news-details

 راعي الغَنَم السّوري| نمر نمر

أبحثُ عن ملف خاص يتكَدّسُ بين عشرات الملفات المكسوّة بغبار السّنين المتراكم، أتناوله برفق لئلاّ تتبعثر أوراقه ومحتوياته، أنفض الغبار وأتصفّح على مهل، وإذ بي أعثر على كنز ومدّخرات أدبية بالعبريّة والعربيّة، ومن بينها مقالات لِأمنون وغيره:

-أمثالُ حلب/أرام صوبا1 /4 /1988/جريدة معريب

-دعوة للعصيان المدني/ يديعوت أحرونوت 27 /2 /2010

-غَطْرَسَتُنا سببُ مأساتنا 22 /7 / 2010، يديعوت..../ الحقيقة 30 /7 /2010

-جمال الكذب والصّحوة، التَّبَجُّح خطر، 28/12 /2010

-لا تتسرّعوا في رثاء الأسد، أستنتجُ أنّ الرئيس الأسد لن يسقط نظامه وهو ليس سيّئاً لليهود، وماذا يأتي بعده إذا سقط! 29 /12 /2011

-كُلْ مين إيدو إلو، إصرخي أيّتها الأرض المهدومة، 9 /8 /2013

-أحلى لغة-أنا مبسوط، 23 /1 /2014

-القرآن الذي لم نعرفه 25 /3 /2014

-الرّاعي السّوري، معريب 8 /8 /2014

-الشّيطان الطّائفي، يديعوت 14 /8 /2014

-القنال السّوري/كاتبان سوريّان/قادم ومهاجر، هآرتس 25 /12 /2015

-أمنون شموش حلبي أصيل، الاتّحاد 11 /3 /2022

هذه المقالات الهامّة التي دوّنها الكاتب أمنون شموش والتي كُتِبَتْ عنه كذلك، تعالج القضايا السّوريّة بعد الحرب الهمجيّة عليها، والكاتب لا يخفي اعتزازه بانتمائه السّوري الأصيل، ويضيف قائلاً: لغة أمّي هي العربيّة ولغة شعبي هي العبريّة، وأنا حلبيّ أصيل، كالفستق الحلبي، قِشرته الخارجيّة صلبة، لكنه لَيّن لذيذ من الدّاخل، وحينما قَدِمْتُ الى البلاد عام 1938، شعرتُ أنّني كنتُ في القمّة فَهَبَطْتُ إلى الحضيض جرّاء التّمييز هنا.

 حضرات السّيّدات والسّادة الكرام!

 هكذا كان السّيّد مناحم بيغن يُخاطب الجمهور، حتى لو كانوا من خصومه ومناوئيه السّياسيّين: مئير فلنر، توفيق طوبي، دفيد بن جوريون...! وأنا لست من خرّيجي مدرسة بيغن السّياسيّة ولستُ من أتباعه الغوغائيّين الذين سجدوا له، وكلّ شيء هو نسبي إذا ما قيس بالآخرين، لنقارن بين الماضي والحاضر المُرّ الذي نعيشه اليوم! شاهدتُ وإيّاكم الفيلم الوثائقي التّسجيلي، عن الكاتب الرّاحل: أمنون شموش، وبه الكثير من الأبعاد والمفارقات الانسانيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة وحرّيّة الرّأي والتّعبير، والشّكر يعود لجرأة المُخرج: عمري ليئور، الذي غاص في الأعماق كي يلتقط ويُخرج لنا المرجان واللؤلؤ من القاع.

مولد وطفولة هذا الكاتب الإنسان كانت في مدينة حلب الشّهباء، بيتُ عِزٍّ وَجاهٍ، بيتُ رخاء وجذور تاريخيّة من الفردوس المفقود: الأندلس، غرناطة، قرطبة، اشبيلية، الموشّحات الأندلسيّة والقدود الحلبيّة والفستق الحلبي.

ما كتبه نثراً بين الرّواية والقصّة القصيرة والمقالة الهادفة هو كثير وكثيف، عدا عمّا نظمه في باب الشِّعْر.

 جمع بين الألوان الأدبيّة والفنون الإبداعيّة، أثار الشّعر مواهبه وأحاسيسه التّوّاقة إلى الانفتاح على العالم الرّحب، أسلوبه الكتابي من السهل الممتنع يستخدم كافّة الوسائل في البلاغة، وما تضمّ من تشبيهات، استعارات، توريات وجناسات، وعلى سبيل المثال يقول بالعبريّ: حَلَبْنا، حَلِمْنا وحاربنا معاً، القطايف تتحوّل إلى قذائف، نظم في قصيدة: هديّة: عيني في المشرق/ونظري/ إلى الوراء يتّجِهُ إلى الأندلس/ عائلة أمّي هاجرت/نحو المشرق قُدُما / على العشب الأخضر أستلقي في الكيبوتس/ روحي بعيدة في غرناطة/ الأندلس بداخلي من هنا...

كتب عن الفتاة الموسويّة المُتَخَفّية آنا فرانك، إبان ملاحقات اليهود في أوروبا:

في نفس السّنة وُلِدْنا/ آنا فرنك وأنا/ أسيرَيْن معاً كُنّا/ آنا فرانك وأنا/ كلانا دوّن اليوميّات/ هي من اليسار إلى اليمين/ وأنا من اليمين الى اليسار/ يوميّاتُها حُفِظَتْ/ ويوميّاتي اندثَرَتْ/ مَن خالد منّا!

 أخوه: توفيق/طوبيا كان ضليعاً باللغتَين الشّقيقتَين، رحل عام 1982، رثاه بقصيدة رقيقة، حملت العنوان: بين شقيق وأختَين، قال واصفا بألم وحسرة:

إنهار واخْتفى/ شظايا جُرِفَتْ/ في نهر عَكِر/ تتدفّق إلى البحر/ الكبير/ بحر بيروت الكبرى/ وبحر تل أبيب الصّغرى/ جسرٌ حَيٌّ بين حضارتَين/ /كان/ بين لغتَين/ أخٌ كبير/ جسر حي/ كان/ في جسمه الصّغير/ هو أخي الكبير/جسر حيّ بين حضارتَين/ بين لُغتَين...

 في باب المقالات السياسيّة: رغم الهموم والأعباء الثّقيلة التي أنيطَتْ به، كانت له قنوات مفتوحة على الصّحف العبريّة الثلاث: هآرتس، يديعوت أحرونوت ومعاريب، سلّط الأضواء الكشّافة على الكثير من القضايا السياسيّة العالقة، بين الشّعبَين والدّول العربية المجاورة، جاهر برأيه بصراحة جليّة، دون تقوقع، انعزالية أو لفلفة الأمور، لَقّبوه بلقب الرّاعي السّوري، لم يأبه بذلك! بل اعتَزَّ وافتخر.

في اهدائه لي: كتبا، كتب:

 أخي وصديقي نمر، زميلي في هذا الدّرب الطويل...، كان نبعاً فيّاضاً مُتدفّقاً عطاءً، سخاءً ورقّة في تعامله مع الغير، وقد تبادلنا الزّيارات العائلية، وفقد كلّ منا رفيقة دربه بعد مرض عضال، كتب الكثير عن قرينته الرّاحلة، وأنا حذوت حذوه، وتأثّرتُ بما كتب بصدق وشفّافيّة. هو رعى الأغنام في الكيبوتس، وأنا رعيتُ عنزاتنا وبقراتنا في القرية، انسجام شبه تام كان بيننا، الموضوع السّوري، الثّقافة والحضارة جمعت بيننا، الفنّان ليئور عمري أخرج عنه فيلم: راعي الكلمات، والفنّان محمد بكري أخرج عنّي فيلم راعي العنزات، فيلم أمنون جديد بعد رحيله، وفيلمي قديم قبل رحيلي!

 وإذا كان الشّيء بالشّيّء يرتبط، وعُرى الصّداقة والمودّة بين الأشخاص تُقَرّب المسافات بين الشّعوب والأمم، لا بُدّ لي من الإشارة بمكان إلى صديقنا وأخونا الكبير وشيخ أدبائنا: محمود عبّاسي الذي بادر ورعى التّرجمة المتبادلة بين اللّغتَين والشّعبَين، رغم الظّروف القاهرة التي نجتازها معاً.

*الكاتب النّاقد العبري: دفيد جيرج كتب قي صحيفة: هآرتس يوم 11 /3 /2022: هذه السّنة مُنِحَتْ جوائز إسرائيل لعشرة كتّاب عبريّين، كُلُّهم من الأشكناز، دون أن يحظى بهذه الجائزة أيّ كاتب من أصول شرقيّة!

خطّان متوازيان، الحضارتان العربيّة والعبريّة جمعتنا معاً، نهلنا من مشارب مختلفة، ومهما تفرّعت تعود وتلتقي من جديد، وحتى يلتقي الخطّان المتوازيان لا بُدّ من الانحراف المتبادل، لنلتقي في منتصف الطّريق الوَعِر.

أمنون كان إنساناً حضاريّاً منفتحاً، أطَلّ على مختلف الحضارات الإنسانيّة، تأكّد بأنّه لا يمكن لنا أن نتقوقع في هذا الإطار الضّيّق، وحين نقرأ إبداعاته شعراً ونثراً، نجد الكثير من الكلمات، المصطلحات، الأمثال والأقوال العربيّة التي يجيد استعمالها، فهي البهارات، الحوايج، اليانسون، السّمّاق والفلفل والبَخّور والشّموع، في دربنا المتوغّل نحو الهاوية في ظروفنا الآنيّة، ها هو يخاطب صديقه الحلبي المهاجر: لحظة! لحظة! قُلْ لبيبي بألاّ يتطوّعَ ويُرسل أبناءنا لمحاربة الإسلام المتطرّف، فالإسلام المعتدل هو الذي يقوم بالمهمّة، ويضيف قائلاً: (ما هو مصير سوريّتنا يا جميل، يا حبيبي، يجيبه جميل: دمّروا لنا حَلَبَنا يا صاحبي أمنون! الأسد لن يتنازل عن حلب، وكيف يصل إلى الشّام دون أن يُعرّج على حمص وحماة، حينها ستكون سوريا الصّغرى، أبي بكى حين ْ كانت بريطانيا وفرنسا مسْيطرَتَين، واختلسوا من سوريا: لبنانَ والأردنَ وفلسطينَ) (معاهدة سايكس-بيكو المشؤومة/ ن ن)، ويختتم أمنون رسالته قائلاً:

لحظة لحظة! شْوَيّ شْوَيّ، لم يتمالك جميل أعصابه واختتم بنصيحة سياسيّة:

قُلْ لِبيبيكُمْ، واكتبْ في جريدتكَ: الإرهاب لم يولَد من الإسلام! توَقّفوا عن التّصريحات المُدَوِّية بدعم القادة المعتدلين والدّول العربيّة المعتدلة، هذا لن يُجْديكم نفعاً، هذا فقط يُلحق الضّرر! ياللاّ سلامتكْ يا جبيبي!

 أراد البعضُ النَّيْلَ منه، فَوَشموه بِوشم: السّوريّ! ثمّ أضافوا لذلك: راعي الغنم السّوري، لتحقيره وإذلاله، فانقلب السّحر على السّاحر! وإذا بأمنون يشمخ ويعتزّ بما وصموه به، فكتب ما كتب بجرأة، وانْحاز إلى الموقف السّوري، ويفقش الأبصال الحارقة في عيون الشّامتين من مَحَلِّيّين ومُتغطرسين، ويقول بلهجته الحلبيّة المُحبّبة: أنا حلبي تمام مُشْ بَسْ كلام! والحلبي جوابو بِتِمّو ما بْيِسْتَنّا لَيسأل إمّو، ويطلب من الفنّان العبري: ليئاب صبري المزيد من اللوحات المُعبّرة عنه!

هذه بعض مواقف أمنون السّياسيّة والإبداعيّة على جناح السّرعة، والشّكر والتّقدير للمخرج، وللبروفسورة إيفون جولان/رئيسة قسم الحضارة والسّينما في الجامعة وَلِـ جالية كريمة الرّاحل أمنون وللجمهور المشارك في هذا العرض.

**ألقِيَتْ هذه المداخلة في قاعة السينما-تك/ حيفا 15 /3 /2023 بمناسبة مرور سنة على رحيل امنون، وعرض الفيلم الوثائقي عنه.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب