news-details

تاريخ العرب في أوروبا وحروب الفايكنغ (1-2) | باسم عبد الله

//المبحث الثالث: أسباب اهتمام السويد بالإسلام في أوروبا      

لقد دخل الإسلام متأخرا إلى السويد قياسا بدول وسط أوروبا وجنوبها، حيث بقيت السويد مغلقة أمام الديانات الأخرى عدا البروتستانتية لحقبة طويلة من الزمن، عندما دخل المسلمون إلى السويد دخلوها أولا كقوة عمل، ثم بعد ذلك كمهاجرين من دول عديدة وبأعداد كبيرة من بلدان مسلمة، وأدى هذا التدفق من اللاجئين خلال فترة الخمسين سنة الأخيرة إلى أن يقترن تعبير لاجئ بتعبير مسلم، رغم وجود عدد كبير من اللاجئين من دول غير إسلامية، كالقادمين من تشيلي وباقي دول أمريكا اللاتينية، أو القادمين من الدول الإسلامية لكنهم غير مسلمين، كالسريان القادمين من تركيا وسوريا ولبنان، وبهذا أصبح الإسلام مرادفا للهجرة التي أصبحت غير مستساغة لدى الكثير من السويديين، لأسباب اقتصادية واجتماعية وعنصرية ودينية.

 إن احتمالات وجود تهديد من هذه الجماعات المهاجرة لزعزعة المجتمعات التي استوطنت فيها ولحرص هيئات المجتمع المدني السويدي على استقرار وتماسك المجتمع دعا هذه الهيئات إلى وضع رؤى جديدة من أجل التصدي لتصورات التهديد، أي معالجة النتائج المترتبة على وجود مثل هذه الجاليات التي هي في أغلبها مسلمة على تركيبة البنية الاجتماعية في السويد وأوروبا، فرسم سيناريو للمستقبل وتحديد مساراته كلما كان ذلك ممكنا، لذلك دأب المسؤولون عن المبادرة السويدية حول الإسلام وأوروبا بالتأكيد على أن الحكومة في مبادرتها تلك تحدوها القناعة بأن الساسة الخارجية والتعاون الدولي يجب ألا يرتكزا حصرا على المشاكل الملحة المتفجرة، بل أيضا تناول المسائل المستقبلية الجوهرية، وأن السياسة الخارجية القائمة على مبدأ دبلوماسية الوقاية باتت مهمة أكثر>

 فهي تتضمن ما يمكن أن نطلق عليه اسم إجراءات بناء الثقة على الصعيد الثقافي، والاهتمام السويدي بالإسلام في الإطار الأوروبي إجراء احتياطي لتفادي مخاطر المستقبل، هذا الخطر المتمثل بوجود المد الإسلامي المتنامي باستمرار داخل الكيان الأوروبي وهو مشروع إذا تم النظر إليه وفق مسؤوليات الدولة في حماية وتماسك المجتمع الذي تقوده، هذا الخوف يصبح غير مشروع، فقط عندما ينظر إلى الطرف الآخر، وهو هنا الإسلام، على أنه طرف معاد، كما أن لعوامل السياسة الخارجية ورغبة السويد في أن يكون لها دور حضور دولي متميز ينسجم مع ما تصوره عن نفسها من اهتمام بحقوق الإنسان والمساواة دور في أن تبادر إلى إبراز اهتمامها بهذا الدور الحيوي الذي احتد حوله النقاش في فترة ما بعد الحرب الباردة واندلاع الحروب في قلب اوروبا التي أريد أن يضفي عليها طابع عنصري ديني في يوغسلافيا السابقة، ولما لذلك من أثر في احتمال تنامي مشاعر التطرف وتأثير ذلك على استقرار المجتمعات الأوروبية التي اقتتلت طويلا وذاقت الأمرين بسبب قتالها مع بعضها لأسباب مذهبية وعنصرية.

 

 //المبحث الرابع: الإسلام والأصولية الإسلامية من وجهة نظر غربية، سويدية مشتركة

في هذا المبحث سنحاول استعراض نصوص مختارة، سواء من مؤتمر ستوكهولم أو نصوص خارجية يمكن من خلالها تفحص وجهة نظر الغرب عموما والسويد بشكل خاص من الإسلام كدين وثقافة وحضارة، ومن الأصول الإسلامية التي أصبحت تعبيرا شائعا في الإعلام الغربي كما في الإعلام العربي، وتعكس وجهات نظر يمكن اعتمادها كشواهد على الحس الأوروبي تجاه الطيف الأخضر القادم من الشرق المسلم. نشر الدبلوماسي السويدي القدير انجمار كارلسون كتابه الموسوم "الإسلام وأوروبا: تعايش أم مجابهة" عام 1994، نجد فيه تصوره عن أسباب استمرار العداء بين الشرق والغرب متمثلا بالعداء مع العرب الذين يمثلون روح الإسلام، وهو يحدد لذلك الأسباب الآتية:

  1. إن أيديولوجية التعصب والعداء ضد السامية ذات الجذور التاريخية امتدت إلى حقبة الحروب الصليبية، هي لا زالت حية على شكل مفهوم يتجدد دائما ويعاد تأكيدها باستمرار، ومفادها أن الحرب المقدسة أبدية، لأن القدر هو الذي قررها بين الإسلام والمسيحية.
  2.  العنصرية التي نشأت وترعرعت خلال حقبة الاستعمار الأوروبي للشرق.
  3.  دعايات سياسية معادية للعرب تتفشى من جراء النزاع حول المسألة الفلسطينية.
  4. الحاجة إلى ملء الفراغ الذي خلفه انهيار الشيوعية وزوال خطرها باستنباط خطر آخر، لأنه من الصعب بعث الحياة في فكرة أوروبا الموحدة إن لم يكن هناك تهديد خارجي.
  5. الصورة السلبية للبلاد العربية التي ساهم بعض السياسيين العرب أنفسهم في خلقها.

ويستشهد الكاتب في كتابه بمقتطفات من الأدب السويدي القديم لتبيان مدى انغراس شعور العداء للعرب والمسلمين الذي نما بواسطة مدارس الأحد والمصادر الدينية وأصبح رمزا لتدنيس أماكننا المقدسة، ويختار لذلك نصا مما كتبته فردريكا بريمر في كتابها "الحياة في العالم القديم"، الذي سجلت فيه رحلتها 1860 - 1862 إلى الأماكن المقدسة في فلسطين. لقد أشيع أن العرب أبادوا جميع الثقافات في فلسطين، حتى أن القناصل والمبشرين الأوروبيين باتوا مضطرين إلى تأسيس مستعمرات خاصة بهم واستخدام القوة والسلاح ليفرضوا احترامهم ويدافعوا عن أنفسهم في مواجهة سرب الجراد هذا. لم يكن تحقيق ذلك صعبا، لأن العرب يفتقرون إلى أي قدر ولو بسيط من الشجاعة، ثم تعلق قائلة: "كم من الجمال كم من الثراء، كم من السعادة ضاعت على هذه البلاد بزوال الحكم المسيحي، في ظل ذلك الحكم فقط كان يمكن للورود أن تزهر".

في مكان آخر من الكتاب، تناول المؤلف موضوع الأصولية، فيورد النص التالي: "إن كلمة الأصولية أصبحت صنوا للإسلام في الغرب حتى أصبحت كلمة دالة عليه وتسمية مرادفة مع أن تاريخ مفهوم الأصولية قديم ولم يظهر للمرة الأولى للدلالة على أية فئة من المسلمين، بل ليدل بالتحديد على الطوائف البرتستانتية، وذلك في الولايات المتحدة الأمريكية في بداية القرن العشرين"، ويستعرض كيف أن الأصولية ظاهرة مسيحية يهودية سنهالية بوذية قبل أن تكون إسلامية. هكذا فإن ظاهرة الأصولية ليست مقتصرة على الإسلام، ومع ذلك غالبا ما يتم جعلها رديفة للإسلام فحسب، حتى غدت ما تكون بالعلامة الفارقة التي تلصق على كل من يقول الله أكبر، وينتهي إلى القول في معرض تحليله لمقولة الإسلام السياسي إلى أن الإسلام السياسي ليس مؤامرة "جغرافية سياسية"، إنما هو في الأصح ظاهرة اجتماعية. من الواضح أن الانقسام في العالم بين شمال وجنوب والخلافات التلقائية الناتجة عن هذا الانقسام هي التي تغذي وتنمي الاستياء، يرتدي اليوم ثوب الإسلام الأخضر أطروحة الثورة الإسلامية العالمية التي راجت وانتشرت عبر المؤلفات والمناقشات، فقد أصبحت مجرد تاريخ الآن.

لو انتقلنا إلى المواقف الرسمية ومن داخل أجواء مؤتمر ستوكهولم، فلن نجد أفضل من كلمة وزيرة خارجية السويد آنذاك السيدة لينا يلم فالين التي افتتحت المؤتمر، وركزت على ضرورة وأهمية الحوار والتعاون بين الحضارتين، تقول فالين في كلمتها: "إن المرء عدو ما يجهل يعزى، للأسف ما زال الجهل سائدا بعد أكثر من 1400 عام في أوساط غربية عديدة وفي العالم الإسلامي وأوروبا لم تكن أوثق مما هي عليه الآن بفضل تطور تكنولوجيا الاتصالات، إلا أن الريبة المزمنة منذ القدم لا تزال حية"، وتستطرد قائلة: "إن الجهل والخوف يخلقان لكلا الجانبين صورا عدوانية للجانب الآخر لا أساس لها في الواقع، وأنماط الموزاييك التي تتكون منها الصور متبادلة في الغالب، ويشعر العديد من المسلمين الآن أنهم مجبرون على الدفاع المستمر عن معتقداتهم وثقافتهم في وجه العدوانية الغربية التي تولدت من فهم خاطئ للإسلام".

يشعر المسلمون في أوروبا والولايات المتحدة أنهم غالبا ما يتعرضون لسوء الفهم، وأنهم مراقبون وعرضة للشك والريبة المستمرة، وتشير فكرتها إلى تحول تأثير العلاقة بين الإسلام وأوروبا على السياسة الخارجية لبلدها، وتقول: "أما في مجال السياسة الخارجية، فإن علينا أن نبحث عن طرق جديدة للحيلولة دون استبدال الحرب الباردة التي كانت قائمة بين نظامين اقتصاديين وسياسيين مختلفين بتوتر مستديم بين الإسلام والمسيحية، بين معسكرين ثقافيين"، وتقول:

"إن أوروبا ليست سوى اندماج الشرق والغرب، وعلى ذلك فإن الإسلام هو في آن واحد غريب وأصلي بالإضافة إلى كونه عنصرا في أوروبا المعاصرة نتيجة موجات الهجرة المتزايدة، وهذا يدحض مقولة ريديارد كيبلينغ الشهيرة "الشرق شرق والغرب غرب ولن يلتقي الطرفان" ليسا فقط قادران على الالتقاء ولكنهما يجب أن يلتقيا، هذا اللقاء يجب أن يحدث في الواقع حاليا على الرغم من أن هناك قوى على كلا الجانبين تسعى لأن يكون البحر المتوسط هو خط تقسيم وعزل".

 إن وجهات نظر الغرب المعتدلة تؤكد في حجمها أن هناك تخوف مشترك بين الطرفين، وأن هناك دائما نقاط التقاء، ومن الطريف أن نذكر هنا ما قاله الدكتور دانيييل تارشيوس السكرتير العام للمجلس الأوروبي عن موضوع العلاقة بين الإسلام وأوروبا، إذ يقول: "في ندوة عن التعايش السلمي شارك المجلس الأوروبي بتنظيمها في اسطنبول، سمعت برنارد لويس يقول "قد يختلف المسيحيون والمسلمون في مفهومهم عن الجنة، ولكنهم على الأقل يتقاسمون نفس النظرة إلى الجحيم"، أتمنى أن ينجح الحوار، حيث سيكون بمقدورنا أن يصبح وجودنا على الأرض متوافقا مع نظرتنا المشتركة إلى الجحيم".

 

// المبحث الخامس: حروب الفايكنغ في العالم الإسلامي

امتد الصراع بين قبائل الفايكنغ والعالم الإسلامي، تلك التي امتدت فيها رقعة المسلمين العقائدية خارج إطار حدودهم الجغرافية، فتركزت هجمات الفايكنغ على بلاد الأندلس من القرن الثامن الميلادي حتى القرن الحادي عشر، وقد عرف العالم شدة حروب الفاينكغ حتى غطوا بغزواتهم الشديدة مساحات واسعة، امتدت حملاتهم غرب أوروبا حتى آسيا، وكان لا بد من اصطدامهم بالمسلمين الذين وصلوا بسبب عقيدتهم الدينية شرقا وغربا، فغطوا مساحات واسعة من إفريقيا إلى أن وصل المسلمون إلى الأندلس، إذ دانت لحكم المسلمين قرابة 8 قرون. لقد أغرى توسع المسلمين قبائل الفايكنغ النورمان أو النورمانديين، فصاروا مطمعا لغزواتهم، كانت الأندلس تحت حكم الأمويين خلال حكم الأمير عبد الرحمن بن الحكم رابع أمراء الدولة الأموية، إذ بنى أول أسطول حربي كبير في الأندلس، فبدأ النورمانديين الفايكنغ بالإغارة على الأندلس باستخدام عشرات السفن على مدينة لشبونة، فقاموا بفرض الحصار عليها وتدمير معالمها واقتحموا ديارها حتى حطموا المساجد، وعبثوا فيها واستمروا بالقتل والسلب حتى قام الأمير عبد الرحمن بإرسال جيوش المسلمين لمحاربتهم. واستمرت المعارك الضارية بين الطرفين، خاصة أن الفاينكع نزلوا بسفنهم العديدة على الساحل البحري للمدينة فاحتلوها، وانطلقوا إلى قادس وإشبيلية، حتى قام عبد الرحمن بتجهيز جيش لملاقاتهم، وأسند قيادته إلى عيسى بن شهيد، الذي استطاع هزيمة النورمانديين فتوقف زحفهم الذي استمر 42 يوما، فوقعت في صفوفهم خسائر كبيرة وتم طردهم من أراضي المسلمين. 

هجم النورمانديون على مدينة لشبونة البرتغالية وسيطروا عليها لعدة أيام، حتى تصدى لهم القائد وهب بن حزم، وعندما أدرك هذا القائد قوة الفايكنغ طلب المدد العسكري، فاستجيب له بإرسال المدد العسكري حتى دارت معارك طاحنة واستمر القتال بين الطرفين مائة يوم. أشاعوا الرعب والذعر وعبثوا بحضارة المدينة الإسلامية، ثم توجهوا إلى مدينة إشبيلية، وبعد قتال شديد الوطيس خسروا المعركة وتكبدوا العديد من القتلى، وانتشر وجودهم المرعب في مدن إسلامية أخرى، كمدينة شذونة ومرسية والمارية. أبدى عبد الرحمن الأوسط مقاومة شديدة لصد هجمات الفايكنك البحري، فأهلك نصف سفنهم، إذ أدرك خطر هذه القبائل الشرسة وأهمية قوتهم في البحر، فقام بإنشاء أسطولين بحريين كان لهما الدور الكبير، وجعل أحدهما في البحر الأبيض والآخر في البحر الأطلسي، وكان هذان الأسطولان بمثابة الرقيب من هجمات الفايكنك في المستقبل، يحرسان الأندلس من هجماتهم. لقد فتح بهما بعض المدن والجزر البحرية كجزيرة البليار، فعمل على بناء سور ضخم يعيق هجمات النورمانديين، فكانت تلك الأسوار منيعة وعالية يصعب اختراقها، وبهذا يكون قد وفّر للمسلمين فرص بقائهم في تلك المدن والجزر لفترات طويلة.

النورمانديون "الفايكنغ" نقضوا العهد وعاودوا الهجوم مرة أخرى على الأندلس، لكن تلك المعارك انتهت بعد آخر غزوة لهم بقيادة الملك النرويجي هارالد الثالث، في معركة حاسمة كبدت النورمانديين خسائر فادحة في معركة جسر ستامفورد عام 1066 ميلادي في إنجلترا، إذ كانت الهزيمة بانتظاره في تلك الجزيرة، ويشير المؤرخون إلى انتهاء عصر الفايكنغ عند اعتناق الدول الاسكندنافية للمسيحية.

تاريخيا لم تكن هجمات الفايكنغ ضد الديار الإسلامية بدوافع دينية، بل كانت اقتصادية، لكن الأمر عاد إلى شكله الطبيعي بعد نهاية تلك المعارك، إذ نشأت العلاقات التجارية بين الطرفين.

يبقى أن نقر بأن العصر العباسي خلال حكم هارون الرشيد قد شهد ازدهارا تجاريا بين العرب والشعوب الأوروبية، وكذلك مع الفايكنغ، فتم تبادل الجلود والأسماك، وحصل العرب مقابل هذا على المعاطف المصنوعة من الفراء، لقد ابتدأ عصر التبادل التجاري حتى يومنا هذا وانتهى معه عصر القرصنة والصراع البحري. لقد سجّل الرحالة أحمد بن فضلان خلال رحلته إلى بلاد الفايكنغ، إذ أرسله الخليفة العباسي المقتدر بالله يدعوهم إلى الإسلام، وتعرف بن فضلان على عادات وتقاليد الفايكنغ، وأسهمت كتاباته التعرف على دراسة الشعوب البعيدة عن ديار العرب. 

 

 

(صورة: في رحلته التقى ابن فضلان بمجموعة من التجار الفايكنغ على نهر ضفاف نهر الفولجا فيما يُشكل الآن غرب روسيا)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب