news-details

خلفيّة تاريخيّة: مطامع الولايات المتَّحدة هي المحرِّك الأساسي لسياستها في إيران

بدأ التَّدخُّل الأمريكي في إيران بعد الحرب العالميَّة الثَّانية وكان الدافع الرَّئيسي لهذا التَّدخُّل هو مطامع الولايات المتَّحدة في النَّفط الإيراني، وكانت واقفة بالمرصاد لكل محاولة لتأميم هذا النَّفط. 

كانت علاقات الولايات المتَّحدة ممتازة مع إيران، اذ كان النِّظام موالياً لها ولمصالحها الاقتصاديَّة خاصَّة النَّفطيَّة ، لذلك نرى علاقات الولايات المتَّحدة رائعة معها في الفترة التي كان الشَّاه في إيران هو الحاكم والمحافظ على مصالح الولايات المتَّحدة في بلاده. أمَّا الشَّعب الإيراني فلم يهادن يوماً.

انتصرت الثَّورة الإيرانيَّة بقيادة الخميني فجنَّدت الولايات المتَّحدة صدَّام حسين حاكم العراق لمحاربة ايران لفترة ثماني سنوات متتالية.

انَّ التَّوافق بين السياستين الأمريكيَّة والإسرائيليَّة على العداء للنِّظام الثَّوريِّ في إيران هو توافق إمبرياليٌّ، هدفه القضاء على هذا النِّظام لأنَّه داعم للأنظمة التَّقدُّميَّة والمطالب الجديُّ لحقوق الشَّعب العربيِّ الفلسطينيِّ.

ونبدأ بحثنا هذا في التَّغلغل الأمريكيِّ في إيران بعد الحرب العالميَّة الثَّانية:

بعد الحرب العالميَّة الثَّانية بدأ التَّسرُّب الأمريكيُّ إلى إيران. فقد تعاون رئيس الحكومة الإيرانيَّة قوام السَّلطنة عام ١٩٤٦ مع الولايات المتَّحدة، ووُقِّعت اتِّفاقية بين الحكومة الإيرانيَّة والشَّركة الأمريكيَّة " موريسون-نادسن" بشأن وضع خطَّة سباعيَّة لتطوير إيران زراعيًّا عن طريق قروض أمريكيَّة، ولكن كان ذلك مشروطًا بانتقال النَّفط الإيرانيِّ للأمريكيِّين. لكن هذه الإتِّفاقية لم تنفذ. ووقَّعت الحكومة الإيرانيَّة عقدًا مع شركة أمريكيَّة أخرى " أوڤرسيز كونسالتانتيس" التي يرأسها رئيس الاحتكار البترولي"ستاندرد أوبل أوف كاليفورنيا". بموجب هذا العقد تقوم الشَّركة الأمريكيَّة بوضع خطَّة سباعيَّة لتطوير إيران.

في العام ١٩٤٩ وأثناء زيارة الشَّاه الإيراني لواشنطن تبيَّن له أن الأموال والقروض من الشَّركات الاحتكاريَّة الأمريكيَّة لن تُعطى ما دام البترول ليس في يد الأمريكيِّين.

إنَّ السِّياسة الامريكيَّة الاحتكاريَّة أدَّت إلى هبَّة شعبيَّة ونقمة إيرانيَّة عارمة وتعاظمت معاداة الإمبرياليَّة، وقد نشأت في خريف ١٩٤٩ ونتيجة لهذه الأوضاع منظَّمة جديدة بادر إلى إقامتها نوَّاب وطنيُّون تقدميُّون في المجلس الإيرانيِّ برئاسة محمد مصدَّق هي منظَّمة الجبهة الوطنيَّة التي طالبت منذ اليوم الأوَّل لإقامتها بإلغاء الانتخابات المزيَّفة للمجلس، حريَّة الصَّحافة، إلغاء الأحكام العرفيَّة التي طُبِّقت في طهران بعد محاولة اغتيال الشَّاه في العام نفسه.

في العام ١٩٤٩ أُجريت انتخابات جديدة، أصبحت الجبهة الوطنيَّة نتيجة لها الكتلة الأكبر والأكثر نفوذاً في المجلس،  وطالب مصدَّق بتصفية شركة البترول الأنجلو-إيرانيَّة وتأميم البترول الإيرانيِّ دون تأجيل وكان هذا مطلب الملايين من الإيرانيِّين.

استمرَّت الحكومة الإيرانيَّة بالتَّعامل مع الولايات المتَّحدة وبعد تعيين الدبلوماسيِّ الماكر الأمريكي هنري غريدي سفيراً جديداً للولايات المتَّحدة في إيران، شرع بتطبيق أجزاء من مشروع ترومان في إيران، وهذا الأمر زاد من الوجود الاقتصاديِّ والعسكريِّ للولايات المتَّحدة في إيران. وقد أثَّر ذلك على الاقتصاد الإيرانيِّ تأثيراً سلبيًّا، إذ بلغ استيراد البضائع الأمريكيَّة إلى إيران في العام ١٩٥٠ قرابة عشرين ضعفاً من الصَّادرات الإيرانيَّة للولايات المتَّحدة. وأدَّت المنافسة القويَّة الأمريكيَّة للسِّلع المحليَّة إلى خراب المؤسَّسات الصناعيَّة الإيرانيَّة الخفيفة والحرف، وأُغلقت مئات المعامل الصَّغيرة، ونتيجة لذلك بقي ٣٠ ألف عامل حياكة بلا عمل في مدينة يزد وحدها، أي أنّّ الإيرانيين أحسُّوا بتأثير الاستغلال الإمبرياليِّ البريطانيِّ والأمريكيِّ على جلودهم.

 

ردود الفعل الإيرانيَّة:

أمام الضَّغط الشَّعبيِّ الهائل اعترف رئيس الوزراء الإيرانيِّ رازمار  أنَّ عدد العاطلين عن العمل في العام ١٩٥٠ وصل إلى٥٠٠ ألف شخص وأنَّ الفقر يزداد يوماً بعد يوم.

ازدادت الهبَّات الشَّعبيَّة ضدَّ الإمبرياليَّة الأمريكيَّة ووجودها العسكريِّ في إيران، فقد قامت مظاهرة هائلة جبَّارة في مدينة بندر شاهيور  وقد وصل عدد المتظاهرين فيها إلى ثمانين ألف متظاهر، وذلك احتجاجاً على وصول سفينة حربيَّة أمريكيَّة محمَّلة بالأسلحة، وقد تمرَّد عمَّال الميناء ورفضوا تفريغ السَّفينة من الأسلحة. واضطر رئيس الوزراء الإيراني نتيجة للضَّغط الشَّعبيِّ أن يلغي الاتِّفاقية مع شركة أوڤيرسيز  كونسالتانتس وطلب من المستشارين الاقتصاديِّين الأمريكيِّين مغادرة البلاد. في العام ١٩٥١ إغتيل رازمار رئيس الحكومة واختير حسين علا ليحلَّ مكانه. في فترته اشتدَّت المطالبة بتأميم النَّفط الإيرانيِّ واندلعت الإضرابات وأهمُّها إضراب عمَّال وشغيلة البترول، كذلك وقَّع سبعة من " آيات الله" فتوى أعلنوا فيها أنَّ دعم الحركة من أجل تأميم النَّفط واجب دينيٌّ على كلِّ مسلم إيرانيٍّ. 

في٢٧ نيسان ١٩٥١ اضطرَّت حكومة حسين علا إلى الاستقالة، وفِي ٢٩ نيسان صادق المجلس على تعيين محمد مصدَّق رئيساً للوزراء وفي٢ أيَّار وافق المجلس على قانون تأميم البترول الإيرانيِّ وعموم أموال شركة البترول الأنجلو- إيرانيَّة.

 

ردود الفعل الأمريكيَّة والإنجليزيَّة:

أثار قرار تأليف حكومة الجبهة الوطنيَّة في إيران وعلى رأسها مصدَّق، وتأميم صناعة البترول في إيران ، بالغ الغضب في الأوساط الحاكمة في بريطانيا، أمَّا الولايات المتَّحدة فاعتقدت أنَّها تستطيع استغلال الوضع لصالحها وتفرض رقابتها على النَّفط الإيراني بدل الشرَّكة الأنجلو إيرانيَّة وبناء عليه قام ترومان بإعطاء حكومة مصدَّق قرضاً بقيمة ٢٥ مليون دولار، لكنَّ خطوات مصدَّق العملية في اتِّجاه التَّأميم العام والتَّام أدَّى إلى سخط الولايات المتَّحدة، خاصَّة وأنَّ عملية التَّأميم في إيران من الممكن أن تتحوَّل إلى سابقة ومثَل وسيؤدي إلى عواقب وخيمة بالنِّسبة للاحتكار البتروليِّ الأمريكيِّ في بلدان الجزيرة العربيَّة   "أرامكو". وهكذا أخذ موقف الولايات المتَّحدة يزداد عداء لحكومة مصدَّق يوماً بعد يوم.

بعد ثلاثة أسابيع من وصول مصدَّق إلى الحكم، أرسلت الولايات المتَّحدة رسالة إلى الحكومة الإيرانيَّة تبلغها فيها أنَّها ترى عملية التَّأميم كأمر سلبيٍّ للغاية وحاولت الولايات المتَّحدة إرغام الحكومة الإيرانيَّة على البدء بمحادثات لتسوية الخلاف مع إنجلترا.

لم يقف الشَّعب الإيرانيُّ مكتوف الأيدي أمام الضَّغط الأمريكيِّ، فانعقد في أواخر أيَّار ١٩٥١ المؤتمر الأوَّل للجمعيَّة الوطنيَّة للنِّضال ضد شركة البترول الأنجلو إيرانيَّة وانبثق عنه "الجمعيَّة الإيرانيَّة للنِّضال ضدَّ الشَّركات البتروليَّة الإمبرياليَّة"، أي الأمريكيَّة والإنجليزيَّة أيضاً، وقد استطاعت الولايات المتَّحدة إصدار قرار من محكمة العدل الدوليَّة في لاهاي يمنع الحكومة الإيرانيَّة من تنفيذ التَّأميم، وهذا القرار غير قانوني لأنَّ محكمة لاهاي تبثُّ في القضايا بين دول لا بين شركة خاصَّة ودولة كما في هذا الوضع..

وكان التَّدخل الأمريكيُّ مقروناً بتهديدات عسكريَّة واقتراب سفن حربيَّة أمريكيَّة من الأسطول السَّابع الأمريكيِّ من السَّواحل الإيرانيَّة، حكومة مصدَّق صمدت ورفضت الرُّضوخ.

 

استمرار المؤامرات ضد حكومة مصدَّق: 

استمرَّت الولايات المتَّحدة في التآمر على حكومة مصدَّق، ففي ١٥ تمُّوز ١٩٥١ وصل المبعوث الشَّخصيُّ للرَّئيس الأمريكيِّ ترومان وقد قوبل

مظاهرة احتجاجيَّة شعبيَّة وصل عدد المشتركين فيها اكثر من مائة ألف ‏متظاهر، الذين هتفوا مطالبين بتأميم البترول وصناعته في إيران وبسحب ‏السُّفن الأمريكيَّة والإنجليزيَّة من الخليج العربيِّ.‏

لكنَّ وزير الدَّاخليَّة الإيرانيَّة الجنرال زاهدي أمر الجيش والبوليس بضرب ‏المتظاهرين، وهذا أدَّى إلى مقتل مائة متظاهر وجرح أكثر من خمسمائة ‏آخرين، وأُغلقت إثر ذلك أكثر من عشرين جريدة تقدميَّة وأُعلنت حالة ‏الطَّوارئ في طهران وجرت اعتقالات جماعيَّة.‏

انتفض الشَّعب الإيرانيُّ نتيجة لسياسة وزير الدَّاخليَّة وقامت المظاهرات ‏في مختلف المدن الإيرانيَّة، وكان طابع هذه المظاهرات معادياً للأمبرياليَّة ‏الأمريكيَّة، فاضطرَّت الحكومة الإيرانيَّة إلى تقديم الضُّبَّاط المسؤولين عن ‏أعمال القمع للمحاكمة وأُجبر زاهدي على الاستقالة.‏

وقد أيَّد هذه الهبَّة ودعمها رجال الدِّين برآسة آية الله كاشاني، وفِي ظلِّ هذا ‏الدَّعم الجماهيري، رفضت حكومة مصدَّق العروض الإنجليزيَّة الأمريكيَّة ‏لتسوية النِّزاع حول البترول الإيراني.‏

تحوَّلت الولايات المتَّحدة وبريطانيا  إلى الهجوم المباشر على حكومة ‏مصدَّق، وطالب مندوباهما في مجلس الأمن بأن توافق إيران على وضع ‏صناعة البترول الإيرانيِّ تحت رقابة شركة دوليَّة، إِلَّا أنّ مصدَّق رفض ‏ذلك في خطابه في مجلس الأمن. وهنا قرَّرت الدولتان الإمبرياليَّتان فرض ‏حصار ماليٍّ واقتصاديٍّ على إيران، فتوقَّفت شركات البترول الأمريكيَّة ‏والإنجليزيَّة عن شراء البترول الإيراني، ليس هذا فقط بل أجبرت هاتان ‏الدَّولتان الشَّركات البتروليَّة الفرنسية والإيطالية واليابانية على فسخ ‏الصفقات مع إيران، كذلك أنذرنا الحكومة الإيرانية بوقف الاتِّصالات مع ‏الدُّول الاشتراكيَّة لبيعها النَّفط الإيراني.  وكان أثر ذلك انخفاض انتاج ‏إيران إلى جزء من عشرين جزءاً من متوسط استخراجها السَّنويِّ قبل ‏التَّأميم واستمرَّ هذا الانخفاض خلال النِّصف الثَّاني من عام ١٩٥١ وكلِّ ‏العام ١٩٥٢ والنصف الأوَّل من العام ١٩٥٣، وأوقفت الولايات المتَّحدة ‏مساعدتها لإيران وفرضت بريطانيا حظراً على الحسابات الإيرانيَّة في ‏المصارف البريطانيَّة.‏

 

إقالة مصدَّق عودته للحكم ثانية

ضغطت القوى الإمبرياليَّة في أواسط تمُّوز ١٩٥٢على الشَّاه والقوى ‏الرَّجعيَّة في المجلس من أجل إسقاط حكومة مصدَّق وقد قامت هذه ‏العناصر بإجبار مصدَّق على الاستقالة في١٧ تمُّوز ١٩٥٢وعين بدلاً منه ‏وللمرَّة السَّادسة بعد الحرب العالميَّة الثَّانية قوام السلطنة والذي باشر بقمع ‏الحركة المناوئة للإمبرياليَّة وبتنفيذ أوامر السَّفير الأمريكيِّ، فقام باستعمال ‏السِّلاح في ضرب المتظاهرين وإضعاف فعاليَّتهم.‏

كان ردُّ فعل الشَّعب الإيرانيِّ عنيفاً، فبدأ إضراب عام في كل إيران في ٢١ ‏تمُّوز ١٩٥٢ وأُغلقت جميع المؤسَّسات الإنتاجيَّة وغير الإنتاجيَّة في جميع ‏أنحاء إيران، وكان لرجال الدِّين وعلى رأسهم آية الله كاشاني دور هام في ‏بثِّ روح النِّضال بين أبناء الشَّعب من أجل القضاء على قوام السلطنة. ‏وهكذا عقدت اجتماعات حاشدة في معظم المدن الإيرانيَّة طالبت بإقالة قوام ‏السلطنة وبطرد العملاء الأمريكيِّين والبريطانيِّين، فقامت القوات المسلَّحة ‏بأمر من قوام السلطنة بقصف المتظاهرين بالدَّبابات والمدافع فقتل أكثر ‏من مائة متظاهر وجرح أكثر من ثمانمائة. وفِي مساء٢١ تموز  استقال ‏قوام السلطنة وفرَّ هاربًا وفِي٢٢ تمُّوز عاد مصدَّق ليشغل منصب رئيس ‏الوزراء الإيرانيِّ وأضاف إلى ذلك إشغال منصب وزير الدِّفاع وفِي ٣ آب ‏منحه المجلس صلاحيَّات إستثنائيَّة لمدَّة ستَّة أشهر.‏

بعد عودة مصدَّق وفشل المؤامرة ضدَّه بدأت الولايات المتَّحدة بتخطيط ‏لدبِّ الخلاف في الجبهة الوطنيَّة تمهيداً لعزل مصدَّق وإبعاد القوى ‏الوطنيَّة عنه. وقد حاكت الكثير من المؤامرات داخل إيران، لكنَّ رغم ذلك ‏استطاع مصدَّق في ١٣ كانون الثَّاني ١٩٥٣ أن يأخذ مصادقة المجلس ‏بتمديد صلاحيَّاته الإستثنائيَّة لسنة أخرى. لكن المؤمرات استمرَّت بالتَّعاون ‏مع الشَّاه، إِلَّا أنَّ مصدَّق أحرز إنتصاراً آخر إذ وافق المجلس في ٢٥ أيار ‏‏١٩٥٣ على قرار بموجبه تعود مسؤوليَّة قيادة الجيش لوزير الدِّفاع (وهو ‏مصدَّق في هذه الفترة) . وزاد مصدَّق من توطيد علاقاته بالاتحاد ‏السُّوڤييتي. لكنَّ المجلس تحوَّل بعد هذا التَّاريخ ونتيجة لسياسة الشَّاه ‏والمؤامرات الأمريكيَّة إلى مجلس غير قادر على القيام بأعماله وهنا زادت ‏المطالبة بحلِّ المجلس.‏

في آب ١٩٥٣ أُجري استفتاء وأعلن مصدَّق نتائجه الحاسمة لصالح القوى ‏الشَّعبيَّة وذلك في١٢ آب ١٩٥٣. في مساء نفس اليوم صدر قراران من ‏الشَّاه، الأوَّل بإقالة مصدَّق والثَّاني تعيين فضل الله زاهدي في منصبه.‏

في ١٨ آب ١٩٥٣ وبأمر من زاهدي وبدعم ماديٍّ وعسكريٍّ أمريكيٍّ ‏ضخم تقدَّمت وحدات عسكريَّة باتِّجاه طهران وكان هدف الانقلاب القضاء ‏على حكومة مصدَّق، وبعد معارك دامت تسع ساعات استولى الانقلابيُّون ‏على مقر رئيس الحكومة واعتقلوه وفِي    19آب اعتقل جميع أعضاء ‏الحكومة الوطنيَّة وقد سمِّيت عملية الإطاحة بمصدَّق وحكومته الوطنيَّة ‏ب" أجاكس" وقد دبَّرها رجل الاستخبارات الأمريكيَّة كيرميت روزفلت ‏وهكذا عادت إيران إلى سيطرة الشَّاه وعاد تأثير الإمبرياليَّة الأمريكيَّة ‏ورقابتها على بترول إيران. وقد حصلت الولايات المتَّحدة بعد الانقلاب ‏على ٤٠ بالمائة من النَّفط الإيرانيِّ حسب كتاب أحمد مهابة "إيران بين ‏التَّاج والعمامة".‏

بعد الانقلاب حاولت الولايات المتَّحدة زيادة نفوذها في إيران عن طريق ‏النَّصائح والخبرات الفنيَّة والعسكريَّة، وقد حلَّ الخبراء الأمريكيُّون مكان ‏الخبراء الألمان وقد رأى الشَّاه أنَّ الولايات المتَّحدة هي الأنموذج الذي ‏يجب الإقتداء به.‏

وقد قام الشَّاه محمَّد رضا بهلوي بالحكم على مصدَّق بالسَّجن ثلاث سنوات ‏وقضى حياته حتى موته في سجن منزليٍّ فرضه عليه الشَّاه الإيرانيِّ.‏

بعد الانقلاب على حكومة مصدَّق، استمر الشَّاه في السُّلطة باعتباره موالياً ‏لأمريكا قدَّمت واشنطن دعماً غير محدود للشَّاه، وتأسَّس جهاز المخابرات ‏السريَّة “السَّافاك" بمساعدة وكالة المخابرات الأمريكيَّة "سي.آي.إيه" ‏والموساد الإسرائيلي في العام ١٩٥٧ وبحلول ١٩٧٠ أصبح هذا ‏الجهاز  العمود الفقري لأمبراطوريَّة الشَّاه, حيث استخدمه في تعذيب وقتل ‏الآلاف من معارضيه.‏

لا يمكن فصل العلاقات الامريكيَّة الإيرانيَّة عن العلاقات الإسرائيليَّة ‏الإيرانيَّة إذ تحسَّنت العلاقة بين اسرائيل وإيران منذ ١٩٥٣ وحتى الثَّورة ‏الإيرانيَّة عام ١٩٧٩.‏

على الرَّغم من عدم وجود علاقات رسميَّة معترف بها، كانت إيران ثاني ‏دولة مسلمة تعترف بإسرائيل كدولة ذات سيادة بعد تركيا، وخلال حرب ‏‏١٩٧٣  رفض الشَّاه منع النفط عن إسرائيل رغم أنَّه قدَّم دعماً ماديًّا ‏للجبهتين السُّوريَّة والمصريَّة.‏

 

في العام ١٩٥٧ وقَّعت الولايات المتَّحدة وإيران اتفاقيَّة للتَّعاون في مجال ‏الطَّاقة النَّوويَّة للأغراض المدنيَّة. وفِي العام ١٩٦٧ زوَّدت الولايات ‏المتَّحدة إيران بمفاعل نوويٍّ بالإضافة إلى وقود يورانيوم مخصَّب بنسبة ‏‏٩٣ بالمائة وهي درجة تخصيب تسمح بالاستخدام في صنع القنابل. ‏


 

الثَّورة الإسلاميَّة والإطاحة بحكم الشَّاه:‏

في ١٦ كانون الثَّاني ١٩٧٩ أُجبر الشَّاه على مغادرة إيران إثر قيام الثَّورة ‏الإسلاميَّة بقيادة الزَّعيم الإيرانيِّ آية الله الخميني وكان زعيم المعارضة ‏لحكم الشَّاه قاد الثَّورة من منفاه في فرنسا.‏

وفِي تشرين الثَّاني من العام نفسه اقتحم طلاب إيرانيُّون السَّفارة الأمريكيَّة ‏في طهران واحتجزوا ٦٣ من موظفي السَّفارة كرهائن. في ٤ نيسان ‏‏١٩٨٠ قطعت الولايات المتَّحدة علاقاتها الدبلوماسيَّة مع إيران وفِي أيلول ‏من العام نفسه غزا الجيش العراقيُّ جنوب غرب إيران بأمر من الرئيس ‏صدَّام حسين وبدعم من الغرب. ‏

في ٢٠ كانون الثَّاني ١٩٨١ تمَّ الإفراج عمَّن تبقَّى من رهائن السَّفارة ‏الأمريكيَّة في طهران مقابل الإفراج عن ١١مليار دولار من الأموال ‏الإيرانيَّة المجمَّدة في أمريكا.‏

رأت الثَّورة الإيرانيَّة بالولايات المتَّحدة الحليف الرئيسيَّ للشَّاه ‏المخلوع  مما انتج حالة عداء معلن عنها منذ اللحظة الأولى للثَّورة، فقد ‏اعتاد آية الله الخميني أن يصف أمريكا في خُطبه بأنَّها "الشَّيطان الأكبر" ‏وأنَّها تقف وراء كلِّ شرٍّ في العالم.‏


 

الولايات المتَّحدة والحرب العراقيَّة الإيرانيَّة:‏

 

رأت الولايات المتَّحدة بالثَّورة الإيرانيَّة خطراً على مصالحها ومصالح ‏اسرائيل في المنطقة، فاستغلَّت الخلاف بين الثَّورة الإيرانيَّة والحكم البعثي ‏في العراق لإضعاف إيران وإشغالها في حرب طويلة، فسرَّبت معلومات ‏خاطئة وغير دقيقة لبغداد بخصوص ضعف القدرات العسكريَّة لإيران، ‏بغية دفع صدَّام حسين لإعلان الحرب عليها، وفِي مرحلة متأخِّرة قامت ‏سراً وعن طريق دول أخرى بتزويد طهران بالكثير من صفقات السِّلاح ‏في محاولة لإطالة أمد الحرب  وإنهاك العراق وإيران لمصلحة حليفتها في ‏الشَّرق الأوسط اسرائيل.‏

وقد حدثت عدة صدامات بين الولايات المتَّحدة وإيران خلال الحرب ‏الإيرانيَّة العراقيَّة، فعلى سبيل المثال قام الإيرانيُّون بشنِّ هجمات على ‏ناقلات نفط عام١٩٨٨ في سياق مواجهة بين قوات إيرانيَّة وقوات متحالفة ‏مع الولايات المتَّحدة، وفِي ٣ تمُّوز ١٩٨٨ أسقطت قوَّات البحريَّة ‏الأمريكيَّة طائرة ركاب إيرانيَّة في مياه الخليج مما أسفر عن مقتل كل من ‏كان على متنها وكان عددهم ٢٩٠ راكباً. ‏

 

الولايات المتَّحدة والاتفاق النَّووي: ‏

إنَّ توقيع الولايات المتَّحدة على الإتِّفاق النَّوويِّ الإيرانيِّ عام ٢٠١٥ في ‏إطار المجموعة خمسة زائد واحد والذي نصَّ على رفع العقوبات ‏المفروضة على إيران بشكل تدريجيٍّ مقابل تعهُّد إيران بتجميد العمل في ‏برنامجها النَّوويِّ، والخضوع لتفتيش ومراقبة الوكالة الدُّوليَّة للطاقة ‏النُّوويَّة. حدث ذلك لأنَّ الجناح المعتدل في الثَّورة الإيرانيَّة المتمثِّل بحسن ‏روحاني وصل إلى الحكم وكان يحكم في الولايات المتَّحدة الحزب ‏الدِّيموقراطيِّ برئاسة أوباما. ففي سنة ٢٠١٦ رفعت الولايات المتَّحدة ‏العقوبات التي فرضتها على إيران بعد تأكيد الوكالة الدُّوليَّة للطَّاقة النُّوويَّة ‏أنَّ إيران نفَّذت التزاماتها الواردة في الإتِّفاق النَّوويِّ الإيرانيِّ.‏

بعد صعود الحزب الجمهوريِّ برئاسة دونالد ترامب، انسحب الأخير من ‏الاتِّفاق في أيَّار ٢٠١٨، وحسب المختصِّين بالشَّأن الحزبيِّ الأمريكيِّ فإنَّ ‏الحزب الجمهوريَّ يتَّخذ موقفاً معادياً لإيران. وقد بقيت الدُّول الخمس ‏الأخرى ملتزمة بالاتِّفاق، أمَّا العلاقات بين ايران والولايات المتَّحدة فقد ‏توتَّرت وفرضت الولايات المتَّحدة عقوبات على إيران وهدَّدت  كلَّ جهة ‏تشتري النَّفط الإيرانيِّ.‏

وهذا التَّوتر ازداد حدَّة بعد اغتيال الولايات المتَّحدة لقائد فيلق القدس ‏سليماني وقد قامت إيران بقصف صاروخيٍّ لقاعدتين عسكريَّتين في ‏العراق وأصابت أهدافها بدقَّة متناهية، ويعتقد المحلِّلون أنَّ هذا التَّوتر ‏سيؤدِّي إلى انسحاب أمريكيٍّ من المنطقة.‏

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب