قرر حسم صوته لصالح الموقف السياسي وليس العلماني، وهذا سيناريو كان متوقعا أن يكون في يوم انتخابات أيلول، ولكنه لم يحصل، وتحقق جزئيا في الانتخابات الأخيرة.

ومصدر ثالث بارز لزيادة قوة الليكود، كان من تحالف "يمينا"، الذي خسر 20 ألف صوت، وإذا حسبنا الزيادة الطبيعية للتيار الديني الصهيوني، فإنه خسر حوالي 24 ألف صوت، وفقد مقعدا واحدا، وباتت له 6 مقاعد، مع فائض أصوات خدمت حليفه الليكود باستكمال مقعده الـ 36، بسبب اتفاقية فائض الأصوات بينهما.

وهذه الضربة الثانية وحتى الثالثة لهذا التحالف في الجولات الانتخابية الثلاث، ستعمق الأزمة أكثر داخل التيار الديني الصهيوني، إذ أن هذا التحالف حقق في انتخابات 2013 ذروة في تمثيله، وحصل على 12 مقعدا، وخسر 4 مقاعد منهم في الانتخابات التي جرت بعد عامين في العام 2015. ومن المفارقة أن المنافس الأساسي لهذا التحالف، هو حزب الليكود، على الرغم من الشراكة السياسية العميقة بينهما. 

وتدل النتيجة، على مدى تغلغل حزب الليكود في التيار الديني الصهيوني، وبين المستوطنين، ففي قائمة الليكود الأخيرة، يوجد 9 نواب من أصل 36 نائبا من التيار الديني الصهيوني. ولكن من ناحية أخرى، فإن هذا التيار المسيطر على الأجواء السياسية المتطرفة في مستوطنات الضفة، ويتمدد أكثر من أي شريحة أخرى في مؤسسات الحكم السياسية والعسكرية، ويتولى ممثلوه مسؤوليات كبرى، يواجه في ذات الوقت صراعا داخليا، في مستويات التطرف، من ناحية، وابتعاد جمهور المحافظين غير المتدينين كليا، الذي كان يصوت لأحزاب هذا التيار، من جهة أخرى. 

 

قوة "أزرق أبيض" و"العمل" و"ميرتس"

 

مما لا شك فيه، أنه كانت أصوات حصل عليها الليكود من تحالف "أزرق أبيض"، ولكن هذا التحالف زاد هو أيضا قوته على حساب قائمة "العمل- غيشر- ميرتس". ففي الاحصائيات المجردة، زادت قوة تحالف "أزرق أبيض بـ 69 ألف صوت، ولكنه بقي عند قوته البرلمانية 33 مقعدا، بفعل ارتفاع عدد الأصوات المطلوبة للمقعد الواحد، بنحو 1950 صوتا، في الانتخابات الأخيرة، وحصة جدية من هذه الزيادة تعود لارتفاع نسبة التصويت بين العرب، وحصة مماثلة، ناجمة عن تقليص عدد الأصوات "المحروقة"، التي اتجهت لقوائم لم تعبر نسبة الحسم، من 366 ألفا في نيسان 2019، إلى قرابة 118 ألفا في أيلول 2019، إلى 37 ألفا في انتخابات آذار، ويضاف إلى هذا، الزيادة الطبيعية، بما يقارب 1% منذ انتخابات أيلول.

ما يعني أنه على الصعيد الجماهيري، فإن تحالف "أزرق أبيض" لم يتراجع، وقوته في انتخابات آذار الأخيرة، أعلى بـ 80 ألف صوت من انتخابات نيسان 2019، وهذه زيادة أعلى بما لا يقاس من نسبة التكاثر الطبيعي لقوته في نيسان. علما أن نسبة التصويت بين اليهود حافظت على نفسها تقريبا في جولات الانتخابات الثلاث الأخيرة، بينما العرب كانوا في ارتفاع مستمر.

الضربة القاصمة تلتقها القائمة التحالفية لأحزاب "العمل- غيشر- ميرتس"، بخسارتها ما يقارب 138 ألف صوت، وفقدان 4 مقاعد من قوتها الاجمالية في انتخابات أيلول 2019، قبل التحالف الأخير. من بين هذه الخسارة، 14 ألف صوت، على الأقل، كانت في الشارع العربي، ولكن هذا يحتاج لفحص أدق، ستعلن نتائجه لاحقا. 

وبالإمكان التقدير، أن الكم الأكبر من هذه الأصوات التي خسرتها القائمة اتجهت إلى "أزرق أبيض"، الذي عوّض نفسه منها، بأصوات قد تكون انتقلت منه إلى حزب الليكود. كما أن "القائمة المشتركة" كان لها بضعة آلاف من الأصوات في الشارع اليهودي، قد تكون صوتت في الانتخابات السابقة لحزب "ميرتس" في الانتخابات السابقة، ورفضت التحالف مع حزب "العمل".

وجاءت هذه الأصوات زيادة على ما حققته القائمة المشتركة في انتخابات أيلول، إذ أن كل المؤشرات تدل على أن "القائمة المشتركة" ضاعفت قوتها في الشارع اليهودي، والحديث يجري عن قوة اجمالية تتراوح بما بين 15 ألفا إلى 20 ألف صوت، ولكن هذه أيضا تبقى تقديرات أقرب إلى الواقع، وبحاجة لفحص أدق لاحقا. وفي كل الأحوال، في ظروف الشارع الإسرائيلي، تبقى هذه قوة جدية، لمستها وسائل الإعلام الإسرائيلية، وأبرزتها في تقاريرها.

 

"القائمة المشتركة" وأصوات العرب

 

للانتخابات الثانية على التوالي، سجّلت نسبة التصويت بين العرب قفزة كبيرة جدا، من 50% في نيسان 2019، إلى 60,5% في أيلول 2019، إلى 66,5%، في آذار 2020، بعد آخر فحص أجريناه بعد اعلان النتائج النهائية، بعد 4 أيام من الانتخابات، وهناك احتمال لزيادة طفيفة أخرى في نسبة تصويت العرب، بعد فحص آخر سنعمل عليه، بعد صدور كافة المستندات النهائية للتصويت في التجمعات السكانية كلها. 

وهذا يعني أن العرب قلصوا الفجوة في نسبة التصويت، من 22% في نيسان 2019، إلى 11% في أيلول 2019، إلى حوالي 6% في آذار 2020، إذ أن نسبة تصويت اليهود تراوحت في جولات الانتخابات الثلاثة من 72% إلى 72,5%، وكما يبدو هذا سقف التصويت في السنوات الأخيرة. وهذه الفجوة الأخيرة 6% لصالح اليهود، تعيد حجم فجوة المشاركة في التصويت، إلى ما كانت عليه حتى العام 1999. 

والارتفاع الحاد بما يقارب 17% في نسبة التصويت، في غضون 11 شهرا، انعكست على قوة المشتركة، من 10 مقاعد للكتلتين في نيسان 2019، اللتان اعادتا بناء المشتركة في أيلول 2019 وحصلت القائمة على 13 مقعدا، ثم 15 مقعدا في آذار 2020، ومع فائض أصوات يوازي ثلث مقعد.

وعدا ارتفاع نسبة التصويت بين العرب، فقد تمت محاصرة الأحزاب الصهيونية أكثر في الشارع العربي، ففي حين حصلت تلك الأحزاب على أكثر من 135 ألف صوت في نيسان 2019، وتراجعت إلى أكثر من 110 آلاف في أيلول 2019، فإن التقدير الأولي أنها حصلت على قرابة 90 ألف صوت في انتخابات آذار.

وقد ساعدت الأجواء الإيجابية التي سادت الشارع العربي، وبغياب قائمة أخرى، تمثل القوى الوطنية بين العرب، على تحقيق هذه الزيادة الكبيرة، فقوة القائمة المشتركة قفزت من 337 ألف صوت للقائمتين في نيسان 2019، إلى 470 ألف صوت في أيلول 2019، إلى 580 ألف صوت في آذار 2020.  


 

 (ملحق "المشهد الإسرائيلي"- مركز "مدار" الفلسطيني)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب