news-details

فيفيك تشيبر: لماذا لا زلنا نتكلم عن الطبقة العاملة؟

ترجمة: حسن مصاروة

فيفك تشيبر، هو مفكر ماركسي هندي-أمريكي، وهو برفسور في السوسيولوجيا بجامعة نيويورك، ينظّر حول الماركسيّة والنظريّة ما بعد الكولونياليّة، وحول مقارباتها المختلفة لتفسير الرأسماليّة والاستراتيجيّة المعادية للرأسماليّة، وحول الاشتباك مع العالم اللاغربيّ، ودور المثقفين الراديكاليين. قام رفاقنا في فرع الحزب الشيوعي في تل ابيب بالتواصل مع المفكر والاتفاق معه على سلسلة لقاءات تقام في شهر تموز، وتحضيرًا لذلك يقومون بترجمة مواد للمفكر للعبرية، ونحن بالتوازي نقوم بترجمة بعضها للعربية لتوسيع قاعدة الرفاق المشاركين في هذه اللقاءات الفكرية المهمة والتعريف بأفكار مهمة لتطوير ترسانتنا النظرية

فيفيك تشيبر


السؤال المطروح أمامنا هو لماذا يستمر الاشتراكيون في التركيز على الطبقة العاملة كمفتاح للتغيير الاجتماعي. إذا توجهنا مباشرة إلى النقطة الأساسية، فهناك سببان أساسيان وراء قيام الاشتراكيين بذلك، وأعتقد أن هذه أسباب قوية للغاية. يمكن لنا أن نفكر في السبب الأول باعتباره تشخيصًا لأمراض المجتمع الحديث، والسبب الثاني هو توقع الإجراءات التي ينبغي اتخاذها لتحسين الوضع. كلاهما يشير إلى نفس العامل، لنبدأ بالتشخيص.

يركز التشخيص على الأشياء التي يحتاجها البشر من أجل أن يحصلوا على فرصة معقولة للوصول للسعادة وأن يكونوا علاقات اجتماعية جيدة مع البشر الآخرين - كل هذه الأشياء مدرجة تحت ما نسميه العدالة والإنصاف. بغض النظر عما هو مطلوب لذلك- وهناك العديد من الأشياء اللازمة لتحقيق العدالة الاجتماعية – لكن هناك شيئان يتفق عليهما الجميع تقريبًا.

الأمر الأول هو حد أدنى أساسي معين من الوسائل المادية اللازمة للعيش. لا يمكن للبشر أن يعيشوا حياة طبيعية إذا كانوا مطاردين ومشغولين باستمرار بمسألة ما إذا كان لديهم ما يكفي ليأكلوه. لا يمكنهم العيش بكرامة إذا لم يكن لديهم خدمات صحية أساسية، أو سكن، أو ظروف مادية معينة تسمح لهم بالطموح إلى ما يعتبرونه هدفًا أسمى: الإبداع، والحب، والصداقة. من الصعب الحفاظ على كل هذه الأشياء إذا لم يكن لديك بعض الوسائل الأساسية المعينة، لذلك نحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى هذه الوسائل.

والأمر الثاني هو الاستقلالية، أو التحرر من السيطرة. الفكرة الأساسية هي أنك إذا كنت تعتمد على شخص آخر من أجل احتياجاتك المعيشية، فأنت في الواقع موجود تحت سيطرته، لأنه في أي لحظة قد يسلط السلطة التي يملكها عليك لاستغلالك. وبالتالي، فأن تكون تحت سيطرة شخص آخر يعني أن الأولويات التي تدار حياتك وفقها لن تكون بيدك أنت. بل ستكون الأولويات التي تدير حياتك هي أولويات من يسيطر عليك. وهذا يعني أن الآخرين، وليس أنت، هم الذين سيحددون أهدافك في الحياة وأسلوب حياتك.

لذلك، إذا كان البشر في المجتمع المعاصر يفتقرون إلى هذه الوسائل المادية الأساسية، ولا يتمتعون بالاستقلالية، فإنهم يحيون تحت السيطرة. في مثل هذا المجتمع، من الصعب جدًا تحقيق العدالة، مهما كانت الأشياء الأخرى التي يحتاجها البشر.



مصالح متضاربة

يقول الاشتراكيون أن الرأسمالية نظام اجتماعي يحرم الناس بشكل منهجي من كل من الوسائل المادية التي يحتاجون إليها وأيضًا من استقلاليتهم. والسبب في ذلك بسيط: تعمل الرأسمالية على مبدأ تعظيم الربح للحد الأقصى – الأرباح مقدمة على البشر في سلم الأولويات. لماذا تقوض الرأسمالية الاستقلال الذاتي وتقيد أيضًا الوصول إلى الوسائل المادية الأساسية؟ حسنًا، يتعين على معظم الناس في المجتمع الرأسمالي العمل من أجل لقمة العيش، وهم مضطرون للعمل لدى شخص آخر. لا يتم تحديد تفضيلات هذا الشخص الآخر، صاحب العمل، من خلال رفاهية العمال تحت قيادته. بل يتم تحديدها وفقًا لغرض وجود العمل - مراكمة الأرباح.

السبب الذي يجعل صاحب العمل يفضل تعظيم الربح هو أنه إذا لم يفعل ذلك، فسوف يموت عمله. الطريقة الوحيدة التي يمكن لشركة تجارية من خلالها البقاء على قيد الحياة هي ابتزاز أكبر قدر ممكن من المال من أنشطتها الاقتصادية بحيث يمكن لصاحب العمل أخذ تلك الأموال وزيادة كفاءتها والمزايا التنافسية الأخرى وهزيمة منافسيها. هذه هي المشكلة الأساسية: إن دافع المنافسة وقوتها يجبران الرأسماليين على إعطاء الأولوية للربح على أي اعتبار آخر. واتضح أن جني الأرباح يعني الإضرار بكل أحد آخر.

الوجه الآخر لعملة تعظيم الربح للحد الأقصى هو تقليل التكاليف. يجب على كل شركة أن تقلل من جميع أنواع نفقاتها بكل طريقة ممكنة لزيادة هامش الربح قدر الإمكان. لكن لتقليل التكلفة آثار فورية ومباشرة على حياة العمال، لأن ما يحصلون عليه كدخل لهم- أجورهم - هو يعتبر تكلفة على صاحب العمل. وبالتالي، فإن تقليل التكاليف يعني أن كل صاحب عمل يحاول أن يدفع أقل قدر ممكن، بقدر ما ينجح بذلك، وبقدر الإمكان، فيما يتعلق بشروط توظيف عماله. وهذا يعني أن وسائل المعيشة الأساسية للعمال لا يتم تحديدها وفقًا لاحتياجاتهم، ولكن وفقًا للحد الأدنى الذي ينجح ويوافق فيه صاحب العمل على الدفع. وهذه هي المشكلة رقم واحد.

المشكلة الثانية: هي أن العمال يتخلون أثناء عملهم عن استقلاليتهم لصالح صاحب العمل.

جوهر عقد الأجر هو كما يلي: "أتيت للعمل وأعمل من أجلك. تعطيني مبلغًا معينًا من المال ولكي أعمل معك أكون تحت سلطتك. ما أفعله بوقتي، أين أقف، أين أذهب، مع من أتحدث، كم عدد استراحات الذهاب للمرحاض التي آخذها، أين أنظر، مدى سرعة عملي - كل هذا ليس حسب تقديري الشخصي. إنه حسب تقديرك أنت، صاحب العمل".

بالنسبة لمعظم الناس في العالم، فإن وقت العمل هذا هو معظم وقت يومهم حينما لا يكونون نائمين. يستغرق وقت العمل بالنسبة لمعظمهم ما بين ثلثي إلى ثلاثة أرباع وقت صحوهم - وهذا يعني في الواقع أنهم ينقلون ثلاثة أرباع حياتهم النشطة بينما يسلمون استقلاليتهم - حريتهم - إلى شخص تتعارض مصالحه بشكل مباشر مع مصالحهم. غالبًا ما يكون هذا الافتقار إلى الاستقلالية في مكان العمل مصحوبًا بسيطرة صاحب العمل خارجها أيضًا. في المدن الشركاتية، أو في المدن حيث يتم شراء القضاة والمشرعين علنًا من قبل أرباب العمل، حتى السلطة السياسية في الواقع تخضع لصاحب الثروة.

لذلك، لهذين السببين، فإن قواعد النظام الرأسمالي تقوض بطريقة منظمة ومنهجية وحتمية، الشروط اللازمة لإمكانية وجود مجتمع عادل.



من يملك القوة

يترتب على ذلك أنه من أجل التحرك نحو مبنى اجتماعي أكثر عدلاً، يجب علينا أن نجد طريقة لجميع الناس لتحقيق الشروط المادية الأساسية والمزيد من الاستقلالية. منذ فجر الرأسمالية، كان نضال الفقراء هو: محاولة تحديد أن لديهم الحق في الوصول غير الخاضع للسوق، أو على الأقل الوصول غير المشروط، إلى الأشياء التي يحتاجونها لحياة تليق بهم. المشكلة هي أنه في كل مرة طالب الفقراء أو طلبوا أو توسلوا لمزيد من الأمان في هذه الأشياء، واجهوا معارضة من أصحاب العمل.

في أماكن العمل، إذا طالب العمال بأجور أعلى، أو سيطرة أكبر على مكان عملهم، أو إذا كانوا يسعون إلى مزيد من السلطة في قرارات الاستثمار، في كل مرة يواجهون رفض صاحب العمل. وعندما يحاولون النضال من أجل هذه المطالب خارج مكان العمل، فإنهم يواجهون القوة الاجتماعية المتفوقة لأصحاب العمل. 

المشكلة الأساسية هي أن الحياة داخل الرأسمالية تعني أن القوة ليست مقسمة بالتساوي. ليس فقط أن أصحاب العمل يحددون سلم الأولويات في مكان العمل فحسب، بل يمتلكون أيضًا القوة والسلطة لتحديد سلم الأولويات للمجتمع ككل، بسبب سيطرتهم على الدولة، وبسبب مواردهم المتفوقة في مجال كسب التأييد وبسبب قدرتهم على شراء السياسيين. وبحكم طبيعة النظام، فإنهم يتحكمون في الاستثمارات، وبالتالي يتحكمون في تكوين كل ثروة ودخل الشركة، وبالتالي يتأكد الجميع باستمرار من بقائهم راضين فقط.



فرصة العمال

يقودنا هذا إلى مشكلة إستراتيجية: إذا كانت الغالبية العظمى من البشر في مجتمع رأسمالي محرومة من الوسائل الأساسية اللازمة للعدالة الاجتماعية، وإذا طلبوا ذلك، فإن السلطات السياسية تمنعهم من تحقيقها بسبب تأثير طبقة الرأسماليين، كيف يحققونها إذًا؟

بهذا نصل إلى المرحلة الثانية بعد التشخيص: التكهن فيما يتعلق بالطريقة التي يمكن بها تصحيح الوضع. يقول التوقع أنه من أجل أن يكون للغالبية العظمى من البشر فرص أفضل في حياتهم، وبما أن الناس في مواقع القوة لن يتخلوا عن مواقع قوتهم طواعية، فيجب عليهم أخذ الوسائل والسلطة من أيديهم بالقوة المضادة، من قبل الفقراء.

هذه مسألة عملية: إذا كانت الدولة البرجوازية والطبقة الرأسمالية، اللتان تتمتعان بالسلطة في النظام الرأسمالي، غير مستعدين للسماح للفقراء بالوصول إلى الموارد الأساسية اللازمة لحياة معقولة عن طيب خاطر، فما هي القوة التي يمكن أن يستخدمها الفقراء للحصول على هذه الأشياء من الرأسماليين؟ يمكن أن يكون الجواب فقط هو الاستحواذ هذه الأشياء من أيديهم من خلال القوة المضادة للفقراء. ومن هنا تأتي الأهمية الاستراتيجية للطبقة العاملة، والتي تقوم على قوتها العملية المستمدة من الدور الرئيسي الذي تلعبه هذه الطبقة في الرأسمالية.

تختلف الطبقة العاملة عن أي مجموعة غير رأسمالية أخرى في المجتمع الحديث. الطبقة العاملة -مهما كانت فقيرة وخاضعة للرقابة ومفتتة - هي الأوزة التي تبيض ذهباً. إنها مصدر الربح، لأنه إذا لم يأت العمال ويؤدوا عملهم كل يوم، فلن يكون هناك منتوجات للبيع ولا أرباح لأصحاب العمل. لذلك، يتمتع العمال بفرصة هنا، بشرط أن يتمكنوا من الاستفادة منها: فهم يمسكون بيدهم "صنبور" الربح الذي يحتاجه النظام الحالي للعمل. يمتلك الرأسماليون سلطة على العمال، لكن إذا لم يوافق هؤلاء العمال على فعل ما يقوله أصحاب العمل، سيجد أرباب العمل أنفسهم أمام "حوض مكسور".

لذلك ينبع التركيز على العمال من أهميتهم الإستراتيجية. إنهم العامل الوحيد الذي بحكم مكانته ودوره في الرأسمالية - العامل الرئيسي في عملية الإنتاج - يمكنه إخضاع أصحاب السلطة في المجتمع.

بناءً على ذلك، فإن العمال لديهم القدرة، ولكن لديهم أيضًا مصلحة في استخدام هذه القدرة. إن كل الافتقار إلى الوسائل المادية الأساسية والاستقلالية التي وصفتها والتي تمنع حياتنا ومجتمعنا من أن تكون عادلة، تشعر بها الطبقة العاملة بشكل أكثر حدة. العمال هم الغالبية العظمى في المجتمع الحديث. الغالبية العظمى هم أيضًا في الطرف الأكثر فقراً، وهم من يعانون بشكل يومي من الإذلال والحرمان وفقدان الاستقلالية، وتيرة العمل التي تؤدي إلى تآكل صحتهم وانعدام الأمن والقلق بشأن الأسئلة المتعلقة بحياتهم ومستقبلهم – التي تنبع من حقيقة أنهم ليسوا أحرارًا لكنهم تحت سيطرة الآخرين. العمال هم الذين يعانون أكثر من غيرهم في ظل الرأسمالية، وبالتالي ليس لديهم القدرة فحسب، بل لديهم أيضًا مصلحة في الاتحاد والنضال من أجل الأهداف، التي في رأينا ستنشئ مجتمعًا أكثر عدلاً.

 

من الهامش إلى المركز

ما قيل حتى الآن له آثار مهمة. كثير من قراء هذا النص يدرسون أو درسوا في الجامعات، ولسوء الحظ لقد عانيتم من الجلوس في محاضرات النظرية الاجتماعية على مدار العشرين عامًا الماضية. في أوساط التقدميين واليساريين الراديكاليين، كانت الفئة الرئيسية في الخمسة وعشرين عامًا الماضية هي فئة الـ"هامش": الهامشية والتعاطف مع الهامش، والدفاع عن الهامش، أن تحب الهامش أن تكون في الهامش. "إذا كان هامشيًا، فهذا جيد". لا أعني أن هنالك أي خطأ في الهوامش، ولكن من المهم أن نفهم هذا: الطبقة العاملة مهمة لأنها ليست هامشية. إذا كنت تريد أن تمارس سياسة فعالة، فعليك أن تتغلب على حبك للهامش.

هذا لا يعني أن الفئات الاجتماعية المضطهدة الأخرى لا يجب أن تهمكم، بل على العكس من ذلك: يجب على أي شخص يناضل من أجل مجتمع عادل أن يتعامل مع أي نوع من الاضطهاد والتهميش على أنه مهم وحاسم. لكن يجب أن يكون مفهوماً أن السياسة ليست مجرد التحدث باسم العدالة وباسم الضعفاء. السياسة هي أيضا اتخاذ خطوات عملية لتحقيق القوة المضادة في مواجهة مراكز القوة في عالم غير عادل.
ما يجعل الطبقة العاملة مهمة هو أنها الفئة الاجتماعية والمجموعة الاجتماعية المركزية في الرأسمالية (بعد الرأسماليين بالطبع). يعني أن السبب في أننا نركز في تحليل واقعنا وجهود التحشيد لدينا على طبقة العمال هي نابعة من مركزتيها في النظام، وليس هامشيتها.

هذا يعني أن طبيعة المناقشات السياسية يجب أن تتغير. في كثير من الأحيان عند حضور أي اجتماع اليوم، يدور النقاش حول مسألة ما إذا كانت هذه المجموعة تقاتل لصالح المهمشين أم لا، وما إذا كانت تبحث عن الهوامش، وما إذا كانت تجلب الهوامش إلى الداخل. هذا ممتاز، إذا كانت النية هي التأكد من أننا ملتزمون بمحاربة كل إذلال وكل ظلم. لكن من المهم أن نواجه أنه يجب علينا أيضًا أن نسأل: من هم اللاعبون الرئيسيون في المجتمع الذين لديهم الوسائل لإحداث التغيير الذي نهتم به؟ 

يجب أن نتجاوز الانشغال القهري بالهامش ليس فقط في عملنا وخطابنا السياسي، ولكن أيضًا في فهمنا للنظام. نحتاج إلى البدء في التفكير في النواة والجوهر والأسس التي يقوم عليها المجتمع الحديث، وأن نبني ونؤسس قوتنا ضمن هذه الأسس التأسيسية.

الآن، في هذه اللحظة، اليسار في أضعف موقع له منذ ولادته عندما يتعلق الأمر بالأنشطة العملية للوصول إلى السلطة، وأحد أسباب احتضانه للهامش هو أنه في هذا المكان الذي يتواجد فيه الآن- يجد نفسه يُدفع إلى الهامش. لكن حقيقة أننا دُفعنا إلى الهامش لا تعني أن الأمر يستحق تبني تصور ذاتي بأن هذا هو مكاننا الطبيعي.
ستكون أجندة اليسار في المستقبل المنظور فهم كيفية الانتقال من الهوامش إلى المراكز العصبية للرأسمالية. هذا مهم لأن هذا هو المكان الذي تكمن فيه القوة. وقبل أن ننجح في أخذ هذه القوة لأنفسنا واستخدامها لأغراض أخرى، فلن نصل إلى المجتمع الذي يريده معظم الأشخاص الأخلاقيين. لهذا يركز الاشتراكيون على الطبقة العاملة.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب