news-details

طريق الكفاح في فلسطين والمشرق العربي

مذكرات القائد الشيوعي محمود الأطرش المغربي (1903-1939)

 

محمود الأطرش، المغربي، الذي ولد في القدس في كانون الأول/ديسمبر 1903 من أبوين عاملين هاجرا من الجزائر إلى فلسطين، هو شخصية شيوعية بارزة في فلسطين والمشرق العربي ودوائر الأممية الشيوعية، أو الكومنترن، في موسكو، في العشرينيات والثلاثينيات، وفي الجزائر، في الأربعينيات والخمسينيات والستينيات، من القرن العشرين.

أتمّ محمود الأطرش دراسته الابتدائية في يافا، لكنه اضطر إلى ترك دراسته الإعدادية في سنة 1917 للعمل في قطاع البناء. وبعد تعرّفه إلى الشيوعيين اليهود، انضم إلى منظمة الشبيبة الشيوعية وأصبح، في سنة 1926، سكرتيراً لفرعها في مدينة يافا، وسعى مع شبان آخرين إلى تنظيم نقابات لعمال البناء ولعمال المرفأ في يافا. أوفدته قيادة الحزب الشيوعي الفسطيني، في سنة 1927، إلى موسكو للدراسة في "جامعة كادحي شعوب الشرق"، حيث أمضى ثلاث سنوات عاد بعدها إلى فلسطين ليساهم، في إطار خطة "التعريب"، في قيادة الحزب، بعد أن انتخبه المؤتمر السابع للحزب، الذي انعقد نهاية كانون الأول (ديسمبر) 1930، عضواً في سكرتارية لجنته المركزية.

اعتُقل في مطلع شباط (فبراير) 1931 مع رفيقه نجاتي صدقي الآلاي أميني، عضو سكرتارية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الفلسطيني، وحُكم عليه بالسجن لمدة سنتين، ثم وضع بعد إطلاق سراحه تحت المراقبة البوليسية. أوفد في نيسان (أبريل) 1933 إلى سورية ولبنان، حيث شارك حتى سنة 1936 في قيادة الحزب الشيوعي السوري-اللبناني، وفي النشاط الرامي إلى التعريب الفعلي للحزب الشيوعي الفلسطيني، وفي تشكيل الحزب الشيوعي العراقي، وفي إعادة بناء الحزب الشيوعي المصري.

اعتُقل في دمشق، في أيار (مايو) 1935، مع بيير شادروفيان (مسؤول منظمة الحزب الشيوعي السوري-اللبناني في هذه المدينة)، واقتيد إلى فلسطين، حيث أمضى ستة أشهر في السجن في القدس. وقد نظّم السجناء السياسيون إضراباً عن الطعام، استمر لمدة 19 يوماً، احتجاجاً على المعاملة القاسية التي لقيها من جلاديه. اختاره المؤتمر العالمي السابع للكومنترن، تموز (يوليو)-آب (أغسطس) 1935، عضواً في لجنته التنفيذية. لكنه اعتُقل من جديد في بيروت في ربيع العام 1936، وصدر قرار بمنعه من الإقامة في سورية ولبنان، واقتيد إلى الحدود مع فلسطين، حيث أمضى فترة وجيزة في السجن.

ما بين عامَي 1936 و 1938، كان ممثلاً للأحزاب الشيوعية في البلدان العربية لدى اللجنة التنفيذية للكومنترن. وفي سنة 1938، جرى اعتقاله في باريس، واتهم بكونه "إرهابياً فلسطينياً" كان يخطط لاغتيال الملك جورج السادس، ملك انكلترا، بمناسبة زيارته الرسمية للعاصمة الفرنسية. وبعد بضعة شهور أمضاها في سجن "لاسانتي" في باريس، أطلق سراحه بصورة مشروطة بانتظار محاكمته. وقد أوفدته قيادة الكومنترن في العام نفسه إلى الجزائر، حيث اعتُقل بوصفه عضواً في الحزب الشيوعي الجزائري في عام 1939 عند اندلاع الحرب العالمية الثانية، وبقي بضعة شهور في سجن باربروس. وما بين عامَي 1943 و 1946، انتخب عضواً في قيادة نقابة عمال البناء في الجزائر.

ومن عام 1946 إلى عام 1955، كان محرراً للصحيفة المركزية للحزب الشيوعي الجزائري: "الجزائر الجديدة". وخلال الثورة الجزائرية، ما بين عامَي 1954 و 1962، انتقل إلى العمل السري، واعتُقل في عام 1959 وسجن في معتقل بني مسوس ودويرة. وما بين نهاية عام 1963 وحتى 19 حزيران (يونيو) 1965، كان محرراً لصحيفة "الجزائر الجمهورية". ثم اعتُقل في أيلول (سبتمبر) 1965 على يد النظام الجديد، وأُفرج عنه في آب (أغسطس) 1966 بعد إضراب عن الطعام استمر لمدة 21 يوماً. وما بين عام 1967 و آذار 1968(مارس)، كان محرراً لصحيفة: "الثورة والعمل"، لسان حال الاتحاد العام للنقابات. وغادر الجزائر إلى ألمانيا الديمقراطية في آذار (مارس) 1968، حيث كتب في برلين مذكراته، ثم عاد إلى الجزائر وتوفي في برلين في نهاية السبعينيات.

لقد عُرف محمود الأطرش، واسمه عند ولادته محمود الحاج رابح، باسم محمود المغربي، ولجأ إلى أسماء حركية عديدة، حسب الأزمنة والأمكنة، مثل "مارات" (أو مراد) خلال إقامته الأولى في موسكو، و"مسعود" بعد رجوعه إلى فلسطين، و "أبو داوود" في لبنان، و "سليم عبود" في سورية وخلال عمله لدى الكومنترن في موسكو، و "إيزيدور" خلال الثورة الجزائرية.

وحرر محمود الأطرش عدداً كبيراً من التقارير، وشارك، بالإضافة إلى الصحف المذكورة التي عمل في تحريرها، في تحرير "الصاعقة"، ما بين عامَي 1928 و1930، وهي جريدة حائط للطلاب العرب في جامعة كادحي شعوب الشرق في موسكو، وفي تحرير مجلة "إلى الأمام"، في عام 1930، وهي المجلة السرية للحزب الشيوعي الفلسطيني، ومجلة "نضال الشعب"، ما بين عامَي 1934 و1936، وهي صحيفة الحزب الشيوعي السوري اللبناني السرية، ومجلة "الشرق العربي"، التي كانت تصدر في باريس، كما ساهم في تحرير عدد من الصحف والمجلات الصادرة عن الكومنترن مثل "المراسلات الصحفية الأممية"، ما بين عامَي 1936 و 1937، و "الأممية الشيوعية"، في عام 1937. وكتب محمود الأطرش سلسلة دراسات بعنوان: "فلسطين من الأمس إلى اليوم"، كما سلّم، قبل تغيّر النظام في الجزائر، دراسة عن "الوحدة العربية" إلى دار المنشورات الوطنية، كما حضّر في عام 1965 دراسة أخرى عن السودان.

كتب محمود الأطرش مذكراته خلال وجوده في مدينة برلين، حيث اشتملت على أكثر من 700 صفحة مكتوبة بخط اليد، غطى قسمها الأول (312 صفحة) المرحلة الفلسطينية والمشرقية في نشاطه. ويتكوّن هذا القسم من المذكرات، الذي قمت بتحقيقه والتعريف بالشخصيات والأحداث المذكورة فيه وإعداده للنشر، من 22 فصلاً، تتضمن معلومات غنية عن نشأة صاحب المذكرات ودراسته الابتدائية في القدس، وعن ظروف عمله في يافا، وعن أوضاع فلسطين خلال الحرب العالمية الأولى، وتأثير ثورة اكتوبر الاشتراكية في روسيا على الشبيبة العاملة الفلسطينية، وتعرفه إلى الحركة الشيوعية، ونشاطه في ميدان التنظيم النقابي، وأوضاع الحركة الوطنية الفلسطينية، ودور الحزب الشيوعي الفلسطيني في دعم الثورة السورية 1925-1927، وانتسابه إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني وسفره إلى موسكو للدراسة، وأوضاع الطلبة الشيوعيين العرب في "الجامعة الشيوعية لكادحي الشرق" في موسكو، وانتفاضة آب/أغسطس 1929 في فلسطين، والمؤتمر الأول للعمال العرب في فلسطين في كانون الثاني/يناير 1930، والمؤتمر الوطني السابع للحزب الشيوعي الفلسطيني، الذي عُرف باسم "مؤتمر التعريب".

كما تتضمن المذكرات معلومات وفيرة، ونادرة ربما، عن أوضاع السجون في فلسطين في عهد الانتداب البريطاني وعن معاناة السجناء السياسيين، وعن المحاكمات التي كانت تجريها محاكم سلطات الانتداب البريطاني، وعن دور صاحب المذكرات في قيادة الحزب الشيوعي السوري –اللبناني في النصف الأول من ثلاثينيات القرن العشرين، وعن ظروف اعتقاله في السجون السورية الخاضعة لسلطات الانتداب الفرنسي، وعن دوره في موسكو، بصفته عضواً في اللجنة التنفيذية للكومنترن، في متابعة الأوضاع السياسية في فلسطين وسورية والعراق ومصر، وعن موقفه من جوزيف ستالين ومن حملة "التطهير" التي نظمها داخل الحزب الشيوعي في الاتحاد السوفيتي، وعن اعتقاله في باريس وانتقاله من فرنسا إلى الجزائر.

وقد أعددت مقدمة مطولة لهذه المذكرات عن نشأة الحزب الشيوعي الفلسطيني وعن طبيعة العلاقات التي قامت بينه وبين مركز الحركة الشيوعية العالمية في موسكو، وكذلك عن دوره في دعم النشاط الشيوعي في سورية ولبنان، وفي مصر والعراق.

كما أعددت خاتمة عن صدقية المذكرات كمصدر لكتابة تاريخ الحركة الشيوعية في فلسطين، وضعت فيها المعلومات الواردة في مذكرات محمود الأطرش المغربي في تقاطع مع المعلومات الواردة في مذكرات رفيقه في قيادة الحزب الشيوعي الفلسطيني في الفترة نفسها نجاتي صدقي (التي نشرتها مؤسسة الدراسات الفلسطينية سنة 2001 بإعداد حنا أبو حنا)، والمعلومات الواردة في وثائق الأرشيف السري للكومنترن الخاص بفلسطين، التي اشتغلت عليها في موسكو في سنة 1989، وجمعتها وأصدرتها في كتاب في سنة 2004.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب