news-details

خطة الحكومة بشأن الجريمة: سرديّة اتهام الضحيّة وتحريف أثر الاقتصاد|هشام نفاع

 

 

من المفترض أن تبحث الحكومة وأن تقرّ خطة يتضمنها تقرير رسمي موصوف بـ"مستند سياسي" يحمل العنوان "توصيات لجنة المديرين العامّين للوزارات بشأن التعامل مع الجريمة والعنف في المجتمع العربيّ". وهي لجنة يترأسها مدير مكتب رئيس الحكومة وتضم نظراءه في الوزارات التالية: وزارة الأمن الداخليّ، وزارة الداخليّة، وزارة العمل، وزارة الرفاهية والشؤون الاجتماعيّة، وزارة المساواة الاجتماعيّة، وزارة القضاء، وزارة الإسكان، وزارة الاقتصاد، وهذا بالإضافة إلى سلطة الضرائب ودائرة الميزانيّات لدى وزارة الماليّة. وينوّه المستند إلى مشاركة ممثلين عن اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربيّة "بشكل فعّال" في بلورة الخطّة.

جاء في مقدمة التقرير أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو كلّف هذا الطاقم، في تشرين الأول 2019، بإعداد خطّة في غضون 90 يوماً تُعنى بمعالجة الجريمة الخطيرة ومنع العنف في المجتمع العربيّ. لكن مسوّدة التقرير اكتملت في تموز من هذا العام، وعُرضت قبل أسبوع، ولم يتم إقرار الخطة بعد. هناك تأخير بحوالي 10 شهور، وهي فترة طويلة وحاسمة في سياق موضوع الخطة، الجريمة، إذ يقول التقرير نفسه إنه "يكاد لا يوجد يوم واحد لا يخلو من الإبلاغ عن حوادث العنف، والعبث بالممتلكات، والجريمة، والعنف داخل العائلة والصراعات بين العائلات، حيث تودي هذه الأحداث بحياة الكثير من الناس أكثر من مرة. لا يمكن التسليم بهذا الواقع المرير، فيجب محاربته حرباً شرسة وبشتى الطرق في سبيل اجتثاثه". وهو يشير إلى سقوط 91 ضحيّة من المجتمع العربيّ العام 2019.

يشير التقرير منذ البداية إلى نقطة تتطلب التمعّن والقراءة المدقّقة حيث كُتب: "هناك من يحبذ أن ينسب مسببّات الجريمة والعنف إلى التقاليد الثقافيّة المتّبعة في المجتمع العربيّ، وإلى أعراف السلوك التي تعود إلى سنوات طويلة والتي تفضّل السلوك الخارج عن نطاق القانون. بيد أنّ هذا الاتّجاه يلقي بالمسؤوليّة الحصريّة على عاتق الأفراد من المجتمع العربيّ ولا يأخذ بعين الاعتبار تأثير عوامل الظروف المعيشيّة، والفروق في نوعيّة الخدمات العامّة وعدم المساواة في الحصول على فرص متكافئة في مجال التربية والتعليم، والإسكان والتوظيف. حينما تضاف إلى هذه الظروف البيئيّة الناقصة ظروف الفقر، والاغتراب، والإقصاء وعدم القدرة على الاندماج في المجتمع العام، يشكّل ذلك تربة خصبة لتكوّن بل لازدياد ظواهر الجريمة والعنف المرفوضة".

عملياً هذا "الاتهام الثقافي" المُشار إليه هو محور الدعاية والرواية الرسميّتين، اللتين تحمّلان العربي مسؤولية الظاهرة. الفقرة أعلاه قطعت نصف شوط هام في الخروج من إسار هذه الفرية لكنها لم تنفِها كلياً؛ لأن هذا الاتهام الذي تصحّ تسميته بالاستشراقي- العنصري غير المستند إلى أية حقيقة ومعطى واقعي، بقيت آثاره هنا، وهي آثار تنعكس في مقولة "المسؤولية الحصرية"، ليس هنا رفض لهذا الاتهام بل تحفّظ من حصر الأمر فيه.

 

هل يمكن وصف جهود الحكومة بـ"الجبارة" مع نتائج بهذه الخطورة؟

يزعم الموظفون الكبار معدو التقرير أنه "على مدار سنوات طويلة عملت دولة إسرائيل من خلال قنوات منفصلة على معالجة المجتمع العربيّ. فمن ناحية بذلت المساعي لتعزيز تطبيق القانون وتحسين طرق تطبيق القانون مع السكّان، وبالتزامن مع ذلك، بادرت إلى القيام بنشاط يُعنى بالتطوير الاقتصاديّ والاجتماعيّ من خلال برامج خماسيّة استثمرت فيها ميزانيّات ضخمة". لكن الواقع يتحدث بلغة أخرى لم يجد معدو التقرير طريقة لتفادي الوقوف أمامها. فلو كانت الصورة بمثل القتامة المصوّر بها وضع تفاقم العنف والجريمة، يصحّ التشكيك إما في حقيقة "بذل المساعي لتعزيز تطبيق القانون" و"القيام بنشاط يُعنى بالتطوير"، أو على الأقل التشكيك في جدوى ما يُقال إنه قد بُذِل.

والمعطيات مرعبة. هذا بعض مما جاء في التقرير: ارتفع عدد جرائم القتل في المجتمع العربي بنحو 50 بالمئة خلال حوالي خمس سنوات. مقارنة بالمجتمع اليهوديّ فإنّ معدل القتل أعلى بـ 7 أضعاف. نسبة البالغين من العرب ممن تم إدانتهم لدى المحاكم عام 2017 بلغت 7,1 لكلّ 1000 شخص، مقابل 3,2 أشخاص فقط وسط البالغين اليهود. ورغم أن المجتمع العربيّ لا يشكّل إلا حوالي 21 بالمئة من مجموع السكّان، فإنّ حوالي ثلث الأشخاص الذين أدينوا لدى المحاكم العام 2017 كانوا من أبناء المجتمع العربيّ. وفقا للإحصائيات السنوية الصادرة عن شرطة إسرائيل للعام 2019، فإن45,7 من المجرمين هم من العرب. 61 بالمئة من الاعتقالات تقريباً ونحو 42,8 بالمئة من لوائح الاتهام العام 2019 صدرت بحق أبناء المجتمع العربيّ.

في جميع الأحوال، يضطر التقرير إلى الاعتراف بأن مكامن الخلل في سياسة الحكومة ذات الصلة، كثيرة. وبكلماته: "في إطار عمل طاقم المديرين العامّين تمّ لأوّل مرّة تحليل شامل لمسببّات هذه الظاهرة (الجريمة والعنف) حيث تم اكتشاف روابط متعدّدة بين الظواهر المختلفة. على سبيل المثال، اكتشف أنّ سياسة التوظيف، التي حقّقت نجاحاً كبيراً بالنسبة لتوظيف نساء عربيّات، قد أهملت الرجال الشباب من العرب، الذين يشكّلون القسم الرئيس من المجرمين العرب. كما اكتشف أنّ الدولة لا تمارس بشكل فعّال شتّى أدوات تطبيق القانون المتوفّرة لديها بحقّ الجهات الإجراميّة. كما تبيّن بأن الدافع الرئيس للجريمة هو اقتصاديّ، فقد أصبحت السلطات المحلّيّة العربيّة وجهةً مفضلة تُستغل للاستحواذ على موارد الميزانيّات التي تتدفّق إليها بطرق شبه شرعيّة". مرة أخرى: ها هو الواقع يتحدث بلغة أخرى.

لنأخذ الفقرة التالية من بند "العوامل الرئيسة لظواهر العنف والجريمة" وتحديداً "فجوات الحكم والتحدّيات المرتبطة بعلاقات المجتمع والشرطة": "تعاني البلدات العربيّة مستوى غير كافٍ من خدمات الأمن الداخليّ (الشرطة والإطفاء). بالإضافة إلى ذلك هناك فروق ملموسة في البنى التحتية وفي إمكانيّة الوصول إلى خدمات اجتماعيّة، والتي ما زالت حاضرة رغم الجهود الجبّارة التي تبذلها مؤسّسات الدولة على مدار السنوات الأخيرة في سبيل تقليصها. حيث تزداد وسط هذه الظروف شدّة ظواهر الفقر، والبطالة، والخمول لدى الشباب وغيرها من الظواهر التي تولّد الجريمة والعنف". هل يمكن وصف جهود الحكومة بـ"الجبارة" طالما أن النتائج التي أدت إليها بمثل هذه الخطورة؟

 

ما لا يُقال مباشرة، أو سرديّة اتهام الضحايا

من هنا يصبح الاستنتاج أن المسؤولية تُعاد إلى المجتمع نفسه. هكذا يتم سرد الرواية: "نتيجة لغياب فرض القانون بما يكفي ولغياب البنية التحتية ونقص تطبيق القانون بحكم قوانين مساعدة بلديّة تتشكّل أعراف عدم الالتزام بالقانون والتي تشكّل التربة الخصبة للجريمة والعنف. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ عوامل مختلفة تشير إلى كون العلاقات بين الشرطة والمجتمع العربيّ من العوامل المسبّبة للعنف في المجتمع العربيّ على مرّ السنين. فبين الشرطة والمواطنين العرب تسود عدم الثقة التي تعود، ضمن أمور أخرى، إلى مزيج من "نقص حضور الشرطة"، بمعنى العيوب في تقديم خدمات شرطية فعالة للمواطنين من ناحية، و"فرط حضور الشرطة"، بمعنى اتخاذ إجراءات شرطية غير متناسبة، من ناحية أخرى. خلال السنوات الأخيرة تعمل الشرطة على تحسين الخدمة المقدّمة للمواطنين العرب؛ إذ تمّ تدشين عدّة مراكز شرطة جديدة في عدد من المدن العربيّة، كما تمّ تجنيد رجال ونساء شرطة من المجتمع العربيّ على نطاق واسع. ومع ذلك، يفيد استطلاع أجرته "جمعيّة الجليل" أنّ 25 بالمئة فقط من المجيبين اعتبروا افتتاح مركز شرطة في البلدة عاملاً يخفّف من مستوى العنف الموجود فيها. وفي الواقع، تنشأ هنا "حلقة جهل" حيث كلما ارتكِبت جريمة فإنّ الشرطة تجد صعوبة في جمع المعطيات، ممّا يؤدّي بالتالي إلى انخفاض معدّلات الكشف عن المجرمين، حيث يتعذّر العثور على العناصر الإجراميّة أو لا تتوفّر المعطيات الكافية لتتم محاكمتهم؛ كما يتكوّن عرف اجتماعي يقضي بضرورة تجنّب الإفادة بهوية المجرمين ممّا يؤدّي إلى إغلاق الملفّات، وتسويات ادعاء وسقف عقوبات منخفض، ولا يسمح "بتنظيف" الميدان وبزيادة قدر الخوف الذي ينتاب السكّان العاديين والشخصيّات العامة. وتتجسّد نتيجة عدم الثقة بأنظمة إنفاذ القانون والقضاء، إلى جانب الأعراف التي تبرر أخذ القانون في اليدين من خلال تزوّد المواطنين العاديين بالوسائل القتاليّة، حيث يكون الطريق للوصول من توفّر الوسائل القتاليّة على نطاق واسع لدى مواطنين إلى اللجوء لاستخدامها بشكل معربد وغير محكم".

إن ما لا يُقال بشكل مباشر هو التالي: حين تقع جريمة، هناك نقص في حضور الشرطة. أما إذا نُظمت مظاهرة مثلا فإن الشرطة تكون حاضرة بشكل مُفرط وفاعلة بشكل مُفرط وعنيفة بشكل مُفرط. تشهد على هذا حوادث الاعتداءات الوحشية على متظاهرين. القمع كما يبدو "مسألة سهلة"، أما التحقيق وبذل الجهد والوقت والميزانيات لكشف الجرائم وتوفير حق الأمن للمواطن، وهو جوهر العمل الشرطي المدني في كل العالم، فهو "مسألة صعبة"، خصوصاً إذا غابت النوايا.

كذلك، ما معنى أنه "كلما ارتكِبت جريمة فإنّ الشرطة تجد صعوبة في جمع المعطيات، ممّا يؤدّي بالتالي إلى انخفاض معدّلات الكشف عن المجرمين، حيث يتعذّر العثور على العناصر الإجراميّة أو لا تتوفّر المعطيات الكافية لتتم محاكمتهم؛ كما يتكوّن عرف اجتماعي يقضي بضرورة تجنّب الإفادة بهوية المجرمين ممّا يؤدّي إلى إغلاق الملفّات، وتسويات ادعاء وسقف عقوبات منخفض". هذا ليس أكثر من رطانة تتحايل على الواقع وتلتف على الحقائق والمعطيات. ليست هناك إجابة على السؤال: لماذا تجد الشرطة صعوبة في جمع المعطيات؟ هل تجد الصعوبة نفسها لو أن تعريف الجريمة كان "أمنية" وليس "جنائية"؟ هل كانت ستجد الشرطة صعوبة مماثلة لو كان الضحية يهودياً والمشتبه بالقيام بالجريمة عربياً؟

ثم إنه لو اكتفينا بنص التقرير في هذه الفقرة حتى بدون الأسئلة السالفة، ما معنى "يتكوّن عرف اجتماعي يقضي بضرورة تجنّب الإفادة بهوية المجرمين"؟ لماذا لا تُسمى الأمور بأسمائها: الشرطة عاجزة أو متقاعسة أو متورّطة في عدم توفير حق الأمن للمواطن، ولا تضمن حمايته من المجرمين والإجرام، لذلك يخاف المواطن العربي - كأي مواطن في العالم- من الإدلاء بما قد يكون قد رآه وعرفه؟ ليس هنا عُرف اجتماعي، بل سلوك طبيعي لمواطنين خائفين على حياتهم وأولادهم يتعرّضون لجرائم منظمة متفشية وليست هناك أجهزة دولة تحميهم. لا يسلك العرب هكذا لأنهم ابتكروا عُرفاً، بل لأنهم يتعرّضون لإرهاب مؤلف من مركبين: إجرام دموي من جهة وتقاعس من الشرطة والحكومة من جهة أخرى. تسمية الوضع بـ"العرف" هو تحميل للناس مسؤولية لا يتحملونها، وعودة إلى مربعات "الاتهامات الاستشراقية" المقززة.

 

"لغز" نجاح الشرطة أمام الجريمة بين اليهود وفشلها بين العرب

حين يتحدث التقرير عن جهود الشرطة ونجاحها في البلدات اليهودية، يؤكد عملياً أنه لا مكان ولا شرعية للذرائع المستخدمة لتبرير الفشل في مواجهة الجريمة في البلدات العربية. فقد جاء في بند آخر: "في مطلع القرن الـ 21 قرّرت الحكومة مكافحة منظّمات إجراميّة في البلدات اليهوديّة في البلاد من خلال خطوات مشتركة للشرطة وأذرع إنفاذ القانون الأخرى، سواء كانت النيابة العامة، أو سلطة الضرائب أو سلطة حظر غسيل الأموال. وقد حقّق هذا الكفاح نجاحاً، إذا بدأت المنظّمات الإجراميّة تشهد انهياراً؛ إلاّ أنّ إحدى نتائج هذا النشاط كانت انتقال الأنشطة الإجراميّة واسعة النطاق إلى البلدات العربيّة، حيث قلّ حضور الشرطة فيها واعتبرت إجراءات إنفاذ القانون أقلّ فاعليّة. خلال السنوات الأخيرة راكمت المنظّمات الإجراميّة العربيّة قوّة وثروة بالغة نتيجة نشاطها الجنائيّ والعنيف الذي تضمّن، من بين أمور أخرى، متاجرة الأسلحة القتاليّة، ومتاجرة المخدّرات، والقروض من السوق السوداء الرماديّة وجباية مقابل الحماية. وبالإضافة إلى توسيع ظواهر الإجرام والعنف، فإنّ حضور المنظّمات الإجراميّة البارز في الوسط العربيّ يؤدّي كذلك إلى توسيع دائرة المشاركين في حلقة العنف حيث يشعر العديد من الشباب العرب بأنه لا تتوفّر أمامهم فرص عمل أخرى فيتم إغراؤهم للعمل في خدمة الجهات الإجراميّة رغبةً منهم بكسب أموال ومكانة رفيعة بصورة سريعة، والتي لربما سيكون من الصعب عليهم كسبها بطرق مشروعة".

السؤال هنا: ما الفرق بين ما فعلته الشرطة في البلدات اليهودية وبين ما تفعله (أو لا تفعله) في البلدات العربية؟ لا يجيب التقرير على هذا، لكن يجب التوقف ملياً أمام هذه الجملة: "في مطلع القرن الـ 21 قرّرت الحكومة مكافحة منظّمات إجراميّة في البلدات اليهوديّة في البلاد من خلال خطوات مشتركة للشرطة وأذرع إنفاذ القانون الأخرى". والسؤال: لماذا اقتصر قرار الحكومة الهام على البلدات اليهودية؟ لماذا لم يكن القرار: مكافحة منظّمات إجراميّة في كل البلدات الإسرائيلية؟ ربما لأن الجريمة المنظمة لم تكن متفشية في البلدات العربية حينذاك؟ ربما لأن لا جذور "ثقافية" عربية لها؟ وبالفعل ها هو التقرير يقول إن "إحدى نتائج هذا النشاط (في البلدات اليهودية) كانت انتقال الأنشطة الإجراميّة واسعة النطاق إلى البلدات العربيّة". ولكن نحن نتحدث عن مطلع القرن الـ21. منذ ذلك الحين مرّ عقدان من الزمن. سقط أكثر من ألف قتيل (بين الأعوام 2015-2019 فقط، قُتل 1198 مواطناً عربياً). عشرون عاماً تفشت فيها الجريمة المنظمة ونشأت وتعزّزت فيها منظمات الإجرام لدرجة باتت مهيمنة على حياة الناس، والدولة بمؤسساتها غائبة ومتقاعسة. فأي معنى سيبقى للزعم الوارد في التقرير: "على مدار سنوات طويلة عملت دولة إسرائيل من خلال قنوات منفصلة على معالجة المجتمع العربيّ. فمن ناحية بذلت المساعي لتعزيز تطبيق القانون وتحسين طرق تطبيق القانون مع السكّان، وبالتزامن مع ذلك، بادرت إلى القيام بنشاط يُعنى بالتطوير"؟ كيف تتعايش معاً هذه الأوصاف مع معطيات الموت والرعب على نفس الصفحات؟

 

الجانب الاقتصادي وتحريف سياقاته

لقد خرج طاقم المديرين العامّين من النطاق الضيّق للتعاطي مع الجريمة كفعل مخالفة قانون فقط، وتناول سياقات اقتصادية- اجتماعية لها. وهذا ربط مهم بين خلفيات مركبة وبين سلوك اجتماعي ناجم عنها او متأثر بها. وهو يتيح التعامل مع القضية بلغة وأدوات السياسة وليس بلغة إنفاذ القانون الضيقة جداً. إن مجرّد التطرّق الى الجانب الاقتصادي، وهو الطبيعي والمفروض منطقياً وعلمياً في أي مكان آخر، يُعد "تطوراً" في الحالة الإسرائيلية؛ إذ تم على الدوام نسْب الجريمة والعنف بين المواطنين العرب الى "ثقافتهم" أو "عدم احترامهم القانون". فجرى تجريم العرب بما يتعرضون له من عنف وجريمة. أما وقد تناول أخيراً مستند رسمي القضية من جانبها الاجتماعي- الاقتصادي، فهو عملياً تكذيب مهم لمجمل الخطاب الرسمي الدارج على ألسن عنصرية مختلفة وكثيرة في المؤسسة الحاكمة.

يقرّ التقرير الحكومي أنه "خلال عمل طاقم المديرين العاميّن أثيرت قضايا عديدة تخصّ مجالات التطوير الاقتصاديّ والاجتماعيّ، الذي يرتبط بصورة مباشرة أو غير مباشرة بتغذية ظواهر الجريمة والعنف. بطبيعة الحال، هذه الخطّة لا تأتي لتحل محل أو لتتضمن بين طياتها كافّة أنشطة الحكومة للتنمية الاقتصاديّة والاجتماعيّة في المجتمع العربيّ، لكن ساد إجماع وسط طاقم المديرين العامّين، على أهمّيّة بالغة في مواصلة هذه الجهود، لا سيما على خلفيّة الانتهاء الوشيك للعمل بقرارات الحكومة رقم 922 بحلول نهاية العام 2020". وشدّد معدّو الخطة على أنه "بغياب استمرار النشاط الحكوميّ المكثف للتطوير الاقتصاديّ والاجتماعيّ فلن تكون هناك أي جدوى للأنشطة الرامية إلى القضاء على الجريمة والعنف".

أهميّة هذا الطرح أنه يضع المسؤولية على الحكومة في معالجة الوضع الراهن وكذلك في نشوئه وصولاً الى هذه الدرجة من القتامة. عموماً، كانت تواجَه حجة المواطنين العرب وقيادتهم التي تحمّل الحكومة القسط الأساس من المسؤولية، إما بالتجاهل أو بالتحريض الديماغوغي، على شاكلة أن "القيادة العربية لا تفعل شيئاً" أو أن "المجتمع العربي لا يتعاون مع الشرطة والدولة". هذه المزاعم تكاد تغيب اليوم كخطاب رسمي متكرر، أولا لأن عدة تحركات احتجاجية حاشدة للمواطنين العرب بتنظيم قيادتهم المنتخبة، قد كشفت حقيقة المشهد؛ وثانياً لأن تقارير رسمية عدة صدرت، خصوصاً عن مكتب مراقب الدولة الإسرائيلية، قد كشفت مكامن التقصير الحكومي الهائل في الاضطلاع بواجب صد الجريمة ومنع استمرارها كعمل منظّم يتجاوز إطار "العنف الشخصي أو الحمائلي" وبات يصل مرحلة "المشروع الاقتصادي الربحي"، مثلما وصفه ممثل للحكومة في جلسةٍ للجنة البرلمانية الخاصة لمكافحة الجريمة.

يقول التقرير تحت بند "الفقر، البطالة وغياب حلول الإسكان" إنه "بشكل عام، الوضع الاقتصاديّ لمواطني إسرائيل العرب أسوأ من وضع مواطني إسرائيل اليهود. حيث يعيش نصف العائلات العربيّة في إسرائيل تحت خط الفقر، وحسب استطلاع أجرته جمعيّة الجليل فإنّ 25% من العائلات تصرّح بأنّ وضعها الاقتصاديّ سيّء أو سيّء جداً، بينما تشهد حوالي 40 بالمئة منها على أنّها تكاد لا تستطيع تغطية تكاليف المعيشة الشهرية". هنا، مرة أخرى، يورد التقرير ادّعاءً يلغيه بنفسه بما يؤكده، فهو يقول: "رغم استثمار مبالغ ماليّة طائلة من قبل الدولة على مدار السنوات الأخيرة، إلّا أنّ عمق الفجوات ما يزال يشير إلى أنّ البلدات العربيّة موجودة في أسفل درجات السلم الاقتصاديّ والاجتماعيّ، ويعاني العديد منهم نقصاً في التطوير، ونقصاً في المساكن، وارتفاعاً في معدّلات البطالة، والخدمات البلديّة المعيبة والبنى التحتية الفيزيائية الضعيفة". هذا الوضع السيّء لا يمكن أن يقابله "استثمار مبالغ مالية طائلة من قبل الدولة". فالسؤال "طائلة قياساً بماذا"؟ وإذا كان الوضع مريعاً ومعيباً، كما يقول معدّو الخطة، فيبدو أن ما استثمرته الدولة غير طائل وغير كاف، إذا كان المنشود فعلا تغيير هذا الوضع.

التقرير يتابع أنه: "من خلال الحديث مع جهات مختلفة من المجتمع العربيّ تبيّن وجود علاقة بين تدنّي مستوى البنى التحتية، مثل المنشآت المحطّمة، والمناطق العامّة المهملة وغير المضاءة وظواهر العنف والإجرام". هذه البنية التحتية للجريمة ناجمة عن سياسة يترجمها أمران: توجّه حكومي متعلّق بمدى التزامه بمبدأ دستوري وحقوقي اسمه المساواة؛ وشكل ترجمة هذا التوجه بالميزانيات المخصصة لترميم وتحسين تلك البنية التحتية وهو ما يتناسب عكسياً مع تفشي الجريمة وتفاقمها.

 

ربط واضح بين البطالة والجريمة، يتم حرفه لمسار آخر!

الخطة، التي ما زالت بمثابة مسوّدة من المفترض أن تبحثها الحكومة الإسرائيلية وتقرّها بعد تعديلات عليها ومقترحات من المفترض أن تقدّم من عدة جهات بينها ممثلو المواطنين العرب، تتوقف عند قضية التشغيل والحرمان من فرص العمل. وتقول: "من ناحية التوظيف، حدّدت حكومة إسرائيل هدفاً يتمثّل في زيادة معدّلات توظيف النساء العربيّات. وبمقتضى ذلك تمّ تخصيص موارد ضخمة بغية تشجيع دمج النساء العربيّات ضمن الكوادر العاملة. إلا أنه في المقابل، لم يتمّ تعريف فئة الرجال العرب أبداً كفئة مستهدفة من ناحية معدّلات التوظيف. ويبيّن استطلاع الموارد البشريّة الذي أجراه مكتب الإحصاء المركزيّ (2019) أنّه خلال السنوات الأخيرة طرأ ارتفاع على توظيف النساء العربيّات، لكن بالمقابل طرأ انخفاض ملموس في معدّلات التوظيف لدى الرجال العرب الشباب، وقد أدّى هذا الاتّجاه كذلك إلى توسيع الفرق في معدّلات التوظيف بين الرجال الشباب من اليهود والعرب". ونوّهت أيضاً "إلى أنّ الضرر الذي ألحقته أزمة الكورونا بسوق العمل كان شديداً بالنسبة لفئة الشباب بشكل خاص، وهو ما قد فاقم وضع الرجال العرب الشباب، وذلك على خلفيّة الاتجاه السلبي الذي كان سائداً قبل الأزمة".

وبناءً عليه، يقدّم التقرير ربطاً واضحاً بين البطالة – أي: عدم توفير فرص العمل من قبل المسؤول عن هذا الواجب، أي الحكومة – وبين التورّط في الجريمة. وهو يورد معطيات واضحة عن نسبة المعطلين عن العمل بين المتورطين في الجريمة. وكما جاء فيه: "لقد وجدت دراسات على هذه المجموعات (المعطلون عن العمل) في أماكن مختلفة حول العالم أن هناك تبعات سلبية تترتب على البطالة، بما فيها العزلة والاغتراب الاجتماعيّان، وعدم الثقة في المجتمع وفي المؤسّسات وفي الضلوع في الجرائم. وتُعتبر ظاهرة البطالة أكثر شيوعاً لدى الشابات العربيّات، لكن الذين يساهمون في ظاهرة العنف هم الرجال الشبّان". ويتابع لاحقاً: "يمكن الاستنتاج من المعطيات الصادرة عن مكتب الإحصاء المركزيّ بشأن الصلة الوطيدة التي تربط الخمول بالضلوع في الجرائم، فمن بين الرجال العرب الشباب ممن تمّت محاكمتهم عام 2017 ، اعتبر 53 بالمئة منهم عاطلين عن العمل؛ ومن بين الشباب الذين تمت محاكمتهم دون إدانتهم تبلغ نسبة البطالة 27 بالمئة، ومن بين الذين أدينوا تبلغ نسبة البطالة 57,3 بالمئة". واضحٌ أن مصطلحات مثل "خمول" (بدلاً من العجز عن تلقي فرصة عمل)، و"عاطلون عن العمل" (بدلا من معطّلين عنه)، تعبّر عن موقف سياسي يتّهم الشباب ويحمّلهم مسؤولية. وكأن هذه الدولة قامت بكل واجباتها في توفير الحق المدني- الاقتصادي- الاجتماعي المنصوص عليه في الأدبيات الحقوقية الدولية: الحق في فرصة عمل يضمن لصاحبه العيش الكريم، لكن هؤلاء الشباب العرب هم من يرفضون ويتهرّبون!

وبالفعل، فالتقرير يأخذ الأمور الى مسار آخر، يساهم هو الآخر في تخفيف شدّة حزمة الضوء الموجّه على مسؤولية الحكومة المنقوصة. فيقول إنه "بينما يسلك الشباب اليهود مساراً طبيعياً مهيّأ، سواء على شكل خدمة عسكريّة أو دراسات دينيّة، فبالنسبة للشباب العرب يكون الاندماج مشوشاً أكثر لكونهم أقلية وسط الأغلبية، ولانعدام الآليّات الملائمة لهم على حدّ سواء. إنّ الدمج ما بين انعدام "مسار متابعة"، يشكّل معبراً سلساً بين التخرّج من المدرسة وبين الحياة كبالغين، مع الصعوبات الاقتصاديّة، وعدم إتقان اللغة العبريّة والعوائق البنيوية، يجعل من الصعب على الشباب العرب الاندماج في أطر الدراسات والتوظيف ويعرّضهم لخطر زائد لأن يجدوا أنفسهم كموظفين في التوظيف المسيء وغير المبلغ عنه، وفي بعض الحالات حتّى الانحراف الكامل عن المسار الطبيعيّ، والاندماج في دائرة الإجرام والتنكّر والعداء تجاه الدولة. ويعتبر جيل الشباب الدولة كجهة تخدم اليهود بشكل متعمّد ليس إلا، حيث يسهم عدم الشعور بالتماثل هذا في قلة الالتزام بـ "قواعد اللعبة" والبحث عن حلول بديلة غير متوفّرة في نطاق القانون".

النص الضمني هنا يزعم أن الشباب العرب يميلون الى "الانحراف" لأنهم لا يؤدون "الخدمة" التي يؤديها الشباب اليهود فيفقدون "القدرة على الاندماج" وهو ما يقرر مصيرهم في العمل المتدنّي من جهة، والجنائي من جهة أخرى. ويفرد مساحة كبيرة للدعوة الى توسيع ما يسمى بـ"الخدمة المدنية" التي تُعتبر وسيلة تدجين وليست وسيلة دفع وتطوير. مجدداً يورد التقرير موقفاً (وليس حقيقة) مفاده أن سبب قلة انخراط العرب هو ما سلف، وليس ما يورده هو بنفسه بشكل مفصّل في مكان آخر، عن ضآلة فرص العمل التي توفرها الدولة لهؤلاء الشباب. مثلا، أن طاقم معدّي التقرير قد "شدّد على أنه بغياب استمرار النشاط الحكوميّ المكثف للتطوير الاقتصاديّ والاجتماعيّ فلن تكون هناك أي جدوى للأنشطة الرامية إلى القضاء على الجريمة والعنف". وأن من بين "القضايا التي تحظى بأهمّيّة زائدة في سياق منع الجريمة والعنف في المجتمع العربيّ، تطوير المناطق الصناعيّة في البلدات العربيّة- سواء باعتبارها وسيلة لزيادة فرص العمل المتاحة أمام الشباب العرب أو أساساً من أسس متانة السلطات المحلّيّة العربيّة".

لو كانت مناطق صناعية (وسياحية وترفيهية وزراعية وتقنية) مماثلة لما هو متوفر أمام الشباب اليهود، ورغم ذلك قرر الشباب العرب التقاعس، لكان ذلك الزعم عن "الخمول" و"عدم الاندماج" قابلاً للنقاش. أما وأن الدولة تميّز ضد العرب في توفير بنية تحتية ومرافق للعمل، فإن ذلك الزعم لا يستحق حتى النقاش. لأن هذا موقف أيديولوجي مسبق يقرر تجاهل معطيات ووقائع الحياة الملموسة نفسها.

 

كبار موظفي الدولة يتهرّبون من "قضية جوهرية بالنسبة للإجرام"

حين يصل التقرير الى تناول مجال الإسكان، يقول "إنّ الوسط العربيّ يعاني من أزمات حادّة، فقد وجد مراقب الدولة (2019) أنّ تخطيط البناء في البلدات العربيّة تتخلله عيوب جسيمة، سواء على الأراضي التابعة للدولة أو الأراضي بملكية خاصة؛ ورغم قرارات الحكومة الرامية إلى الترويج لهذا الموضوع، إلّا أنّ السنوات الأخيرة لم تشهد تحسناً ملحوظاً في هذا الموضوع حيث ما تزال أزمة الأراضي والبناء والسكن في البلدات العربيّة حادّة. فعلى سبيل المثال تمّ التخطيط لتسويق حوالي 200 ألف وحدة سكنية في بلدات مختلفة في أنحاء البلاد على أراضي الدولة، ومنها حوالي 30 ألف وحدة سكنيّة في بلدات الأقليات. لكن بالفعل لم يتمّ تسويق إلا 20 بالمئة من الوحدات السكنية التي تمّ التخطيط لتسويقها في بلدات الأقليات، مقابل تسويق 70 بالمئة من الوحدات التي تم التخطيط لتسويقها في بلدات يهوديّة أو مختلطة. كما وجد طاقم حكوميّ ضم ممثلين عن وزارات مختلفة كُلف بمعالجة أزمة السكن في بلدات الأقليات في العام 2014 أن البلدات العربيّة تعاني من مشكلة شديدة لغياب تسجيل رسميّ في السجلّ العقاري، والذي يؤثر على القدرة على بناء العقارات بشكل قانونيّ".

ثم يقرّ التقرير بوضوح: "تؤدي أزمة الأراضي، والصعوبات في البناء القانونيّ، إلى جانب غياب مسارات رسميّة تسمح بأخذ قروض الإسكان (المشكنتا) إلى مشاعر الإحباط وإلى ظواهر مختلفة من الإجرام والعنف: عدم وجود الأراضي يؤدّي إلى السكن وسط حالات الاكتظاظ والظروف المتدنية، ممّا يؤدّي أكثر من مرّة إلى حدوث نزاعات وشجارات بين العائلات؛ يتمّ إنفاذ الصفقات العقاريّة المتعلّقة بأرض غير منظّمة رسميّاً من خلال جهات إجراميّة؛ يتّجه مواطنون يحتاجون المال لبناء بيت إلى المنظّمات الإجراميّة ليأخذوا قروضاً منها، ثم يواجهون صعوبة في تسديد المستحقات المربوطة بالفائدة الربوية المرتفعة؛ بالتزامن مع غياب مراقبة فرع البناء في البلدات العربيّة حيث يتعرّض الأشخاص لجباية مقابل الحماية ولتهديدات من قبل تلك المنظّمات الإجراميّة بشكل مستمرّ".

ويتابع أنه "في سياق قضيّة السكن، تضاف إلى هذه الأزمة كذلك مشكلة تسجيل الأراضي. حيث ترفض البنوك منح قرض إسكان (مشكنتا) بسبب عدم تسجيل العقار في دائرة تسجيل الأراضي (الطابو). وفي هذا السياق، وجدت دراسة أجراها بنك إسرائيل على سبيل المثال أنّه من أصل كافّة قروض الإسكان التي تمّ منحها بين الأعوام 2010 و2014 فقط 2 بالمئة منها تقريباً مُنحت لزبائن عرب. في ظلّ غياب القدرة من المواطنين العرب على أخذ القروض وقروض الإسكان من البنك، ونظراً لعادات العمل مقابل أموال نقديّة وعدم الإبلاغ عن العوائد، فإنّه تنشأ أسواق موازية («رماديّة») والتي تدرّ، حسب التقديرات، ما يزيد عن مليار شيكل سنوياً. وتُستخدم هذه الأموال لتوفير قروض خاصّة، تفوق نسبة استرجاع نظيرها بفائدة ربوية مصرفيّة لتبلغ عشرات النسب المئوية شهرياً. حيث تجبي المنظّمات الإجراميّة هذه الاسترجاعات بعدوانية بالغة وبعنف في حالات كثيرة. إذ وقع الكثير من حالات إطلاق النار في المجتمع العربيّ خلال السنوات الأخيرة على خلفيّة دين لم يتمّ استرجاعه".

لقد وجد الفريق، كما يشدّد التقرير، أنّ قضيّة السكن، على كافّة مكوناتها، عبارة عن "قضية جوهرية ومفصلية بالنسبة للإجرام والعنف. مع ذلك، وفي ضوء مدى تعقيد القضية وتبعاتها فإنّ الأمر يتطلّب الدراسة والتمعّن اللذين يتخطيان عمل الطاقم". ولذلك، فمن من غير الواضح لماذا وكيف أن معدي التقرير – وهم كبار موظفي الجهاز التنفيذي في الدولة، برتبة مديرين عامين – قد قرروا عدم الخوض في جذور وخلفيات هذه القضية التي وصفوها بأنفسهم بأنها "قضية جوهرية ومفصلية بالنسبة للإجرام والعنف". وإذا كان التالية مناصبهم غير مفوّضين أو قادرين على "الدراسة والتمعّن" الكافيين، فمن هو الذي سيفعل؟، نحن نتحدث عن: مديري مكتب رئيس الحكومة، وزارة الأمن الداخليّ، وزارة الداخليّة، وزارة العمل، وزارة الرفاهية والشؤون الاجتماعيّة، وزارة المساواة الاجتماعيّة، وزارة القضاء، وزارة الإسكان، وزارة الاقتصاد، وكبار مديري سلطة الضرائب.

لعلّ إحدى الإجابات الممكنة هي التالية: هؤلاء يمثلون الحكومة بجميع الوزارات المركزية المؤثرة والفاعلة الرئيسة في صنع القرارات، وهذه الحكومة ترفض تسجيل الوقائع الخاصة بسياسة الأراضي في مستند رسمي، لأنه سيكون عبارة عن اعتراف هائل بسياسة منهجية متواصلة قوامها المصادرة والنهب والهيمنة والإقصاء والمحاصرة للبلدات العربية - وهي ما يشكل البنية التحتيّة الكبرى للبنى التحتية المشوّهة التي تفرز ظواهر خطيرة كثيرة، في مركزها اليوم، وليست وحدها، ظاهرة تفشي الجريمة المنظمة.

كذلك، فإن قضايا الأرض لا تملك الحكومة المنتخبة وحدها صلاحية التصرّف بها، بل تلك المؤسسات الأيديولوجية المعيّنة التي يتطابق تفويضها مع تعريف مالك الأرض في إسرائيل: "ملكية القومية"، ومعروف من الذي يقع خارج هذا التعريف في "الدولة اليهودية"!.

 (نُشر المقال في ملحق "المشهد الإسرائيلي"، المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار")

 

الصورة:

تحركات احتجاجية حاشدة للمواطنين العرب بتنظيم قيادتهم المنتخبة، قد كشفت حقيقة المشهد: مظاهرة في وادي عارة (تصوير: أورن زيف، أكتيفستيلز)

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب