news-details

ذكرى الرفيق حبيب زريق ستبقى خالدة| توفيق كناعنة

في البداية أود أن أعتذر لطيّب الذكر الرفيق حبيب زريق ابو زياد الشيوعي المبدئي، المثالي والقدوة الحسنة لأني تأخرت في الكتابة عنه بسبب ظروف خاصة حيث انه مر عليّ وضع صعب لمدة ما يقارب الشهرين لم استطع الكتابة نتيجة لرجة في يدي أصابتني بشكل مفاجئ بعد رحيل الرفيق ابو زياد، وها انا احاول الكتابة الآن بعد ان تخلصت من هذه الرجّة الملعونة الى حد ما.

الحقيقة انه مهما حاولت من الجهد لم ولن استطيع ان أوفي الرفيق حبيب زريق ابو زياد حقه خاصة وانه كان الشيوعي الاول في منطقة البطوف، حيث كان قد تعرّف على النشطاء في عصبة التحرر الوطني، التنظيم الشيوعي للشيوعيين العرب منذ تأسيسه سنة 1943 وقد أصبح عضوا نشيطا في هذا التنظيم في سنة 1945 وفي الوقت نفسه كان قد أسهم في توزيع العدد الاول لجريدة "الاتحاد" عندما صدر في 1944/05/15.

كان لي شرف التعرّف على هذا الرفيق في أوائل الخمسينات من القرن الماضي ومعرفتي هذه في تلك المرحلة كانت معرفة محدودة، ولكن مع الزمن تعمّقت هذه العلاقة واصبحت بيننا علاقات رفاقية ومبدئية وانسانية عميقة ومتينة حتى اخر ايامه. ومن الرفيق ابو زياد وأمثاله من الرفاق الاوائل تعلمت الكثير، من فكرهم النيّر ومن جُرأتهم، صدقهم واخلاصهم لمبادئهم، خاصة وان الرفيق ابو زياد كان من الرجال المثقفين بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، ولكن بالرغم من ثقافته العالية كان متواضعا ودمث الاخلاق.

ان الرفيق ابو زياد وأمثاله من هذا الجيل المؤسس كانوا قد تحلّوا بالتضحية وانكار الذات ولم يركضوا وراء المناصب، ولذلك عرفوا جيدا كيف ينشرون مبادئهم بين الناس وفكرهم الانساني التقدمي في مثل تلك المرحلة الصعبة التي مرّت على شعبنا العربي الفلسطيني في زمن النكبة وما بعدها، لأنهم كانوا مبدئيين ولم تدخل الى صفوفهم سوسة الانتهازي والذاتي البغيضة، ولذلك أسهموا إسهاما كبيرا وهاما في بناء وتطوير هذا الحزب العريق، الحزب الشيوعي.

ومن أجل التعرّف اكثر على حياة الرفيق حبيب زريق أنصح بقراءة المادة التي كتبتها الرفيقة رندة زريق والمادة التي كتبها ايضا الرفيق رفيق بكري وكذلك المقابلة التي أجراها معه الصحفي وديع عواودة في راديو الناس.

ان الرفيق حبيب زريق منذ ان تعرّف على الحزب في سنة 1943 لم ينقطع عن العمل السياسي الى ان أقعده المرض. ولكن حتى في هذا الوضع حين كنت أزوره كانت الاسئلة الاولى له هي عن وضع الحزب ووضع الرفاق وعن جريدة "الاتحاد" التي كانت بالنسبة له ثروة وطنية ومدرسة سياسية وفي الوقت نفسه تاريخ شعب كما سماها الرفيق اميل توما في الذكرى الثلاثين لتأسيس "الاتحاد" وهي الصرح الثقافي، النضالي والتاريخي لجماهير شعبنا في هذه البلاد، وفي الوقت نفسه كان الرفيق حبيب زريق المسؤول عن توزيع "الاتحاد" في عيلبون خلال سنوات طويلة.

لقد تعمّقت علاقاتي الرفاقية والانسانية مع الرفيق حبيب زريق بشكل اكثر وأقوى في الفترة التي كنت فيها سكرتيرا لقطاع البطوف حيث كنت أمثل حلقة الوصل بين منطقة الناصرة الحزبية وهذه الفروع والتي كان من بينها فرع عيلبون للحزب الشيوعي. وللذكرى والتاريخ أود ان أوضّح شيئا هاما وهو ان فرع عيلبون للحزب الشيوعي كان أول فرع للحزب في منطقة البطوف ورفاق هذا الفرع قد أسهموا إسهاما كبيرا في تأسيس فروع للحزب في المغار، ديرحنا، عرابة وسخنين.

لقد كان للرفيق ابو زياد دورا في هذا العمل الهام وفي الوقت نفسه كان للرفيق لطفي زريق ابو عامر دورا أساسيا في قطاع البطوف، حيث كان متفرغا للعمل الحزبي في سنوات الخمسينات من القرن الماضي، هذا بالاضافة الى دور الرفيق فهيم زريق ابو لؤي في العمل بين الشباب في تلك الفترة. وواجبي الرفاقي التذكير بهذا الدور الهام لهذا الفرع الاول في منطقة البطوف حيث كان ابو زياد أحد أعمدته.

في تلك الفترة كان الرفيق ابو زياد عضو سكرتارية الفرع والرفيق يوسف صليّح ابو اياد سكرتيرا للفرع وكلاهما أكبر مني سنّا وقدرا، عملت معهم بمحبة رفاقية عالية وباحترام متبادل الى أقصى حد. ولكن كانت هناك نهفة بيني وبين هذين الرفيقين لا بد من ذكرها وهي تدّل على طيبتهم، إخلاصهم، مبدئيتهم واحترامهم للرفاق الاخرين.

في أحد الايام زرت فرع عيلبون من أجل ملاحقة تنفيذ مهام حزبية كان يجب تنفيذها، واجتمعت مع هذين الرفيقين المسؤولين، ووجدت ان هذه المهام لم تُنفذ رغم أهميتها، هذا الأمر أزعجني ولكني في البداية لم أظهر انزعاجي، وبعد فترة بدأت أتململ في جلستي وانا صامت وفي نفسي ماذا أقول لرفيقين (كما ذكرت سابقا) أكبر مني سنا وقدرا، عندها سألني الرفيقان:

  • مالك يا رفيق؟!
  •  والله يا رفاق اني زعلان على ربي.
  • ليش يا رفيق؟!
  • لأنه خلقكم قبلي، مش غادر أحكي عليكو ولا كلمة، أي هاي عملة اللي عملتوها بتنعمل؟!!

ضحك الرفيقان بأعلى صوتهم وبعدها قالوا لي:"اسمع رفيق توفيق، حتى لو كنا اكبر منك، انت الرفيق المسؤول، المرة القادمة اذا قصّرنا بعمل لا توفرنا حتى امام الرفاق الشباب، انتقادك لنا أمامهم يعلمهم معنى التنظيم الصحيح".

الحقيقة ان هذا الجواب هو سر الراحة والمحبة في العمل مع مثل هؤلاء الرفاق الذين عرفتهم دائما بصدقهم، اخلاصهم ومبدئيتهم العالية.

الحقيقة انه ربطتني علاقات صداقة مع الكثير من الرفاق والاصدقاء في عيلبون منذ سنوات الخمسينات الاولى من القرن الماضي، واليوم ايضا مع قسم من ابناء الاوائل من الرفاق والاصدقاء، وهذه العلاقة استمرت وما زالت مستمرة ولم تنقطع، ولذلك مهما أكتب عن عيلبون والرفاق والاصدقاء في عيلبون، لن أوفيهم حقهم وبشكل خاص الرفيق حبيب زريق الذي بدأ عمله الوطني والنضالي قبل أكثر من ثمانين عاما ولم يكلّ ولم يملّ، وفي الوقت نفسه لم تهتز قناعاته الفكريّة أبدا حتى آخر يوم في حياته.

ان أمثال الرفيق حبيب زريق لا يمكن نسيانهم لذلك ستبقى ذكراهم خالدة.

عرابة البطوف

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب