news-details

غسان حرب.. اسطورة الخلود (2-2): قراءة في كتاب "غسان حرب حياة حافلة ووداع مهيب"

تقول عفاف  زوجة غسان حرب في شهادتها "  أنا وغسان 8":- 

"اعتقل غسان في 22 نيسان 1974ضمن حملة اعتقالات واسعة شنتها سلطات الإحتلال ضد الشيوعيين اعضاء الجبهة الوطنية الفلسطينية التي كان غسان احد قادتها، وقد اعتقل في هذه الحملة عدد كبير منهم من مختلف مدن وقرى الضفة الغربية. بعد حوالي اسبوع تم نقل عدد منهم الى سجن صرفند سيء الصيت ليتم التحقيق معهم. ومن بينهم كان الرفاق سليمان النجاب، عطالله الرشماوي، خليل حجازي، حسني حداد، خلدون عبد الحق، وغسان حرب."

بعد شهرين من التحقيق الصعب الذي مر به الرفاق وكانت صلتهم الوحيدة مع العالم المحامية الشيوعية فليتسيا لانغر، تم نقلهم الى السجون المحلية في مدن الضفة الغربية مع باقي معتقلي الجبهة، في سجن رام الله، تيسير عاروري، عدنان داغر، عبد الله البياع، خضر العالم، حسين  الطويل، راغب البرغوثي، وغسان حرب وسليمان النجاب. اعتقل بشير البرغوثي في تموز 1974. واودع سجن رام الله.

في الخليل: حسني حداد، محمد محمود سعادة، عطالله رشماوي، ونقل غسان الى سجن الخليل بعد حوالي عام.

في نابلس: خلدون عبد الحق واخيه عباس، فرحان ابو الليل، راجح السلفيتي، ولبيب فخر الدين. وجمال فريتخ. اما الرفاق محمود شقير، فاروق السلفيتي، خليل توما،  محمد ابو غربية فاعتقلوا في سجن كفار يونا كانت زيارات المعتقلين واهاليهم شهرية. وكثيرا ما يتم نقل المعتقلين من سجن الى اخر دون اعلام اهلهم او محاميهم. وتضيع زيارة الأهل والأحبة لأبنائهم المعتقلين 

تقول عفاف حرب: "في يوم الزيارة كنا نحن اهالي المعتقلين نلتقي في باحة السجن، ففي رام الله كنا نلتقي انا واخوات الرفيق تيسير عاروري فهيمة وعفاف ووالدته ام نسيم، ووالدة الرفيق عدنان داغر، وام الياس زوجة الرفيق عبدالله البياع، وام حازم زوجة الرفيق خضر العالم، وام المنذر زوجة الرفيق راغب البرغوثي، والرفيقتان نهى وشقيقتها بهيجة البرغوثي زوجة الرفيق بشير البرغوثي، وكانت والدتي ووالدة غسان، واختي لميس ترافقاني دائما في تلك الزيارات. 

في هذه اللقاءات القصيرة كنا نتجاذب اطراف الحديث حول امور كثيرة، وكان اكثر ما يشغل بالنا هو استمرار اعتقال الأزواج والأبناء. وما الذي يمكن ان نفعله من اجل اطلاق سراحهم. وكنا نتشاور حول كيف يكون الإحتجاج على الوضع. كنا نجتمع بمكتب المحامية فليتسيا لانغر ونستكمل حديثنا. وقد قمنا بتنظيم عدة مظاهرات واعتصامات للتنديد بالإعتقال الإداري والمطالبة بالإفراج عن المعتقلين. كما شاركنا باعتصامات ووقفات احتجاجة نظمتها حركة النساء الديمقراطيات " من بينهن سميرة خوري، اوديت نمر، وروث لوبيتش واخريات". والشيوعيين واعضاء الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وراء الخط الأخضر. وشاركنا ايضا في لقاءات عديدة مع اعضاء الكنيست بهدف شرح ظروف الإعتقال ومطالبتهم برفع الظلم عن المعتقلين واطلاق سراحهم. اما الرفيق قاسم عرقوب الذي يعمل سائقا على سيارة اجرة فكان يرافقنا في معظم الفعاليات التي كنا نشارك فيها في الداخل، وأيضا في جولاتنا في انحاء الضفة الغربية لجمع التواقيع من رؤساء البلديات والشخصيات الوطنية للمطالبة باطلاق سراح المعتقلين، وعدم تجديد إعتقالهم الإداري".

أما عن  ظروف التحقيق مع غسان حرب ، تقول الأستاذة المحامية الشيوعية فليتسيا لانغر في كتابها أولئك اخواني "لم تكن هيئة غسان حرب عندما أحضروه أحسن من سابقيه، حيث بدا نحيلا ضامرا ومنهك القوى . وقالت أنهم نقلوه الى السجن العسكري منذ 11\6\1974، وهناك خلعوا عنه ملابسه وادخلوا راسه في كيس ثم طرحوه على ارض مفروشة بالحجارة المدببة، وراحو يجرونه فوقها حتى تفتق جلده فتدفقت الدماء منه. وقد رأيت اثار الجرح الأخضر على ساعده الأيمن كما أفاد أيضا أن المحققين كانوا يقفون على صدره وبطنه ويضغطون بكل ثقلهم . كما ضربه أحدهم بجسم صلب على راسه ففقد وعيه بينما كان رأسه في الكيس لا يرى ولا يبصر".

أفرجت سلطات الإحتلال عن غسان حرب عام 1977 بعد 33 شهراً من الإعتقال الإداري. حيث بدأ عمله في جامعة بير زيت كمدرس بعمل جزئي في برنامج الدراسات الثقافية . وآنتقل بعدها للتدريس في كلية الإقتصاد ثم قائما بأعمال عميد كلية التجارة والإقتصاد، حيث اوفد بعدها الى الولايات المتحدة الأميركية للحصول على شهادة الدكتوراة.

 

الفكر النقابي والتعاوني ودمقرطة التعليم في جامعة بيرزيت

 تدين جامعة بيرزيت بشكل كبير لغسان حرب وتيسير عاروري ولرفاقهما من الأساتذة والعاملين والعاملات في الجامعة، وللعاملين من مختلف الاتجاهات، ولطلبة ثوريين، تتلمذوا على ايدي قادة وطنيون في ساحات النضال والسجون الإسرائيلية. ساهموا جميعا في تدعيم  الفكر النقابي والتعاوني ودمقرطة التعليم الذي تميزت به جامعة بيرزيت والتي اعتبروها مشروعهم الوطني ، حيث عملوا سوية لتطوير هذا الفكر والمشروع الوطني وتفانوا في خدمته رغم تبايناتهم السياسية. وقد كان لهذا الفكر مأثرة المضي سريعا وبثبات في تحقيق شعار (ديمقراطية التعليم). كما ساهمت هذه الأجواء  في تحويل جامعة بيرزيت الى صرح وطني امد الحركة الوطنية على مستوى الوطن بقيادات شابة ساهمت في بناء وتفعيل دور الحركة الوطنية والمهنية في الوطن وخارجه. وجعلت من بيرزيت نموذجا نضاليا واكاديميا ومنارة على مستوى الوطن والعالم. مما دفع الإحتلال لممارسة العنف والإضطهاد بحق الجامعة وطلابها والعاملين بها.

د.لميس ابو نحلة قالت في شهادتها "غسان حرب..زوج اختي وصدديقي الإنسان": كانت الجامعات في بداية اعوام السبعينات لا توظف خريجي وخريجات الإتحاد السوفييتي لأن الإعتقاد السائد كان أن ألشرط الأساسي للحصول على منحة للدراسة هناك،  أو في دول اوروبا الشرقية هو الإنتماء للحزب الشيوعي أو لفصيل يساري. وكان الظن أن المستوى الأكاديمي المدرسي لم يؤخذ بالإعتبار لدرجة أن الجامعات في هذه الدول كانت تمنح القبول لمن لم ينجح في امتحان الشهادة الثانوية العامة. وكان غسان وتيسير عاروري وزكي عبد المجيد هم أول من تم تعيينهم كخريجي الدول الإشتراكية في جامعة بيرزيت، وقد أثبتوا عكس ما كان يقال حيث تبين أن الكلام المنتشر حول هذا الأمر هو مجرد إشاعات". 

رغم فترة عمله القصيرة في جامعة بيرزيت الأ أنه ترك بصماته وحضوره القوي في حياة طلابه. يقول د. غسان الخطيب في شهادته "الأستاذ غسان حرب ..النموذج الملهم" :"استاذي غسان حرب كان استثنائيا لأنه علم جيلا، أنا واحداً منهم، علماً إستثنائيا تقدميا رائدا ما زال يضيء لنا الطريق".

اما د. عادل الزاغة فقال عن نشاط أبو الفجر الأكاديمي في شهادته "الفجر الذي لم يبدأ بعد..غسان حرب حمل بشائره ألمشرقة": "كان أبو الفجر ناشطا بين أعضاء الهيئة التدريسية في الكفاح من اجل تمكين السجناء السياسيين، أي مناضلي الحركة الوطنية الذين غيبهم الإحتلال في سجونه من مواصلة تعليمهم الجامعي. ولقد كافح غسان لإدخال المواد التعليمية ولعقد الدروس ونشاطات تقييم العمل الدراسي للطلبة المعتقلين. وآتصل بالمحامين. ولم ييأس،  بل كان يواصل عمله بجرأة وصبر في مجال غير تقليدي".

وفيما يتعلق بالفكر النقابي والتعاوني في جامعة بيرزيت.. فقال بسام الصالحي في شهادته "غسان حرب :ذكرى ساحرة لا تغيب": "ان الفكر النقابي والتعاوني الذي تميزت به جامعة بيرزيت مدين بشكل كبير للرفيقين غسان حرب وتيسير عاروري ورفاقهما من العاملين والعاملات وكذلك الى المجموعة الرائعة من العاملين في الجامعة من مختلف الاتجاهات، حيث عملوا سوية لتطوير هذا الفكر وتفانوا في خدمته رغم تبايناتهم السياسية. وقد كان لهذا الفكر مأثرة المضي سريعا وبثبات في تحقيق شعار (ديمقراطية التعليم)".

إلى جانب عمله في جامعة بيرزيت انغمس أبو الفجر في برنامج تثقيفي للعمال من خلال نقابة عمال البناء والمؤسسات العامة في رام الله 1980 . حيث قام بتنظيم سلسلة من الندوات والحلقات الدراسية بمقر النقابة لكوادر نقابية على مستوى الوطن. كما جاء في شهادة النقابي محمود الشيخ. كما آنشغل بالكتابة في أمور إقتصادية  نقابية من خلال جريدة الطليعة المقدسية ضمن زاويته الأسبوعية "تحت المجهر". موجها مجهره لإثارة النقاش والجدل والمعرفة في قضايا اقتصادية جوهرية متعلقة بالإحتلال وتبعاته الإقتصادية المرة على الشعب الفلسطيني، واخرى حياتية مهمة لتطوير المجتمع الفلسطيني وتدعيم صموده كالإسكان، وثالثة عربية وعالمية الأبعاد.

حصل غسان خلال عمله في جامعة بيرزيت على منحة للدراسة بجامعة بفلو – نيويورك بالولايات آلمتحدة الأميركية للحصول على شهادة الدكتوراة. سافر غسان وعائلته في اب 1981. وقبل انتهاء الفصل الدراسي الأول تبين إصابته بسرطان آلبلعوم حيث تم آستئصاله، وما لبث أن عاوده آلمرض مهاجما جسده النحيل صيف 1983. حيث أخبره الأطباء أن عليه أخذ قراره بين الموت بالوطن أو بالغربة. فعاد في تشرين ثاني ليموت بالوطن بعد أن أنهت رفيقة دربه عفاف دراستها بعلم المكتبات. ليموت بعدها مطمئنا على مستقبل عائلته في الثامن من كانون ثاني 1984.

يقول د. عودة ابو نحلة في شهادته "قصتي مع غسان حرب": "اذكر يوم وفاته كيف رفض طلابه نقله للمستشفى، وابقوه مسجىً في البيت لليوم التالي حتى موعد الجنازة، وذلك لإلقاء نظرة الوداع عليه، وكيف شكل طلابه والرفاق من الشبيبة الشيوعية حرس شرف له يرتدون ياقات حمراء على اعناقهم، وتناوبوا على الوقوف حول الجثمان وحراسته كقائد عظيم".

لقد نجح الرواة في هذا الكتاب في تأريخ روايتهم لرفاق وحزب عريق ومجيد، وشخوصا أفنوا عمرهم وشبابهم في النضال لقضايا شعوبهم التي آمنوا بها وضحوا من اجلها، من اجل المساواة والعدالة الإجتماعية والتحرر الوطني. هو التاريخ لا بد ان يعيد انتاج نفسه لخلاصنا. فمن اجل الخروج من هذا الإنهيار القيمي والأخلاقي والإنساني والإجتماعي وما يتبعه من ازمات اجتماعية واقتصادية وسياسية. نحن بحاجة لأحزاب وحركات شبابية وطنية ومناضلين وطنيين شرفاء يلتزمون بقضايا شعبهم. ويناضلون من أجل تحرره من الإحتلال، حركات شبابية واحزاب ومناضلون يعيدون الأمل الذي فقده شعبنا بسبب سوء اداء قيادتنا السياسية وتهافتها لحلول مصلحية على حساب الوطن. حركات شبابية واحزاب ومناضلون يعيدون توجيه البوصلة الوطنية التحررية من اجل الخلاص من الإحتلال وتبعاته وافرازاته. فهل سيعيد التاريخ انتاج نفسه؟

 

*في الصورة-غسان حرب وزوجته عفاف وولداهما في آخر صورة عائلية عام 1983

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب