news-details

برنامج ألون: مخطط ضم باسم الحكم الذاتي في المناطق المحتلة | صليبا خميس

مقال كانت نشرته "الاتحاد" مطلع السبعينيات ونعيد نشره، يتناول "مشروع ألون" الذي أسّس تاريخيًا لمخططات توسعية في الضفة الغربية المحتلة، بينها مخطط الضمّ الحالي، للمحرر في الجريدة حينذاك، الكاتب الشيوعي البارز صليبا خميس.

في غمرة أحداث الاردن الدامية في الشهر المنصرم، وقبل ان تتوقف الحرب الأهلية، بعد اتفاق القاهرة، بدأت الاحاديث تدور في صحافة اسرائيل وفي مؤسساتها الرسمية عن مشروع اقامة ادارة "عربية" محلية خاصة بالمناطق المحتلة، وانشاء هيئة "معتمدة تمثل السكان العرب"، وذلك في اعقاب المقترحات التي تقدم بها نائب رئيسة الحكومة ووزير الثقافة والتعليم الجنرال يغئال ألون. هذا المشروع الذي اطلق عليه فيما بعد "مشروع ألون".

وتنوه المصادر الصحفية بان استجابة رئيسة الحكومة، غولدا مئير، السريعة، لبحث مشروع نائبها يغئال ألون بشأن اقامة ادارة ذاتية لسكان المناطق المحتلة تشهد على استعداد رئيسة الحكومة لبلورة هذا المشروع.

اذ لم تمض ايام قليلة على طرح هذا المشروع حتى قررت السيدة مئير اقامة لجنة وزارية تكون مهمتها اجراء دراسة جدية لهذا الموضوع، تتألف من نائب رئيسة الوزراء، يغئال ألون، ووزير الخارجية آبا ايبن ووزير الدفاع موشيه ديان ووزير البوليس شلومو هيلل وغيرهم من الوزراء.

يعتقد اصحاب هذا المشروع ان اسرائيل اضاعت الفرصة الثمينة التي سنحت مباشرة بعد حرب الايام الستة لتحقيق مثل هذا المشروع الذي يستهدف بالأساس حل قضية فلسطين وفقا لمطامع حكام اسرائيل التوسعية، واهدافها الصهيونية في تصفية قضية فلسطين.

ويتحسر اصحاب هذه الفكرة على الفرصة التي اضيعت ويذكرون انه جرت محاولة في عهد اشكول لاقامة ادارة محلية في منطقة الخليل برئاسة محمد علي الجعبري ولكن هذه الفكرة لم تتحقق في حينه لعدة عوامل دولية وداخلية في اسرائيل. فقد كانت هناك ضرورة اتمام عملية الهضم بعد ضم القدس العربية، وجس نبض الرأي العام العالمي، واعداده لقبول الضم بالمفرق، للانتقال الى مرحلة الضم بالجملة، او التوسع الامبراطوري.

وقد يذكرنا هذا الاسلوب، مع التفارق الزمني والتاريخي والسياسي بعملية "آنشلوس" الذي ابتدأ هدفها لضم النمسا على اساس الوحدة مع المانيا.

بدأت الاحاديث تدور في صحافة اسرائيل وفي مؤسساتها الرسمية عن مشروع اقامة ادارة "عربية" محلية خاصة بالمناطق المحتلة، وانشاء هيئة "معتمدة تمثل السكان العرب"، وذلك في اعقاب المقترحات التي تقدم بها نائب رئيسة الحكومة ووزير الثقافة والتعليم الجنرال يغئال ألون. هذا المشروع الذي اطلق عليه فيما بعد "مشروع ألون".

ويرى اصحاب المشروع ان الفرصة التاريخية قد تكررت الآن، فقيام عملية "آنشلوس" من نوع جديد، اما هذه الظروف الجديدة فهي:

اولا – استغلال حوادث الاردن الدامية وما تتخللها من اعمال وحشية قامت بها الانظمة العسكرية العميلة في الاردن وعلى رأسها الملك حسين، مما جعل نقمة سكان المناطق المحتلة على الملك حسين الآن تفوق نقمتهم عليه وعلى نظامه قبل الاحتلال الاسرائيلي وبعده.

ثانيا: استخلص حكام اسرائيل من هذا ان حسين ونظامه قد اخفقا تماما في عملية ابتلاع اجزاء فلسطين التي اصبحت بعد حرب 1948 تحت الحكم الاردني وهضم حق الشعب الفلسطيني، فلا بد اذًا من ايجاد مكان له، ليس تحت الشمس بل تحت حكم اسرائيل.

ثالثا – استغلال ما يعتقده اصحاب هذا المشروع عن خيبة امل الشعب العربي الفلسطيني من الفدائيين وقدرتهم على تحقيق قيادة عربية فلسطينية تلقى تأييدا عربيا دملا. وقد ضعفت ثقتهم بذلك من مواقف حكام العراق ومؤايداتهم الكلامية دون ان يحركوا ساكنا اثناء مذبحة الشعب العربي الفلسطيني واحتراق مدنهم ومخيماتهم.

رابعا – الوهم بان موت الرجل القوي – عبد الناصر – واهتزاز كيان العالم العربي واتساع الفرقة وتصدع التضامن العربي نتيجة لموته كلها عوامل تطلق يد اسرائيل للتصرف الحر في المناطق المحتلة.

خامسا – حصول اسرائيل على الدعم الامريكي السياسي والعسكري والاقتصادي الكامل، مما يقوي آمال اسرائيل في المحافظة على الوضع الراهن والتفرغ لضم المناطق المحتلة بالجملة.

هذه هي العوامل الجديدة التي تبشر بسياسة الضم وبنجاح "برنامج ألون"، الذي يحظى ايضا خارج الدوائر الرسمية بتأييد حركة السلام والامن، وحزب المبام. ويؤمن هؤلاء بان احتمالات النجاح كبيرة في ان يؤيد عرب فلسطين هذا البرنامج الذي يصفه ألون ببرنامج التعايش مع اسرائيل!

ويعتمد برنامج ألون على "نجاح" الادارة العسكرية في المناطق المحتلة، وعلى السياسة "الصحيحة" التي "استأصلت جذور التمرد المدني ضد اسرائيل"، أي على سياسة العقوبات الجماعية ونسف البيوت والقمع والاعتقالات الادارية بالجملة.

فماذا يقترح ألون؟ يقول محرر صحيفة هآرتس، زئيف شيف، في مقال نشرته الصحيفة المذكورة بتاريخ 12/10/70 ان برنامج ألون يتحدث عن:

اولا – ادارة مستقلة ذاتية في "شومرون" (قضاء القدس) و "يهودا" وربما ايضا في قطاع غزة.

ثانيا – هذه الادارة تمنح سكان هذه المناطق مسؤوليات الحكم الذاتي (الادارة المحلية)، والاقتصاد والصحة والتعليم وما اشبه ذلك.

ويذكر محرر هآرتس ان ألون على استعداد للنظر في امكانية جعل صلاحيات الحفاظ على النظام في يد مثل هذه الادارة المحلية، (طبعا اذا شعر انه لا يصاب بعسر الهضم) والسماح لها بالاحتفاظ لنفسها بحق اقامة علاقات اقتصادية وثقافية مع الدول العربية، أي، من هذه الناحية، ابقاء الباب مفتوحا على طريق جسور ديّان المفتوحة.

ثالثا – يأمل ألون ان اقامة مثل هذه الادارة تنسف الاساس الذي تقوم عليه المطالب السياسية لمنظمات "التخريب"، ومن جهة ثانية يمكن اعتبار هذا المشروع يوما ما، بديلا لنظام الملك حسين.

رابعا – يرى ألون فوائد كثيرة في هذا المشروع – سياسية واستراتيجية وحتى في مجال علاقات السكان في الدولة، فهذا المشروع حسب رأيه يضمن مصالح اسرائيل مع احترام مصالح العرب في الوقت نفسه!.

غير ان اصحاب هذا المشروع تزاولهم بعض الشكوك حول استعداد العرب لقبول مثل هذا الاقتراح حول الادارة المحلية، فهم قد يرفضون سلفا كل ما تقترحه اسرائيل.. ولكن العرف لا يرى موافقة العرب شرطا لقبول المشروع.

وقد تواجه اللجنة الوزارية مثل هذا الاحتمال وقد تجد صعوبة في خلق هذا الاطار السياسي في المناطق المحتلة، وعليها ان تبت في امر تطبيق هذا البرنامج منذ الآن او طرحه بديلا فقط للنظام الهاشمي.

ومن الطبيعي ان ينشأ نقاش في الحكومة حول البرنامج نفسه، فوزير البوليس شلومو هيلل قد لمح الى معارضته لهذا الاقتراح قبل تحقيق السلام، ولكن اصحاب المشروع يدعون انه يمكن اخذ معارضة الوزير هيلل بعين الاعتبار اذا اتضح ان اقامة اطار سياسي للحكم الذاتي في المناطق المحتلة يتعارض مع مصالح اسرائيل.

ومما يلقي ضوءا على حماس رئيسة الحكومة غولدا مئير لهذا المشروع هو ما صرحت به في خطاب لها في مركز حزب العمل بتاريخ 12/10/70. فقد اوردت هآرتس في عددها الصادر 13/10/70:

لا نستطيع ان ننكر، انه كان هناك، خلافا لارادتنا، صدام بيننا وبين العرب الذين وجدناهم على هذه الارض، فقد تضطر الحركة (أي الحركة الصهيونية – المحرر) الى ان تجتمع قريبا لتتداول بصورة جدية حول الامر حتى النهاية. وقالت: "تفتيش عن حل نعم بالتأكيد". اما "تأنيب الضمير – فلا".

رئيسة الحكومة اذا، تعترف بالتناقض الذي احدثته حركتها حين اقامت استيطانها في فلسطين الى ان ادى ذلك الاستيطان الى تشريد شعب بأكمله. ولا نطالبها بتأنيب الضمير... ولكن نؤيد التفتيش عن حل عادل، حل يعيد الى الشعب العربي الفلسطيني حقوقه. هكذا تفتح الجسور الحقيقية للتفاهم. اما جسور ديان وعمليات الهضم وابتلاع المناطق المحتلة تحت ستار الحكم الذاتي فهي تعمق الهوة بين الشعبين وتحرق جسور التفاهم والسلام.

فحق تقرير المصير يفترض ان يقرر الشعب العربي الفلسطيني مصيره بنفسه حين يستعيد حقوقه، واراضيه المحتلة.

("الاتحاد" 16 تشرين الأول 1970)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب