كنت لفترة ما مرشدا للكتابة الإبداعية في المدارس العربية وهو موضو ع مهم إذ يحرر الطالب من الكتابة الروتينية الممجوجة ويجعله يُخرج على الورق مكنونات نفسه ومشاعره. على سبيل المثال، إذا طلبنا من الطلاب أن يكتبوا على موضوع إنشائي "وصف يوم ماطر" يكتب الطلاب نفس الأفكار، صحيح انّ بعضهم يكتب بلغة جزلة وآخرون يكتبون بلغة عادية، لكن جميعهم يكتبون بنفس الروح، الروح المحايدة، فيصفون المطر وغزارته والأرض وما تحول إليه من وحل وطين وابتلال الجسم والشعر بالماء الخ..
أمّا إذا طلبنا من الطلاب أن يكتبوا" بللني المطر"، فيكتب كل طالب ما يشعر به ولا يكون محايدا فهو في قلب الحدث ويبرز خوفه او فرحه وأثر سقوط المطر عليه وهنا تختلف مشاعر هذا الطالب عن ذاك، وقد جربت هذه الطريقة في أكثر من مجموعة وكانت المفاجأة سارة فلم تكن الكتابة متشابهة بعضهم طوّر حوارا مع المطر فأنسنه وهذا ما لا يمكن الوصول إليه في" وصف يوم ماطر". وبعضهم ابرز سروره لتساقط الامطار على رأسه وتمنى أن يشتد هطول المطر، وبعضهم كتب عن إسراعه للوصول ألى مكان يقيه من شدة المطر.
والكتابة الإبداعية تتطلب الحرية المطلقة فالطلاب لا يجلسون بالشكل التقليدي، بل يختار كل طالب المكان الذي يرتئيه وشكل الجلوس الذي يريحه، وهذا يزيد من عطائه وإبداعه وفي البداية لا يحاسب الطالب على الأخطاء اللغوية لأننا نهدف اولا ان يخرج مكنونات صدره وان يبدع في الكتابة، وفقط عندما يثق بنفسه وقدراته نبدأ تدريجيا بتصحيح أخطائه اللغوية. لأنّ الكتابة الإ بداعية تركز على النقاط الإيجابية المضيئة عند الطالب وهذا يزيده ثقة بنفسه.
ومن تجاربي مع المجموعات التي عملت معها أنّ احدهم لم يكتب شيئا وسأل إن كان بإمكانه أن يرسم فوافقته على اختياره وعدت إليه بعد قليل، فوجدت أنّه رسم نسرا جميلا وكنت في نهاية كل عام اختار اجمل ما كتبه كل طالب ففعلت ووضعت الرسمة التي ابدعها ذلك الطالب على غلاف المجلة وهذا الأمر قلب هذا الطالب رأسا على عقب، للأفضل طبعا.
إضافة تعقيب