news-details

لا تستوحِشَنّ طريقَ الحقّ لقلّة سالكيه..

كنّا قد أقفلنا مقالنا، الأسبوع الفائت، بقولنا – قبل "ألا هل بلّغت؟ اللّهمّ فاشهدْ!" – "وعَلِّي صوتَك يا رَبابُ..!"؛ والعُنوان أعلاه هو لحَمْوِ رباب بنت امرئ القيس الكلبيّ، أحد نصارى عرب الشّام الّذين دخلوا الإسلام؛ إنّه لأبي الحسن، عليّ بن أبي طالب، رضي الله عنه، الّذي خطب الرّباب لابنه الحُسين، بعد قدوم أبيها، امرئ القيس ذاك، إلى مكّة؛ وقد كانت الرّباب اسمًا على مسمًّى، سحابًا أبيضَ، توحي بالعلوّ والارتقاء والصّفاء والسّموّ؛ توحي بالعقل والأدب، وكانت من شواعِر العرب. أنجبت للحُسين ابنه عبد الله وابنته سُكَيْنة، وقد أحبّت الحُسين وأحبّها حبًّا جمّا، حتّى بَلِيَت وماتت بعد استشهاده بسنةٍ كَمَدا. فرحم الله الرّباب ورزقنا نعمة الارتقاء والوفاء..

وطريق الحقّ، أعلاه، أيّها السّيّدات والسّادة، هو الطّريق المستقيم (هو السِّراط المستقيم) الّذي نرجو اللهَ أن يهدينا إليه، نحن – المسلمين – مثلًا، أربعًا وثلاثين رَكعة، آناء اللّيل وأطراف النّهار؛ لِدُلوكِ الشّمس (بعد دُلوك الشّمس، أي زوالها عن كبد السّماء؛ فاللّام في "دُلوك"هي اللّام البَعْدِيّة) إلى غَسَقِ اللّيل وقرآنَ الفجر (هذا غير النّوافل)؛ وهو، هندسيًّا وحسابيًّا ورياضيًّا، أقصر طريق نحو باب الوصول، الوصول الحقيقيّ الباقي المستديم، لا الوصول الالتفافيّ الزّائل العقيم.. "وقل رَّبِّ أَدخِلني مُدخَل صِدقٍ وأَخرِجني مُخرَج صِدقٍ واجعل لِّي من لَّدُنكَ سُلطانًا نصيرًا، وقُلْ جاء الحقُّ وزَهَقَ الباطلُ إنّ الباطلَ كان زَهوقًا". (قرآن كريم)

فلنعلّم أنفسنا قَبْلًا.. ولنعلّم أولادنا أبدًا..أن يستقيموا..ليكونوا بحقٍّ..ويدوموا! ولنؤمن، فعلًا، بأنّ الأرض كانت ولا تزال ولن تزال "بْتِتْكَلِّم عَرَبي" (المرحوم سيّد مكّاوي)، وأنّ "الفْرَنْجِه عُمْرُه ما كان بْرِنْجِه"؛ كما نعتقد ونردّد: "الفْرَنْجِه بْرِنْجِه"، وأنّنا، أبدًا، كما نحن على لسان الكبير، أحمد فؤاد نجم، رحمة الله عليه: "حَنْغَنِّي وْدايمًا حَنْغَنِّي \ وِنْبَشَّر بِالخِير وِنْمَنِّي \ وِنْلِفِّ الدُّنْيا الدَّوّارَة \ عَلى صُوتِ النَّغَمَة الهَدّارَة.."..

يَروي ابن بلادي، ابن قرية\مدينة الطّيّبة، العالم الفذّ الـﭙـروفسور سليم حاجّ يحيى، ابنًا لأبوَيْن وطنيّيْن مثقّفيْن واعيَيْن، ربّياه وإخوته على التّواضع وحُبّ العِلم والإخلاص للأرض، وخرّيج المدرسة الإكليريكيّة (الدّاخليّة، حينها) في النّاصرة،أصغر جرّاح قلب وصدر في إسرائيل حينذاك، وأحد كبار جرّاحي القلب والصّدر في العالم، اليوم (من مواليد العام 1967)؛ومُنشئ أرقى عيادات جراحة القلب والصَّدر في المملكة المتّحدة، وباني مستشفى النّجاح الوطنيّ الجامعيّ في مدينة نابلس؛ يروي أنّه قبل بضع سنوات، وبينما هو في غرفة العمليّات، في أحد أرقى المستشفيات، في قلب العاصمة البريطانيّة، لندن، وعند الثّالثة فجرًا، حيث كان يُجري عمليّة زرع قلب ورئتين، وهي من أعقد العمليّات في الطّبّ الجراحيّ على الإطلاق، اضطُرّ إلى وقف العمل لدقيقتين أو ثلاث، في انتظار أن يُحضروا له جهازًا ضروريًّا ما، وفي هذه الأثناء شخص الـﭙـروفسور سليم حاجّ يحيى في وجوه أفرد الطّاقم الأربعة عشر الآخرين، ليتبيّن أنّ أحد مساعِديه الثّلاثة من الجرّاحين عراقيّ، والآخر سوريّ، والثّالث فِلَسطينيّ، وطبيب التّخدير باكستانيّ، والممرّض يمانيّ... كان كلّ أفراد الطّاقم الجراحيّ الخمسة عشر من هذا الشّرق، عربًا أو مسلمين، ولم يكُنِ الأجنبيّ الأشقر الوحيد في غرفة العمليّات سوى المريض نفسه... كان هذا المشهد بالنّسبة إلى الـﭙـروفسور سليم حاجّ يحيى برهانًا ساطعًا على ما طالما كان يؤمن به ويتحدّث فيه ولا يزال، أنّ العربيّ قادر على أن يكون أحسن ما يمكن أن يكونه بشر على هذه الأرض، وعلى أنّ هذا العربيّ القادر على التّميّز وعلى أن يكون لا بديل له ولا غنًى عنه (Indispensable) في بلاد الغرب، لا بدّ له أن يكون كذلك في بلاده، في بلاد العرب... وإنّه لا ينقصنا إلّا الإخلاص للتّخصّص وثقافة العمل كفريق، كما لا تنقصنا – في نظري – إلّا الحرّيّة والإرادة السّياسيّة وحقيقة السّيادة الّتي تكفل العبادة! هذا، ولا يقود الـﭙـروفسور سليم حاجّ يحيى غير قناعته بأنّ ما وصل إليه إنّما وصل إليها بأخلاقه واستقامته وتواضعه وإنسانيّته، وإصراره على التّميّز والإبداع... كما أنّه يعترف بالفضل (ولا يعرف الفضل لأهل الفضل إلّا ذوو الفضل) لأستاذه العالم المصريّ القِبْطِيّ الفذّ،الـﭙـروفسور مجدي يعقوب، إذ أوّل درس تعلّمه منه في سياق إطلاع الأخير على أوّل مقال علميّ له قبل النّشر، وهو لا يزال في أوائل الثّلاثين، حيث لاحظ الأستاذ يعقوب أنّ الجرّاح الشّابّ يلفّ في مقاله حول الفكرة ويدور، يريد توضيحها بأكثر من أسلوب:"Saleem! Never undermine the intelligence of people" (سليم! لا تستخفّ بذكاء الآخرين، أبدا).

فلنعلّم أنفسنا قَبْلًا.. ولنعلّم أولادنا أبدًا..أن يستقيموا..ليكونوا بحقٍّ..ويدوموا! ولنؤمن، فعلًا، بأنّ الأرض كانت ولا تزال ولن تزال "بْتِتْكَلِّم عَرَبي" (المرحوم سيّد مكّاوي)، وأنّ "الفْرَنْجِه عُمْرُه ما كان بْرِنْجِه"؛ كما نعتقد ونردّد: "الفْرَنْجِه بْرِنْجِه"، وأنّنا، أبدًا، كما نحن على لسان الكبير، أحمد فؤاد نجم، رحمة الله عليه: "حَنْغَنِّي وْدايمًا حَنْغَنِّي \ وِنْبَشَّر بِالخِير وِنْمَنِّي \ وِنْلِفِّ الدُّنْيا الدَّوّارَة \ عَلى صُوتِ النَّغَمَة الهَدّارَة \ وِمَعانا المَشْرَط وِالْبَلْسَم \ في الكِلْمَة الصّاحْيَة النَّوّارة \ هُوّ احْنا كِدا وِحَنِبْقى كِدَا \ ماشْيِين عارْفِين مَعْ مِينْ عَلى مِينْ \ مِشْ بِينْ دا وِدا"؛ واسمعوها، قَبْلًا، بصوت وألحان الشّيخ إمام، وبَعْدًا، بصوت وألحان الفنّانة اللّبنانيّة المبدعة تانيا صالح، واصْحُوا وصِحُّوا..

ولِي عودة منكم إليكم أيّها الأعزّة – إن شاء ربّ العزّة – للحديث، أبدًا، عن لغتنا ونحْن.

(الكبابير\ حيفا)

 

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب