news-details

حزب المربع الحربي

عندما قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني في العراق عام 1941سارع قادة فرق الجيش العراقي الأربعة الى دعم هذه الثورة، لأنها كانت تسعى لتخليص العراق من حكم الوصي على العرش عبد الاله وعميل بريطانيا المعروف نوري السعيد، كما كانت هذه الثورة تهدف الى التخلص من النفوذ البريطاني على العراق، وقد اختار المؤرخون تسمية كبار الضباط الأربعة الذين دعموا ثورة الكيلاني "بالمربع الذهبي"، تذكرت هذه الواقعة من التاريخ أمام مشهد مشابه، قد يختلف ديكور الأحداث وزمانه،  لكن رقم أربعة هو الذي يطل مشمرًا عن تفاصيله.

وقف أربعة عسكريين احتياط من جيش الاحتلال الاسرائيلي على مشارف غزة وأخذوا يستعرضون عضلاتهم، ملوحين ومهددين مليوني مواطن فلسطيني يعيشون في غيتو، تضيق مساحته الأرضية ومساحته الجوية وتقل مياهه ـ غيتو يفرز يوميًا مرضى ومشوهين وفقرًا ووجعًا انسانيًا.

ثلاثة من الضباط جنرالات تبوأوا أعلى منصب في الجيش وهو رئاسة الاركان، والرابع اعلامي معروف عمل في مجلة "بمحنيه" التي يصدرها الجيش.

عندما وقف هذا الاعلامي العسكري مع زملائه الضباط الثلاثة الآخرين وهم زعماء حزب "كحول لفان" قال : عندما يتسلم حزب كحول لفان – أزرق أبيض – السلطة في البلاد سنستبدل حقائب الدولارات التي يحصل عليها الفلسطينيون في قطاع غزة باطلاق الصواريخ الى عمق غزة لتدمير ما يمكن تدميره.

أما الثلاثة الباقون فقد تحدث باسمهم وباسم حزبه الجنرال بنيامين غانتس قائلًا : اذا لم يلتزم الفلسطينيون في قطاع غزة بالهدوء وقبولهم واقع الحصار، سوف نقتحم ونجتاح كل المناطق التي تسيطر عليها حماس، سيكون هجومنا كاسح بالدبابات وكل ما نملك من آلة حرب اليابسة، سوف نجعل الحرب تطول كيفما نريد ونوقفها عندما نريد.

الجنرال بنيامين غانتس المعروف بهرطقته وبدعه السياسية وبالضرائب الكلامية التي يطلقها منذ لفظه نتنياهو وشكل حزبًا جديدًا يحمل أسم الوان العلم الاسرائيلي، يعرف أن هذه التصريحات التي يطلقها هو وغيره من قادة وزعماء الاحزاب السياسية في اسرائيل لا تطرح أي مشروع للسلام ولا تتحدث عن اصلاحات اجتماعية أو اقتصادية داخل المجتمع الاسرائيلي.

غالبية الاحزاب ومن ضمنها حزب  غانتس وجنرالاته لا تتحدث الا عن الحروب القادمة، خاصة مع محور المقاومة وفي مقدمتها ايران وحزب الله ومن ثم سوريا والمقاومة في قطاع غزة، الحرب وسفك الدماء واستمرار الاستيطان وتهويد القدس وضم اراضي الضفة الغربية، جميعها تتحول في معركة الانتخابات الى اسواق سياسية، وهي أكثر البورصات الرابحة في الانتخابات التي تساعد على رفع اسهم الاحزاب والحصول على أكبر عدد من الناخبين.

بنيامين غانتس وزميله السفاح يعلون والزميل الآخر اشكنازي اتقنوا هذه اللغة ويعرفون أن هذا المناخ هو الذي يسود الأجواء الاسرائيلية، لقد تربوا ونشأوا في هذا المناخ، واليوم يقومون بشحنه بالمزيد من الوعود الدموية والتهديد بالمزيد من الدمار، لأنهم يعرفون نفسية غالبية المواطنين في اسرائيل.

لقد غابت كلمة "سلام" من ذاكرتهم، وقادتهم يعرفون نوعية " الطعم " الذي يقدمونه على صنانير صيد الأصوات لكسب ثقتهم، الشحنات الوحيدة التي تلفت نظرهم وتكسب ثقتهم هي المزيد من الحروب والقتل وسفك لدماء والمزيد من التنكر لحقوق الشعب الفلسطيني والمزيد من مصادرة الأراضي واقامة المستوطنات والمزيد من سن قوانين العنصرية والمحافظة على ما ورد في قانون القومية العنصري.

هذه هي البنود والبرامج الانتخابية التي يريدها المواطن الاسرائيلي اليهودي المتوسط، لم يعد هذا المواطن، بدون تعميم، يقبل أو يرغب سماع أي شيء غير لغة الحرب والقوة، الحرب بالنسبة لغالبية المواطنين في اسرائيل أصبحت من الفرائض الحياتية والضروريات المقدسة، وهذا بكل اسف ينتقل من جيل الى جيل، والسبب ان أحدًا لا يعاقبهم سياسيًا أو اقتصاديًا ولا حتى عسكريًا على الجرائم التي يرتكبونها.

كل شيء يحصلون عليه مجانًا، السلام من كل من مصر والاردن حصلوا عليه مجانًا وتحولت أنظمة هاتين الدولتين الى نواطير لحماية أمن وحدود اسرائيل، لقد كشفت وزيرة السياحة الاردنية السابقة عن تواطؤ النظام في بلادها مع اسرائيل، تواطؤ المؤسسات العلمية والتاريخية، لقد ذكرت في تصريحها بأن السياح اليهود الذين قدموا الى الأراضي الأردنية خاصة الى مدينة البتراء التاريخية، كانوا يدفنون نقودًا وعملات اسرائيلية في الرمال ، كي يبينوا في المستقبل بأن هذه الأراضي اسرائيلية، وغيرها من الصور والسلوكيات التي كانت تهين القيمة السياسية للملكة.

عدا عن ذلك فإن زحف الأنظمة العربية للتطبيع مع اسرائيل يزداد يومًا بعد يوم، الى درجة أن غرور نتنياهو دفعه للقول بأننا نحن من نختار الدول العربية التي نرغب بالتعاون معها.

ان الاعتداء على المصلين الفلسطينيين صبيحة عيد الأضحى المبارك من قبل شرطة اردان بايعاز من نتنياهو لم يحرك ضمير أي زعيم عربي داخل الأقطار العربية، حتى الأزهر أهم وأقوى وأكبر مؤسسة دينية اسلامية لم يصرح ويتفوه بأي كلمة، أو يستنكر دوس شرطة الاحتلال على سجاجيد الصلاة وتهديد المصلين.

سفارة السيسي وسفارة النظام الاردني لم تتململ ولم تقدم أي احتجاج على اعتداء الشرطة وتدنيس المستوطنين لقدسية أولى القبلتين.

اسرائيل المدللة أصبحت تحصل على ما تريد من عواصم الأنظمة العربية الرجعية التي تدور في فلك امريكا وفي كثير من الحالات من الفلسطينيين.

عندما تساءل الكثير من الأصدقاء في الأقطار العربية على صفحات التواصل كيف تطلبون أيها الفلسطينيون من العرب عدم التطبيع مع الاحتلال في الوقت الذي يشاهد فيه العالم تغلغل التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، يشاهد العالم رئيس السلطة الفلسطينية يحتضن حفيدة رابين – وما أداراك من رابين – ويقول لها : أنت من نسل بطل السلام.

وقبلها رأينا عشرات الصور لصائب عريقات مع ليفني وجبريل الرجوب والعديد من المسؤولين السياسيين الفلسطينيين في لقطات حميمة مع الاسرائيليين.

هل من حق الرئيس الفلسطيني اصدار فتوى وشهادة براءة للسفاح رابين، الذي امر بتكسير عظام شباب الانتفاضة الأولى، هل هذا الاحتضان يعبر عن حالة اليأس أم حالة الترهل أم حالة اللاشيء؟ من يستطيع الاجابة عن هذه الاسئلة، وقوافل التصريحات والصور تمر أمامنا يوميًا حيث تزرع في أعماقنا الغضب الذي لا نعرف متى يسطع..وما زالت فيروز تصرخ.. الغضب الساطع آت... 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب