news-details

كوفيد-19: ما الذي نعرفه حتّى الآن؟

في هذه الأوقات الصعبة التي تجتاحنا فيها المعلومات حول فيروس كورونا من كل حدب وصوب، أصبح من السهل جدَا فقدان توجهاتنا العقلانية وضياع طريقنا. في الوقت الذي اصبح بمقدور كل انسان مشاركة معلومات، والتي تحمل في أفضل حالاتها اجزاءً بسيطة فقط من الحقيقة، وفي حالات أسوأ تعتمد على فرضيات لا تمتّ غالبًا للواقع بصلة، يصبح هناك ميل لتصديق كل معلومة نتلقاها، ليصبح من السهل جدًا خداعنا.

ضمن كل هذا المخزون، بالإمكان إيجاد المتشائمين من جهة ممن ينذرون بقرب الآخرة. ومن جهة أخرى، تجد المتفائلين الذين يدّعون "ان كلّ شيء سيكون على ما يرام" وأن لا داعي للقلق. أما المجموعة الثالثة فستحاول الإثبات أن الحديث كلّه يدور حول "أخبارٍ مضللة" حسب كافّة المؤشرات التي بجعبتهم. وفي النهاية، وبجملة واحدة، رسالة الى تلك المجموعة التي اقتنعت اننا في خضم حرب بيولوجيّة يستعمل بها فيروس كورونا كسلاح مهَندَس ووسيلة حرب متطوّرة بشكل رهيب: إنه سلاح متطور بشكل رهيب لدرجة انّه يتسبب على الغالب بوفاة كبار السنّ ذوي الأمراض المزمنة. لذلك، فلنترك التفسيرات لأصحابها، والتحليلات للمحللين والسياسة للسياسيين، فكلنا نعلم ماذا تقول الأسطورة: الحمقى هم من حظوا بالنبوءة!

فلنتحدّث بلغة العلم.

عايش العلم مؤخرًا شيئا غريبًا لم يعرف له مثيلًا من قبل. الأبحاث، الاكتشافات والعمليّات التي تستلزم سنوات لتكتمل، تحدث أمامنا بتسارع كبير على مدار أشهر، أسابيع وحتّى على مدار أيام قليلة فحسْب. مشاركة الأبحاث والمعلومات الطبيّة بشكل فوريّ مهمّة جدًا، وتشير الى مدى الفهم العميق لدى دول العالم بشكل عام وعند الأوساط العلميّة بشكل خاصّ، لحقيقة أنه فقط من خلال عمل وجهد مشترك وعالمي واسع سنتمكّن من فهم المرض والتغلب عليه.

 

// ما هو فيروس كورونا؟

بداية، بعض المصطلحات:

الفيروس: هو عنصر مكوّن من مادّة جينيّة (DNA  أو RNA)، بروتينات، غلاف وغيرها...، ينتقل من حيوان الى اخر بطرق عدّة وبإمكانه العيش والتكاثر فقط في داخل خلايا حاضنة. 

جرثومة (بكتيريا): هو شكل من أشكال الكائنات الحيّة الدقيقة او الميكروب أحادي الخليّة والذي يعيش بشكل عادي في الطبيعة وفي الحيوانات، اما بشكل , طبيعي واما بشكل مرضيّ.

فيروسات الكورونا هي مجموعة من فيروسات RNA (خلافًا للبشر الذين يسمّى حمضهم النووي بالـ DNA)، الموجودة في الحيوانات. شكلها يشبه التاج (كلمة كورونا في اللاتينيّة تعني التاج او الخاتم)، وتسبب هذه الفيروسات الأمراض لعدّة حيوانات من ضمنها الطيور، الزواحف، الخفافيش، الجمال، آكل النمل وأنواع أخرى عديدة من الحيوانات، وبإمكانها التسبب بالمرض للإنسان (مرض حيواني المنشأ).

حتّى قبل وصول المرض الحالي كان هنالك بالمجمل مرضان سببتهما فيروسات الكورونا للبشر وكلاهما انتشر في العقد الأخير:

الأول تسبب به فيروس يسمّى SARS-CoV والذي أدى الى انتشار مرض رئويّ حاد في الصين وفي هونغ كونغ في بداية سنوات الـ 2000 واستمرّ حتى تشخيص الحالة الأخيرة منه عام 2004. تشير التقديرات الى أن المرض انتقل للبشر عبر خفافيش من نوع horseshoe التي تعيش في منطقة يوهان في الصين.

الفيروس الثاني هو MERS-CoV والذي يسمّى ايضًا "انفلونزا الجمال" أو " انفلونزا الشرق الأوسط". وانتشر هذا المرض لأول مرّة عام 2012 في السعوديّة ومنها الى الشرق الأقصى وانجلترا. ووجدت حالات منفردة حتّى عام 2018. (هذا هو الوقت الملائم كي يهدأ كل من اتهم الصين).

أما الثالث، الحالي، فيدعى SARS-CoV-2 أو COVID-19 أو باسمه سيّء الصيت: "الكورونا". في شهر كانون الأول 2019 وصلت لأول مرّة تقارير لمكتب منظمة الصحّة العالميّة في الصين حول عدد من حالات الالتهاب الرئوي الحاد غير العاديّة، التي أصابت عددًا من الشباب في بلدة ووهان. ويعود سببها الى فيروس جديد مشابه لفيروس الـ SARS. منذ ذلك الوقت وحتّى كتابة هذا المقال (2.4.2020) تمّ الإبلاغ عن قرابة المليون إصابة مؤكدة بفيروس الكورونا حول العالم ووفاة ما يقارب ال 50,000 شخص نتيجة للمرض.

تشير التقديرات العلميّة الى أن الفيروس انتقل في البداية من الخفافيش الى آكل النمل الحرشفي (نوع من أنواع دببة النمل – ثديّ صاحب حراشف موجود على قائمة الحيوانات المهدّدة بالانقراض، وأحد أكثر الحيوانات تهريبًا وتجارةً به بشكل غير قانونيّ في العالم). حين حصل اختلاط بين آكل النمل ذاك وبين الإنسان (على ما يبدوا في السوق البلدية في ووهان)، نجح الفيروس بالتحوّل عبر طفرة وراثيّة كارثيّة، والتي منحته القدرة على الانتقال الى البشر وبالتالي الانتقال من انسان الى آخر. (هذه هي اللحظة المناسبة لكي يهدأ كل من اتهم ذلك الرجل الذي التهم حساء الخفافيش).

 

ماذا يعني علم الأوبئة "أبيديميلوغيا"؟

هو علم يهتم بدراسة الأمراض، انتشارها وطريقة انتقالها (ويكيبيديا). باليونانيّة كلمة ابيدميا تعني وباء ولوغيا تعني علم. 

عند انتشار الفيروس في ووهان في الصين، بدأ الحديث عن ابيديميا (وباء محلّي). وعند انتشاره في كل أماكن العالم، تحوّل المرض من ابيديميا لبانديميا (بان في اليونانيّة: كل) أي وباء عالميّ. في الأول من اذار أعلنت منظمة الصحّة العالميّة عن فيروس الكورونا كباندميا (على الرغم من كل النكات المضحكة، فلا مكان للحديث هنا عن تأخير معهود في الإعلان).

ينتقل الفيروس من شخص الى آخر بطريقتين أساسيّتين: الأولى، عبر انتقال قطرات (لمس قطرات لعاب من شخص لآخر). قد تصل القطرات الى بعد 2 متر وأكثر. من المهم التشديد أن الإصابة بالعدوى تتطلّب انتقال كميّة معيّنة من الفيروسات من شخص الى آخر عبر الفم، الأنف، أو العينين وأن عددا قليلا من الفيروسات غير كاف لأداء هذه المهمّة.

ظهر في بعض التقارير مؤخرًا أن الفيروس بإمكانة الانتقال أيضًا عبر الهواء، لكن منظمة الصحّة العالميّة عادت ونفت هذه التقارير بناءً على عدد من الأبحاث والدراسات المهنيّة التي تمّ اجراها مؤخرًا والتي دحضت هذا الادعاء.

الطريقة الثانية لانتقال الفيروس هي عبر الأسطح الملوّثة: في الأسبوع الأخير انتشرت دراسة مهمّة جدًا أثبتت أن بإمكان الفيروس العيش على أسطح كرتونيّة لعدّة ساعات، وعلى أسطح بلاستيكيّة، فولاذيّة وزجاجيّة لأيام معدودة تصل حتّى 9 أيام.

 

ما هو المرض؟

فترة حضانة الفيروس في الجسم (الوقت بين لحظة الإصابة بالعدوى وبين ظهور العوارض) تمتدّ بين 8-37 يومًا، أي متوسّط الفترة 20 يومًا وخمسة أيام هي المعدّل. عوارض المرض الأكثر شيوعًا هي: حرارة مرتفعة حوالي 89%, سعال حوالي 68%, صعوبة في التنفّس حوالي 22% من الحالات. أوجاع الحلق وتمخّط الأنف ليست من ضمن هذه العوارض التي تميّز المرض. حسب التقارير التي تصل من الصين وإيطاليا فإنّ الإسهال والتقيؤ يظهران في 4-47% من الحالات المرضيّة، وفي نسب مرتفعة بين المرضى كانت هنالك شكاوٍ مبكرة حول فقدان حاسّة الطعم والشمّ. 

عند حوالي 5-20% من المصابين بالفيروس لا يتواجد أيّ من عوارض المرض. لكن رغم ذلك فانهم يحملون الفيروس بنفس الكميّة مقارنة مع المرضى الآخرين وباستطاعتهم نقل العدوى بنفس المستوى. 

عند حوالي 5% من المرضى يتطوّر المرض لدرجة تستلزم تنفسا صناعيا وقرابة 1-4% (حسب الدولة) لن ينجوا من المرض.

 اذًا ما هو مرض متلازمة الضائقة التنفسية الحادة الذي يسببه الفيروس؟

مرض التهاب الرئتين الذي يتسبب بإغلاق وتضرر الحويصلات الهوائيّة (المكان الوحيد في الجسم الذي يحدث به التلامس بين الهواء المستنشق وبين الدم وبه تتم عملية انتقال الاكسجين). هذا الضرر يمسّ بشكل كبير بهذه القدرة ونتيجة لذلك يمس أيضًا بتحويل الأكسجين المصيريّ لأنسجة الجسم. بالإضافة الى ذلك، الالتهاب الحاد الذي يصيب الجسد يتسبب بدوره بسلسلة من ردود الفعل في معظم أجزاء الجسم الحيويّة وقد يتسبب بانهيارها في النهاية.
 

من هم الأشخاص الموجودون في دائرة الخطر؟

حسب المعطيات التي تمّ نشرها والتي تنشر تباعًا، هنالك عدد من عوامل الخطر التي تنذر بمرض أكثر صعوبة:

  1. شيخوخة- حسب المعطيات الواردة من إيطاليا، أكثر من 76% من المرضى الموجودين في المستشفيات هم في الـ 50 من عمرهم على الأقل، ومعظمهم تجاوزوا الـ 70 من عمرهم. احتمال الوفاة او الإصابة بمرض خطير ترتفع مع العمر. نسبة الوفاة تتراوح بين أقل من 1% في فئة الأعمار 0-50 لترتفع الى 22% عند المرضى الذين تجاوزا الـ 80 من عمرهم. (اذا كان الحديث يدور حول سلاح بيولوجي مهندس في المختبر، فعلى ما يبدوا فان الحديث بهندسة سيئة جدًا)

  2. أمراض قلبيّة.

  3. تدخين- ايضًا بسبب الضرر الصحّي للتدخين وأيضًا بسبب عمليّة التدخين نفسها التي تتضمّن لمس اليدين للوجه.

  4. جنس- معظم المصابين الخطرين هم من الذكور ويعود ذلك لعدّة أسباب أغلبها اجتماعية وديمغرافيّة. في معظم بلاد العالم، الرجال يدخنون أكثر من النساء، ويخرجون بشكل أكثر من البيت الى العمل، ولذلك هم معرضون اكثر لمواجهة مرضى اخرين.

  5. حالات سوء تغذية.

  6. السمنة الزائدة – بأكثر من ثلثي الحالات الحرجة.

  7. ضغط دم مرتفع – بعد اثبات اختراق الفيروس للخلايا الرئويّة عبر الارتباط بالمستقبلات البروتينيّة المعروفة بال ACE2 والتي تشكل حجر أساس في علاج ضغط الدم المرتفع وأمراض القلب، نتج جدال حاد حول الحاجة بوقف هذا النوع من العلاج لكبار السن المتوازنين تحت العلاج. على ضوء الاثباتات المضاربة، فإن التوصية اليوم تنصّ على عدم وقف هذا العلاج بأي شكل من الأشكال. في البحث الذي نشر قبل يومين تقريبًا، أُثبتَ انّ الخطر المرافق لوقف العلاج أكبر من خطر الإصابة بفيروس الكورونا. الرأي السائد اليوم لا يتطرق لضغط الدم المرتفع كعامل خطر بحد ذاته للمرض. على ما يبدو أن العلاقة هي علاقة ظرفية مشتقة من الجيل المتقدّم (الأشخاص الأكبر سنًا أكثر عرضة للمرض، وبالتالي فهم يعانون بشكل أعلى من ضغط الدم المرتفع مقارنة بالأصغر سنًا).

من المهم الإشارة الى عدم وجود أية أدلة قاطعة حول العلاقة بين استعمال أدوية ضد الالتهاب من نوع ibuprofen وبين استعصاء حالة المريض، لكن التوصية حاليًا تقضي بتفضيل استعمال ادوية أخرى مثل paracetamol واوبتالجين لخفض الحرارة المرتفعة.

 

العلاج والوقاية!

يقسم علاج فيروس الكورونا الى قسمين: علاج وقائي منعًا للعدوى وانتشار الفيروس وعلاج طبّي للمرضى. الحفاظ على النظافة الشخصيّة، غسل اليدين بالماء والصابون او الكحول المحلول، تعقيم الأسطح عبر محلول الكحول أو الكلور، البعد الاجتماعي، الحفاظ على بعد ملائم وطرق أخرى كثيرة والتي تحولت منذ فترة الى الحديث اليومي المتداول. لا أنوي التطرّق الى الوقاية في مقالي هذا خاصّة وأنّ أبناء الثانية من عمرهم باتوا يعرفون تكرار جملة " تسوية الدالّة" حتّى قبل كلمة بابا وماما. 

سأتطرّق بشكل سريع لأنواع العلاجات الطبيّة التي اثبتت الأبحاث جدارتها والتي يعرضها العالم لعلاج المرض.

علاج داعم – حجر الأساس بعلاج صعوبة التنفّس لأي سبب كان، بما في ذلك فيروس الكورونا. العلاج يشمل معالجة العوارض، إعطاء اوكسجين حسب الحاجة ويصل حد التنفس االاصطناعي في الحالات الخطرة لتأمين وصول الأوكسجين الى كافة الأعضاء.

علاج بالأدوية – حتى الآن هنالك عدد من الأدوية التي أجريت عليها الأبحاث في عدد من المراكز الطبيّة خاصّة في الصين.

  1. دواء مضاد للفيروس المنتج في اليابان، والذي تم استعماله بشكل غير ناجح ضد وباء فيروز الأبولا الذي اجتاح أفريقيا قبل عدّة سنوات، هذا الدواء أظهر فائدة معيّنة في علاج الحالات المتوسّطة حتى الخطيرة من مرضى الكورونا. يتطلّب بحثًا اضافيّا.

  2. دواء قديم مضاد للفيروس لعلاج فيروس ال HIV – هنالك عدد من الأبحاث التي تشير الى استفادة بعض المرضى من الحالات الخطرة. بالمجمل ليس هنالك أي دليل قاطع لفائدة هذا العلاج. يتطلّب بحثًا اضافيًا.

  3. علاج ضد الملاريا والتهاب المفاصل باسم فلكوينيل – علاج دونالد ترامب. ليس هنالك أي دليل علميّ حول فائدة من هذا العلاج. هذا بالإضافة الى العوارض الجانبيّة الكثيرة التي قد يتسبب بها العلاج، خاصّة عند استعمال غير ذكي له. هذه كما يقول ترامب: "أخبار مضللة"! 

  4. العلاج عبر لقاح موهن – بوجود جهاز مناعة يتمتّع بذاكرة متطورة، تطوّر أجسام المتعافين من المرض بروتينا مهمًا يسمّى بـ "الجسم المضاد". هذا الجسم المضاد هو ناتج محدد للفيروس والذي ينتجه جهاز المناعة ويستعمل كسلاح خط الدفاع الأول من الفيروس عند التعرّض مرّة أخرى للفيروس نفسه في المستقبل. يجرى اليوم عدد من التجارب باستعمال عينات من دماء المتعافين والذي يحتوي على هذا المضاد ونقلها الى مرضى في حالات خطرة. بعض النتائج التي وصلت حتّى الآن مشجعة جدًا لكن من المبكر الوصول الى استنتاجات قاطعة.

 

ماذا يخبّئ لنا المستقبل ؟ هل نتقبّل العيش مع الكورونا؟

الأخبار الجيدة هي أن الزوال هو مصير كل الأوبئة في النهاية.

على مرّ التاريخ، عانت البشريّة من اوبئة مختلفة ومتنوعّة معظمها أصعب وأشد فتكًا من فيروس الكورونا الحاليّ. وفي امتحان النتيجة، فإنّ الانسانيّة قد نجت والفيروسات اختفت.

لا شكّ انه في عالمنا في هذه الأيام والذي نتشارك فيه العلم خلال ثوانٍ معدودة، وفيه الطب، العلم والتكنولوجيا أغلى ما على قلب الانسانيّة، يمكن التوقّع بنجاحنا في التغلب على الوباء الحالي بفترة زمنيّة أقصر وبثمن أقل فداحة بالأرواح مقارنة باوبئة سابقة.

هنالك عدد من السيناريوهات المستقبليّة الممكنة:

  1. التعايش مع الكورونا – بالإمكان تخيّل عالم نتعايش به مع الكورونا على الأقل في الفترة القريبة، بالضبط مثل نجاحنا بالعيش بجانب فيروسات أخرى على مرّ التاريخ، كالانفلونزا على سبيل المثال. سننجح في ذلك اذا تمكنا من التغلب على الانتشار الحالي وتقليص المرض للحد الأدنى الممكن. والصين تشكّل المثال الأفضل لهذا النجاح.

  2. اختفاء وزوال الفيروس – بشكل عام الأوبئة التي تشكلها الفيروسات اختفت مع تعرّض عدد معيّن من الناس للفيروس واكتساب المناعة ضدّه (ما يسمّى "مناعة القطيع"). سأفسّر بشكل مقتضب هذه النظريّة: كل حامل للفيروس بإمكانه تقنيًا نقل العدوى الى شخصين مختلفين، وبدورهما يقومان بالتسبب بمرض أربعة أشخاص، والأربعة ثمانية وهكذا. وفي اللحظة التي يصاب بها أكثر من 50% من الناس وتطّور اجسامهم مناعة للمرض، قابليّة التسبب بالعدوى لكل حامل للمرض تتقلّص الى أقل من شخص واحد إضافي. وبهذه الصورة، بعد فترة معيّنة يختفي المرض ويزول. المشكلة في هذه النظريّة أنه من أجل الوصول الى اللحظة المبتغاة، فإنّ عددًا كبيرًا وغير محتمل من الناس سيصابون بالمرض، ومن ضمنهم عدد كبير من الحالات الخطرة التي ستحتاج الرقود في المستشفى او الموت (لمعلوماتك، بوريس جونسون).

  3. تطعيم – هنا الحديث عن الأمل الوحيد والأكبر لوقف انتشار الفيروس والتغلّب عليه. من المفهوم ضمنًا أن تطوير تطعيم للفيروس يتطلب وقتًا. الوقت الكافي للتطوير، البحث، التجربة والتأكد انّ التطعيم مفيد للبشر وآمن في نفس الوقت.

 

ضوء في نهاية النفق

نشر في الصين عام 2007 مقال وصف اقتراب البشر من الحيوانات البريّة كـ "قنبلة بيولوجيّة موقوتة". قدّر الباحثون بقرب انتشار فيروس كورونا قاتل في العالم عقب ذلك. لم يتوقّع أي شخص أن هذا التنبّؤ سيتحقق بعد 13 عامًا من نشر ذلك المقال، حيث تابع العالم حياته الطبيعيّة وتابعت الانسانيّة المدمّرة نشاطها المعتاد.

لست واعظًا، لست ساذجًا أو حالمًا، وبطبعي لست حتى شخصًا متفائلًا. لا أعتقد أن البشريّة ستتعلّم الدرس وتغيّر عاداتها بعد زوال الفيروس. سنعود للمجمعات التجاريّة، سنتابع التسوّق بدون وعي، سنتابع الطيران للخارج وستعود ثقافة الاستهلاك نفسها أو حتّى بقوّة أكثر وأشدّ هجوميّةً. البشر يتمتعون بذاكرةٍ قصيرة.

أملي الوحيد، انه في المرة المقبلة التي نحتسي بها فنجان القهوة في المقهى المحبب علينا، والذي أعيد افتتاحه بعد غياب، نتمكن من الاستيعاب كم نحن صغار، وكم هو واسع، كاذب ومتصدّع ذلك الوهم بأننا أسياد الطبيعة، وكم هو ضروريّ البدء بفهم كيفيّة التعايش مع الطبيعة بسلام، تمامًا ككل الحيوانات الأخرى الموجودة فيه.

من المحظور نسيان ان "البشر هم مجرّد سكّان مؤقتين جدا في عالم هو ملك الجراثيم والفيروسات".

 

*د. حنّا عزيز داوود مختصّ بالطب الباطني، مختصّ بأمراض الرئة، مختصّ بطب الرياضة - المركز الطبّي رمبام – حيفا

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب