news-details

خالد الذكر جمال موسى قائد شيوعي بارز بحركتنا النقابية

// جهاد عقل

تأخرت ولكن..

منذ فترة زمنية طويلة، وأنا أخطط للكتابة عن سيرة القائد النقابي الشيوعي خالد الذكر جمال موسى، خاصة وأنني قمت بجمع العديد من المواد عن نضالاته النقابية والسياسية، وعندما كنت أباشر الكتابة أجد نفسي عاجزا عن نقل جميع ما أعرفه من معلومات عن هذا القائد، واتوقف.. هل سبب ذلك قلقي من عدم تمكني من نقل كامل ما أعرفه عن هذا القائد؟ أم رهبتي من الدخول في مسارات نضالاته النقابية الصلبة ؟ لكنني عدت وصممت أن أتغلب على رهبتي من الخوض في مسيرته النضالية وثقتي بأن ذلك سيكون هاما لتوثيق هذه المسيرة التي تعتبر مسيرة نضال حزب ورفاقه، بل مسيرة نضال للطبقة العاملة الفلسطينية التي حاولت الحركة الصهيونية طمس معالمها، فحتى لو تأخرت ها أنا أقوم بالخطوة الأولى ايفاءا له.

 

سلسلة مقالات وكتيب.. توثيق لمرحلة هامة في تاريخنا النقابي

في أحد الأيام اتصلت بي رفيقة دربة الرفيقة سلوى موسى، وطلبت مني الحضور الى بيتها، بيت رفيقنا الراحل جمال موسى، وما كان أنها سلمتني مغلفا فيه مواد، قالت لي يومها بما معناه هذه المواد كان جمال قد احتفظ بها وخوفي ان تضيع ولا يهتم بها أحد، أسلمك إياها ربما تستفيد منها في المستقبل.

عندما عدت الى البيت فتحت المغلف ووجدت داخله العديد من المقالات، كتبها الراحل في صحيفة "الإتحاد" تناول فيها مختلف المراحل النضالية التاريخية، وكتيبا أصدرته منطقة عكا الحزبية بعد رحيله بعنوان "جمال موسى يتذكر.. كفاح الشيوعيين في ليل المآسي"، وعددا من الصور، لكن انشغالي في الهم النقابي اليومي والنضالات النقابية أديا الى عدم تمكني من العودة لهذه المواد وإيفاء الراحل حقه وتنفيذ الأمانة التي حملتها من رفيقة دربه.

من قراءة المقالات والكتيب وغيره مما كان في المغلف الكبير، اطلعت على مسيرة نضالية تاريخية  في المجالين النقابي والوطني، بما في ذلك التعرض للملاحقات والسجن وغيرها من وسائل البطش السلطوي اذا كان في فترة الانتداب البريطاني على فلسطين أم في مرحلة الحكم العسكري الإسرائيلي وما بعده،  التي واجهها الراحل ورفاقه لكن بصمود وعنفوان.

 

لمحة عن سيرة القائد النقابي جمال موسى

ولد النقابي الخالد جمال موسى بتاريخ 3/1/1920 في مسقط رأسه قرية أبو سنان الجليلية، وووري ثراه في ترابها يوم الثلاثاء 14/8/1988، وكان الرفيق الراحل قد اكمل دراسته حتى الصف الثالث ابتدائي في مدرسة قريته ابو سنان، وفي وقت لاحق قرر والده الانتقال الى مدينة حيفا، التي استقطبت القوى العاملة من مختلف أنحاء فلسطين في تلك المرحلة، وكان والده يعمل وفي مهنة البناء، ويكتب الراحل عن تلك المرحلة: "ذكرياتي عن والديّ ستبقى خالدة، فهما انجباني ومنحاني الحياة، وهما منحاني الانضمام الى صفوف الطبقة العاملة أنا وأخي نديم..". لكن ما حدث للعائلة بعد انتقالها الى حيفا بسنة كان فاجعة، بسبب وفاة والده وهو ما زال في ريعان شبابه وهو في الخامسة والثلاثين، مما أدى الى إصراره وبرفقته أخيه للبحث عن عمل، وجداه في منجرة  مقابل أجر خمسة قروش للواحد في الاسبوع وبذلك تعلم واتقن الراحل هذه المهنة بقوله" وأتقنت مهنة النجارة على المستوى الحديث في كافة مهنها".

 

التثقيف الذاتي والانضمام لعصبة التحرر الوطني

 

شعر رفيقنا الراحل بأن عليه مواصلة تعليمه، وقام بذلك بكد واجتهاد ذاتي من خلال "مطالعة الكتب العلمية والتاريخية والجغرافية والثقافية والادبية وكذلك دراسة اللغة الانجليزية" وفي تعلم اللغة الإنجليزية يقول انه استعان بالرفيق رمزي خوري الذي كان يدرس في ثانوية "سانت لوكس"، ويؤكد انه واصل الاجتهاد حتى أتقن هذه اللغة.

يكتب الرفيق جمال موسى عن ذلك بقوله: "وانضممنا الى صفوف الشبيبة الشيوعية مبكرا، مع ولادة "عصبة التحرر الوطني" في 1943، في نادي درج الموارنة في حيفا وكنّا من أوائل من وزع جريدة "الاتحاد" التي ولدت في أوائل ايار 1944 في نفس النادي".

وعن سبب انضمامه للحزب يقول: "لقد قادنا الى الشيوعية النشاط النقابي العمالي، فكنت أعمل في معسكر الجيش البريطاني قرب قرية الطيرة، وكان أخي يعمل في معسكر العزيزية المجاور وكان يعمل في كل معسكر آلاف العمال العرب واليهود".

 

مباشرة نشاطه النقابي

انخرط الرفيق الراحل جمال موسى في النشاط النقابي خلال عمله في المعسكر، مستمدا التوجيه والدعم من قيادته الحزبية وبفضل نشاطه ودعمه لمطالب العمال، انتخب رئيسا للجنة العمال في المعسكر، ولم يتردد في ابراز مقدرته القيادية، في تلك المرحلة من خلال طرح مطالب العمال بتحسين الاجور وشروط العمل، وقام بتنظيم إضراب للعمال داخل المعسكر يقول عنه - أي الإضراب: "أضخم إضراب وأضخم مظاهرة للعمال" وبهذه الوحدة أدى الاضراب الى تحسين أجور العمال ودفعت لهم أيضا علاة غلاء وتم الاعتراف بلجنة العمال والحقوق الاجتماعية.

كما يؤكد الرفيق القائد خالد الذكر جمال موسى بأنه كان ناشطا في تفعيل جمعية العمال العربية الفلسطينية في حيفا وكان من المؤسسين لمؤتمر العمال العرب العام 1945.

 

الحركة النقابية الفلسطينية نشأتها وتطورها

تحت هذا العنوان تناول النقابي جمال موسى في مقال كتبه في صحيفة "الاتحاد" في شباط 1988 وتم نشره في الكتيب المذكور اعلاه، نقف فيه على محطات هامة في نشوء وتطور ونشأة الحركة النقابية العربية الفلسطينية وكتب: "للطبقة العاملة العربية الفلسطينية تاريخ نقابي وكفاحي ساطع لا تقوى على طمسه كل الأضاليل والغطرسة العنصرية التي تمارسها قيادة الهستدروت، والحركة الصهيونية." ويضيف في المقال نفسه: "والحقيقة التاريخية الماثلة للعيان هي أنه منذ قيام إسرائيل قامت القيادتان المذكورتان بمنع وعرقلة تنظيم العمال العرب النقابي وعلى بقاء العمال العرب في حالة اللا تنظيم."

كما يستعرض الرفيق النقابي جمال موسى في مقاله هذا مختلف مراحل تأسيس وتطور الحركة النقابية العربية الفلسطينية :" لقد قامت أول حركة نقابية للعمال في مؤسسة السكك الحديدية في أوائل العشرينات (1923-1925)"، ثم يستعرض مرحلة تأسيس جمعية العمال العربية الفلسطينية بتاريخ 25/3/1925 في حيفا والتي أنشأت لها فروع في مختلف أنحاء فلسطين ويضيف عن ذلك: "في النصف الأول من الثلاثينات أصبح للحركة النقابية العربية تنظيم قوي، وانتشرت فروعها في معظم المدن والبلدات العربية واشتدت كفاحيتها، وحققت الكثير من مطالب العمال خاصة في مجال الأجور وساعات العمل والشروط الاجتماعية الخ.".

 

الحركة النقابية حركة وطنية

ويكتب الرفيق جمال موسى بل يؤكد أنه: "وبطبيعة الحال أدى هذا التطور الطبيعي بالحركة العمالية العربية الى أخذ مكانها الطبيعي في صقل الحركة الوطنية الفلسطينية"، إننا نعتز كنقابيين فلسطينيين بهذه الشهادة من مناضل وقائد ومعلم نقابي كالرفيق جمال موسى، لأننا رفضنا دائما الطروحات التي حاولت أن تحاصرنا ضمن النضال النقابي فقط، بقولها علينا الإهتمام فقط بهموم الناس المعيشية وعدم التطرق للامور السياسية والوطنية، وكان ردنا دائما لا فصل بين النضال النقابي والوطني فكلاهما مكمل للآخر.

وضمن ذلك يؤكد الرفيق جمال موسى على الدور الهام الذي لعبته الحركة النقابية الفلسطينية في إنجاح إضراب الستة أشهر العام 1936 ويشير الى أن الشرارة الاولى لإنطلاق الإضراب كانت من مظاهرة أول أيار العمالية في يافا في 1936، ويضيف: "وقد برز هذا (اي النضال الوطني) في إضراب الستة أشهر المجيد في العام 1936 والذي تطور الى ثورة مسلحة أمتدت حتى سنة 1939."

 

نهوض الحركة النقابية في سنوات الأربعين

هذا ويؤكد النقابي جمال موسى بانه حدث نهوض هام للحركة النقابية العربية الفلسطينية في سنوات الأربعين، والتي كانت فترة تعميق التنظيم النقابي العربي الفلسطيني بل كونها الفترة التي لعب فيها الشيوعيون دورا هاما في ذلك النهوض والعمل على تكريس الوحدة النقابية بين كافة التيارات في الحركة النقابية، خاصة بعد تشكيل "عصبة التحرر الوطني" وإصدار صحيفة "الاتحاد" لسان حال العمال العرب، وبهذا السياق يؤكد القائد النقابي جمال موسى: "وقد نظمت الحركة النقابية الإضرابات الكثيرة والكبرى التي أقلقت الدوائر الحكومية، وذلك من أجل تحقيق مطالب العمال في زيادة الأجور ودفع علاوة الغلاء ورفع مستوى الشروط الإجتماعية، وقد حققت الإضرابات معظم المطالب." وكان من أهم هذه الإضرابات،إضراب عمال مؤسسة السكك الحديدية وعمال المعسكرات وعمال شركة بترول العراق وإضراب الموظفين في الدوائر الحكومية وغيرها من المرافق.

 

خلافات وتشكيل مؤتمر العمال العرب

كشاهد عيان يؤكد النقابي جمال موسى على تلك المرحلة من نهوض الحركة النقابية الفلسطينية، ظهور فوارق في المواقف ما بين النقابيين الشيوعيين الذين ساروا على طريق النضال وبين القيادات الإصلاحية في جمعية العمال العربية الفلسطينية، واشتدت حدة الخلافات عندما حاول الاصلاحيون استثناء الشيوعيون من المشاركة في الوفد النقابي لحضور المؤتمر التأسيسي للاتحاد العالمي للنقابات وضم شخص للوفد أبعد ما يكون عن الحركة النقابية،وقد اعتبر النقابيون الشيوعيون هذا التصرف من قبل قيادة الجمعية محاولة لخنق صوتهم النضالي وعدم إسماعه في هذا المحفل الدولي.

إثر ذلك: "قامت قيادات فروع جمعية العمال العربية الفلسطينية في معظم المدن والبلدات واتحاد جمعيات ونقابات العمال العرب في حيفا وعشرات النقابات ولجان العمال  وممثلون للعمال والموظفين بعقد مؤتمر نقابي ضخم في مدينة يافا بتاريخ 19/8/1945 يمثل الأكثرية الساحقة من العمال العرب وناقش المؤتمر الوضع النقابي والسياسي العمالي والوطني ورفض المؤتمر تلاعب وانتهازية القيادة برئاسة سامي طه، وقرر المؤتمر تأسيس "مؤتمر العمال العرب" وانتخب لجنة تنفيذية له كما انتخب الرفيق خالد الذكر فؤاد نصار سكرتيرا عاما للمؤتمر.  وهكذا تطورت الحركة النقابية العربية الى مستوى أعلى من الكفاحية والنضوج الطبقي والوطني وأصبحت قيادة ثورية ومخلصة من الشيوعيين وأصدقائهم وحلفائهم." كما يؤكد الرفيق جمال موسى.

 

مسيرة كفاحية حافلة.. بل تاريخ شعب

واصل الرفيق القائد طيب الذكر جمال موسى مسيرته النضالية نقابيا ووطنيا وسياسيا حتى رحيله عنّا، ونحن بدورنا سنحاول التطرق لهذه المسيرة النضالية في مراحلها الأخرى في وقت لاحق، وما أتينا على ذكره هنا ما هو إلا اضاءات على تاريخ نضالي حافل لنقابي شيوعي فذ، وكما كتب القائد والكاتب الرفيق محمد نفاع في مقدمة الكتيب "كفاح الشيوعيين في ليل المآسي "عن ما كتبه رفيقنا الراحل جمال موسى من مذكرات بأنها :" تخرج الى النور، إلى الحياة، صفحات من تاريخ شعب وحزب، لتحط مباشرة، وترسخ في ضمير وذهن شعبنا الراسخ، الراسي في وطنه وعند حقه كرواسي الجليل.

هي مسيرة شجاعة، ونشاط شجاع، أمين، ومسؤول ، دونتها كلمات رفيق قيادي بعد أن شارك كغيره من رفاق المسيرة في تدوينها وخلقها مواقف، كتبها في أيام وليالي المرض الذي ينهش فيه حتى افتقدناه."

نعم لقد افتقدنا رفيقنا القائد النقابي جمال موسى جسدا لكن لم نفتقده ولن نفقده بل هو باق بما سجله من تاريخ نضالي نقابي ووطني، وسيبقى راسخا بل في ضميرنا إنه  الشعلة التي تضيء الطريق للأجيال في الحاضر والمستقبل.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب