news-details

جدلية العنف والغيبيات

 

ان انتشار التخلف والتنافس الامبريالي يدفع الى ممارسة العنف باسم الدين. فطالما الدين دين البشر، سنجد دائما قوى توظف وتستغل العاطفة الدينية لنشر العنف. وواجب المتدين الصادق المساهمة بتحرير الدين من العنف. لان الدين في جوهره هو علاقة بين الخالق والمخلوق واحترام قدسية حياة كل انسان. ويجب التصدي المدروس والعقلاني لاهداف ومخاطر تحول التعصب والتزمت الديني لدى فئات ونُخب معينة إلى واقع اجتماعي وسياسي وفكري وبشري وتغليفه ببُعد إلهي. فواجب المؤمن الحقيقي أن يحرر الدين من الارتباط بالعنف لكي يتمكن من الانتصار على كل اشكال العنف والوصول الى اجماع بأن السياسة هي التي ورطت الدين في العنف.وأن تقديسَ أنشطتنا السياسية أمرٌ متأصل ومغروس في دوافعنا المصلحية والنفعية الضيقة. وهذا معناه ان البشر يفكرون بالسياسة بطريقة دينية مما يؤدي للانحراف عن الجوهر الحقيقي للدين وهو المحبة والتسامح واحترام الذات الالهية.

 

فمن طبيعة أية ايديولوجية بما في ذلك العقيدة الدينية ان تشمل مركبات تصلح لكل زمان ومكان واخرى يعيق التشبث بها مواكبة عصرنة الحياة. ولا مناص أن يتمخض في صفوفها تنافسات ومزايدات حول من يمثل العقيدة وحول مدى صفاء المعتقد وكيفية تطبيقه. ان تفعيل المخزون الحربي أو تفعيل المخزون السلمي يتوقف على القدرات التأويلية لحراس الحقل الديني وحلفائهم السياسيين،وعلى الظروف والصراعات والمصالح داخل كل حقل. ان اقصر الطرق لتفجير التعصب الديني تسويق تجار الدين لجمهور ديانة معينة ان معتقداتها هي الاحسن والامثل والاقرب الى الله.كما يدرك المتسربلون بمسوح التدين ان اثارة الفتنة، والعنف نحو افراد ديانة او طائفة اخرى هي انجع الوسائل لتخليد هيمنتها.
وعليه نجد فئات في مسيرة كل ديانة مسيحية وبوذية وهندوسية ويهودية واسلامية والسيخ وآخرين، قد تذرعوا بالعنف باسم الدين عندما كانت تتشابك وتتحالف الدولة والدين،ليصبح تأويل الدين اداة لخدمة وترسيخ قوة السلطة واساطين الثروة. ولقد قادتهم ايديولوجيتهم ومصالحهم لتسييس المؤسسة الدينية. وكانت اقصر الطرق لاثارة الفتنة الدينية تجييش مخزون ترسبات مشاعر الخوف والكراهية للغريب والمختلِف، وتطبيق ممارسات الاقصاء والتهميش وعدم المساواة في كافة المجالات لكل مجموعة لا تنتمي لدين الدولة،ليتحول في النهاية الى عنف جسدي جماعي. وتتوفر امثلة كثيرة للانزلاق والتورط في حروب اهلية وتنفيذ تصفية عرقية ودينية. ولتبرير ضرورة الفتك بكل من هو مختلف عن ديني، مذهبي وطائفتي.ولقد قام رجال دين ووعاظ وصوليون ونفعيون، بانتقاء وتحريف نصوص دينية لتصب في خدمة مصلحتها. والانكى انهم لم يخجلوا بتمويه الحرب الدينية كضرورية حتمية للدفاع عن الفرد والمجتمع ولكسر شوكة اعداء ديانتها، وتوظيف ميزانيات طائلة لنشر ديانتها. يناشدنا كل واقع مأزوم يعاني من توظيف العنف بكل اصنافه،التخطيط لدعم الحريات وفي مقدمتها وحرية من الدين واختيار ميكانيزم فعال وناجع لمقاومة ودحر كل من يتضامن ويدعم أو ينفذ التطرف باقنعة دينية.

علينا التخطيط والتطبيق لمنظومة تربوية تدعم القيم المشتركة بين ابناء البشر، قدسية حياة الانسان، شرعية الاختلاف بين الافراد، والمجموعات والديانات وهذا يقودنا للتسامح وتقبل المختلف عنا، والامتناع عن ممارسة اي عنف وخاصة الذي يرعاه ويؤججه تجار الأديان. ان انسانيتنا تفرض علينا البحث عن العوامل التي توحدنا وتقبل المختلف عنا، وان نغرس ونذوّت القيم والتوجهات التي تدفع مسيرة مجتعنا نحو التقدم والرقي وضمان العيش بأمن وامان.

ان تمتين كل الوشائج بين كافة شرائح المجتمع سيفضح الارتباط العضوي لآليات الترويج للعنف من منطلقات وفكر ديني مشوه، يحركه الجمود العقائدي والتمسك بشكليات التدين. وهذا يتطلب توفير منظومة تربوية تذوّت القيم المشتركة بين الديانات. وان ننقل للاجيال الصاعدة بانه لا توجد افضلية لدين على آخر واقتلاع عقيدة ان ديني هو المصدر الوحيد للحقيقة. كما علينا ان ندرك ان المؤسسات الدينية والتي تحكمها علاقات تراتبية يرفض القيمون عليها النقد، المراقبة والمساءلة الامر الذي سيوفر المناخ والارضية لتماديهم في اساءة استعمال قوتهم ونفوذهم. ان احد مخاطر مجتمع يسوده الاستقطاب الطبقي او تحكمه قوى رأسمالية او ايديلوجية شمولية (يمينية، او يسارية او دينية) ستوفر التربة والمناخ، لتفاقم التأثيرات والنتائج الهدامة لوعاظ الكراهية الدينية.

 

برأيي اذا استمر ت عولمة الوعظ والتحريض الديني المتفشي بشكل خاص في شبكات التواصل الاجتماعي (والتي يجهل الكثير منا القوى التي تختلقها وتمولها والارباح الفاحشة التي يكدسها هؤلاء الوعاظ) ستورطنا في دائرة مفرغة تُغذيها ايديولوجيات آسنة وفكر مقولب ونمطي متوارث يُجذر الكراهية العمياء ليزج بنا ويؤجج صراعات ومناكفات واحترابا دينيا عقيما، مما سيؤدي الى تدعيم العنف وارتكاب الجرائم باسم الدين، والدين ضحية بريئة لأحابيلها وديماچوچيتها.

اننا مطالبون بأن ندرك ونعي سلبيات الحفر في مآسي الماضي وتداعياته واسقاطاتها الهدامة على حاضرنا ومستقبلنا. برأيي التسامح مع جراح الماضي وخاصة الدينية سيحمينا من مآسي التطرف الديني. علينا التخطيط والتطبيق لمنظومة تربوية تدعم القيم المشتركة بين ابناء البشر، قدسية حياة الانسان، شرعية الاختلاف بين الافراد، والمجموعات والديانات وهذا يقودنا للتسامح وتقبل المختلف عنا، والامتناع عن ممارسة اي عنف وخاصة الذي يرعاه ويؤججه تجار الدين. ان انسانيتنا تفرض علينا البحث عن العوامل التي توحدنا وتقبل المختلف عنا، وان نغرس ونذوّت القيم والتوجهات التي تدفع مسيرة مجتعنا نحو التقدم والرقي وضمان العيش بأمن وامان. من الضروري ترسيخ كل نضال ايجابي وانساني ليحل السِلْم الاهلي والعالمي مكان الاقتلاع، الاقصاء والكراهية والعنف.إن كل واحد منا يرغب بتحقيق هذه الأجندة ويطمح العيش بمحبة، عليه ان يبدأ اولا بنفسه،لان فاقد الشيء غير قادر ان يطلبه او يوفره لغيره.

يتوجب على كل انسان، كان موحدا او بوذيا او ملحدا،ضرورة فصل الدين عن الدولة، وان يفقه ان السياسة ستبقى ميدانا لصراع المصالح والغاية عندها تبرر الوسيلة،وانها تتربص دائما لزج واستغلال الدين لخدمة مصالحها. ولقد اكد ميكافللي في كتابه الامر ذلك، بنصيحته للحاكم ان يتظاهر بالتدين لانه سيكون انجع وسيلة للسيطرة على شعبه،وتجنيده لخدمة مصالحه. انه ليس من التقوى ممارسة القتل والعنف باسم الله والدين، والكراهية باسم الله، وتفجير الحروب والنزاعات بادعاء ان الله يطالبنا بها، ونقسو ونحقد لخدمة الرحمة الالوهية. تذكر يا ابن آدم ان كل البشرية هم ابناء الله، و يناشدنا ايضا ان نتحرر وننفض صدورنا من الكراهية والضغينة والتربص للانتقام والفتك بالمُختلف عنا، والوعظ والتجريح والتبخيس والتزمت والجمود العقائدي. يستحيل الخروج من بوتقة التعصب بدون تعزيز ما يوحدنا ونبذ ما يفرقنا وهذا يمكن تحقيقه عندما تجمعنا الاخوة البشرية ومنظومة قيم مشتركة تكون مستمدة من احترام التعددية وتقبل المختلف عنا في دينه، مذهبه وفكره وخصوصيته، عندها سيتوفر الاساس للتعايش المشترك السلمي ليتجذر فينا حب الوطن والارض وتفضيل الانتماء الجمعي لهما على كل انتماء آخر، لتنير دربنا المقولة التي في خضم تناحرنا كدنا ننساها "الدين لله والوطن للجميع"إن فصل الدين عن السياسة وأمور الحكم، إنما يُحقق صالح الدين وصالح السياسة معاً. السياسة والدين مصدر قوة.. و اساءة استخدامهما يشكل خطرا علي الحياة العقلية ويزج المجتمع في اتون الدمار.

(شفاعمرو)

 

في الصورة: طفل سعودي يحمل شعارا ضد الطائفية (تويتر)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب