news-details

رائدات في الفكر العربي الحديث والمعاصر| رشيد عبد الرحمن النجاب

ضمت موسوعة أعلام الفكر العربي الحديث والمعاصر  لمؤلفها الدكتور أيوب عيسى أبو دية مئتين وثمانية عشر علما من أعلام الفكر العربي في القرنين التاسع عشر والعشرين، وإن كان عدد الرجال  الذين شملتهم الموسوعة يمثل أضعاف عدد النساء، إلا أن قراءة هذه الحقيقة في ضوء الظروف السائدة خلال الفترة موضوع البحث سيما في بدايتها (النصف الثاني من القرن التاسع عشر)، يمكن أن  يفضي بالقارئ إلى تفسير  لهذه الظاهرة،  فالمجتمعات العربية كانت بالكاد تصحو من غفوة دامت عددا من القرون، تباطأت فيها الحركات العلمية،  وشهد دور المرأة  حالة أقرب إلى التجمد،  وارتبط ذلك بشح الفرص المتاحة لتعليم  المرأة ليس لقلة المدارس، وصعوبة المواصلات فحسب، بل تبعا لعادات وتقاليد شديدة التحفظ كانت بعض تفاصيلها  تعيب توجه المرأة للتعليم. كما هو الحال في أفغانستان في زمن طالبان.

شكلت المرأة المصرية النسبة الأكبر في هذه المجموعة الواردة في الموسوعة، بخمس سيدات من أصل سبع، وهن حسب تاريخ الميلاد تصاعديا: هدى الشعراوي، ملك حفني ناصف، إنجي أفلاطون، أميرة مطر، ونوال السعداوي، ولا يبدو هذا الأمر غريبا بالنظر لما شهدته مصر من بداية مبكرة للنهضة، بتأثير من حملة نابليون بونابارت، وحكم أسرة "محمد علي" باستقلالها النسبي عن الحكم العثماني، ناهيك عن كونها البلد الأكبر من حيث عدد السكان عربيا، وتنتمي السيدتان الأخريان إلى كل من لبنان (زينب فواز)، والمغرب (فاطمة المرنيسي). علما بأن زينب فواز استقرت في مصر لفترة طويلة وتوفيت هناك. وغني عن الذكر ابتداء أن هذا المقال لا يمثل حصرا مطلقا لصاحبات الفكر، ولا يمكن أن ينفي بأي حال وجود العديد من الرائدات غيرهن بوصفهن مفكرات، حيث وضعت الموسوعة تعريفا دقيقا ل "من هو المفكر"، لكن هذه السطور تمثل قراءة في فكر السيدات المشمولات ضمن الموسوعة موضوع البحث، وقد عمد المؤلف إلى تعزيز الموسوعة بفيض من المراجع التي تشكل مداخل لمزيد من البحث لمن أراد.

بدأت الحركة الفكرية لهذه المجموعة من الرائدات في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، حين انبرت اللبنانية زينب فواز إلى الدفاع عن حقوق المرأة ضمن التقاليد والشرائع الإسلامية، وربما تكون صاحبة أول قلم نسائي عربي طالب بحقوق المرأة في العصر الحديث، بينما دعت ملك حفني ناصف الى حرية المرأة استنادا إلى الشريعة الإسلامية في صدر الإسلام، حينما كانت المرأة تشارك في الحياة العامة وتستقبل الضيوف، وتحارب، وتسعف الجرحى، شأنها شأن الرجل.

ودافعت هدى شعراوي عن حقوق المرأة، ودعت إلى مشاركتها في الحياة العامة بصفتها نصف المجتمع، وتبنت خططا تهدف إلى تطوير المجتمع بشكل عام. أما المصرية أميرة مطر فقد اتخذت نهجا أكاديميا فلسفيا يرتبط على وجه الخصوص بفلسفة الجمال، والتذوق والنقد وهو توجه معاصر مختلف عن التوجهات التقليدية السابقة.

كانت إنجي أفلاطون رسامة وناشطة شبابية، وصحافية مثلت النساء المصريات في المؤتمر العالمي للمرأة، كما شاركت في تأسيس اتحاد الشباب العالمي، وانضمت إلى حركة أنصار السلام عام 1950 والى اللجان الشعبية للمقاومة النسائية في معارك 1951واعتقلت لعدة سنوات في الحملة ضد الشيوعيين عام 1959.  

أما المغربية فاطمة المرنيسي وهي خريجة السوربون فقد كتبت باللغة الفرنسية وأنجزت كتابها الأول عام 1973 وعنوانه " ما وراء الحجاب"، الذي يبحث في المساواة الجنسية بين الرجل والمرأة في الإسلام، وربما تعلمت من ابن رشد الذي كان قد توصل في عصره إلى أن السبب المعيق للتقدم يتمثل في أن أكثر من نصف المجتمع الإسلامي كان آنذاك من النساء اللاتي لم يدرسن، ولم يعملن، وكن أسيرات خلف الحجاب.   

واتسمت أفكار نوال السعداوي بالشجاعة الأدبية والعلمية والقدرة على نقد المسلمات السياسية والدينية، مما عرضها لأنواع متعددة من القهر على يد السلطات الحاكمة، وبعض رجال الدين، فضلا عن مصادرة أعمالها، وعدم تمكينها من النشر، ومنعها من الحديث في أجهزة الإعلام المملوكة للدولة وتشويه صورتها لدى الرأي العام.  

ثمة قضية مهمة تربط تحرر المرأة بتحرر الأمة من الاستعمار، ففي حين دعت إنجي أفلاطون إلى التوعية بدور الاستعمار الإنجليزي آنذاك بصفته المستفيد الأول من الممارسات المختلفة التي تتمحور حول إقصاء المرأة من الحياة العامة وسلبها حقوقها وإضعافها وإبقائها قيد منظومة التبعية للحد من المقاومة الشعبية للاستعمار، في حين أكدت نوال السعداوي على ربط تحرر المرأة بتحرر المجتمع من القوى الخارجية المستعمِرة، والقوى الداخلية المستبدة.  ولم تكن فاطمة المرنيسي ولا هدى شعراوي بعيدتين عن هذا التوجه.

عمان في  04/04/2023

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب