news-details

حُلُم، شيوعيّون، وما العمل؟

كي لا آخذ القارئ/ة الى متاهات واستفسارات، عن هذا العنوان الغريب، أقولها من البداية: العنوان لثلاثة كتب صدرت حديثًا:حُلم وحطام، شيوعيّون جدد، وما العمل الآن، وخيوط متشابكة تربط بينها من حيث: النّهج، السّيرة، المعالجة والتّوجّه، قد يكون توارد خواطر، نفس المناهل والموارد، نفس الطّريق والتّطلّعات: ماضيًا، حاضرًا ومستقبلًا لطلائعيّين محترفين، عانَوا نفس المُعاناة، في نفس البيئة الاجتماعيّة والسّياسة المُمنهجة، لذا نجد تواجد توجّهات متشابهة، مواضيع في صميم الصّراع الطّبقي والعرقي، تُحاكي بعضها، خطوط تماس، وشبه تطابق في معايير وقِيَم أيدلوجيّة.

نُطِلُّ على ثمرات المطابع العبريّة، تَطْفَحُ بسيل من الإصدارات في مختلف المواضيع، أقربها إلى نفوسنا تلك التي تتطرّق إلى وجودنا وقضايانا في الوطن، تَهِلُّ علينا منها ثلاثة:

شيوعيّون شرقيّون، الكفاح ضد التمييز الطائفي ولِأجل حقّ السّكن، تمار جوجانسكي، دار النّشر: برديس/فردوس، 2018، الصّفحات 200.

2) ما العمل الآن/ دوف حنين وداني فيلك، مكتبة:عليات جاج ( السّدّة)/يديعوت أحرونوت/ حيمد، 2019، الصفحات 344. 

3 ) حُلم وحُطام/ كرميت جاي، قصّة الشيوعيّين العبريين 1943 -1949، دار النّشر كيتر (تاج)2019 ، الصفخات 312.

القطع متوسّط للكتب الثلاثة، وهي بالعبريّة، تمار ودوف عضوا كنيست سابقَين عن الحزب، داني فلك بروفسور ومحاضر جامعي، كرميت جاي إعلاميّة ابنة لشيوعِيَّين عريقين، القرية التّعاونيّة يد حانة، للمؤلّفين جذور حزبيّة أو يمتّون للحزب بأواصر إجتماعيّة وطبقيّة.

نطوف بين الكتب الثلاثة، نقتطف بعض المواقف، نحاول المقارنة والمناظرة، لنجد ضالّتنا المنشودة هنا وهناك، مَن أرسَوا دعائم وأسس الحزب الشيوعي الإسرائيلي في أطواره ومسمّياته المختلفة، سيّان أكنوا من العرب أو اليهود، فهم أمميّون طلائعيون.

الإعلاميّة كرميت جاي من مواليد القرية التعاونيّة الشيوعيّة(يد حنّة)، عملت 35 سنة قي سلطة البثّ، منذ عام 2005 تُدير هيئة (الطاولة المستديرة) في المعهد الإسرائيلي للديمقراطيّة، أصدرت الكتب: مسيرة ليد حنّة، الملكة سافرت في الباص، وغيرها.

* البرلمانيّة السّابقة تمار، تعرف كزملائها من أين تؤكل الكتف، فصول كتابها هي: بداية الإدانة للتمييز الطّائفي، شقّ الطريق/ضيق واحتجاج، قادمو بلغاريا والصّراع في الأحياء السكنية في الرّملة واللد، شيوعيون قادمون من العراق ونضال سكّان المعبرات، مؤشّر وادي الصّليب، كفاح أحياء الفقر/شقّة مقابل شقّة، الحزب الشيوعي الإسرائيلي والفهود السّود. ومن بين اسماء القادة والرّواد الأمميين الذين تأتي على نشاطهم ومواقفهم/طبقًا للترتيب الأبجدي تذكر:محمد أبو اصبع، حنّا أبوحنّا، عثمان أبو راس، ناظم بدر، فوزي ضبيط، توفيق زيّاد، عبد الله الزّقوط، إميل حبيبي، حنّا مويس، جمال موسى، سهيل نصّار، حنّا نقارة، إميل توما، ومن الرّفاق والنشيطين اليهود تذكر: شارلي بيطون، عوزي بورشطاين، ساسون سوميخ، شمعون بلاص، موشي جباي، جوجانسكي الياهو، جونين بنيامين، فيلانسكي استر، ساسون خلاصجي، يهودا بن يهودا/يبي، سامي ميخائيل، لانجر فيليتسيا، مرتسيانو سعاديا، أسرة قوجمان، وغيرهم.كما تأتي تمار على ذكر الكثير من القرى والأحياء العربيّة، خاصّة أحياء يافا.

أمّا كرميت جاي، فَمن بين ما عالجته، الفصول التالية:عالَم مُسْتَقْطَب، أيّام ما بين الحروب، رياح الثّورة تَهبّ في البلاد، الفاشيّة العالميّة تُطلق أذرعها وفي البلاد أحداث أو تمرّد عربي، مسيرة للبنان، نحو الانقسام، تقسيم أو لا تقسيم، دولة ثنائيّة القوميّة، لِجان تأتي وتروح وحرب الوجود في أوجها، دولة يهوديّة وألحان جديدة من موسكو، الحياة في ظلّ الانتداب البريطاني، الحزب الشيوعي العبري، ركض وَجَسُّ نبض في كلّ الجهات، جيش واحد وسلاح واحد، شهر العسل كان قصيرًا، نهاية الطريق، ليس مؤتمر استمراريّة بل قبر، سمحة صبري تتوب وتتوب، إقفال الدّوائر.... .نتوقّف قليلًا في محطّة النّاشطة الأمميّة اليهوديّة اليمنيّة الجذور: سمحة صبري، مواليد 1913، اقترنت برضوان الحلو (موسى) لفترة ما، من فقر مدقع وبؤس وشقاء تشقّ الطّريق الى القمّة، تثقيف حزبيّ وأممي، نشاط أكّاديمي، عصاميّة وثوريّة، رسالة دكتوراتها / جامعة السّوربون الفرنسيّة: الحركات الشّعبيّة في بغداد في العهد العبّاسي، لم تلجأ الى أساليب العَوَنْطة(فويْلِشْتِك) في مسيرتها، بل حافظت على نهجها، وظلّت نقيّة بارّة، أمّا قرينها رضوان الحلو(موسى)، فقد قاد الجناح العربي المتطرّف في الحزب الشيوعي الفلسطيني، مواليد يافا، كان عاملًا في بلديّتها، انضمّ للحزب، بين عامَي 1931-32 أُرْسِل في بعثة دراسيّة إلى موسكو، ضمن الأمميّة الشيوعيّة/ الكومنتيرن، بعد عودته عُيِّن سكرتيرًا للحزب، بتوصية من خالد بكداش/ سكرتير الحزب السّوري، الحلو نحّى جانبًا نشيطي الحزب اليهود، اتّخذ له خطّ التّعريب في الحزب والمعارضة الشديدة للهجرة اليهوديّة للبلاد، طارده البريطانيّون واعتُقِل مرارًا وقرينته سمحة التي كانت زميلته على مقاعد الدراسة في موسكو، حين مثَلَت سمحة أمام القاضي (حشين) عام 1942، ظنّ أنّها عربيّة، فسألها: من اين لكِ هذه اللغة العبريّة الفصحى؟وحين اعترفت بيهوديّتها، قال لها: كُنتُ أفضّل أن تكوني في صفّ اتّحاد أبناء المستوطنات!

تُشير الباحثة كرميت جاي إلى أنّه تمّ اعتماد الحزب الشيوعي الفلسطيني كفرع للأمميّة الشيوعيّة/ الكومنتيرن عام 1924، بعد تعهّده بشروط العضويّة، وعلى رأسها العمل التنظيمي في صفوف السكّان العرب في فلسطين.

يُشار الى أنّه في كتاب: شيوعيّون في فلسطين لمؤلّفه د، موسى البديري، النّاشر: المؤسّسة الفلسطينيّة لدراسة الديموقراطيّة 2013، شظايا تاريخ منسيّ، ضمّ دراسات ومقالات لِ اميل توما: التّقسيم الذي لم يحدث، عقيبا أور: القاطع مع الصهيونيّة، تاريخ التنظيمات والأحزاب والمقاومة الفلسطينيّة ما قبل وما بعد 1948، الحزب الشيوعي الفلسطيني(عصبة التّحرر الوطني)، تاريخ التأسيس: 1 /12/1943، المؤسّسون: رضوان الحلو، فؤاد نصّار، إميل حبيبي، إميل توما، موسى الدّجاني وبولس فرح. 

دوف وزميله داني ولجا بعض الفصول معًا، وبعضها كلّ منهما على انفراد، من جملة المواضيع التي عالَجاها: لماذا يُمكِن ولماذا يجب إجراء تغيير، صعود وأخطار اليمين المتطرّف، الوجود والاشتراكيّة/ أين أخطأنا وماذا تعلّمنا، ديموقراطية واشتراكية في القرن الحادي والعشرين، من المقاومة الى التّغيير، إجراء تغيير في واقع النّزاع القومي، مكان لجميعنا/حُلم ممكن، هيّا الى الطريق، ما الواجب عمله حتّى نُؤثّر. وهذا يشمل الاقتراحات التالية ص 290 : عدم الخضوع للجور/بل دعم التضامن، إطلاق عنان الخيال والتّفكير خارج الإطار، التّنظيم لأن العمل الفردي لن يجدي، توحيد النضال/المقاومة والمبادرات، دعم وحدة الاختلاف لِأجل التغيير، تعلّم الخطاب مع الآخرين وتوسيع الدائرة، استخدام المجال الاجتماعي وشبكات التواصل، تشغيل السياسيين، تحديد الأهداف والإشادة بالنّجاح، ايجاد خبرات وتجارب في الأزمات وتفعيلها، لأجل ذلك يجب أن تكون الديمقراطية للجميع، الأمن للجميع وانهاء الاحتلال، اقتصاد للجميع، عمل وَمُتَّسَع للجميع، كذلك الصّحة وتربية الديمقراطيّة، السّكن، المواصلات، الثقافة والمساواة.

نجد بين رفوفنا العتيقة بقايا خمرة الرّوح: طريق فلسطين إلى الحرّيّة الصّادر عام 1947، مطبعة النّصر، وفي يافا الصّحافة العربيّة والبرتقال الحزين والحنين مع الأنين، عدد الصفحات 88، قطع صغير، كنّا نعالج بتواضع تام ثلاثة كتب عبريّة، وإذا بنا نُقرِنها بأخ غير شقيق، لإكمال الصّورة من زواياها المختلفة، فصول الكتاب:ما هي القضيّة الفلسطينيّة، النتائج العمليّة للانتداب، مشكلة الأراضي، الاستعمار ضدّ الشعب، قضيّة المُشَرَّدين اليهود وقضيّة الهجرة، مشكلة فلسطين تُهدّد السِّلم، بيان عصبة التّحرّر الوطني الفلسطيني، جاء فيه تحت عنوان وحِّدوا الصّفوف: وإنّنا ندعو شعبنا، وقد تبيّن الخطر المحيق بوطننا من تقرير اللجنة الدوليّة، ومن دسائس المُسْتَعْمِر والصهيونيّة، إلى تنظيم جهوده الوطنيّة وحشدها وراء طلب فلسطين الأساسي وهو: جلاء جيوش الاحتلال وإلغاء الانتداب وتحقيق الاستقلال التّامّ في ظلّ حكم ديمقراطي. إنّ هذا الطّلب الحق تؤيّده جميع القوى الديمقراطيّة في العالم، ولا تستطيع قوى الاستعمار نفسها أن تُنكره علينا، بل تختلق الأعذار المفتعلة، من خلاف عنصري وغيره، لتأخير تحقيقه.

نحاول لملمة الخيوط والشّمل بين هذه الكتب فيبدو لنا عن كثب أنّ المقام المشترك بينها هو: التعاون الكفاحي اليهودي العربي المحتوم، مهما تقلّبت الظروف والمواقف والتّطلّعات بين الشّعبين في هذه الدّيار، وانفراد شعب بالامتيازات والسّيطرة والقوّ ة على شعب آخر، لن يجدي نفعًا، ليس قريبًا أو بعيدًا، الغرور، التّبجّح، الوهم وإعادة استكتاب واستنساخ التاريخ من جديد، طبقًا لمبدأ القوّة والهيمنة والاستحواذ ونهش حقّ الآخر علانية، ستُبقي المنطقة على فوّهة بركان ثائر، وعلى كفّ عفريت، وإلى مزيد من سفك الدّماء الزّكيّة بين أبناء الشّعبَين في الوطن الواحد. العودة إلى الحلول والطّروحات التي دوّنها أعلاه دوف وزميله داني بها الكثير من الإنصاف والرّؤى العقلانيّة، حيث الحديث عن الجميع، وليس عن فئة واحدة قويّة على حساب الأخرى المُستضعَفة المُهمّشة، من جرّاء سياسة الإجحاف والتّمييز العلنيَّين من قِبَل السّلطة الحاقدة علينا.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب