news-details

تجربة تربوية طريفة: الصمت المدوّي! | فتحي فوراني

عندما كذبت سهير.. وكان الصمت مدوّيًا!

اليوم الأول:
جمع المعلم أوراق الامتحان.. وعاد إلى البيت.
في ذلك المساء.. وعلى فنجان قهوة.. قام بتصليح الأوراق.. وتسجيل العلامات في قائمة أسماء الطلاب.. لتسليمها إلى السكرتيرة.
جميع الأوراق صلحت.. غير أن ورقة سهير.. لم تكن موجودة إطلاقًا!
**
اليوم الثاني:
يسأل المعلم سهير: هل كنت أمس في الصف عند تقديم الامتحان؟
- نعم أستاذ.
- هل قدمت ورقة الامتحان؟
فأجابت وبراءة الأطفال في عينيها:
- نعم أستاذ!
قال المعلم: "لا بد أن تكون ورقة الامتحان ضائعة وتائهة في غابة الأوراق المبعثرة على طاولة المكتبة في البيت. سأبحث عنها!
**
اليوم الثالث:
تأتي رلى صديقة سهير إلى غرفة المعلمين وتطلب مقابلة الأستاذ.
- أستاذ.. أريد أن أقول لك شيئًا.
- تفضلي يا رلى.
- سهير خجلة منك.. وتشعر بالندم.. ولا تجرؤ على مواجهتك!
- لماذا؟
- إنها لم تقدم لك ورقة الامتحان.. وعزّ عليها أن تغلبك.. أن تفتش عنها.. ولا تجدها.. وتذهب جهودك عبثًا!
فورقة الامتحان أصلًا.. غير موجودة!
لقد كذبت سهير عليك!
ثم تسأل رلى الأستاذ:
- ماذا تريد أن تفعل.. أستاذي العزيز؟
فصمت الأستاذ برهة وفكر قليلًا ثم قال:
لا شيء!
**
اليوم الرابع:
يدخل الأستاذ إلى الصف.. متجاهلًا هذه الفعلة تجاهلًا تامًّا!
ويجري الدرس عاديًّا.. ويحافظ الأستاذ على ضبط النفس.. فيجيد التمثيل..
لم يلمّح .. ولم ينظر إلى عيني سهير.. كأنها غير موجودة.. وكأن شيئًا لم يكن!
**
اليوم الخامس:
يكون كأخيه الذي يصغره سنًّا.. اليوم الرابع.. 
وعندما يسأل الأستاذ سؤالًا.. يلاحظ أن سهير بدأت ترفع إصبعها بحماس.. وتريد أن تجيب. وفي كل سؤال يطرحه يزداد حماسها.. فتتوالى الأسئلة.. ويتسارع منسوب الحماس.. ويطغى إصبعها على أصابع زملائها!
ويعطيها الأستاذ فرصة الإجابة أسوة بغيرها من الطلاب!
وكل هذا دون غمز أو لمز.. ودون تلميح أو تصريح!
**
اليوم السادس:
يكون نسخة طبق الأصل عن اليوم الخامس. لولا أن حدث شيء!
في نهاية الدرس.. تقف سهير على مدخل الصف وقفة خجولة.. وفي عينيها كلام!
يدخل الأستاذ إلى الصف.. متجاهلًا رغبة خفية تشتعل في نفس الطالبة!
فالأستاذ يلتزم الصمت!
وتسير الأمور على نار هادئة!
**
اليوم السابع:
تقف سهير بالباب.. تنتظر مجيء الأستاذ وفي عينيها شوق!
يهلّ الأستاذ ولا ينبس ببنت شفة!
تبدأ الحصة وتسير بشكل عادي.. وينطلق حماس سهير بخط بياني تصاعدي!
ويزداد نشاطها.. فتصل الذروة.. وتتألق في إجاباتها!
أما الأستاذ فيلتزم جانب الصمت.. ويكون صمته مدوّيًا!
وكأن شيئًا لم يكن!
**
اليوم الثامن:
تقف سهير بالباب تنتظر قدوم الأستاذ.. وتقرر أن تبقّ الحصوة.. وتميط اللثام عمّا يعتمل في صدرها.. ويؤرقها.. ويقضّ مضجعها.
إن صمت الأستاذ يرعبها!
يحضر الأستاذ.. وقبل أن تنبس بحرف.. يبادرها بالسؤال:
- متى تستطيعين تقديم الامتحان!؟ يجب أن أسلم العلامات إلى السكرتيرة.
تنتعش سهير.. لقد انزاح جبل عن صدرها.. فتتنفس الصعداء.. وتتهلل أساريرها!
أخيرًا تكلم الأستاذ.. بعد صيام دام أيامًا سبعة!
ويطلب منها أن تعيّن هي موعدًا للامتحان يكون مريحًا لها!
الكرة في ملعبها!
**
اليوم التاسع:
تحضر سهير إلى المدرسة.. وهي على أتم الاستعداد لتقديم الامتحان.. وكلها رغبة في تقديم امتحان يزيل آثار زلتها.. ويعيد ثقة أستاذها بها .. ويفتح صفحة جديدة في علاقتها معه.
وهنا تكون المفاجأة التي لم تتوقعها!
لقد كان الامتحان نفس الامتحان السابق.. الذي تهربت منه!
**
اليوم العاشر:
عادت ورقة الامتحان إلى صاحبتها بعد التصليح.. ونالت علامة جيدة جدًّا.. مع حبة مسك زيادة!
وصافي يا لبن!
**
ومنذ ذلك اليوم.. حملت سهير تلك الحكاية في حقيبتها أينما ذهبت.. وراحت تحكيها لأصدقائها وصديقاتها ومعارفها وأبنائها، وازداد تقديرها لأستاذها وحكمته التربوية في تخليصها من الورطة التي وقعت فيها.. فلا "انتقام" موهوم في العلامة.. ولا توبيخ.. ولا تأنيب.. ولا قصاص.. ولا عقاب.. ولا حتى همسة عتاب.. كم تمنّتها!

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب