news-details

ثلاث قصص| محمود شقير/ القدس

طابع إيفانكا

حين زارتنا إيفانكا بصحبة أبيها الرئيس وزوجها المستشار قلنا إن خيرًا عميمًا سيصيب البلاد.

 اقترحنا على مقرّبين من أولي الأمر أن يبادروا إلى تكريم إيفانكا الجميلة بأمر سيظل أثره ساريًا بين العباد، طلبوا مشورتنا فأشرنا عليهم أن يصمموا طابعًا بريديًّا مزينًا بصورة الجميلة إيفانكا التي لها قوام فتان وعينان ساحرتان، وهذا ما كان.

 خرج الطابع البريدي إلى حيز التداول وأصبحت صورة الأميركية الجميلة ابنة الرئيس ترامب على كل لسان؛ نعم على كل لسان، ولو كنّا نعلم أن الأمر سيكون على هذه الشاكلة من التندر والاستخفاف لما اقترحنا هذا الاقتراح، كنّا سنقترح منحها هدية بمليون دولار أو أكثر، ولن يخسف هذا المليون ميزانية أولي الأمر، إذ سيضاف بكل خفّة إلى الملايين الكثيرة التي تفضل والدها بقبولها هدية واجبة للضيف الكبير.

 التندر والاستخفاف وردا إلى أسماعنا من "عيوننا" المبثوثين في كل مكان، الذين يوافوننا بما يتفوّه به الرعاع في البلاد، ذلك أنهم حين يدخلون مكاتب البريد لإرسال الرسائل إلى ذويهم في الخارج أو إلى الأصدقاء في أي مكان، يشترون الطابع الذي تزينه صورة الأميركية الشقراء، يتأملون جمالها ثم يلحسونها بألسنتهم النهمة ويلصقونها على مغلفات رسائلهم، ويخرجون وهم يتندّرون قائلًا الواحد منهم للآخر: "لحست قفا إيفانكا باستمتاع". ويقول الآخر: "لحستها من الخدين والشفتين ومن القفا وأنا مستثار".

 يجري هذا الشبق الفوّار، وهذا التندّر اللئيم ونحن حتى الآن لا ندري ما الذي سيفعله الرئيس وصهره لو علما بهذا التجاوز الخطير للخطوط الحمر التي لا يجوز اجتيازها نحو حمى الرئيس.

 باختصار؛ سنرسل اقتراحًا إلى أولي الأمر لإصدار قرار يحرّم اللحس بالألسنة، والاكتفاء بترطيب الطابع الذي يحمل صورة الجميلة الشقراء باسفنجة مضمّخة بالماء، مثبّتة في مكان بارز في مكتب البريد، للصقه أمام مراقب عتيد، فلا يجري المساس بإيفانكا المحبوبة حماها الله.

 أو سنقترح على أولي الأمر التكرّم بسحب طابع إيفانكا من التداول، نكاية بهؤلاء الرعاع الأشرار، وكفى الله المؤمنين شر القتال.

 

***

تطبيع بالعافية

جاء رهوان العبد اللات في الظهيرة بعد أن استأذنني بالقدوم إلى بيتي، وبدا عليه استياء ملحوظ.

 وقبل أن أسأله عن حاله بادرني بالقول:

 -يا عم، هذا الأفيخاي أدرعي زادها وأطلع رِجلها، ولم يُبقِ مجالًا لتحمّل دمه الثقيل، وهو الذي يظن أن دمه خفيف، أو شربات وسكّر على رأي أخوتنا المصريين.

 ينشر صوره على صفحات التواصل الاجتماعي ويتباهى بثمرات التطبيع المجاني مع العربان، ويقول إنه الآن في مطعم مغربي يتناول وجبة الكسكس من دون محاذير، ويضحك بملء فيه متفاخرًا بإنجازاته التطبيعية التي يتأبط بعضها بالعافية وبالتدليس المدان؛ مثلًا: يهنئ المطربة اللبنانية إليسا بعيد ميلادها، فترد عليه بقسوة وتقول إنه محتل قبيح.

 ولا يرعوي ولا يتراجع عن سلوكه الرقيع، يراسل مطربين وسياسيين وأصنافًا شتى من البشر في الوطن العربي الكبير لكي يبشر بما يدعيه سلامًا، وهو في حقيقة الأمر محاولة لفرض الاستسلام الذي شجعه عليه سلوكنا نحن الفلسطينيين بعد اتفاق أوسلو المذموم، وسلوك بعض العربان الذين طبّعوا وتحالفوا وباتوا يتحدثون عن تحالف أمني عربي إسرائيلي ضد إيران، بإشراف سيدهم الأكبر في واشنطن، يا للهوان، يا للهوان!

 حين أنهى كلامه سألته في استهجان:

 -ولكن ما الذي يعنيك من أمر هذا الأدرعي؟ يثقّل دمه على فنّانة عربية حرّة فتصدّه وتزجره وتهينه أبلغ إهانة، ويتجرأ على مراسلة فنّان عربي شريف فيهمله أبلغ إهمال. فما شأنك أنت يا رهوان؟

 قال:

 -يا عم، أخشى أن يصلني الدور وأن تطالني مراسلاته التطبيعية حين أدخل ميدان الكوميديا وأصبح نجمًا من نجوم الشاشة الصغيرة، ولست أريد تلك المراسلات.

 قلت:

 -هذه بسيطة يا رهوان، إنْ أرسل لك رسالة فما عليك إلا أن ترميها في سلة المهملات، أو أن تشطبها من مواقع التواصل الاجتماعي، وتلحقها بلعنة مستحقة لثقيل الدم؛ هذا المغرور السائب الفلتان.

 هز رهوان رأسه معجبًا بما قلت ثم مضى من غير كلام.

***

شجب واستنكار

هاتفني وقال:

 -اسمعني يا عم، اسمعني حتى النهاية.

 قلت:

 -تفضّل يا رهوان، هات ما عندك.

 قال:

 -ما رأيك يا عم بخصوص، شلّة العرصات، رؤساء بعض الدول الأوروبية الذين ركبوا القطار من بولندا وتوجهوا إلى كييف لزيارة الرئيس الأوكراني زيلينسكي؛ لدعمه عسكريًّا ولتشجيعه على مواصلة القتال بهدف استنزاف روسيا وإلحاق هزيمة بها خدمة لرأس المال الأميركي وللمجمَّع الصناعي العسكري هناك؟!

 لماذا يا عم لم يجرّبوا مرة واحدة القيام بزيارة جماعيّة إلى فلسطين تضامنًا مع الشعب الفلسطيني ضد المحتلين الصهاينة؟ لماذا؟

 أنا أجيبك يا عم، وأظن أن الأمر ليس خافيًا عليك:

 -إنها سياسة النفاق والكيل بمكيالين.

 وأنا لا أريد منك يا عم إلا شيئًا واحدًا: أن تستلَّ يراعك وتكتب رسالة شجب واستنكار وتعرية واضحة وفضح صريح لسياسة النفاق هذه، وأعرف سلفًا أنك ستقول لي: هذا هو ديدن الحكام العرب وجامعتهم العربية، فليس لديهم ولديها من وسيلة لدرء التغوّل والهيمنة والعدوان إلا الشجب والاستنكار.

 هل لديك وسيلة أخرى يا عم؟ أعلمُ أن العين بصيرة واليد قصيرة، فلنحتكمْ إلى رسالة شجب بليغة، وهذا في ظرفنا الراهن أضعف الإيمان.

 سلام عليك يا عم، سلام.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب