news-details

قراءة أولية في الانتخابات البرلمانية: قلقون لكن قادرون!| أمجد شبيطة

تنتهي الحملة الانتخابية في ظل مشاعر متضاربة تلازمني منذ مساء الثلاثاء، فمن جهة، القلب مبرعم بمشاعر الامتنان والحب إلى كوادر الحزب والجبهة وشبيبتنا الشيوعية على الاستبسال بالدفاع عن بيتنا السياسي وتمثيله ومكانته، في معركة شرسة أمام التحريض اليميني من جهة، وأمام التضليل الذي تعرّض له الناخب العربي حول قوة وخطاب الجبهة والعربية للتغيير. في اجتماع طارئ للشبيبة الشيوعية، أجمع المشاركون على أننا نفضل "النصر كمجانين على السقوط كعقلاء". وبالفعل، عملت كوادرنا بجهد قد يكون غير مسبوق، تحت ظروف في غاية التعقيد، كما أن مجتمعنا لم يخذلنا. من جهة أخرى، فالقلق مطلوب في ظل التصاعد الهستيري لقوة اليمين الفاشي في البلاد.

سأحاول هنا أن أطرح بعض الأسئلة التي تشغل بالي منذ يوم الثلاثاء، مع بعض الأفكار حولها.

 

//هل كان إسقاط حكومة لابيد-بينت خطأ أم أنه الكفارة على خطيئة إقامتها أصلا؟

منذ ولادتها، كان واضحا أن حكومة لابيد-بينت حكومة هجينة لا تحمل أي أجندة سياسية حقيقية لذا فإنها لا تستحق الحياة السياسية. وكل يوم إضافي نجت فيه هذه الحكومة من السقوط كان بفعل خشية كافة مركباتها من العودة إلى الاحتكام للجمهور. نتائج الانتخابات الأخيرة، بينت انهيارا كاملا لكافة الأحزاب الأيديولوجية التي ركّبت هذه الحكومة: بينت وشاكيد وميرتس خارج الحلبة السياسية، أما ليبرمان والعمل فتراجعا بشكل حاد، ولم تنج إلا أحزاب المركز التي بنيت على فكرة هجينة بأنه لا مكان للأيديولوجيا. تشذ عن هذه القاعدة، قائمة واحدة فقط هي الموحدة، التي تمكنت من زيادة تمثيلها، بعدما تقمصت دور المركز، وفي هذا غرابة تستحق الدراسة بعمق وبعيدا عن التشنج، خاصة وأنها تعتمد على قاعدة متينة من الكوادر الأيديولوجية الناشطة في الحركة الإسلامية والتي لم تعزف عن دعم الموحدة رغم تحملها وزر كل ما ارتكبه الائتلاف الحكومي.

هذا الانهيار للأحزاب الأيديولوجية في معسكر "إلاّ بيبي"، لم يكن بسبب سقوط الحكومة، إنما بسبب إقامتها أصلا، فقد تنكرت هذه الأحزاب لأيديولوجياتها وجمهورها فورا بعد الانتخابات، لتفقد بالتالي شرعية بقائها، ما أدى إلى تآكل سريع في قواعدها، سهّل على أحزاب المعارضة ملأه، وفق أجندة سياسية أيديولوجية واضحة، ارتبكت قوى اليسار وفشلت في تحديها حتى وهي في المعارضة. قادة معسكر "إلا بيبي" حتى عند إقامة حكومتهم لم يتخلصوا من عقدة النقص أمام السياسي الأقوى ربما في التاريخ الإسرائيلي، فانشغلوا بتقليده في الأمور الجوهرية بمنافسته على مواجهة الأمور دون أن يضعوا بدائل فكرية، سياسية أو اجتماعية فعلا. فمثلا، لابيد، أدى خطابا "سلميا" في الأمم المتحدة لكن ممارسات جيش الاحتلال على الأرض لم تتغير، وعلى هذا قس!

إذن، فلربما اسقاط الحكومة في هذا الوقت كان بمثابة هدية لكل من يريد أن يطرح بديلا حقيقيا لليمين المتطرف، قبل فوات الأوان. البديل الحقيقي، لا يمكن أن يكتفي بـ "إدارة الصراع" بدلا من انهاء الاحتلال ولا بتقديم الفتات بدلا من احقاق المساواة، أو على الأقل بدون الالتزام بهذا كله.

على الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، النظر إلى كل هذه المعطيات والتعامل معها بتحليل جدلي، فهذا الاستفحال المكشوف للفاشية مقابل الانهيار للقوى المناوئة لها يحمّل الحزب والجبهة مسؤولية كبرى، بل تاريخية تتعدى المعادلات الانتخابية. ويبقى السؤال الذي علينا أن نجيب عليه بعمق في الأشهر القريبة القادمة، كيف؟

 

//السياسة في المجتمع العربي، إلى أين؟!

بتفكك القائمة المشتركة، وما سبقه من نزاعات داخلية، تأكد أن مجتمعنا بحاجة إلى التعددية، بمقدار لا يقل عن حاجته إلى الوحدة، والتوفيق بين الأمرين ليس مستحيلا وإن بدا مركبا: كان بوسع المشتركة أن تكون كتلة تقنية، لو أن الخلاف بين الموحدة وبقية مركباتها لم يصل إلى الحد الذي لم يعد بالإمكان التجسير عليه. كما كان بوسع هذه المركبات أن تخوض الانتخابات بقائمتين أو ثلاث، دون أن تأتي التعددية بإسقاطات خطرة، لو اكتفت كل واحدة من المركبات بطرح ما لديها بعيدا عن المناكفات، التشويه والتحريض. مجتمعنا يستحق حملات انتخابية جدية تبين الفرز السياسي والاجتماعي بين المركبات المختلفة دون أن يتحول ذلك إلى حفل تنكري أو شجار عمومي.

على صعيد الحزب والجبهة، فقد أثبتت هذه الانتخابات، أن لهذا البيت السياسي كوادر بمنتهى الإخلاص والمسؤولية، وضعت كل خلافاتها وتحفظاتها جانبا واستشرست بكل بسالة للحفاظ على التمثيل اللائق بقائمتها.

السؤال المركزي الذي على السياسة العربية أن تطرحه بقوة هو: كيف لها أن تُفشل محاولات اليمين الفاشي لعزل الجماهير العربية، بهدف ضربها ونزع الشرعية عنها، خاصة وأن القوى البرلمانية المناوئة لهذا النهج قليلة جدا، فلا بد من التذكر بأن "أحزاب المركز" تضم قوى يمينية وفاشية لا تقل خطورة عن تلك الحليفة لنتنياهو، فمثلا أيصح أن ننسى الخطاب الترانسفيري لليبرمان أو لساعر وغيرهما الكثر؟

هذا السؤال، يحتم على الأحزاب التفكير إلى ما هو أبعد من "كيف نعيد تركيب المشتركة" وبالأخص، على الحزب والجبهة التعامل معه بكل جدية كونهما الأقدر على قراءة تعقيدات العمل العربي اليهودي المشترك، والذي سيتم في ظل ظروف جديدة يفقد فيها "اليسار الصهيوني" أي تفوق، بما في ذلك التفوق الكمي، وقد يذهب البعض إلى ما هو أبعد من ذلك والادعاء بأن هذا اليسار لم يكن قائما أصلا كيسار حقيقي ولا حق له بالبقاء، لكن هذا لا يعفينا من التساؤل: إذن مع من بالإمكان العمل في الشارع اليهودي للتأثير على الأغلبية، فالعزلة في هذه الظروف رفاهية لا نمتلك التغني بها!

 

// قلقون لكن قادرون!

لا يمكنني الادعاء بأنني موضوعي تجاه الحملة الانتخابية للجبهة والعربية للتغيير، إذ تشرّفت بأن كنت أحد القائمين عليها، ومع ذلك أسمح لنفسي الادعاء بأنه رغم الكثير الذي كان يمكن تطويره في الحملة، إلا أن استراتيجيتها كانت صائبة وخاصة أنها اعتمدت الخطاب المباشر والصادق والصريح والندّي مع الناس. هذا ما قالته في شعار "نؤثر بكرامة" اذ اختزلت بكلمتين كل النقاش الدائر مع القائمتين المنافستين في المجتمع العربي، وهو شعار تعرّض في الأيام الأخيرة للسخرية "فرجونا بشو بدها تساعدكم الكرامة بالتأثير ع بن غفير"، وهذا هو الوقت للتأكيد بأننا عندما نؤثر لا نقصد فتات الميزانيات، إنما التأثير على السياسة وعلى الرأي العام وفي مواجهة الفاشية. نعم، يجب أن نؤثر، ونعم لن يسمع لنا أبناء شعبنا صرختنا ولا المتجمع الإسرائيلي أو العالمي إلا إن كان خطابنا مؤسسًا على قيم الكرامة الوطنية الجماعية والشخصية.

لكن المقولة الأهم والتي حسمت المعركة، برأيي، وإن لم تطبع على اللافتات فهي المقولة التي صاغتها جريدة "الاتحاد" في إحدى افتتاحياتها الأخيرة عشية الانتخابات: "قلقون بحقّ قادرون بجدّ". هذا التوازن الدقيق ما بين المصارحة بالمخاطر الخارجية ونقاط الضعف الداخلية من جهة، وغرس الثقة بالقدرة على التصدي رغم كل التعقيدات، هو التوازن المطلوب أيضا في مواجهتنا مع الفاشية والعنصرية.

"الاتحاد"، خرّجت غالبية الرفاق الذين قاموا على الحملة الإعلامية، إلى جانب خرّيجي الشبيبة الشيوعية والعاملين في الكتلة البرلمانية. بفضل هذه "المدارس" خاض حزبنا وجبهتنا هذه الانتخابات بقوى داخلية مئة بالمئة، وبهذه القوى والطاقات الجبارة نحن قادرون. فقط قادرون.

 

صورة: المقر القطري لقائمة الجبهة والعربية للتغيير في يوم الانتخابات

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب