news-details

د. سيد القمني: من التقليد إلى التجديد في الفهم الديني | رشيد عبد الرحمن النجاب

 

ولد المفكر المصري سيد القمني في مدينة "الواسطى" في محافظة "بني سويف" عام 1947، وحصل على درجة الدكتوراه في تاريخ علم الاجتماع الديني عام 1987، وهو مفكر مثير للجدل، يدّعي أنه معتزلي، بينما يعتبره البعض باحثاً في التاريخ الإسلامي من منظور ماركسي عالمي، بل ربما يكون أكثر من ذلك بكثير.

حمل سيّد القمني على الإسلام السياسي، وعلى الفكر الديني السلفي، وتصدى للفكر السلفي بعلمية وعقلانية. وقد هُدد عدة مرات، ولكن بعد مقالة نشرها إثر تفجيرات "طابا"، بعنوان: "إنها مصرنا يا كلاب جهنم"، اشتد الهجوم عليه فاضطر إلى اعتزال الكتابة وأعلن ذلك حوالي منتصف عام 2005. ولكنه عاد إلى الكتابة فأصدر الكتب التالية عام 2007: "الدولة الإسلامية والخراب العاجل"، "الدولة الإسلامية للخلف در"، "الحجاب وقمة الـ 17". وقد توفي عام 2022.

ناقش سيّد القمني مفهوم الشك في الإسلام، ففيما أصبح الشك كفراً في الفهم المعاصر، وضّح أبو حامد الغزالي أصول الشك ومشروعيته في كتابه "المنقذ من الضلال" بقوله: «من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر بقي في متاهات العمى والضلال». لقد بلغ الشك أقصى مداه عند الغزالي عندما مارس الشك المنهجي بوجود الذات الإلهية نفسها، ووصل بعد شكه هذا إلى الإيمان، ولكن عندما "قذف الله بنور من لدنه" في صدر الغزالي، آمن به.

أورد سيّد القمني مثالاً آخر على الشك في كتابه" السؤال الآخر" عام 1998، مستمداً من تاريخنا، عندما شك عمر بن الخطاب وهو يحاور أبو بكر بشأن مسألة صلح الحديبية، والتنازلات التي قدّمت لقريش، والتمرد الذي تبع ذلك.

عالج سيّد القمني مسألة الأساطير، التي اعتبرها بعض المسلمين معجزات، كقصة الإسراء والمعراج على ظهر"البراق"، الذي هو أسطورة يونانية تعود إلى الحصان المجنح "بيجاسوسPegasus"، وهو دابة الإله زيوس. فهذه مسألة إيمانية لها مدلولات وعبر، ولا يجوز الاعتقاد بها بأنها خرق لنواميس الطبيعة كما يرى. كذلك الأمر فيما يتعلق بالملك سليمان الذي حاور الطيور، وأيضاً قصة الطير الأبابيل، وما إليهما من روايات هدفت إلى ضرب الأمثلة وتقديم العبر ليس غير.

 ورأى القمني أن الاعتقاد بالمعجزات قد فتح الباب أمام الاعتقاد بمعجزات جديدة ممكنة هدفها تخليص المؤمنين من مصابهم عندما يقنطون، فعندما تحيق بنا الهزائم نرفع شعار "إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم"، فنركن إلى الجانب الطقوسي والأخلاقي من أداء الشعائر، ونترك العمل بانتظار أن تحدث المعجزة وتصلح نفوسنا، أو تدمر أعداءَنا!

نقد سيّد القمني قراءَة الدين في مستويات ثلاثة؛

  •  يتعلق المستوى الأول بمنهج البحث في الدين والذي يتمثل في تحويل التاريخ الإسلامي إلى تاريخ جامد ثابت غير فاعل، كما يتمثل في اجتزاء النصوص واستخدامها حسب الحاجة الزمانية والمكانية، لتلبية حاجات السلطة السياسية والدّينيّة في المجتمع.
  • ومضى القمني إلى المستوى الثاني المتمثل في تحريم الأبحاث العلمية التي تمس الاعتقادات الراسخة، كنظرية النشوء والارتقاء، والتكيف البيئي التي هي أساس علوم الطبيعة اليوم. كذلك بلغت بعض الاتجاهات البسيطة مبلغ التوفيق بين العلم والدين؛ فأدت إلى تسفيه العلم والادعاء أننا نمتلك علوم الدنيا كلها، ما أنجز في الماضي، وتلك التي سوف تنجز في المستقبل، الأمر الذي استبعد الحاجة إلى العقل والبحث العلمي.
  •  أمّا على المستوى الثالث، فقد أدى القصور في نقد المنهج التقليدي إلى إنكار الحريات التي بلغتها الإنسانية في العالم المعاصر، فأخذنا ننكر أن الإسلام لم يلغِ الرق أو يحرمه، وظل في مستوى التحبيب والترغيب في العتق. وأشار القمني بهذا الخصوص إلى ما ورد في كتابه المعنون "السؤال الآخر" حيث قال: "ولم تزل تتلى آيات العبيد وملك اليمين دون أن نحاول اجتهاداً يعوض فارق القرون الطوال منذ عمر بن الخطاب الذي خالف ومنع وحرم وأنكر؛ ولمّا يمض على سكوت الوحي بضع سنوات". ولم تزل المرأة عندنا اليوم نصف رجل، جاهل بليد، وناقصة عقل ودين، حتى لو كانت حاصلة على أعلى درجات العلم والمعرفة.

وضع سيّد القمني قوانين ثلاثة للتخلف بدأت تسود بعد عصر الخليفة المتوكل، وأخذت تضع قواعد التحريم، وفتحت باب التكفير، وهي:

  • أولاً: تكفير من يتجاوز المألوف في الاعتقاد، وقد استخدمت هذه القاعدة الأولى في لجم المعارضة السياسية، كما حدث مع محمود طه في السودان، وقتل حسين مروة ومهدي عامل في لبنان وقتل فرج فوده في مصر، وتكفير نصر حامد أبو زيد.
  • ثانياً: وهو قانون "لا اجتهاد مع نص"، بالرغم من أن النص يقبل أكثر من تفسير انطلاقاً من قول الإمام علي: «إن القرآن حمّال أوجه لا ينطق بلسان بل ينطق به الرجال».
  • أشار القمني إلى الإنتهازية كقانون ثالث التجأ إليه ذوو السلطان ووسطاؤهم لتبرير المظالم، بحيث يتم نزع الآيات من سياقها الداخلي لتمرير المصالح وترهيب الناس.

 وفي كتابه "الفاشيون والوطن" نظر السيد القمني إلى الأحاديث في ضوء منهجه النقدي، فقد رأى أن النص المستمد من الوحي قد تأنسن، أي كتبه بشر وقام البشر بتفسيره، وكي تكتسب الأحاديث قدسية القرآن يستدعي هذا أن يكون النبي معصوماً. ورأى أن نوازع البشر وأهواءَهم غير المستقرة هي التي دفعت البخاري إلى عدم تدوين سوى 4000 حديث من أصل 600,000 حديث جمعها. في حين لم يصح عند أبي حنيفة سوى سبعة عشر حديثاً فقط.

كما أشار القمني إلى دور أبي هريرة في نقل الأحاديث، وقد هدده عمر بن الخطاب بالكف عن التحدث بأحاديث النبي، ولكنه عاد إلى ذلك بعد أن احتضنه قصر معاوية بالشام. (المصدر نفسه كما أشار إلى راوٍ ثانٍ من رواة الآحاد هو عبد الله بن عبّاس (الملقـّب بحبر الأمة) والذي كان في العاشرة من عمره عندوفاة الرسول الكريم، وقد روى 1660 حديثاً معظمها أحاديث آحاد.(المصدر نفسه)

إستشهد سيّد القمني بكتاب الخطيب البغدادي "تقييد العلم" بقوله إنّ النبي نفسه نهى عن تدوين الأحاديث، وجاء في صحيح مسلم ج 18: «لا تكتبوا عني غير القرآن، ومن كتب عني غير القرآن فليمحه»  أمّا السيدة عائشة فتروي عن أبي بكر أول الخلفاء الراشدين: «جمع أبي الحديث عن رسول الله وكان خمسمائة حديث، فبات ليلة يتقلب كثيراً، فلما أصبح قال: أيّ بنية، هلمي بالأحاديث التي عندك، فجئته بها فدعا بنار وأحرقتها»، (تذكرة الحفاظ للذهبي ج1) وقام عمر بن الخطاب بجمع وإحراق ما كتب عن الرسول، وكتب إلى الأمصار أن يتلفوا ما عندهم من أحاديث السنة. ورأى ذلك اجتناباً لما وقع به أهل الكتاب الذين دوّنوا كلام أنبيائهم فتحوّلت النصوص المدونة إلى نصوص مقدسة.

واستخدم سيّد القمني منهجه النقدي في كشف التضليل وزور ادعاءات الصهاينة بحقهم في فلسطين استناداً إلى التوراة. وهكذا توصل إلى أن الإسرائيليين زوروا التاريخ لصالح التنظير التاريخي للقومية الإسرائيلية، وكشف عن الخرافات في العهد القديم وترجماته المتوارثة والمتهافتة، وقدّم وثائق فرعونية وبردية (ورق البردي) تثبت هذا التزوير وتدحضه.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب