news-details

في قضية المواطنة الإسرائيلية وموقعنا في دولة إسرائيل

قضية ضم المثلث إلى الدولة الفلسطينية كما تطرحها صفقة القرن تحتم علينا بشكل ملحّ ضرورة حسم موقفنا من المواطنة الإسرائيلية. إذا قلنا أن المواطنة "فُرضت علينا" وأنها "تشكل عبئا" علينا فيكون من الصعب رفض ضم المثلث إلى الدولة الفلسطينية.

طبعا نحن ندرك بأن القضية ليست مجرد تبديل المواطنة في دولة إسرائيل بمواطنة في دولة فلسطين، بل هي انتقال الى دويلة غير واضحة المعالم، وهو قطع أهل المثلث عن جغرافيا الوطن الذي اعتادوا عليه في الجليل والساحل والنقب وقطع العلاقة مع المنظومة الاقتصادية الإسرائيلية وأماكن العمل التي عملوا فيها، وقطع العلاقات الاجتماعية مع السكان العرب واليهود في بقية المناطق الإسرائيلية، والانقطاع عن المنظومة التعليمية والأكاديمية وعن الثقافة المتعددة في إسرائيل، والانضمام إلى منظومة سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة مختلفة وغير واضحة. إذن هي عملية اقتلاع ذهني وثقافي واجتماعي واقتصادي حتى لو بقي أهل المثلث في بيوتهم.

لكننا نرفض ضم المثلث إلى دولة فلسطينية حتى لو كانت دولة حقيقية وكاملة السيادة بحدود 67 وحتى لو بقيت العلاقة مع المناطق الإسرائيلية ومع المجتمع الإسرائيلي متاحة بما فيها العمل والتعليم في إسرائيل. لذلك يجب أن نحدد بأي حال موقفنا من المواطنة في إسرائيل وهل نريد الانتماء إلى دولة إسرائيل أو الى دولة فلسطين.

 

//قراءة طبيعة الصراع

قبل الخوض بموقفنا من المواطنة دعونا نتفق على أربع نقاط حول قراءتنا للآخر ولأنفسنا كشعب:

  1. نحن نواجه قوى استعمارية وصهيونية عنصرية إسرائيلية وكلتاهما تعملان من أجل مصالحهما الاستعمارية والتوسعية على حساب مصالح الشعوب في المنطقة وبالذات على حساب الشعب الفلسطيني.

  2. إسرائيل أقيمت على أنقاض تهجير الشعب الفلسطيني ومنحت المواطنة للجزء الفلسطيني الباقي فيها المواطنة لكنها أرادتها مواطنة صوريّة بل وتطمح بعض الأوساط فيها إلى إلغائها.

  3. إسرائيل دولة تمارس سياسة التمييز القومي والاحتلال والتوسع وتعرف نفسها دولة يهودية وعلمها أزرق وأبيض تتوسطه نجمة داوود ونشيدها الوطني "هتيكفا" يعبر عن ارتباط اليهود بالبلاد.

  4. نحن الجزء الباقي في وطنه من الشعب الفلسطيني وقضيتنا هي قضية أقلية أصلانية في إسرائيل وأيضا قضية الشعب الفلسطيني بأكمله.

بعد الاتفاق على هذه النقاط يبقى علينا الإجابة على السؤال: ماذا نريد نحن في هذا الواقع؟ هل نسلك باتجاه التخلي عن المواطنة أو الاستخفاف بها ونسهّل على الصهيونية العنصرية تحقيق مآرببها وإبقاء المواطنة لليهود فقط، أم نتمسك بها كشوكة في حلوقهموكحق وقاعدة نؤسس عليها نضالنا من أجل إحقاق حقوقنا المدنية والقومية؟ 

لقد كان قبول المواطنة الإسرائيلية في الظروف التي نشأت بعد النكبة الخيار الحكيم الذي اتخذه آباؤنا بعد النكبة من بين خيارات عديدة كانت ممكنة منها الهجرة أو العصيان أو المقاومة أو غيرها والتي كانت ستؤتي بنتائج وخيمة بحكم حالة العجز والتشتت التي كانت، وفي ظل تقاعس وتخلي وتآمر بعض الأنظمة العربية. كان قبول المواطنة خيارا حكيما لأنه حافظ على بقائنا في الوطن وفرض واقعا ثنائي القومية يتناقض مع شعار يهودية الدولة. بعد النكسة وغياب احتمال الفرج العربي ومنذ يوم الأرض الخالد أصبحت المواطنة الإسرائيلية القاعدة المجمع عليها والتي نقيم عليها كل نضالاتنا من أجل المساواة وضد العنصرية والاحتلال والاستيطان وهي القاعدة التي نرتكز عليها في مواجهة القوانين العنصرية ابتداء من قانون حق العودة لليهود وانتهاء بقانون القومية. من خلال المواطنة الإسرائيلية ناضلنا ونناضل من أجل تغيير طبيعة الدولة ونظامها ورموزها. في العقود الأخيرة أخذت تطغى على نشاطنا السياسي نبرة فلسطينية تعلو نبرة المواطنة. 

بعد أكثر من 70 سنة على النكبة يتساءل البعض وبحق: كيف نقبل مواطنة في دولة عنصرية ويهودية؟ كيف نقبل مواطنة ونقبل العلم والنشيد الوطني الإسرائيلي؟ كيف نقبل المواطنة ونخدم في جيش الاحتلال ضد شعبنا؟وهنا أود التنبيه إلى بعض النقاط الهامة التي توكد أن قبول المواطنة لا يعني قبول نظام ودستور ورموز وسياسة الدولة. إليكم بعض الأمثلة: 

  1. المواطنون يغيرون أنظمة وقوانين: كل الحركات الشيوعية والإسلامية في العالم، برغم الفارق بينهما، تناضل، من خلال نضال مدني وسياسي للمواطنين في الدولة، من أجل تغيير نظام الدولة ودستورها ورموزها وسياستها. المواطنون الأمريكان السود والبيض خاضوا نضالا طويلا من أجل تغيير النظام والقوانين العنصرية في أمريكا، وخاضوا نضالا جماهيريا على مدار سنوات لوقف الحرب على فيتنام وهكذا تم إلغاء النظام والقوانين العنصرية وتوقفت الحرب الفيتنامية. المواطنون في جنوب أفريقيا ناضلوا بالتعاون مع قوى خارجية ووضعوا حد لنظام الأبارتهايد. المواطنون التونسيون والمصريون أسقطوا بنضالهم الجماهيري أنظمة حكم فاسدة. وها هم المواطنون في لبنان ينتفضون لتغيير النظام من خلال مواطنتهم وهم يرفعون علم الدولة اللبنانية التي يريدون تغيير نظامها.

  2. النضال الجماهيري يتفاعل مع قوى خارجية لإحداث التغيير: كل التغييرات تحصل دائما نتيجة حراك جماهيري وسياسي داخلي من جهة ونتيجة تدخل قوى خارجية. هذه هي معادلة التغيير للأحسن وللأسوأ. أنظروا إلى الأنظمة في أوروبا وأفريقيا والعالم العربي كيف تغيرت جوهريا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وبعد إقامة الاتحاد الأوروبي دون تنازل المواطنين عن مواطنتهم بل وإن جزء من هذه التغييرات حصلت نتيجة نضال الناس كمواطنين في دولهم. تذكرون المظاهرات في روسيا وبولندا وغيرها التي ساهمت في قلب الأنظمة، بغض النظر عن النقاش هل كان هذا التغيير جيدا أم لا، إلا أن المهم هنا أن ندرك أن بمقدور المواطنين المساهمة في تغيير الأنظمة.

  3. المواطنون يغيرون الدستور وقوانين أساس: لا يوجد في إسرائيل دستور للدولة لكن هناك وثيقة الاستقلال وقوانين أساس التي هي أقل ثبوتا من الدستوروأكثر ثبوتا من بقية القوانين. حتى الدساتير في العالم قابلة للتغيير. جميع الدول تتيح تغيير الدستور من قبل المواطنين بشروط ما (بطلب 10% من السكان مثل سويسرا ولاتفيا، أو 50% من أعضاء البرلمان كما هو في اليونان، أو أغلبية 61 عضو كنيست لتغيير قوانين أساس في إسرائيل). عشرات الدول غيرت بنود أساسية في دستورها منذ سنة 2000 كان آخرها تايلاند. في حالنا نستطيع مواصلة الانطلاق في نضالنا من المواطنة وإيجاد التحالفات الداخلية والخارجية من أجل إحداث تغيير جوهري في نظام الدولة وقوانين أساس فيهالتصبح هذه الدولة أكثر عدلا وإنصافا.في وثيقة التصور المستقبلي طالبنا بتغيير نظام الدولة ليكون نظاما ديمقراطيا توافقيا، وليس ديمقراطية أغلبية، لكي نضع كوابح أمام سيطرة الأغلبية اليهودية في الدولة كما صاغها الدستور الديمقراطي لمركز عدالة سنة 2006. هذا هو مطلبنا كمواطنين عرب في إسرائيل وكجزء من الشعب الفلسطيني. هذا يتطلب طبعا نضالا مدنيا مثابرا وتحالفات مع أقليات أخرى في البلاد من أجل تحقيقه وهو أمر ممكن وإن لن يكون سهلا. 

  4. المواطنون يغيرون رموز الدولة: دول كثيرة أمثال نيوزيلاند وجنوب أفريقيا والعراق غيرت أعلامها من خلال المواطنة والممارسة الديمقراطية. منذ سنة 2000 غيرت 18 دولة أعلامها كان آخرها كانت موريتانيا التي غيرت علمها في آب 2017. حتى لجنة أور التي أقيمت بعد أحداث أكتوبر 2000 دعت إلى إضافة رموز ومناسبات وطنية ليشعر المواطن العربي بانتماء للدولة.

  5. يمكن تغيير اسم الدولة: حتى أسماء الدول ليست منزلة بل خاضعة للتغيير. فمصر السادات غيرت اسمها إلى جمهورية مصر العربية. كمبوديا وبورما وتشيكيا وسوازيلاند ومؤخرا مكدونيا غيرت اسماءها. طبعا يجيء هذا التغيير كجز من تغيير سياسي جرى بفعل تفاعل القوى الداخلية والخارجية. وعليه فقبول المواطنة لا يعني بالضرورة قبول اسم الدولة.

  6. المواطنون يرفضون الخدمة العسكرية: كثير من اليهود اليساريين والعرب الدروز يرفضون الخدمة في الجيش دون التنازل عن مواطنتهم. هكذا الأمر في كثير من الدول التي ترفض بعض الأقليلات أو الفئات الخدمة العسكرية.

 

***

كل هذه الأمثلة تؤكد كيف يمكن للمواطنة أن تكون القاعدة لتغيير النظام والرموز والدستور والقوانين العنصرية ابتداء من "قانون العودة" إلى "قانون القومية" الأخير. وهو الرد لمن يقول كيف نقبل المواطنة في دولة تمارس الاحتلال ضد شعبناواسمها إسرائيل وتعرف نفسها دولة يهودية ونشيدها الوطني هو "هتيكفا" وعلمها فيه نجمة داوود.

من المهم التأكيد هنا بأن قبول المواطنة ليس تنازلا بل انتزاع حق وقاعدة للنضال.حين تكون الأجواء العنصرية تنفي حق المواطنة ولا ترى أن للمواطنين العرب حق في الدولة كما هو الحال في السنوات الأخيرة، يكون التمسكبالمواطنة الإسرائيليةوالتعامل مع الدولة على أنها دولتنا نحن أيضا، وليست دولة اليهود فقط، ليس تنازلا عن شيءبل هو تمسك بحق وبقاعدة للنضال.

علما بأن مؤسسة الدولة، أي دولة، والمواطنة فيها لا تشكل هوية أو موقف مبدئي بل تعاقد اجتماعي وقانوني تتيح للمواطنين البقاء والعمل ضمن القانون على تحقيق أهدافهم ومواقفهم.المواطنة بحد ذاتها لا تعني قبول كل شيء في الدولة ولا تحول دون مقاومة بعض قوانينها أو ممارساتها والعمل على تغيير طابعها. ففي نفس الدولة، أي دولة، يعيش مواطنون شيوعيون وليبراليون ومحافظون، وتعيش أعراق وقوميات وأديان مختلفة، ومنهم من يؤيد التمييز العنصري أو احتلال شعب آخر أو سباق التسلح النووي، ومنهم من يناضل ضد التمييز والاحتلال والتسلح. هكذا الحال في الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا وفرنسا وفي إسرائيل أيضا.طبعا في هذه المواجهات بين المواطنين والدولة يحصل أحيانا أن تنزع الدولة من المواطنين المناهضين المواطنة بحجة أمن الدولة أو مصالحها القومية، لكن قلما يحدث أن يلغي المواطن مواطنته أو يحجم عنها طوعا إلا إذا توفرت لديه مواطنة أخرى تنسجم أكثر مع طموحه. في حالنا نحن المواطنون العرب في إسرائيل، طالما أنه لا توجد مواطنة بديلة تمكننا من تحقيق طموحاتنا الفردية والجمعية فيكون التمسك بالمواطنة والتعامل معها كحق وقاعدة نضال هو الموقف الصحيح.  

إذن، قبولنا للمواطنة الإسرائيلية والتعامل مع الدولة أنها دولتنا أيضا لا يعني قبول يهوديتها ولا قبول رموزها ولا تعني موافقتنا على التجنيد في جيش الاحتلال، بل هي الوسيلة الحكيمة التي تمكننا على المدى البعيد من خلال الاستفادة من التناقضات بداخل المجتمع الإسرائيلي ومن خلال إيجاد تحالفات داخل هذا المجتمع وبتأثير قوى وتوازنات دولية من تحقيق أهدافنا.         

 

//قبول المواطنة يعني أن نتصرف ونناضل كمواطنين

كيف يكون نضال الأقليات في إطار المواطنة؟ 

  1. لنأخذ من نضال السود في أمريكا مثالا: بعد قرون من العبودية الممارسة على الأفارقة السود في أمريكا ومع استمرار النظام العنصري الأمريكي وقف مارتن لوثر كينج سنة 1963 كمواطن أمريكي، أمام أكثر من مليون إنسان أبيض وأسود ومسيحي ومسلم ويهودي في خطابه الشهير "لدي حلم" وتوجه إليهم باسم "الأمة الأمريكية" وليس باسم الشعب الأسود الأفريقي، وكرر اسم أمريكا والمجتمع الأمريكي 9 مرات وقال "لقد أتينا إلى عاصمة دولتنا لنصرف شيكا" قاصدا المطالبة بالحرية والمساواة، ولم يخجل بأن يقول "دولتنا" وهي نفسها الدولة التي مارست العبودية وواصلت التمييز العنصري ضد شعبه في فترة إلقاء خطابه وبعدها. وفي خطابه توجه أيضا إلى شعبه الأسود الأفريقي داعيا اياه أن يتحاشى الأعمال غير الشرعية ويتحاشى العنف الجسدي. وفي سنة 1995 نظم السود "مسيرة المليون" كمواطنين أمريكيين أيضا دون أن يحرقوا العلم الأمريكي ودون ممارسة أي عنف.

  2. في جنوب أفريقيا حيث يشكل السود الأغلبية جاء في "ميثاق الحرية" الذي تبناه المؤتمر الوطني الأفريقي سنة 1955 ما يلي: " نحن شعب جنوب أفريقيا، البيض والسود، وعلى قدم المساواة مع كل إخوتنا في الوطن، نعلن تبني ميثاق الحرية هذا، ونحن نتعهد بالكفاح موحدين معا؛ ولن تعوزنا الشجاعة ولا القوة حتى ننتصر وتتحقق التغييرات الديمقراطية على أرض الواقع". كذلك هنا وبالرغم من أن السود كانوا أغلبية المواطنين لم يتكلم قادة المؤتمر الوطني الأفريقي باسم السود بل باسم كل شعب جنوب أفريقيا الأبيض والأسود والملوّن ومن مختلف الديانات.

  3. وإذا عدنا إلى بلادنا في سنوات النضال ضد الحكم العسكري بقيادة الحزب الشيوعي وبقية القوى الوطنية والديمقراطية نرى أن النضال حينها كان يهوديا عربيا وكان إسرائيليا وليس فلسطينيا، وحتى أن الأعلام الإسرائيلية كانت ترفرف فوق كل مظاهرة أو نضال جماهيري. في سنوات السبعينات وبعد تأسيس الجبهة الديمقراطية بدأ تراجع في النبرة الإسرائيلية وتصاعد في النبرة الفلسطينية. في تلك الفترة حاول الحزب الشيوعي ضبط هذا التحول لدرجة أن القائد الوطني توفيق زياد أنزل بيده العلم الفلسطيني الذي رفعه أحد الشبان في أحد مخيمات العمل التطوعية في الناصرة التي كانت بمثابة مهرجان نضال وبقاء وكرامة قومية.  

يمكن القول أن نضالاتنا في العقود الأخيرة ضد التمييز والاحتلال تأخذ طابعا قوميا، يرفع فيها العلم الفلسطيني فقط، وليس طابعا مدنيا عابرا للانتماءات القومية والدينية ولا يندرج في دائرة المواطنة الإسرائيلية. إن لغة المواطنة من قبلنا تكاد تنحصر في مطالبة المؤسسات بالقيام بدورها تجاه المواطنين العرب وتخصيص ميزانيات، وفي التزامنا بالقوانين ودفع الضرائب، وفي التصدي للقوانين والممارسات العنصرية.إن هذا التحول في تراجع النبرة الإسرائيلية وصعود النبرة الفلسطينية في مسيرتنا يتطلب وقفة تقييم وتحليل لنتائجه وفحص جدواه أمام الثمن، من أجل التوصل إلى التوازن الأجدى بين النبرتين. 

 

النضال من خلال المواطنة

ممارسة المواطنة تتطلب أكثر من المطالبة بالحقوق والتصدي للعنصرية، وهي لا تعني قبول الخدمة العسكرية، بل تتطلب إسماع صوتنا إلى جانب المواطنين اليهود في قضايا تهُم كل المواطنين مثل اتفاق الغاز وحصة المواطنين الإسرائيليين يهودا وعربا فيه، استنكار قتل المدنيين في سديروت والشمال والتضامن مع الضحايا وأهلهم ونواصل طبعا استنكار الاحتلال وقتل المدنيين في غزة والضفة الغربية والتضامن مع الضحايا الفلسطينيين، التضامن الحقيقي والفعال مع أقليات مضطهدة كالإثيوبيين والشرقيينوالمهاجرين غير القانونيين، أن ننطلق من طرح دولة جميع مواطنيها بدل الطرح القومي الفلسطيني أمام الطرح اليهودي الصهيونيدون إلغاء الانتماءات القومية والدينية في الدولة، تجسيدا لحقنا الجماعي في الدولة علينا أن نخاطب ونقارع اليهود العنصريون والمسؤولون جهارا بأن هذه الدولة هي دولتنا مثلما هي دولتكم، ومن حقنا النضال من أجل تغيير نظامها وقوانينها ورموزها وسياستها كما يأخذون لأنفسهم هذا الحق.

لا يمكننا أن نكون مواطنين دولة ولا نسمع صوتنا ضد التصريحات الصادرة من أي جهة معادية الداعية إلى القضاء على إسرائيل. أن نتضامن قيادة وشعبا مع المناطق المنكوبة بسبب أحوال الطقس أو كوارث طبيعية أخرى كما حصل في نهريا مؤخرا. ألا نخجل من تمثيل الدولة في مؤتمرات ومسابقات دولية.أن يكون لنا دور فعال في مؤسسات المجتمع المدني وفي نحو43000 منظمة وجمعية تعنى بقضايا المواطنين اليهود والعرب الاجتماعية والثقافية. أن نعمل على تأليب Lobbying مجموعات سياسية وحزبية وشعبية في البرلمان والجمعيات وخارجهما، ممن لا نتفق معهم على مجمل حل الصراع، للعمل معا في قضايا محددة مثل مواجهة مجموعات "دفع الثمن" أو "مساواة في التعليم" أو "منع سيطرة الحاريديم"أو غيرها.  حتى نضالنا ضد الاحتلال ومن أجل إقامة دولة فلسطينية مستقلة أو دولة واحدة ثنائية القومية ومن أجل إحقاق حقوق اللاجئين يجب أن يكون من داخل المواطنة الإسرائيلية والاعتماد على قرارات الأمم المتحدة.

نضال المواطنة في حالتنا لا ينفصل عن النضال الذي يختاره اخوتنا في الضفة وغزة والقطاع وفي الشتات بل يكمله تحت شعار "كلٌ يختار طريقه النضالي بما يناسب ظروفه" ليتصدى للاحتلال والقمع والتمييز العنصري. النضال من خلال المواطنة ليس محصورا في حل الدولتين بل هو طريقنا من أجل أي حل آخر في دولة واحدة أو كونفدرالية أو غيرها، علما بأن أي حل يكون في المنطقة يكون للمواطنين والقوى السياسية الفاعلة دور في صنعه إلى جوانب توازنات قوى شرق أوسطية أو دولية.

 

العبء العاطفي في المواطنة

أدرك تماما العبء النفسي والعاطفي الذي يحمله كل منا حين يقرر التصرف والنضال كمواطن إسرائيلي لما تحمله هذه المواطنة من معاني عنصرية نرفضها وتتناقض مع شعورنا بالنكبة والتمييز والاحتلال، إلا أنه إذا استطاع مارتن لوثر كينج وجماعته التكلم باسم "الشعب الأمريكي" و"الدولة الأمريكية" التي بقيت في تلك الفترة تمارس العنصرية ضد شعبه الأسود الأفريقي والذي يشمل أبناء وأحفاد من عاشوا تحت نظام العبودية، وإذا استطاع نلسون منديلا التكلم باسم شعب "جنوب أفريقيا" ودولة "جنوب أفريقيا" وهي تمارس نظام الأبارتهايد ضد الغالبية السوداء، وإذا استطاع إميل حبيبي وتوفيق طوبي وتوفيق زياد ومحمود درويش وسميح القاسم ورفاقهم اليهود، وهم تحت الإقامات الجبرية والسجون والملاحقة، أن يسيروا في سنوات الخمسينيات حتى السبعينيات في مظاهرات ضد الحكم العسكري ومظاهرات أول أيار وغيرها من النضالات، ورفاقهم يحملون في مقدمة المظاهرات العلم الإسرائيلي، بدون الفلسطيني، فحتما نستطيع نحن أن نواصل طريقهم ونرفع العلم الفلسطيني أيضا، أو ننحي كلا العلمين جانبا، ونخوض ناضلا مدنيا وسياسيا وشعبياكمواطنين إسرائيليين يهودا وعربا معتبرين أن هذه الدولة دولتنا أيضا ولنا الحق في صياغة وجهها وطبيعتها وتغيير نظامها ورموزها وحتى اسمها من جهة، ونناضل من أجل إحقاق حقوق الشعب الفلسطيني كما جاءت في قرارات الأمم المتحدة من جهة أخرى.

 

تلخيص 

المواطنة الإسرائيلية حق وقاعدة نضال ضرورية. قبولها ليس تنازلا بل تحديا لمن يريد نزعها عنا. قبولها لا يعني قبول يهودية الدولة ولا دستورها ولا نشيدها ولا علمها ولا قبول التجنُّد لجيش الاحتلال. بل إن قبولها والتمسك بها يمنحنا إمكانية النضال من أجل تغيير سياسة الدولة وتحويلها من دولة عنصرية توسعية إلى دولة ديمقراطية حقيقية.لسنا من السذاجة لنعتقد بأن هذا التغيير بالأمر السهل لكنه يكون ممكنا من خلال المواطنة لا خارجها. طبعا الأمر منوط بأن نحسن العمل قيادة وجمهورا والاستفادة من التناقضات الداخلية في الدولة لخلق تحالفات داخلية، والعمل دوليا من أجل تجنيد قوى خارجيةالتي يمكنها أن تؤثر وتدفع باتجاه التغيير المنشود.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب