طلبت مني زوجتي أن أكتب عن فيلم كوميدي، وللمرة الاولى بدأت التفكير والكتابة عن فيلم كوميدي، ولكن عندما سمعت الأخبار عن تحطيم رقم قياسي بحوادث القتل في يوم واحد في البلاد، اخترت أن اكتب عن الفيلم البرازيلي (مدينة الرب). برأيي، إذا لم تخدم السينما الشعب الذي تنتمي له وتساعد وتساهم حتى ولو قليلا بربط الواقعية بالفن، فإنها ستفشل حتما. في سنوات الثمانينات أقامت الدولة البرازيلية حيًا شعبيًا كبيرًا، لاحتواء الكثافة السكانية العالية هناك، ولكن سرعان ما تحول هذا الحي الى مجموعة من العصابات التي تمارس القتل بشكل يومي. عصابات تطلق النار في الأحياء والشوارع، على البيوت، والحانات، والمراكز التجارية، وكل مكان يستطيعون أن يرموا به النار. تدور قصة الفيلم حول شاب متعلم وهنا من النادر أن يكون شاب بهذه المواصفات، لأنه في الوضع المعتاد لهذا الحي إذا وصل الشبان جيل الثامنة عشر فيتحتم عليهم أن يصبحوا تابعين لإحدى العصابات. وانضمامهم لهذه العصابات توجد من ورائه عدة اهداف، بالأساس لكي تكون حماية لهم ولعائلاتهم، أو رغبتهم في أن يصبحوا اغنياء في فترة زمنية قصيرة، او لمجرد الشهرة في عالم الجريمة. اما هذا الشاب المتعلم فهو يعمل مصورًا في احدى الصحف، ومن خلال الصدفة صوّر مواجهة بين العصابات التي تتواجد ببلده، وكانت الصورة لرئيس العصابة وزملائه الذين كانوا محتفلين ومنتشين بعد انتصارهم على إحدى العصابات. يُصاب هذا المصور بالرعب لأن محرر الصحيفة وضع هذه الصورة وكتب تحتها أن هذا الشخص الذي يظهر فيها رئيس عصابة، وانه رجل خطير ويجب على الشرطة والسلطات أن تعتقله. صار المصور ينزل للشارع على فترات زمنية متباعدة خوفا على حياته، فبسببه تم النشر والتطرق لرئيس هذه العصابة الخطيرة. وفي احد الأيام، وعندما لملم المصور طاقاته وتغلب على خوفه، ذهب للعمل في مجاله وعندما كان يتجوّل ليلتقط الصور،وإذ برئيس العصابة الذي صوره يفاجئه صدفة ويتحدث اليه. حاصر الرعب المصور لأن الرئيس كان محاطا بأفراد العصابة المدججين بالسلاح ولمفاجاته، وجد رئيس العصابة يشكره ويحييه لأنه وضع صورته في الصحيفة. هنا يختلط الحابل بالنابل وتتغير الموازين والأحكام، يتلاشى التفكير الذاتي مقابل الواقعية الحقيقية؛ مقابلة عبثية بين مصور خائف لنشره بالخطأ لرئيس عصابة مقابل زعيم عصابة فخور بما قدمه ذلك الصحفي له من مجد، وكأن الواقعة تقول: أنا زعيم عصابة مطارد أعرف ذلك، ولكن هذه الصورة جعلتني بطلا بين أعدائي وزادتني فخرا. يتخلل الفيلم الكثير من المشاهد الخلابة حتى وإن كانت في أماكن فقيرة ونائية، زوايا التصوير مدروسة بشكل مهني ومنطقي لأبعد الحدود، اختيار الممثلين يجعلك تنبهر من عظمة المخرج والعمل المتمكن الذي قام به. وذلك إضافة للسردية القوية في النص إذ أنها تُسرد لنا من النهاية للبداية وهذا اسلوب معروف، فالفيلم يبدأ بآخر مشهد وينتهي بنفس المشهد. فيلم يعلمك الكثير عن البرازيل، عن الفقر وعن الفساد، هنالك الكثير من النقد الايجابي الذي باستطاعتي أن أوجهه لهذا الفيلم وأنا على يقين أني لن أعطيه حقه الكافي من اطراء، فيلم عظيم وجيد بكل معايير الكلمة الفنية والسينمائية. وهو أيضًا لا يخلو من الضحك أحيانا. في هذا الفيلم نجحت السينما بتجسيد واقع مرير من خلال أفكار ومشاهد تجعلك تتضامن مع معظم أبطال الفيلم بالخير والشر في الليل والنهار، فيلم بدون آراء مسبقة ويجعل الفكر مفتوحًا كما هي الحياة. أخيرًا، أحداث فيلم (مدينة الرب) العظيم هي احداث حقيقية وقعت في البرازيل ولكن خوفي أن تنتقل مدينة الرب إلينا.