news-details

عايدة توما-سليمان: "جنون العظمة والحصان الجامح"

يشهد العالم موجة دولية متصاعدة لزعماء يمنيين معادين للدمقراطية يهددون حقوق الاقليات والمهاجرين والحيز الدمقراطي عامة في دولهم. وابرزهم هو دونالد ترامب إلا أن اشباهه من السياسيين موجودون في امريكا اللاتينية واوروبا وأسيا.

ومن أبرز ملامح هذه الموجة هو الهجوم على الدمقراطية وحقوق الاقليات والنساء والفئات المستضعفة، ولكن بالتأكيد بالاضافة الى كل ذلك سياسة نيو ليبرالية للسوق الحرة والقضاء على دولة الرفاه وحرب على الفقراء.

هذه الموجة تمنح بنيامين نتنياهو وسياسته الاقتصادية الرأسمالية المتوحشة غطاء فضفاضا وتكسبها شرعية ولكن ليس فقط لسياسة نتنياهو الاقتصادية، وانما ايضا للحملة الشرسة التي يشنها في السنوات الأخيرة هو وحكومته اليمينية على ما تبقى من أشلاء وهوامش للديمقراطية المزعومة لدولة اسرائيل.

نتنياهو الذي يعي الفرصة التي تمنحه اياها هذه الموجة من صعود اليمين في العالم، سارع الى تطوير علاقات دولية متشعبة مع الدكتاتوريات اليمينية في العالم مما مكنه من تحويل اسرائيل الى حلقة هامة ومدماك رئيسي في محور اليمين العالمي.

ما يميز العلاقة مع الادارة الامريكية الحالية برئاسة ترامب أنها حليف لاسرائيل ليس فقط رعاية وحماية لمصالحها في الشرق الأوسط بل انها تتماهى ايديولوجيا وتتفق تماما مع التوجهات الايديولوجية الغيبية حول "أرض اسرائيل الكبرى" والايمان المطلق بالنصوص التوراتية والفكر الديني اليهودي المتعلق بالمنطقة وشعوبها

 

ونشاهد في السنوات الاخيرة كيف أن بنيامين نتنياهو، الذي احتفظ لنفسه بوزارة الخارجية ونشط فيها بشكل واسع، قد طور علاقات مع الهند بزعامة رئيسها اليميني مودي، ومع هنغاريا برئاسة أوربان والبرازيل بزعامة بولسنارو ودول أخرى عديدة، ومن ضمنها أيضا دول ونظم الخليج العربية الرجعية التي اصبحت تقيم العلاقات مع أخطر الحكومات اليمينية الاسرائيلية علانية وجهارا، مما يؤشر بشكل واضح أن هذه المظلة التي يريدها نتنياهو داعمة لخطواته وتحركاته تحولت تدريجيا أيضا الى حلف استراتيجي هام في علاقات اسرائيل الدولية.

ومن هنا ليس صدفة أن يتم اقرار"قانون القومية"، في العام الماضي، رغم أنه قد تم طرحه مرارا وتكرارا في الكنيست على مدى أكثر من ثمانية أعوام، وأن يعلو ويتسارع الخطاب السياسي عن ضم مناطق فلسطينية محتلة الى اسرائيل بحجة المستوطنات حينا وأحيانا أخرى بحجج ايديولوجية وتوراتية، تحظى بالدعم الواضح لدى الطواقم العاملة الى جانب رئيس الولايات المتحدة الامريكية دونالد ترامب ومباركته هو الاخر.

قلنا أكثر من مرة في الماضي أننا لا نعتبر الإدارة الامريكية في كل سنواتها سوى حليف استراتيجي لحكومات اسرائيل المتعاقبة، الا أن ما يميز العلاقة مع الادارة الامريكية الحالية برئاسة ترامب أنها حليف لاسرائيل ليس فقط رعاية وحماية لمصالحها في الشرق الأوسط وتلتقي مع اسرائيل في مصالحها أيضا، بل ان الادارة الأمريكية، هذه المرة، تتماهى ايديولوجيا وتتفق تماما مع التوجهات الايديولوجية الغيبية حول "أرض اسرائيل الكبرى" والايمان المطلق بالنصوص التوراتية والفكر الديني اليهودي المتعلق بالمنطقة وشعوبها، وأفضل مثال على ذلك تصريح السفير الأمريكي في اسرائيل، فريدمان الاسبوع الماضي، بأن من حق اسرائيل ضم بعض المناطق الفلسطينية، فهو لم يعلن امكانية دعم خطوة من هذا النوع بل أعتبرها حقا تملكه اسرائيل، وفي هذا التوافق الفكري تكمن الخطورة.

في الماضي وعندما اختلفت حكومة نتنياهو مثلا مع ادارة اوباما في رؤيتها لإدارة "الصراع" في المنطقة، اضطر نتنياهو أن تشمل حكومته "شخصيات معتدلة" امتناعا من مواجهات وخلافات مع الادارة الامريكية، أما الآن وتحديدا في السنوات الأخيرة وتحت غطاء هذه المظلة الدولية أطلق نتنياهو العنان لسياساته العنصرية الكولونيالية، ورأى الفرصة السانحة لتطبيق سياساته التوسعية من توسيع الاستيطان والقضاء على امكانية اقامة الدولة الفلسطينية.

هذا الواقع الدولي الجديد يلقي بظلاله ليس على الساحة الدولية وعلاقات اسرائيل فيها وانما على الساحة المحلية أيضا، وما يجري وتنفذه حكومة اليمين الاسرائيلية بقيادة نتنياهو يوميا على أرض الواقع في الأربع سنوات الأخيرة.

نتنياهو الذي يرى الفرصة السانحة له لتلقي الدعم الدولي لخطواته المتسارعة نحو تنفيذ مشروعه السياسي الأكبر، القضاء على امكانية قيام الدولة الفلسطينية، ضم أوسع المناطق الفلسطينية وإبقاء الشعب الفلسطيني في وضعية السيطرة التامة الإسرائيلية ووهم الإدارة الذاتية، نتنياهو ذاته يعلم أيضا أنه ما زالت هناك قوى داخل إسرائيل ترفض هذا المشروع وترى خطورته على إسرائيل بالاضافة الى الشعب الفلسطيني الذي بطبيعة الحال لن يرضى بهذه التسوية وسوف يقاومها.

انطلاقا من هذا الوعي المتناقض ما بين الدعم الدولي المتزايد والرفض الممكن محليا، يعلم نتنياهو أن الدمقراطية الليبرالية وما تبقى منها حتى اليوم لن تتعايش مع خطواته السياسية والتشريعية القادمة لذا وجب عليه القضاء عليها وعلى مجمل مظاهرها ومعالمها التي نجحت في البقاء حتى اليوم. عليه التحريض على الجماهير العربية الفلسطينية في اسرائيل واخراجهم خارج دائرة الشرعية وحتى المواطنة كما في قانون المواطنة، والتضييق والحصار والترهيب لمجمل القوى الدمقراطية اليهودية المناهضة للاحتلال، والأهم من كل ذلك تقويض أركان جهاز القضاء الاسرائيلي والتحكم به من خلال ما أسماه في الفترة الاخيرة "حملة الاصلاح في جهاز القضاء" ليكون بذلك قد أحكم قبضته تماما على القضاء كما على مقاليد الحكم.

لا يمكن تفسيرها فقط بخوفه من لوائح الاتهام التي قد تقدم ضده، وانما من الضروري أيضا ربطها بما يجري على الساحة الدولية والفرصة السانحة بوجود ترامب في الحكم والنظم اليمينية الاخرى في العالم. نتنياهو يعلم جيدا ان امكانية انتهاء حكم ترامب في امريكا واردة في الانتخابات القادمة وعليه أن يسارع قبل ضياع الفرصة هذه السرعة التي انتهجها نتنياهو في تقويض اسس الديمقراطية وانكشاف الغطاء الذي توفره له ادارة ترامب اليمينية.

جنون العظمة الذي يشعره نتنياهو وحكومته اليمينية قد يكون الخطر الحقيقي الذي يحيق باستمرار حكمه فهو يتصرف بدون حذر ويراهن بكل ما يملك من أوراق على حصان جامح غير مروض مندفع تحت ضغط الوقت للوصول الى الهدف قبل فوات الأوان..

وفي أي منعطف قادم ممكن أن يقع الحصان بمعنى أنه في حال سقطت ادارة ترامب أو مجموعة من أصدقائه اليمنيين في العالم سوف يصبح من غير الممكن الاستمرار بالجموح ذاته، وعلى العكس تماما يصبح على حكومة اليمين الاسرائيلية فيما لو أرادت الإبقاء على علاقاتها التاريخية مع الادارة الامريكية أن تعود عن هذه الخطط أو على الاقل أن تجمدها الأمر الذي لن يكون سهلا.

هذه التفاعلات ما بين الوضع على الساحة الدولية والقوة التي يجنيها نتنياهو وحكومته من علاقاته المشبوهة مع كل اوكار الرجعية واليمينية في العالم والتي يستعملها بشكل فظ وعدواني في تطبيق مشاريعه السياسية ضد الشعب الفلسطيني، وبما يتناقض ومصالح الشعبين الحقيقية بما في ذلك مواطني دولة اسرائيلي - هذه التفاعلات تحتم علينا أن لا نقف مكتوفي الأيدي أمام ذلك، فما يجري في امريكا لم يكن يوما مؤثرا في تفاصيل حياتنا ومستقبلنا كما هو اليوم، وكما يعي نتنياهو القوة الكامنة في تطوير علاقاته مع اشباهه في العالم علينا أن نعي أن هناك قوى ديمقراطية حقيقية في الولايات المتحدة الأمريكية وفي العالم العربي وفي اوروبا بامكاننا أن نعزز العلاقة معها ونطور معها نضالا حقيقيا ضد هذه الحكومات المدمرة لشعوبها.

عندما تصبح العلاقات الدولية أداة لفرض الدكتاتورية ونظام الابرتهايد يجب أن نعود لنفعّل موازين القوى الشعبية في محاولة لاسترجاع عقارب الساعة حين قامت العلاقات الدولية بإسقاط نظام الابرتهايد في جنوب افريقيا.

 

تصوير رويترز في القدس: في حال سقطت ادارة ترامب سيصبح من غير الممكن لنتنياهو الاستمرار بالجموح ذاته 


 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب