عَرفتُ الرفيق عبّاس زين الدين، بعد العام 1973م، السنة الَّتي أسسنا فيها فرع حزبنا الشيوعي في عارة وعرعرة، والذي سنحتفل في التاسع عشر من أيول 2023م، ببلوغه ال 50 عاما. كُنت في تلك الفترة أمر على الإتحاد لأرسل خبرا أو مقالا وأسلمه باليد، أو لجلب الجريدة في أيام الجمعة مرافقا رفيقنا طيب الذِّكر أبو العفو، أو لاجتماع لهيئة تحرير الإتحاد الموسَّعة التي كانت تعني حضور رفاق من الهيئات القيادية في المناطق. في هذه الفترة كان رفيقنا أبو عصام عبّاس زين الدين، في إدارة الاتحاد، ولسنوات محاسب للفروع، وكنت أراه وهو يجلس في زاوية عند باب الجريدة بعد الدرجات في شارع الحريري، وما أن تطأ رجلي مدخل الباب حتّى يرحب باهلا وسهلا، وبابتسامته التي لا تفارقهُ، وخلال المدة توثقت علاقاتنا الرفاقية الانسانيّة، فكنت حريصا على قراءة أعداد الجديد القديمة التي لم أقرأها وكذلك الغد وبحثت في الغد عن عدد كنت كتبت فيه قبل انتسابي للحزب باسم مستعار، إذا لم تخني الذاكرة " شاب عربي"، وصفت له العدد وإذا به يأتيني به، واقتنيتُ منه بعض المجلدات ما زلت أحتفظ بها. توالت الأيّام وأصبحنا نلتقي في المناسبات الكفاحية والنضالية مثل الأول من أيّار وأيام الأرض وغيرها، وخلال هذه اللقاءات كنا نتبادل أطراف الحديث عن حيفا، عن الحزب، وعن "قوت الكادحين" وكيف عمل الرفاق في هذا المجال، وكان يحدثني عن رياض الأطفال الذي أقامته حركة النساء الديمقراطيات في حيفا وعن وادي النسناس، وكنتُ أصيخ السمع بمحبة وتقدير ولرغبة داخلية. وأكشف سرا للقراء كنت قد حدثته عنه، ففي حوالي سنة 1960م، دعي والدي وأعمامي لحضور عرس في حيفا، لشاب ربطت والده مع أهلي جذور قرابة، وقام والدي وأعمامي بحضور العرس في وادي النسناس، وألبسني والدي في تلك الفترة بذلة رسميّة مع ربطة عنق، والزمني أن أجلس مع الرجال طيلة الوقت، وبتنا تلك الليلة في حيفا، وما زلت أذكر الضيق المكاني، أي الحيز المكاني لأهل العرس، إذا ما قارنّاه بقريتنا في تلك الفترة، وكان أبو عصام عارفا في مسارب الحيِّ وتاريخه، ومن خلال وصفي الدقيق، فذاكرة الطفل تحفظ العديد من التفاصيل، وعرف البيت، وكانت أخت العريس الكبرى من جيران ومعارف رفيقنا أبو عصام، فعرفني عليها وعلى أسرتها وبيتها من جديد، ولم ينس أن يصف لي حياة الأخوة والأخوات والتفاصيل حول العائلة. هذه الحادثة وحادثة اقتناء المجلات واللقاءات المتكررة، وفيما بعد نجاح أبنائه في التعليم، وهموم الجريدة والحزب، في أحلك الظروف لم تغب الابتسامة عن وجهه البشوش، كما في الأيّام ذات النجاحات، مثل انتقال الاتحاد من صحيفة تطبع يومين في الأسبوع إلى صحيفة يوميّة ذات أهمية نضاليّة وتاريخية، وكانت تعبيرا لانتقال الحزب إلى موقع جديد بين الجماهير العربية وأيضا في البلاد عامة. كان هادئا كما حيفا... جميلا بجمال كرملها وبحرها ... مناضلا بهدوء كنت أحسده عليه ... لم أره شخصيا رافعا صوته أو غاضبا بصوت مرتفع، أو حتى يعطي تعليمات بصوت مرتفع... ثورته ... عميقة كعمق مياه بحر حيفا. كلُّ هذه العلاقة الطيبة الدافئة لم أكن أعرف أن رفيقنا من مواليد "صفد البطيخ" في الجنوب اللبناني عام 1935م، حتى أجرت معه الاتحاد مقابلة صحيفة على ما أذكر وذكر ذلك، وعندما التقيته، بادرته قائلا: أي قل لنا يا رفيق تحدثنا كثيرا ولم تذكر ذلك، ولا عن مكوثك في النّاصرة. فابتسم ابتسامته المعهودة وبهدوئه المعروف: طبعا لكن كلها بلاد واحده، لولا الاستعمار والصهيونية الذين قَسَّموها ... كان ممكن الواحد يصل بيروت ودمشق ويعود لحيفا .... ويبتسم "أو "صفد البطيخ" بلدي الأول ومسقط رأسي.!!! كنت تشعر معه أن الدنيا بخير وأن الحياة تسير بهدوء بدون مشاكل، الأمل بانتصار القيم التي تربى عليها حتما ستنتصر ... حب الوطن ... حب الانسان كإنسان... الدفاع عن الكادحين والعمال والفقراء. أبو عصام كان مدرسة للعديد من رفاقنا الذين عرفوه عن كثب وخاصة رفاق فرعه ومنطقته الذين كتب العديد منهم عنه باعتزاز، وتحيّاتي لهم فقد عزّزوا عندي ما كنتُ أراه في هذا الرفيق. لتكن ذكراه خالدة ... ولتكن منارة للأجيال. (عرعرة – المثلث)