news-details

حول المادية الجدلية (3)

 

تدعونا الماركسية دائما الى البحث عن المصالح الطبقية المادية الاقتصادية التي تكمن خلف كل البيانات والمبادئ والمؤسسات والسياسة وتحركها، وهي تدعونا ألا نحترم الافكار والمؤسسات التي تخدم الطبقة الرأسمالية ضد الطبقة العاملة بل ان نحتقرها وان نناضل من اجل افكار جديدة، ومؤسسات جديدة تساعد وتلهم تنظيم التحالف الواسع بين كل الشعب العامل لتحطيم سلطة الرأسماليين والتغلب على مقاومتهم وبناء مجتمع المستقبل المجتمع الشيوعي.

واخيرا فالنقطة الرابعة تثير اكبر اهتمام: "4 لتوليد هذا الوعي الشيوعي بشكل جماهيري كما لبلوغ هذا الهدف نفسه من الضروري التغيير الجماعي للناس، وذلك ممكن فقط في حركة عملية في الثورة، اذا فالثورة ضرورية ليس فقط في حركة عملية في الثورة، اذا فالثورة ضرورية ليس فقط لأن من غير الممكن اسقاط الطبقة السائدة بوسيلة اخرى، بل ولأن الطبقة المُسقطة يمكنها في الثورة فقط ان ترمي عن نفسها كل القذارة القديمة، وتصبح قادرة على خلق الاساس الجديد للمجتمع (الايديولوجية الالمانية ص 94 – 95).

وهكذا فالثورة عملية ذات حدين موحدين: تغيير ظروف حياة الناس وفي الوقت نفسه تغيير ذوات الناس القائمين بالثورة"، هذه الفكرة الرائعة تعود الى ماركس، "ان اتفاق تبدل الظروف والنشاط الانساني أي التبدل الذاتي لا يمكن بحثه وفهمه فهما عقلانيا الا بوصفه عملا ثوريا. (راجع موضوعات عن فورباخ الموضوعة الثالثة)، هذا ما كتبه ماركس في موضوعات عن فورباخ". وكما قيل في كتاب "الايديولوجية الالمانية – "في النشاط الثوري يجري تبدل الذات نفسها في آن واحد مع تحول الظروف" والمادية التاريخية هي الوحيدة التي تعلم المناضل، كما تعلم العالم، ان لا يضيع في معركة الافكار، وان يساوي بينها في القيمة، وان يميز المصالح الطبقية التي تخفيها. وهنا اريد ان اؤكد بان حياة المجتمع الفكرية انعكاس لحياته المادية، وفي كل مرحلة من مراحل التاريخ في جميع المجتمعات جنبا الى جنب، افكار مختلفة متناقضة لأنها انعكاس لتناقضات المجتمع الموضوعية ومع ذلك فلا تتساوى هذه الافكار في القيمة، منها ما يصبوا الى الابقاء على المجتمع في اوضاعه القديمة ومنها ما يسعى الى تجديد هذا المجتمع، وتكون حركة الافكار المتعارضة انعكاسا لنضال الطبقات في المجتمعات التي يوجد فيها نضال الطبقات المتعارضة، وفي المجتمع الرأسمالي يجري مكافحة واضطهاد الافكار الجديدة الثورية ونزاع الطبقة المسيطرة الفكري المنظم، فهما من ميزات المجتمعات التي يوجد فيها استغلال الانسان على يد اخيه الانسان.

ولقد خيل للطبقة البرجوازية انها تشتهر اذا ما اعلنت عن حرية النزاع الفكري، اما في الواقع فهو ان الامر لم يتعد حرية الرأي، ضمن الفلسفة الفكرية البرجوازية وهذه حقيقة ستزداد وضوحا مع انحطاط هذه الطبقة. ولهذا نجد في عصرنا الحالي عصر الاقتصاد الرأسمالي المجنون بعض مؤيدي وداعمي هذا النظام الادعاء بعدم وجود ازمات او مشكلات في النظام الرأسمالي على المدى الطويل (سأكتب لاحقا عن ازمات ومشكلات النظام الرأسمالي وتركيز رأس المال). غير ان هذه الافكار لا تكتفي بفلسفة النظام الموجود، بل هي وسائل للنضال فيسعى رأس المال باذاعتها الى المحافظة على الوضع المواتي له، كما انه يهيء الاذهان لتقبل المقررات الجديدة من قوانين واجراءات سياسية توطد اركان الرأسمالية، وهكذا تعكس هذه الافكار التي تنشرها الطبقة المسيطرة، مصالحها كما انها تخدم هذه المصالح، وهذه الافكار لنظام رأس المال هي البناء الفوقي لهذا النظام، وما يصح على فكرة معينة تنشرها الصحافة يوميا يصح ايضا على النظريات الفلسفية لطبقة رأس المال مثل "صراع الحضارات" و"نهاية العالم"، وهذه الافكار بعيدة كل البعد عن الحقيقة الموضوعية لأن التناقض الاساسي للرأسمالية هو التناقض بين الانتاج الاجتماعي وبين التملك الرأسمالي، وعلى اساس هذا التناقض يتطور الصراع بين الطبقات في المجتمع الرأسمالي.

ويحدث التحول الاجتماعي، الوثبة الى مرحلة كيفية جديدة من التطور الاجتماعي نتيجة لهذا الصراع بين الاتجاهات المتضادة بين القوى المتضادة الناشئة على اساس التناقضات الكامنة في النظام الاجتماعي الرأسمالي وعلى هذا يجب على الطبقة العاملة ان تتعلم كيف تفهم الوضع الاجتماعي على ضوء قوانين الجدل والمادية التاريخية لكي تستطيع ان تقوم بالثورة الاجتماعية – احداث القفزة النوعية للمجتمع – وعليها مسترشدة بهذا الفهم ان تضع استراتيجية صراعها الطبقي وتكتيكاته على اساس التحليل المحدد للوضع الواقعي في كل مرحلة من مراحل الصراع، وفي النهاية اكتب ما كتبه انجلز في مقدمة "الاشتراكية الخيالية والاشتراكية العلمية" يقول ان المفهوم المادي للتاريخ:

"يبحث عن السبب النهائي والقوة المحركة الكبرى لكل الاحداث التاريخية الهامة في التطور الاقتصادي للمجتمع، في التغييرات في اسلوب الانتاج والتبادل وفي ما يعقب ذلك من انقسام المجتمع الى طبقات متميزة، وفي صراع هذه الطبقات ضد بعضها البعض". والقانون الاساسي للتغير الاجتماعي هو القانون الذي يحكم التغيرات في اسلوب الانتاج، فنمو قوى الانتاج يتنازع مع علاقات الانتاج القائمة ويؤدي الى الثورة الاجتماعية والى انهيار النظام القديم لعلاقات الانتاج وخلق نظام جديد، والى التطويح بالطبقة الحاكمة القديمة ووصول طبقة جديدة الى السلطة، وفي رسالة الى ج. بلوخ في 21 ايلول عام 1890 كتب انجلز في رسالى: "انني وماركس نتحمل جزءا من اللوم على حقيقة ان الكتّاب الشبان احيانا ما يركزون على الجانب الاقتصادي اكثر مما يستحق، فلقد كان علينا ان نؤكد هذا الجانب الرئيسي في معارضة خصومنا الذين كانوا ينكرونه، ولم يتح لنا دائما الوقت او المكان او الفرصة لكي نولي العناصر الاخرى المشتركة في التفاعل ما تستحقه"، واستطرد انجلز في الرسالة نفسها قائلا: "وفقا للمفهوم المادي للتاريخ فان العنصر النهائي المحدد في التاريخ هو انتاج الحياة الواقعية وتجدد انتاجها، ولم يؤكد ماركس ولا انا اكثر من ذلك ابدا، ومن هنا فاذا لوى احد هذا القول ليعني ب هان العنصر الاقتصادي هو العنصر المحدد الوحيد فانه يحول هذه القضية الى عبارة حمقاء مجردة فارغة لا معنى لها". كما قال انجلز في رسالة الى هـ. ستاركينبورغ بتاريخ 25 كانون الثاني عام 1894:

"ان التطورات السياسية والقانونية والفلسفية والدينية والادبية والفنية الخ... تقوم على اساس التطور الاقتصادي، لكن هذه جميعا تؤثر على بعضها البعض كما تؤثر في الاساس الاقتصادي، فليست المسألة هي ان الظرف الاقتصادي هو السبب وانه هو الشرط وحده في حين ليس لاي شيء آخر سوى تأثير سلبي، بل ان هناك بالاحرى تفاعلا على اساس الضرورة الاقتصادية التي تؤكد ذاتها دائما في النهاية". وكتب انجلز في رسالة الى س. شميدت في 27 تشرين الاول عام 1890: "ان الاقتصاد لا يخلق شيئا جديدا كلية"، لكنه يحدد الطريقة التي تتغير بها مادة الفكر القائمة وتزداد تطورا" (المصدر السابق)، ولهذا الفهم المفصل للعوامل السياسية والايديولوجية واساسها وتأثيرها بالطبع اهمية حيوية في التحليل الذي يجب ان نقوم به للوضع الراهن بهدف تخطيط سياستنا العملية، النضالية الكفاحية، من اجل احداث القفزة الثورة الاجتماعية وبناء مجتمع المستقبل – المجتمع الشيوعي.

وتدعونا الماركسية دائما الى البحث عن المصالح الطبقية المادية الاقتصادية التي تكمن خلف كل البيانات والمبادئ والمؤسسات والسياسة وتحركها، وهي تدعونا ألا نحترم الافكار والمؤسسات التي تخدم الطبقة الرأسمالية ضد الطبقة العاملة بل ان نحتقرها وان نناضل من اجل افكار جديدة، ومؤسسات جديدة تساعد وتلهم تنظيم التحالف الواسع بين كل الشعب العامل لتحطيم سلطة الرأسماليين والتغلب على مقاومتهم وبناء مجتمع المستقبل المجتمع الشيوعي.

وفي النهاية لم يستخدم كارل ماركس مصطلح "المادية التاريخية" ليصف نظريته وقد ظهر مصطلح المادية التاريخية لأول مرة في كتاب فريدريك انجلز "الاشتراكية الطوباوية والعلمية" في عام 1880. ويتضح اهتمام ماركس البدئي بالمادي في اطروحة الدكتوراة الخاصة به، التي قارنت بين الذرية الفلسفية (المذهب الذري) لديموقريطس والفلسفة المادية لإبيقور، وكذلك في قراءاته الوثيقة لآدم سميث وكتاب آخرين في الاقتصاد السياسي الكلاسيكي، وضع وفصل ماركس وانجلز تصورهما المادي للتاريخ لاول مرة داخل صفحا "الايديولوجية الالمانية" في عام 1845، وهو مجدالة ضد الهيغليين الشباب امثال لودفيغ فورباخ وبرونو باور وماكس شتيرنر، ان المادية التاريخية تمثل ثورة في الفكر الانساني.

(يتبع)

  • المراجع:

  • انجلز – ضد دوهرنج

  • بغاتوريا – ملامح المستقبل

  • مدخل الى المادية الجدلية – موريس كورنفورث

  • اصول الفلسفة الماركسية- جورج بوليتزر

  • ماركس انجلز – مختارات المجلد الاول

 

 

في الصورة: عمل نحتي تخليدا لماركس وإنجلز في برلين

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب