news-details

بايدن لن يغير شيئًا في الدعم الأمريكي الكامل لاسرائيل، الأنظار تتجه نحو الجناح اليساري في الحزب الديمقراطي

سمية عوض وهداس ثيير


تقديم
سمية عوض كاتبة ومحللة فلسطينية مقيمة في مدينة نيويورك. ترتكز كتاباتها على القضية الفلسطينية، ومناهضة الإمبريالية، والاسلاموفوبيا، وقضايا الهجرة، وهي أحد مؤسسي مشروع "Against Canary Mission Project"، الذي يساعد في الدفاع عن الطلاب الناشطين المستهدفين بالقوائم السوداء بسبب مناصرتهم لحقوق الفلسطينيين. وهداس ثيير هي ناشطة اشتراكية مقيمة في نيويورك، ومؤلفة كتاب "دليل الشعب للرأسمالية: مقدمة للاقتصاد الماركسي". وقد كتبتا مقالًا في مجلة "جاكوبين" اليسارية الأمريكية، عن دعم جو بايدن العميق لاسرائيل وعدم امكانية حدوث تغيير في ظل رئاسته للدعم الأمريكي الكامل لجرائم الاحتلال، وعن صعود الجناح اليساري المناصر لفلسطين والنقدي تجاه العلاقات الدعم الامبريالي الأمريكي للمشروع الصهيوني داخل الحزب الديموقراطي وانهيار الإجماع المؤيد لإسرائيل. نترجمه لصحيفة الاتحاد بالتنسيق مع الكاتبتين:

 

**
بينما يتنفس العالم الصعداء لهزيمة دونالد ترامب ويسخر من محاولاته للتمسك بالسلطة، علينا الآن أن نعد أنفسنا للـ"عودة للحياة الطبيعية" التي وعدنا بها جو بايدن. بايدن الـ"صقر" الذي له تاريخ طويل باعتباره "الصديق المقرب" لإسرائيل طوال حياته السياسية، سوف يشغل المكتب الرئاسي في البيت الأبيض في يناير.

الصهيوني اليميني، زيف شافيتس، استعاد مؤخرًا لقاء السيناتور بايدن في إسرائيل قبل عدة عقود، الذي كان قد دمعت عيناه وهو يتحدث عن حبه لإسرائيل. يقول شافيتس في تقريره: "يحتفظ بايدن بعاطفة تجاه إسرائيل، لكنه لم يعد مبتدئًا. بالمقارنة مع جورج بوش أو باراك أوباما أو دونالد ترامب، بايدن رجل خبير في الشرق الأوسط، وديمقراطي لكنه ليس "مثاليًا". وبالرغم من الحديث الكثير عن التقارب بين رئيس الحكومة الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب، فمن المرجح أن يختلف بايدن عن ترامب في النبرة أكثر من الجوهر".

يُطمئن شافيتس القراء بأن الرئيس بايدن لن يفعل الكثير على الأرجح "يتجاوز إعادة الولايات المتحدة المساعدات المالية لرام الله، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن وربما إعادة افتتاح الولايات المتحدة لقنصليتها في القدس الشرقية. وفي ظلّ غياب ضغوط حقيقية (من النوع الذي لم يمارسه حتى أوباما)، فإن إسرائيل لن تقدّم تنازلات تتجاوز خطة ترامب".

خلال فترة ولايته في واشنطن، اتّخذ ترامب إجراءات غير مسبوقة لدعم العناصر الأكثر يمينية في إسرائيل. نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس، وأوقف جميع المساعدات الأمريكية للفلسطينيين، وأغلق البعثة الدبلوماسية للفلسطينيين في واشنطن وانسحب من الاتفاق النووي الإيراني، ووقع (تحت ستار محاربة معاداة السامية) أمرًا تنفيذيًا يمنح الحكومة الفيدرالية السلطة لحجب التمويل عن المؤسسات التعليمية التي لا تضيق الخناق على النشاط الفلسطيني.

ومع ذلك، دعم اللوبي المؤيد لإسرائيل بغالبيته جو بايدن - ولسبب وجيه. كما أوضح روس باركان: "إذا كان بايدن قد مال إلى اليسار في سياسات محلية معينة، بما في ذلك احتمال تبني المزيد من الإنفاق الحكومي، فإنه لم يمل الى للتقدميين في قضايا الشرق الأوسط. بالنسبة للصقور في إسرائيل، فإن رئاسته لن تمثل خروجًا واضحًا عن نهج إدارة ترامب التحريضي".


بايدن المؤيد لإسرائيل بشكل "لا يتزعزع"

سجلّ بايدن المؤيد لإسرائيل راسخ مثل أي سجل في التيار الرئيسي للحزب الديمقراطي، وعلاقاته بجماعات الضغط الإسرائيلية قديمة بذات القدر. وقد أكد لصانعي السياسة الإسرائيليين أنه لن يوجه انتقادات علنية لأفعالهم، ودعم عمليات القتل خارج نطاق القانون من قبل الدولة الإسرائيلية، وتفاخر بصداقته طويلة الأمد مع بنيامين نتنياهو.

إن السجل الـ"صقري" لإدارة أوباما وبايدن تجاه إسرائيل معروف جيدًا. في نهاية الأمر، كان باراك أوباما هو الذي ضاعف من دعم حزبه لإسرائيل خلال ثلاث حروب كبرى على غزّة في 2009 و2012 و2014. واستمرت آخر هذه الحروب، وهي عملية الـ"جرف الصامد"، لمدة خمسين يومًا وأسفرت عن مقتل أكثر من ألفي فلسطيني، بينهم 551 طفلاً.



وتزامن العدوان الأخير على غزّة مع انتفاضة "حياة السود مهمة" في فيرغسون عام 2014. كان رد إدارة أوباما متشابهًا في كلتا الحالتين: أصرّ البيت الأبيض على إدانة المتظاهرين، بينما أصدر إدانة جوفاء لعنف الدولة. بعد ذلك بعامين، وقعت إدارة
أوباما، وقد لعب بايدن دورًا رائدًا في المفاوضات، حزمة تمويل عسكري بقيمة 38 مليار دولار لمدة عشر سنوات مع إسرائيل.

وفي حالة وجود أي تساؤل حول الاتجاه الذي ستذهب إليه رئاسة بايدن، فقد وصف موقع "بايدن/هاريس 2020" دعم بايدن لإسرائيل بأنه "غير محدود" و"لا يتزعزع"، و"لا يتذبذب"، و"غير قابل للكسر". وأكد الموقع دعم بايدن لحصول اسرائيل على "التقنيات المنقذة للحياة" مثل القبة الحديدية، ومقلاع ديفيد، وأنظمة Arrow 3 المضادة للصواريخ وأنظمة الدفاع الصاروخي.

وتفاخر بايدن بدوره في تأمين "مذكرة تفاهم غير مسبوقة بقيمة 38 مليار دولار مدتها عشر سنوات للمساعدة العسكرية لإسرائيل.. هي أكبر حزمة مساعدات عسكرية من نوعها في تاريخ الولايات المتحدة". وبالطبع، قاد بفخر جهود معارضة حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات (BDS).

 

اللوبي يعيد اصطفافه

لكن بايدن أظهر مزيّة واحدة رئيسية على ترامب بالنسبة لمؤيدي إسرائيل. رئاسة ترامب، من خلال الاصطفاف العدواني والعلني مع أكثر المنطلقات الصهيونية يمينية، قوضت الإجماع المؤيد لإسرائيل من الحزبين. تسبب نهجه الاستفزازي في إثارة الذعر بين الصهاينة أمثال أبراهام فوكسمان الذي جادل في مقال له في صحيفة "تايمز أوف إسرائيل": "صحيح أن ترامب اتخذ قرارات انتظرها كثيرون في مجتمعنا، بما في ذلك قراره بشأن القدس، والذي أؤيده. لكن هذه القرارات جاءت على حساب هجوم ترامب المباشر على دعم الحزبين لإسرائيل، وألبست بعض هذه القرارات بصور نمطية مسيئة للغاية عن اليهود وعلاقاتهم بالدولة اليهودية ... مجتمعنا لديه مصلحة هائلة في الشراكة بين الحزبين. إنها الطريقة الوحيدة لمكافحة معاداة السامية والتعصب الأعمى. هذه هي الطريقة التي أنشأنا بها تحالفًا قويًا بين الولايات المتحدة وإسرائيل... لقد أضر ترامب بهذا الإجماع الضروري، ولا يمكننا السماح لليهود وإسرائيل بأن يتم تسليحهم لمصالح سياسية ضيقة لأي شخص".

الآن تم إعادة توحيد اللوبي المؤيد لإسرائيل من خلال حملة بايدن، من الصهاينة الليبراليين في "جي ستريت"، إلى "الأغلبية الديمقراطية مع اسرائيل" (وهو فرع من ايباك)، إلى المحافظين الجدد الرافضين لترامب مثل بيل كريستول (الذي انتقد باراك أوباما لعدم إظهاره دعمًا قويًا بما يكفي لإسرائيل، ولكن ليس لديه مثل هذا النقد فيما يتعلق بايدن).
يعتقد أنصار إسرائيل أن جو بايدن هو الأفضل لقمع المعارضة داخل صفوف الحزب الديمقراطي وإنعاش الإجماع الليبرالي وراء دعم إسرائيل. كما قال الصحفي فيليب فايس: "بايدن روج لنفسه بهدوء على أنه صقر سينهي جعل اسرائيل موضعًا للنقاش السياسي. ووعد بإعادة الإجماع على دعم إسرائيل داخل الحزب وإعادة تأكيد استخدام القوة الأمريكية في الشرق الأوسط".

وبالفعل، خلال الحملة الانتخابية، تبنى بايدن هذا الدور، وألقى "محاضرة" على ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز لانسحابها من حدث لإحياء ذكرى رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق إسحق رابين.

 

//الإجماع المؤيد لإسرائيل ينهار

تعتمد مؤسسة الحزب الديمقراطي على القبول الضمني للدرجات الدنيا من الحزب وقاعدته الليبرالية للحفاظ على دعمها غير النقدي لإسرائيل. لكن لن يكون هذا أمرًا بسيطًا ومفهومًا ضمنًا بعد الآن. يحدث تحول كبير داخل قطاعات في الحزب الديمقراطي في عدد من القضايا  من الرعاية الصحية والعدالة البيئية إلى قضية فلسطين، وهي قضية تم تجنبها منذ فترة طويلة دون طرح أي أسئلة.

ولكن على مدى السنوات الأربع الماضية، كانت صفوف الديمقراطيين الاشتراكيين واليساريين مثل أعضاء "الفرقة التقدمية" تنمو بشكل متزايد في قاعات الكونغرس. من النواب في الكونغرس بيتي ماكولوم وإلهان عمر، إلى موجة جديدة من المنتخبين، يتعامل المشرعون اليساريون مع قضية فلسطين - ليس باعتبارها شعارًا إنسانيًا غير مسيس، ولكن كجزء لا يتجزأ من رسالتهم ضد العنصرية والافقار.

خذ على سبيل المثال زهران ممداني، من بين مجموعة من الاشتراكيين المتجهين إلى مجلس ولاية نيويورك. في رسالة بريد إلكتروني للحملة أُرسلت في مايو، قبل أسابيع قليلة فقط من الانتخابات التمهيدية، أحيا ممداني صراحة ذكرى النكبة، والتطهير العرقي عام 1948 لأكثر من 70 ألف فلسطيني من أجل إقامة دولة إسرائيل، وهاجم الحكومة الأمريكية مباشرة بسبب دفاعها الاعمى عن اسرائيل

في مثال آخر، كوري بوش، عضو في حركة الاشتراكيين الديمقراطيين التي رشحت نفسها لمجلس النواب الأمريكي في مقاطعة ميسوري، وهزمت وليام لاسي كلاي الذي شغل المنصب لعشر فترات (والداعم القوي لإسرائيل). على الرغم من أنها كانت مرشحة في سباق متقارب - وهو سباق خسرته سابقًا في عام 2018 - أصدرت حملتها بيانًا جريئًا يؤكد التزامها بالعدالة الفلسطينية قبل أيام فقط من الانتخابات التمهيدية في أغسطس: "كوري بوش كانت دائمًا متعاطفة مع حركة المقاطعة، وهي تقف متضامنة مع الشعب الفلسطيني بالضبط كما تتضامن مع الأمريكيين السود الذين يقاتلون من أجل حياتهم".

يمكن تتبع التزام كوري بوش بقضية التحرر الفلسطيني إلى احتجاجات فيرغسون، حيث كانت بوش منظمة رئيسية وشهدت عن كثب تدفق التضامن من الفلسطينيين في الولايات المتحدة وفلسطين. تم بناء الدعم الفلسطيني لحركة "حياة السود مهمة" على إرث التضامن بين السود في أمريكا وفلسطين على مدى عقود. وهاجم البرنامج السياسي لحركة "حياة السود مهمة" صراحةً دعم الولايات المتحدة المالي لإسرائيل وتواطؤها "في الإبادة الجماعية التي تحدث ضد الشعب الفلسطيني".

سينضم بوش وممداني وغيرهما من الاشتراكيين الديمقراطيين الذين فازوا في الانتخابات مؤخرًا إلى مجموعة صغيرة ولكنها متزايدة من المنتخبين في الحزب الديمقراطي الذين يدافعون عن حقوق الفلسطينيين، والذين فعلوا الكثير بالفعل لتغيير مسار الخطاب العام. إلهان عمر ورشيدة طليب، أول امرأتين مسلمتين يتم انتخابهما للكونغرس، من المؤيدين الصريحين لحركة المقاطعة ومن بين أكثر المنتقدين صراحة للإمبريالية الإسرائيلية والأمريكية.

إلى جانبهم، النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وهي امرأة بورتوريكية من الطبقة العاملة من برونكس، تعرف جيدًا التداعيات الخانقة للإمبريالية الأمريكية، والتي قالت إن "السياسة الخارجية هي أيضًا سياسة داخلية". وقد دفعت من أجل اتخاذ إجراء تشريعي لوقف التمويل الامريكي لضم إسرائيل المستمر للأراضي الفلسطينية.

يُظهر نمو الجناح اليساري داخل الحزب الديمقراطي الذي يدعم الفلسطينيين سيرورة تثوير هامة داخل الحركة التقدمية. حركة بدأت تنظر إلى القضية الفلسطينية على أنها مرتبطة بطبيعتها بالنضال من أجل العدالة الاجتماعية داخل الولايات المتحدة.

النضالات المناهضة للعنصرية ونضالات المهاجرين، بالإضافة إلى مطالب الرعاية الصحية للجميع والصفقة الخضراء الجديدة، كلها يتم صدها بسبب ميزانيات البنتاغون المتضخمة وشبكة المشاريع العسكرية الأمريكية الواسعة في الخارج. في الوقت نفسه، فإن نوع التضامن الذي رأيناه بين متظاهري فيرغسون والناشطين الفلسطينيين يعزز قوة وفعالية اليسار. والكسندريا كورتيز كانت على حق حينما قالت: "السياسة الخارجية للولايات المتحدة لا توجد في مجال منعزل خاص بها، ولكنها في الواقع لا يمكن فصلها عن السياسة الداخلية".

 

//تغييرات أساسية في الرأي العام

تعكس التصدعات الناشئة داخل الحزب الديمقراطي بشأن قضية فلسطين -وتساعد أيضًا على تطور- التغييرات الأساسية في الرأي العام. كشف استطلاع "القضايا الملحة" لعام 2018 في جامعة ميريلاند عن بعض هذه التحولات. من بين الأسئلة الأكثر دلالة في الاستطلاع، السؤال الذي طرح عما إذا كان المشاركون يفضلون دولة يهودية على دولة ديمقراطية واحدة تتمتع بحقوق متساوية، ففضل 78٪ من الديمقراطيين المستطلعين قيام دولة ديمقراطية واحدة. وبشكل ملحوظ، تخلى اليهود الأمريكيون أيضًا عن تماهيهم مع الدولة اليهودية، على الرغم من بعض المزاعم الأخيرة التي تشير إلى عكس ذلك.

وإن هذه الخروقات للنقاش العام، رغم أهميتها، لا تماثل الانتصار بالطبع. لكنها تشير إلى وجود فجوات لدفع مقاربة أكثر جرأة لقضية التحرر الفلسطيني. كما قلنا: "لقد حان الوقت لأن نتعامل مع حقيقة أن معظم الناس اليوم أقرب إلى فهم الروابط المتكاملة بين الظلم الذي يتعرضون له في الوطن وذلك الظلم الذي يتعلمون عنه في فلسطين، أكثر من أي وقت مضى".

لا تزال الشخصيات الأساسية في مؤسسة الحزب الديمقراطي، من جو بايدن وكمالا هاريس إلى نانسي بيلوسي وتشاك شومر، مرتبطة بدعم الحزبين لإسرائيل واللامبالاة بحياة الفلسطينيين، مهمتهم، إلى جانب مجموعات جديدة مثل "الأغلبية الديمقراطية لإسرائيل"، هي تعزيز وضمان استمرار ولاء الحزب لمشروع إسرائيل الاستعماري الاستيطاني. سيحاولون اخضاع الجناح اليساري وضبطه، كما فعلوا دائمًا. لكن الكثير قد تغير على أن يتم ضمان حدوث شيء مماثل اليوم.

نحن في لحظة يمكننا فيها وينبغي أن نتوقع من المسؤولين المنتخبين تجاوز الخطاب الإنساني الفارغ والدفع باتجاه تحول سياسي أكثر قوة. يجب على اليسار أن يجعل من فلسطين إحدى أولوياته بينما تحاول رئاسة بايدن-هاريس القادمة إعادة ترسيخ
"الوضع القائم" المتطرف واقعًا.

 

 

 

 

 

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب