news-details

لا يوجد للسياسة مقياس، يوجد مصالح

عندما غزا هتلر الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، توقع أن يبقى وحده، وان يبقى الحلفاء وحدهم، كي ينفرد بهم. لكن القادة السوفييت كانوا أكثر منه بصيرة وذكاءً، وكذلك القادة الحلفاء، فعقدوا حلفًا رغم الخلافات الفكرية والسياسية العميقة المتجذرة بين الفريقين ، بين فكر اممي اشتراكي وفكر كولونيالي رأسمالي. هذه هي السياسة لا تعرف العواطف ولا تستسلم للهزائم

 

نعترف أن نتائج الانتخابات الأخيرة فرضت على المواطنين العرب، هنا في الداخل الفلسطيني واقعًا جديدًا، ومناخًا سياسيًا مغايرًا لكل الفصول السياسية التي مضت، وربما يطال الفصول السياسية القادمة، لكن أهم محطات هذه الفصول، فشل نتنياهو في تحقيق احلامه بتشكيل حكومة بالسرعة التي قرر فيها اعادة الانتخابات مرة أخرى.

لقد دفع نتنياهو  بكل أوراقه التوسعية والعنصرية عشية اعادة هذه الانتخابات، لقد فعل مثل الحاوي الذي يخرج الأرانب والثعابين من ثيابه، لكنها أرانب التخويف وثعابين الكراهية، لعله يستمر في خداعه  للمهوّسين بشخصيته الحاقدة العنصرية، من رعاع الجهلة الذين يدورون في فلك الهوس الاستيطاني، عدا عن افراز غدد نتنياهو "كراهية للعرب"  ووصفهم بالإرهابيين، وصب أبشع الصور الوحشية عليهم. من خلال نثر هذه الأوراق المخادعة  لم يعد هؤلاء الذين يقفون في طوابير نتنياهو ومعهم زعامات الحرديم الذين اعتادوا استغلال الطبقات الفقيرة والطبقات العمالية، من خلال حصولهم على ميزانيات لا حدود لها على حساب هذه الطبقات، فهم يشغلون أنفسهم فقط بالعبادات على اعتبار أن العبادة أهم من العمل.

من خلالهم  ومن خلال السباحة في هذه المستنقعات الآسنة من العنصرية  كان  نتنياهو يحلم بتشكيل حكومة تبعد عنه بذلة السجن وقيوده وتخفي ملفاته الفاسدة، وباسم توفير الأمن وتوسيع الاستيطان واستعراض عضلات الهيمنة الدولية أخذ نتنياهو  يشحن المواطنين اليهود  بكراهية المواطنين العرب، حيث لم يتورع على الصاق التهم بهم، من ارهاب وقتل ويصل الى الدرك الأسفل حين يقول أنهم يسرقون ويزيفون الانتخابات ويجب وضع كاميرات في مقراتهم.

وضع نتنياهو ثقله في هذه الانتخابات، استعان بكل القوى العالمية التي تدعم اسرائيل وعلى رأسها الولايات المتحدة، عشية الانتخابات أطلق تصريحاته الاغرائية التي تعتبر رشوات انتخابية، يريد ضم اراض هنا وهناك واستمراره باستعباد الشعب الفلسطيني، رافضًا الحلول السياسية لأنه يحلم بقيام اسرائيل الكبرى. وعد المهوسيين الذين يدعمونه بأنه في حالة نجاحه بتشكيل حكومة جديدة، سوف يسارع بالإعلان عن ضم مناطق غور الاردن وشمال البحر الميت، وقبل ذلك صرح بأنه سوف يعلن عن ضم جميع المستوطنات للكيان المحتل، هذا بالإضافة الى رفع مداميك الحقد والكراهية يوميًا  بينه وبين المواطنين العرب، الذين اتهمهم صراحة بأنهم يريدون القضاء على دولة اسرائيل، هل يوجد تحريض أكثر شرًا وخطورة من هذا التحريض؟

ورغم جميع هذه السموم التي حقن بها المجتمع الاسرائيلي، فقد فشل في تحقيق احلامه، وادرك بعد فرز النتائج أنه وقع في حفرة العجز، إنه الآن عاجز عن تشكيل حكومة متكاملة في عنصريتها ومعاداتها لكل حق فلسطيني،حكومة تنقذه من السجن المحتوم.

بعد هذا الفشل سارع الى تكييف نفسه لوضعه الجديد فسارع الى ابلاغ رئيس الدولة على استعداد للموافقة على تشكيل حكومة وحدة وطنية مناصفة مع رئيس حزب "كحول لفان" وأثناء طرحه هذا الاقتراح عاد ونصب حلقات الردح ضد المواطنين العرب، واخذ يشدد على أن لا يكون للأعضاء العرب في الكنيست أي تأثير أو دور في تشكيل هذه الحكومة.

السؤال الأول: لماذا لا يكون رد أعضاء القائمة المشتركة حازمًا ومفصليًا باستغلال خارطة النتائج واللعب بهذه الورقة لخدمة جماهيرنا، ما هو العيب اذا كان دعم الطرف الآخر في تشكيل الحكومة ودحر نتنياهو خارج اللعبة السياسية كي يعود الى حجمه الطبيعي ويواجه مصيره أمام القضاء، عندما يعرف بأنه المسؤول الأول عن حماقته في معاداة المواطنين العرب.

السؤال الثاني: لماذا لا تشكل القائمة المشتركة قوة ضغط ايجابي وتفاوض دون أية حساسيات وتفرض شروطها التي تدعم وجودنا وحقوقنا، واذا وافق غانتس على العديد من هذه الشروط، عندها تكون المشتركة قد حققت الكثير من اهدافها في خدمة جمهورها، كفى هروبًا  وكفى حساسية، هذه هي اللعبة السياسية في كل مكان، فالسياسة كالكرة لا وجه لها، تتغير كل يوم، بل كل ساعة نحن لم نختار العيش تحت سقف دولة اسمها اسرائيل بعد فرضها علينا، وقد نجحت حتى الآن بالتعامل مع هذا العيش من خلال المواطنة التي فرضت علينا، فقد حافظنا على هويتنا وانتمائنا ولغتنا، ودياناتنا، فلماذا هذا الهروب ؟ هذا واقع يجب ان نتعامل معه كالذي يشرب الدواء المر، اذا كان فيه أي نوع من الشفاء علينا تناوله.

نعم المعارضة مهمة، لكن هناك ما هو أهم، هو دعم أية حكومة توافق على شروط دعمنا لها، مرة أخرى هذه هي السياسة لا يوجد لها مقياس واحد، أو حجم أو لون واحد، اذا رفض غانتس  شروطنا فليذهب الى الجحيم، السياسة لا يوجد فيها عداء، فيها مواقف وتحقيق مصالح، فالمواطن العربي الذي وافق على الانتماء لحزب عربي اسرائيلي ووصل عن طريق هذا الحزب الى الكنيست يعرف ماذا ينتظره، هناك امور وواجبات عليه ان ينقلها قدر استطاعته.

هذا ما تفعله جميع الدول والأحزاب في العالم، عندما غزا هتلر الاتحاد السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، توقع أن يبقى الاتحاد السوفييتي في المعركة وحده، وتوقع ان يبقى الحلفاء وحدهم، كي ينفرد في كل واحد منهم ويقضي عليه منفردًا، لكن القادة السوفييت كانوا أكثر منه بصيرة وذكاءً، وكذلك القادة الحلفاء، فعقدوا حلفًا تاريخيًا بهدف هزيمة الوحش النازي، تحالفوا رغم الخلافات الفكرية والسياسية العميقة المتجذرة بين الحلفاء، خاصة بريطانيا وفرنسا وامريكا مع الاتحاد السوفييتي، خلافات بين فكر اممي اشتراكي مع فكر كولونيالي استغلالي رأس مالي. هذه هي السياسة لا تعرف العواطف ولا تستسلم للهزائم ولا وجه لها سوى وجه المصالح. 

 

في الصورة: رغم جميع هذه السموم التي حقن نتنياهو بها المجتمع الاسرائيلي، فقد فشل (رويترز)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب