news-details

ضَيْعَتي/ فؤاد الورهاني

صديق عزيز ودود، يراوح بين الاغتراب والوطن، لا يموت الذّيب ولا يفنى الغنم، يحنّ إلى خبز أمّه وقرينته المُتَشَبِّثَتَيْن بقرية معليا والوطن معًا، لسان حالهما: لاكْتب على جبين الوطن موّال/تراب الوطن ما نْبَدّلو  بأموال، والبحث عن لقمة العيش والطّموح من مُقتضى الحال! هذا الذي امتطى عصا التّرحال، صال وجال، ولا يهدأ له بال:لسانه وقلبه: عالبال بعدك ياوطن عالبال حتى تتغيّر الأحوال وْيِتْجَدَّد الموّال!هو المُطِلّ على الوطن دائمًا : ع ع،وكي نقطع الشّك باليقين، العين عين ليست من باب علاقات عامّة، بل عيني عالبلد، وإن شئتم فهو كشاجم العصري الحديث،طبعة متجدّدة دائمًا طبقًا للتقنيّات الحاسوبيّة الحديثة من تغريدات وقفشات وترجمات واستطلاعات، وعالقادوميّة القادوميّة خلّي طريقك عْلَيّي... ، إنّه عصام عرّاف، عصامي وعرّاف ليس بمعنى المُنَجّم والمُبَصّر ، معاذ الله! في كلّ إطلالة على الوطن يتحفنا ببعض المستجدّات والورقيّات والورّاقين القابعين في المهجر الأسترالي، ولم ينسَوا مسقط الرّاس، حيث بَشّرَت بهم القابلات/ الدّايات!

آخر ما أتحفنا به  ع ع: كتابان من عَبَق سوريا ولبنان،سورية الأبجديّة ولبنان الأرزيّة، وهما اثنان في واحد، أو شعب في دولتَين، شاء من شاء وأبى من أبى! وعلى درب فريد الأطرش في بساط ريحه، والذي استعاره ع ع، والعيرة مردودة:

سورية ولبنان/قامات وقدود/تْذوب نار/ القلب بارود /أنا أعشق/ سورية ولبنان.

الكتاب الأوّل: ضيعتي، للفنّان النّحّات، مُطَوّع الصّخر والفولاذ والشّعر: فؤاد شاهر الورهاني،وُلِدَ عام 1949 ،وله العمر الكامل، إن شاء الله،مسقط رأسه بلدة كارس السوريّة الحورانيّة، والأصل من الورهانيّة الشّوفيّة.

الكتاب الثّاني للكاتب: حكمت حنّا جاموس: محطّات صغيرة، نترك  الثّاني لحين حتى تحين الفرصة، ونركّز على الأوّل.

كتاب، ديوان، وثيقة، سيرة، أطلال، متحف ولوحات هذا الورهاني الجاد، يعيدنا إلى أطلال خولة، وقفا نبكي، ودمنة أمّ أوفى وبقيّة الرَّبْع، لنعود إلى ذكريات القرن الماضي وحضارة في طريقها إلى الزّوال، كما يقول أنيس فريحة 1903 -1993 .

 تحاول أن تتصفّح الكتاب  عالماشي! وإذا بِكَ تَتَقَرْبَطُ، تتمسّك به  بالمعنيَين القريب والبعيد ، بيدَيك ورجلَيك وكافّة جوارحك وعواطفك، تترك همومك وأشغالك والتزاماتك جانبًا، فالعناوين أخّاذة، والتّحدّيات مُحفّزة واللوحات تعيدك إلى أيّام زمان، وْنِيّالْ إلّلي إلو مَرْقَد عنزة في قْرَيّة الجَبَل، المُخضّبة تربته بدماء الأحرار والأبطال الشّهداء، لِأجْل ميثة الأطرش وَسْمّيّة والقائمة طويلة.

الكتاب شعر ونثر، تاريخ وجغرافيا،تراثيّات واجتماعيّات، حنين وأنين، حسرات ولوعات، لديه شبه لازمة أو قافية: هذي قصص من ضيعتي/ عا فرقِتا يا ليعتي/ كانت بِإيدي وْطَيعتي. الإخوة العكّيّون، ومنهم الشّاعر نظير الشّمالي والفنّانان القرينان: آمال وجبر أبوحامد، صاحبا المتحف النّحاسي: أمجاد الثّورة السّوريّة الكبرى، إذا خرجوا  خارج أسوار عكّاهم، يحلفون : وِحياة غُرُبتي! فكيف بهذا الفؤاد وأمثاله في أستراليا والشّتات! والّلي بْيوكل العصي مش مثل إلّلي بيعِدّها! ثلاث وسبعون قصيدة مُرقّمة،ما عدا التّفسيرات والتّذييلات، حاولتٌ أن أعنونها طبقا للمضمون والمحتويات، فتوصّلت إلى بعضها، أقرب هدف: بيّاع المِلْح ص 29، الحرمان الدّيني على المُسكرات وزراعة التّبغ، البايكة/الزّريبة، الحصاد، الرّجيدة، لقاطة، البيدر،العيد، الشّلوخ،  الخضروات، أدوات الموسيقى،/ المِجوِز والدّفّ، أشهر السَّنة، الّلَطْع، سِراحة، بين الزّوجين،الضّيعة، حُزّيرة،:صَحْن الّلَبَن بالطّاقة /لا هو جَمَل ولا هو ناقة؟، مَبيت، المدْبَرة، الصّابوني/الصّبّان، التّملاي،حكاية، دَحْلُ/ حَدْلُ السّطح الترابي، تعب،حنين، الورهانيّة، ثلج وصيد، بَقْسَما، أحّو يا بردي، بَصّة نار، سْليقة، الحكورة، قرضة الحليب، الرُّعاة، التّبّان، النّعوة، عيد الصّليب، زَبيب وَدِبْس، مُطوّلة، بلاغة، صَيْد، المُبَيّض، معبد، راعي العجّال، العروس، مَصالي، الأمّ، التّقشيش، وداع، استسقاء، صيد العصافير و حنين ثانٍ.

 هذا النّحّات الشاعر ، صاحب اللوحات والمعارض الفنّيّة العالميّة، ينقلنا بنقلة نوعيّة إلى أيام زمان وكان ياما كان  إسّا مْنحكي وْبعدين مِنّام! في استعراضي لهذا الكتاب ولوحاته الفنّيّة المختلفة، وأنا لا أمُتُّ إلى النّقد الأدبي أبدًا، ولا تلميذ في مدرسَتّي ابراهيم طه وزميله نبيه القاسم، لا ألِجُ فضاءهما الجوّي، ولا وسائل أرض- جوّيّة’ولا سلاح تقليدي أو غير تقليدي عندي، كلّ ما أملكه هو: قارئ متوسّط والعين مِشْ بصيرة بَسّ الإيد مش قصيرة، بفضل المُحسنين! أحاول دَبلجة، دلبجة وجلبخة بعض الخواطر والطّروحات من هنا وهناك. أقرأُ  بشغف ونهم، قدر الإمكان، أتوقّف مع الكاتب في استراحاته وخواطره السّريعة،وماضيه الحاضر والمُستحضر، يعود بنا الكاتب إلى قصّة: ميثة الأطرش 1896 ص 107، بين الأتراك والدّروز الذين هبّوا للدفاع عن عِرْضهم وأرضهم، أتخيّل نفسي مع: عَلَم العروبة يا غالي (أيّام عبد النّاصر وفريد الأطرش)، ليت للبرّاق عينًا لأسمهان، عالبال بعدك يا جبل حوران لفهد بلاّن، مسلسل الخربة (بو نمر وبو نايف، وفيّاض راعي العجّال الأصيل: مواقفي ما بْتنشرا بالمصاري!) ويمثل وديع الصّافي أمامك: على الله تعود بهجتنا والافراح / وتغمر دارنا البسمة والافراح/ قضينا العمر وِلف طَلّ وْوِلف راح/ وضاع العمر بين الهجر والغياب، وتصدح طويلة العمر فيروز: يا حجل صنّين، لا تسألوني ما اسمه حبيبي/ أخشى عليكم ضوعة الطّيوب/ والله لو بُحْتُ بأيّ حرف/ تكدّس  الليلكُ في الدّروب.وأنا بُحْتُ بكلّ الحروف عمدًا حتى تتكدّس وتتضوع كافّة الطّيوب!! وتتذكّر شعراء الرّابطة القلميّة والعصبة الأندلسيّة وما عانوه وعاينوه، ثمّ العروة الوثقى، وجمال الدّين الأفغاني ومحمد عبدو... . تعود إلى ديوان فؤاد من البداية ثانية: في ضيعتي شمس وقمر،ليل وْسهر،نبع وْجُرر، زرع وشجر، خضرة وثمر، طيور وبشر،خيل وبقر، بَيّي انْقَهَر،عْلَيّي نَهَر.هذه هي القرية ببساطتها وأهلها الطّيّبين والأكثريّة البسيطة السّاجة، والشّحرورة الأمّورة: عالبساطة البساطة، ونجاح سلام: مَيِّلَّك مَيّولة، وفؤاد يؤكّد: إنْحَطّ الطّبَق/ ريحة الكِشْكْ بِلْبيتْ عَبَق/ قومي يَبْنَيْتي طفي هَلْبَبور/ شوفي بريق الشّاي عَم بي فور ص 17 ،ودعاء ربّاني ص 19 : نِمِتْ عَ جنبي اليمين/وِاتّكَلِتْ عَ رَبّ العالَمين/ نمت عَ جنبي اليسار/واتّكَلِت عَالأنبيا الأطهار/نمت عَ  جنبي وِكتافي / واتّكلت عَ ربنا الكافي... .

ص50: إجا بيّاع البصل/عالمَقيل وصل/ ينادي عَمَأكول الأصَل/ ويقول في معنا فجل يا فلان/ بيسوا لَكُل إنسان..

ص 59 نقرأ: لَفَتْ عمتي إم ربيع/سَكْنَتْ بيت المقاطيع/عَطوها رُبعيّة قمح/ ساعدتهن عالتّطبيع!

 عذرًا ،هذه ليست تطبيع العلاقات الخليجيّة الإماراتيّة، لا تروحوا بعيد! المقصود :ِ شطاط البقر الطّازج الذي يُلصق/يُطبع ع الحيطان حتى يجف، ويكون مونة للنار في عِزّ فحل الشّتا!

* مسك اقتباساتنا من بيادر الفؤاد:

دارنا ما أجْملا/بْقَصر الملك ما بْبَدّلا/فيها مضافي بْأوّلا/ وْفيها كواير حَبَ لَكُل لِنواع/وْكُل وحدي بتوعى شي عشرين صاع/... وْمُصطاح زْبيب وْمعصرى/ وْطاسي وْخوابي وْمحفرا/وِسْراج وْطاقا مْشحترا/زوّار وضيوف وْقِرى/ عنزة وخروف وبقرا/وبلاط عَ دَعْس هْترا/ وتوتي شاميّي مْخَتِيرا/ وفيها لَجدّي مقبرا/كيف صارت يا ترى!

*في قصيدته رقم66  يقول عن تَآخي المذاهب والأديان، ص124 :تَخْمين نْسيتْ الجامع؟/بزيارتو مَعَش طامع/ عمْ بتنادي  لصّوامع/ عنّي لا يلهيك مالَك.

ثمّ ينتقل إلى الكنيسة قائلًا:

شو باكْ نْسيت لِكْنيسي؟/ والقدّيس والقدّيسي/ عَمْ يحكو بلجليسي/عنهن كف غاب خيالَك!

ولا ينسى الخلوة كذلك فيقول:

بَدَّكْشْ تشوف الخلوي؟/ لْبِجَّبل فوق بِلْعلوي/ أوعى ينسيك هلالَك!

وكأنّ فؤاد يلتقي مع محمد نفاع فيذكّر:

أوعى تنسالي لْعكّوب/ وْقُرْص العنّا هالمحبوب/ روح سلّق قبل لِغروب/ من لخضرا عبّي سْلالك/ نْسينا لبُطم والوزّال؟/ لْعلّيق وشوك الغزال/ لا تِسْتحي عنّها سْآل/ وْعن كل شي غطّى تلالك/ بتذكر أنواع لِطْيور؟/ حجل مطواق وْزرزور/ ولا لِجْعيطي  بوقنبور/ وْلِبْليقي هالمقهور/ وِلّي عشّش بين لدور//ياكل فضلات غلالك/. هذا الورهاني في مطوّلته هذه يعرّج على الكثير من زوايانا المعتمة أو المنسيّة كعرب المنسي عندنا، يعيد إلى ذاكرتنا الأفراح والليالي الملاح:اللَجَن/الّلَكَن، المقاثي والبقول،لطع روث البقر على الحيطان، الخابية والمنشل، الرّبابة والمجوز والشّبّابة، البقرة وطابة الشَّعر، السّراج والشّحبار/ الشّحتار، خبزالتّنّور وفطيرة القورمة( ليس الشّورمة)، المشطاح والطّلميّة والدّعبوب( وليس المكدونالد الترامبي الفاسد)، القهوة والبَقْسَمة( الثّلج بالدّبس،أوّل ثلجة دَمّ، ثاني ثلجة سَمّ، ثالث ثلجة كول ولا تِنْهَمّ)، ولا ينسى  الحلويات البيتيّة مثل البسيسي بِسَمن الضّان، ولا الكشك/ الكِثا، عدا عن نباتات بلاد سورية الكبرى، قبل أن يقسّمها المنحوسان الإنجليزي والفرنسي( سايكس- بيكو 1916 ).

*لا تُقاس قيمة الكتاب بكثرة صفحاته، وهي لا تتجاوز المئة والاثنتَين  وأربعين، بل بمحتوياته ومضامينه وتطلّعات الخطّاط وأدواته الفنّيّة المُستقاة من واقع الحياة، دون عمليّات تجميل، تلميع،صقل وقولَبة، والكلمة الطّيّبة صَدقة،صَدفة، صُدْفة نادرة في زمان الشّقلبة، العولمة، التّطبيع والتّلميع.

 نشدّ على يدَيّ الكاتب/ الشّاعر، النّحّات الماهر، عَ الوطن ساهر، للعِدى قاهر، للفَرَج ناطر، للطبيعة ناظر، مْثالو نادر، وأعجز أن أكيل له: الثّمْنيّة ثمنيتين، الرُّبعيّة  رُبعيتين، الصّاع صاعين، والْمِدّ مِدّين، والعِلبة عِلبتين، والكيل كيلين، والغرارة غرارتين،هو يدفع نقدي، وأنا بالدّين... .لفؤاد الورهاني الصّحّة والعافية، العمر الطّويل، ومواصلة العطاء والسّخاء، وعودة ميمونة لبلدتَيْه : كارس والورهانيّة ، ولَمّ الشّمل والأسرة الحبيبة.

مُشتاق أرجع للضيعة،مشتاق كثير/حُطِّ السّلّة بكوعي وْنَقّب جرجير!

ومع الثّلاثي: علي الدّيك، باسم ياخور ونضال سيجري في ضيعة ضايعة:

يا ضيعة ما بْعوفِك يوم/ يا ضيعة ما نْسيتِك يوم/ مهما عْلَيّي كثر اللوم/ إنتي عيوني وانتي النّوم/ وانتي الدّمعة ع َخدودي/ أنا مشْتَقْلِكْ يا رمّانة/ والتّوتة  الّفيها دالي/ وْصبايا الضّيعة الحلياني/ بعدا ما تفارق بالي... وأنا أطَمْئن فؤادًا أنّ كافة النباتات التي ذكرتها أنتَ، وغيرها ، كلّها موجودة في ضيعتي حديقتي، وْإذا ما بِتْسَدِّق إسأل المعلاوي الأصيل، وْمَعو كتابي: بيادر قرويّة،طوف وْشوف، طوف بِجَنِّة ربّنا... .

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب