news-details

عن القس شحادة في ذكرى يوم الارض

 

بعد أحداث النكبة لا بل الكارثة عام 1948 والتطهير العرقي الذي مارسته الحركة الصهيونية ودولة اسرائيل بقيت الارض والوطن يلعبان دورا هاما في حياة 156,000 انسان فلسطيني بقوا داخل ما اصبح يعرف بدولة اسرائيل.

في عام 1950 تبنت الحكومة الاسرائيلية قانون العودة لتسهيل الهجرة اليهودية الى اسرائيل واستيعاب المهاجرين اليهود، وفي المقابل سنت قانون املاك الغائبين الاسرائيلي والذي قام على نحو فعال بمصادرة الاراضي التابعة للاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من خلال ممارسة سياسة التطهير العرقي العنصري الشوفيني الصهيوني من المنطقة التي اصبحت تعرف بدولة اسرائيل في عام 1948. وكان هذا القانون يستخدم ايضا لمصادرة اراضي المواطنين العرب داخل اسرائيلوبعد تصنيفها في القانون الاسرائيلي على انها "املاك غائبة".

وكان عدد "الغائبين الحاضرين" او الفلسطينيين المشردين في الداخل نحو 20% من مجموع السكان العرب الفلسطينيين في اسرائيل وهناك دراسات تقدر بانه بين عام 1948 و2003 صودرت من المواطنين العرب الفلسطينيين اكثر من 1000 كيلومتر مربع من الاراضي.

بعد قيام دولة اسرائيل كان عيد العمال اول أيار اكثر المناسبات البارزة المناهضة لسياسات حكومة اسرائيل والتي كان ينظمها الحزب الشيوعي، ونذكر بانه خلال مظاهرة اول أيار عام 1958 تم الاعتداء على هذه وتم نفي العديد من نشطاء الحزب الشيوعي الى اماكن مختلفة منها ونفي العديد من الرفاق الى صفد.

في عام 1976 بعد قرار حكومة اسرائيل مصادرة الاراضي دعا القادة العرب من الحزب الشيوعي مثل القائد توفيق زياد والذي اشغل منصب رئيس بلدية الناصرة ليوم من الاضرابات العامة والاحتجاجات ضد مصادرة الاراضي وذلك في يوم 30 آذار من العام نفسه، وفي ذلك الوقت جرت مسيرات جماهيرية واسعة في جميع انحاء البلدات العربية في اسرائيل من الجليل في الشمال الى النقب في الجنوب، وقد جرت اضرابات تضامنية ايضا في وقت واحد في الضفة الغربية وقطاع غزة وفي معظم مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان.

واستمر احياء يوم الارض منذ ذلك الوقت والى الآن وسيبقى في المستقبل نضالا وتعبيرا فلسطينيا بان شعبنا متمسك بأرضه ووطنه وقضيته العادلة، وهو يوم وحدة وطنية لكل الشعب الفلسطيني في كل اماكن تواجده، خلال عقود قاد لجنة الدفاع عن الارض داخل اسرائيل القس شحادة شحادة، وكم هو صعب ان امسك قلمي حتى الآن لأكتب عن القس شحادة شحادة بضمير الغائب حيث كان رحمه الله على مدى اكثر من ثلاثين عاما أخا وصديقا ورفيق درب.

فالقس شحادة شحادة كان المثل الارقى والأسمى للكلمة الفلسطينية الملتزمة بالقضية والارض والانسان، وخلال حياته النضالية جعل من الارض والوطن عشقه الدائم، فخلال كل مراحل حياته مارس المواقف الجادة والهادفة بصدق واخلاص وتفان وثبات وتضحية محددا انتماءه للارض والوطن والانسانية، فكان حبه للارض عشقا ساميا تمثل في جميع جوانب حياته النضالية برغم الصعوبات والتهديدات والتحديات، فالارض وعدالة القضية الفلسطينية والسلام العادل لم يكونوا "صفقة هنا" وجيوبا وحلقات هناك لأنه كان عظيم النفس، متساميا فوق أي مصلحة شخصية فارتباطه بالارض وقضايا شعبه المصيرية كان ارتباطا دائما قويا ملتزما لم يتغير ولم يتبدل، كأنه كان في حب أزلي مع الارض والوطن والانسان.

القس شحادة أغنى تجربتي وفكري وحياتي وطريقي، لقد كان نورا للمحبة والتسامح بين الاصدقاء، نورا للوطن، والكلمة المناضلة والمكافحة من اجل قضايا شعبه العادلة ومن اجل رسالته الانسانية ومحبة الانسان للانسان، لقد كان نموذجا للانسان الذي رفض الظلم ورفض السياسات العنصرية الشوفينية لحكام اسرائيل، وكرجل دين لم يكتف بمجرد "الصمت" او الادانة بالكلام او مصمصة الشفاه، ولكنه ضحى بالكثير من خلال نضاله المثابر في شتى المجالات الثقافية والاجتماعية والسياسية وعلى رأسها لجنة الدفاع عن الارض في سبيل ما يؤمن به، النضال من اجل مملكة الحرية ليس فقط في السماء، وكذلك على الارض. ومن هذا المنطلق برأيي، رأى بالحزب الشيوعي والجبهة والقوى التقدمية الوطنية في مجتمعنا وفي المجتمع اليهودي حلفاء ورفاق درب.

وثمة امر آخر يستحق القس شحادة منا جميعا الشكر والاعتراف بالجميل وهو قدرته على التواصل واجراء الحوار الدمقراطي الحضاري البناء والتواضع الذي ميّز انسان كبير مثله، انه الرجل المثالث المؤمن بطريق العمل والنضال من اجل العدالة الانسانية ككل ومن اجل عدالة قضية شعبه العربي الفلسطيني ولذلك عندما ودعت الام فلسطين ابنها البار القس شحادة ودّعته "لتلقاه في حضنها ثانية". وما ميز القس شحادة التعبير عن موقفه بصراحة ووضوح وثبات، وهنا اذكر زيارة البعض لفقيدنا والطلب منه ان يترأس احد النشاطات القطرية التي روج لها اطر سياسية ورجالات اجتماعية معينة، ولكنه لم يتردد في ان يقول لهم الحقيقة ويرفض المشاركة في ذلك النشاط الذي اثار العديد من علامات الاستفهام والذي ثبت فشله لاحقا. لقد تميز القس شحادة بتفهمه الشديد لمعاناة الآخرين واتخاذ كل الخطوات اللازمة من اجل التواصل مع الآخر من اجل تحقيق وازالة المعاناة اذا امكن بدون تردد، فقد كان دائما قادرا "على الاحساس بالظلم الذي يتعرض له أي انسان مهما كان حجم هذا الظلم وأيا "كان مكان هذا الانسان"، فقد كان معطاء لمجتمعه ولم يعرف الحسد ولم يتأثر بمظاهر الترف والاسراف.

ولمعرفة القس شحادة بقصر الحياة وبقاء الذاكرة والذكرى والسعي من اجل مجتمع العدالة كان كالقطرات الثقيلة التي تتساقط من الغيوم السوداء المنتشرة فوق الناس في زماننا هذا، زمن الغيوم، متنبئا بالرعد والبرق وبالربيع القادم لا محالة. لقد كان القس شحادة كبيرا كالمحيط بفكره الواسع يتقبل التواصل مع كل نهر، مع كل فكر مع كل رأي، لقناعته بان المحيط هو الاكبر والاعمق وصاحب الافق الابعد والاوسع لا بل اللامتناهي، وهو الاكثر والاعظم ثباتا وصمودا. احب الغير وكان سندا للغير، مضحيا من اجل الوطن والانسان لكي تصبح الارض ميراثا للانسان المتفوق.

لذلك نعدك ايها القس الابن البار والعظيم لشعبه بان يوم الارض سيبقى يوما كفاحيا نضاليا ثوريا يحافظ على الذاكرة ويخلد الذكرى يوما صارخا بصوت عال لن ينسى. وفي النهاية لا شك بان الشعب العربي الفلسطيني في كل اماكن تواجده يذوق العذاب السرمدي ولكنه يدرك بانه صاحب حق وفلسطين وطنه ولا وطن له سواها شاء من شاء وأبى من أبى، فالشعب العربي الفلسطيني خاصة بعد وعد بلفور الشرير وبعد النكبة لا بل الكارثة التي حلت به، واستعمل كلمة الكارثة لكي اقول لكل عنصري صهيوني شوفيني بان هذا التعبير ليس حكرا على الشعب اليهودي الذي ارتكب الكارثة ضد شعبي الفلسطيني، وحتى الآن وفي المستقبل سيبقى مناضلا مكافحا مرفوع الرأس صامدا، ثائرا حتى ينال حقوقه الانسانية القومية العادلة، ويوم الارض هو درس لتثوير شعبنا ودرس لمن يريد ان يهمش وينفي الآخر واقصد الحركة الاستعمارية الصهيونية العالمية والشيطان الاكبر الامريكي وحكام اسرائيل بان السلام لن يحل في المنطقة، لا بل في العالم اجمع بدون حل عادل للقضية الفلسطينية التي اصبحت قضية انسانية كونية.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب