news-details

كم من رجل يعد بألف رجل

صاحب رسالة آخى بين الأديان وجمعها تحت خيمة واحدة

*ذكرى مرور ثلاث سنوات على رحيل الدكتور جريس سعد خوري (أبو بشارة) مدير مركز "اللقاء" للدراسات التراثية المسيحية والإسلامية*

// فتحي فوراني

 

كم من رجل يعد بألف رجل

**

قالت العرب: خير الكلام ما قل ودل..وفي الإيجاز بلاغة..ولكل مقال مقام. ولا يتسع الفضاء المعطى للمحاضرات والاستطراد والإطناب.

إسمحوا لي  أن أقرأ البرقيات التالية:

  1. كان أبو بشارة عدة رجال رجال..في رجل واحد. فالمهامّ التي أخذها على نفسه كافية لتوزيعها على عشرة رجال لكي يقوموا بما قام به.

ويصدق على أبي بشارة قول الشاعر:

 

كم من رجل يعد بألف رجل       وكم من ألف يمرون بلا عداد

 

إنه رجل استثنائي..يمكن القول إنه كتيبة ثقافية مقاتلة.. ومؤسسة وطنية قائمة بذاتها..وخلية نحل  تعجّ بالخلايا النشيطة التي عملت أكثر من عشرين عامًا لإقامة الورشتين السنويتين في بيت لحم.

كان أبو بشارة صاحب رسالة. فقد آخى بين الأديان وجمعها تحت خيمة واحدة..وعمل على ترسيخ المحبة بين أبناء الشعب الواحد، ونجح في جمع المتنورين من أبناء شعبه من المثقفين ورجال الدين والشخصيات الوطنية من جميع أبناء شعبنا..من الضفة المحتلة وزهرة المدائن ومن الداخل الفلسطيني..لقد استقطب جميع ألوان الطيف من جميع أنحاء الوطن.  كان الخط الوطني هو البوصلة التي حملها والتي سرنا على هديها، وعمل بلا كلل في سبيل إنجاح المؤتمرات السنوية التي عقدت في بيت لحم.

  1. لقد رافقت مركز "اللقاء" منذ بداية الطريق وفي كل لقاء يعقد في بيت لحم وحيفا وشفاعمرو..كان أبو بشارة يصر على أن يكون لي دور في دفع المسيرة..وكان يشرفني  أن أشارك بكلمة تربوية أو محاضرة أدبية في معظم المواضيع الوطنية والاجتماعية والأدبية والدينية التي كانت تطرح على جدول أعمال المؤتمرات التي عقدها مركز اللقاء للدراسات اللاهوتية.

  2. ذات صباح جميل التقينا في أحد المطاعم على شاطئ البحر في حيفا. وفوجئت عندما اكتشفت أن أبا بشارة يتتبعني ويقرأني ويذكرني بما أنشره من مقالات في الصحافة العربية منذ أكثر من ثلاثين عامًا. قال لي: أنا أقرأك من زمان. وأتابع مسارك الفكري..وقرأت العديد من مقالاتك التي تلتقي مع توجهات مركز "اللقاء"..باسم مركز "اللقاء" أتوجه إليك أن تجمع هذه المقالات لكي نصدرها لك في كتاب. سعدت جدًّا بهذه اللفتة الكريمة، وبعد شهر من اللقاء  تم إصدار كتاب "مسيحيون ومسلمون تحت خيمة واحدة" عام 2013. وكتب أبو بشارة مقدمة لهذا الكتاب أنهاها بالفقرة التالية (أقتبس): شكرنا العميق للأستاذ فتحي فوراني على هذه الأفكار النيرة والـتأملات الصادقة والرؤية الواضحة. كلنا أمل أن يقرأ هذه الكتاب جميع أبناء الوطن شبابًا وشيبًا وأملنا أن تحتويه جميع مكتبات مدارسنا وأن يكون موضوع نقاش في حصص اللغة العربية والتاريخ والتربية الدينية..لأنه ثروة على الجميع أن يستفيد منها".

إنها شهادة أعتز بها وأعلقها على جدران القلب.

 

  1. في أعقاب صدور الكتاب أقيمت أمسية تكريمية في قاعة نادي حيفا الثقافي في  كنيسة مار يوحنا المعمدان في حيفا حضرها جمهور غفير من حيفا وجميع أنحاء البلاد من الجولان المحتل شمالًا وإلى المثلث جنوبًا. شارك فيها المطران عطا الله حنا. والشيخ نمر نمر، ويوسف ناصر، وجواد بولس، وجعفر فرح، ود. حاتم خوري، وعصام مخول ووليد الفاهوم، وحسين اغبارية،..وكان لأبي بشارة كلمة مميزة زينت تلك الأمسية التكريمية.

**

  1. أيها الإخوة والأهل والأحبة

خير ما نفعله تجاه حبيبنا أبو بشارة أن نترسم خطاه ونسير على هدي بوصلته الوطنية والإنسانية.. ونتابع المسيرة التي بدأها.

فأنت يا حبيبنا..أنت باق في الذاكرة والوجدان..وسنعلم الأجيال أن قرية صغيرة تسكن في شمال الوطن أطلعت رجلًا كبيرًا ذا قامة متواضعة وشامخة..قامت بمشروع وطني من الطراز الأول.

يكفي هذه القرية شرفًا أنها أطلعت إنسانًا إنسانًا ..أطلعت الحبيب..جريس سعد خوري (أبو بشارة) الباقي في قلوبنا ووجداننا.

**

  1. وبهذه المناسبة أدعو الإخوة أعضاء مركز اللقاء في بيت لحم شركاءنا في الخندق الواحد أن يحافظوا على التواصل مع توأم  اللقاء في الجليل.. لنواصل المسيرة معًا ويدًا بيد. فللنهر شاطئان.. والطائر بجناحيه يطير.. تعالوا نتابع المسيرة ونستمر في النهوض  بالمشروع الوطني الذي أرسى قواعده الحبيب أبو بشارة.

رحمه الله وجعل الجنة مثواه..

**

أبو بشارة باق في القلب وبصماته الخضراء ستظل متلألئة تضيء الذاكرة والوجدان..

 

وإلى أم بشارة والأبناء بشارة وهلا والأسرة الكريمة الصبر والسلوان وحسن العزاء.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب