news-details

للذكرى والتاريخ.. والحاضر!

أسباب إقامة الجبهة الديمقراطية: للذكرى والتاريخ.. والحاضر!

لم يتأسس الحزب الشيوعي من اجل ذاته بل من اجل خدمة والدفاع عن الجماهير العمالية والجماهير المستضعفة في كل مكان في هذا العالم. وهكذا هو حزبنا الشيوعي في البلاد الذي تأسس في اذار من سنة 1919 وكان وما زال هدفه الاول والأساسي هو الدفاع عن الجماهير الكادحة والمستضعفة في هذه البلاد والعمل المتواصل من اجل توحيد كل القوى الديمقراطية والسلامية، من اجل مجابهة القوى الرجعية المحلية والعالمية. لذلك لم يكن صدفه انه منذ ان تأسس وهو يعمل من اجل النضال المشترك مع كل القوى التي تدعي اليسارية والديمقراطية ومنذ أوائل الخمسينات من القرن الماضي. هذا ما كان يظهر في جميع قرارات مؤتمراته والتي راجعتها منذ المؤتمر الثاني عشر الذي عقد في أيار سنة 1952 من اجل مجابهة السياسة العدوانية لحكام إسرائيل. ولكن كل هذه الدعوات كانت تُجابه بالرفض. ومن البديهي ان قيادة الحزب الشيوعي على مر التاريخ لم تيأس بل ثابرت على دعوتها الصادقة والمخلصة من اجل توحيد كل القوى الديمقراطية والسلامية في هذه البلاد للعمل المشترك من اجل السلام العادل والدائم والاعتراف بحق الشعب العربي الفلسطيني من اجل إقامة دولته المستقلة الى جانب دولة إسرائيل وعاصمتها القدس العربية، الذي يؤدي الى الاعتراف بالحقوق القومية واليومية ووقف السياسة العنصرية وسياسة سلب الأراضي التي تنتهجها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

نشأت في سنة 1976 ظروف ايجابية جديدة بعد أحداث يوم الأرض الخالد والذي كان نقلة نوعية هامة في نضال الجماهير العربية في هذه البلاد من اجل حقوقها القومية واليومية العادلة وضد سياسة مصادرة الأراضي. وفي الوقت نفسه كانت قد ظهرت قوى سلامية وديمقراطية جديدة بين الجماهير اليهودية داخل إسرائيل. في هذا السياق الجديد عُقد المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي بين 15-18 كانون الأول– 1976 وكانت هيئات الحزب المركزية قد درست هذا الواقع الجديد وكيف يمكن الاستفادة منه وتطويره. وقد انعكس الواقع الجديد على أبحاث المؤتمر الثامن عشر الأمر الذي أدى الى الخروج من هذه المؤتمر بقرار تاريخي هام وهو الدعوة الى إقامة جبهة سلام داخل إسرائيل تجمع كل القوى التي تعمل على نقل إسرائيل من سياسة الحرب والعدوان ضد الشعب العربي الفلسطيني والشعوب العربية الى سياسة سلام عادل ودائم في المنطقة، الأمر الذي يؤدي الى إمكانية تحول إسرائيل لتكون دولة ديمقراطية حقا لكل مواطنيها يهودا وعربا وكذلك الى الاعتراف بحق شعبنا العربي الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة ووضع حد للحروب في هذه المنطقة.

في تلك الفترة أيضا كان قد تقرر تقديم موعد الانتخابات البرلمانية وعلى أساس هذا الواقع الجديد رأى الحزب الأهمية الكبرى من اجل العمل على الإسراع لإقامة جبهة سلام حقيقية لخوض الانتخابات البرلمانية. وبدأ الحزب في إجراء الاتصالات مع اطر سياسية يهودية وعربية مختلفة من اجل إقامة هذه الجبهة العريضة. بعد المؤتمر بأقل من شهر أجرت صحيفة الحزب الشيوعي الناطقة باللغة العبرية ("زو هديريخ") مقابلة هامة مع السكرتير العام للحزب الرفيق ماير فيلنر ونشرت أيضا في صحيفة الاتحاد في تاريخ 14\1\1977 حول امكانية خوض انتخابات الكنيست تحت اسم جبهة المساواة والديمقراطية وسئل الرفيق ماير اذا كان هناك صعوبات في هذا العمل، وكان جوابه: بالتأكيد لا صعوبات من جانبنا لأننا نعمل من دافع المسؤولية التاريخية عن مصير الشعبين شعب إسرائيل والشعب العربي الفلسطيني ونطمح لحشد كل قوى السلام على الرغم من الفروق فيما بيننا.

في ظل هذا التوجه المسؤول كان من الطبيعي ان يصل الحزب الى اتفاق مبدئي مع القوى والمنظمات اليسارية بين الجماهير اليهودية مثل حركة (الفهود السود) وحركة ما سمي في ذلك الوقت (اليسار الاشتراكي الإسرائيلي) وكذلك حركة (جبهة اليسار) من اجل العمل المشترك.

وكان أيضا من الطبيعي ان تجري اتصالات مع شخصيات اعتبارية بين الجماهير العربية خاصة وانه قد جرى تطور هام وجدي بين هذه الجماهير وبشكل خاص بعد انتفاضة يوم الأرض الخالد حيث جرى تحول ايجابي كبير بين جماهيرنا العربية. وكانت في تلك المرحلة أيضا قد تطورت لجنة الرؤساء للسلطات المحلية العربية بشكل ايجابي بقيادة طيب الذكر حنا مويس رئيس مجلس الرامة المحلي. وعلى أساس هذا الواقع أيد حوالي 20 رئيس سلطة محلية وبلدية عربية الانضمام الى الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة. وكانت في تلك المرحلة قد أقيمت جبهة الناصرة الديمقراطية في سنة 1975 وانتصرت في الانتخابات البلدية بقيادة الرفيق توفيق زياد طيب الذكر، والتي أعلنت تأييدها لإقامة الجبهة القطرية ومعها عدد من الجبهات المحلية في كفرياسيف وعرابة وأم الفحم ويافة الناصرة بقيادة الرفيق اسعد يوسف كنانة، الذي كان رئيسا لمجلس يافة الناصرة في ذلك الوقت والذي أتمنى له الصحة والعمر المديد، وكذلك انضم الى الجبهة القطرية لجنة المبادرة العربية الدرزية وشخصيات سياسية واجتماعية يهودية وعربية.

لقد كان جميع هؤلاء من مركبات الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي ولدت في شهر اذار سنة 1977.

في تاريخ 4\3\1977 صدرت الاتحاد مع مقال افتتاحي تحت عنوان "مولود جديد حمل به وحلم به الشعبان عبر أقسى تجربة". وجاء فيه "في رحاب الحزب الشيوعي حزب الطبقة العاملة الثوري تعانق الشقيقان الجماهير العربية المظلومة والمحرومة في إسرائيل وجماهير اليهود الشرقيين المظلومة والمنبوذة في إسرائيل، الجدولان الكريمان يلتقيان في النهر ذي المجرى الرحب والمندفع نحو دلتا (مثلث الخصب الإنساني): سلام الشعوب والمساواة بين الشعوب وأخوة الشعوب". وجاء أيضا في كلمة الاتحاد ان "الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة التي نادى بها المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي في الوقت المناسب بعد ان حمل وحلم بها خيرة أبناء الشعبين عبر أقسى آلام المخاض تخرج الى النور لحما ودما وذراعين يعانقان المستقبل كله".

لا شك ان هذا التفاؤل كان له ما يبرره في تلك المرحلة التي كانت مليئة بالأحداث والتي كانت تجري في مصلحة السلام والتقدم في عالمنا. ان جيل المؤسسين الذين عبدوا الطريق كان قد شعر بارتياح كبير بتحقيق هذا الانجاز الهام الذي عمل من اجل تحقيقه على مدار سنوات طويلة. وللحقيقة أيضا ان جميع الشيوعيين وأصدقاءهم وكل القوى المحبة للسلام العادل والشامل قد أحسوا أيضا بالارتياح والسعادة في تحقيق مثل هذا الحلم الهام.

من هنا نرى ان الحزب الشيوعي منذ تأسيسه في سنة 1919 كان قد حدد العدو الأساسي للجماهير العربية والجماهير الفقيرة في هذه البلاد ألا وهو الاستعمار والحركة الصهيونية العالمية والرجعية العربية. وهذا العدو ما زال حتى يومنا هذا هو هو. ومنذ ذلك الوقت والحزب يعمل بمثابرة وإخلاص من اجل توحيد كل القوى المستضعفة في هذه البلاد لمجابهة هذه القوى الرجعية التي كانت وما زالت تعكر الجو في العالم كله وهذه القوى نفسها هي التي تمنع أي تفاهم او أي اتفاق بين شعبين هذه البلاد (وما صفقة القرن إلا هي جزء من هذه المؤامرة المتواصلة ضد شعبنا العربي الفلسطيني).

ان جماهيرنا العربية في هذه البلاد تقاسي الظلم السياسي والاجتماعي ومن القوانين العنصرية الموجهة ضدها. لذلك يرى الحزب الشيوعي والجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة الأهمية الكبرى من اجل وحدة كل القوى المتضررة من سياسة حكام إسرائيل العنصرية وبشكل خاص كل القوى السياسية العاملة من اجل مجابهة هذا الواقع المأساوي الذي نعيشه في مثل هذه المرحلة. ان الذي يوحدنا أكثر بكثير من الذي يفرقنا وإننا الآن لسنا في مرحلة بناء الاشتراكية ولا مرحلة التحرير من النهر الى البحر وكذلك ليس في مرحلة الإسلام هو الحل.

إننا اليوم في مرحلة تذليل كل الصعوبات ووضع كل الخلافات جانبا والحقيقة أنه يوجد خلافات فكرية وسياسية بين مركبات القائمة المشتركة.

ولكن بالرغم من كل ذلك هناك أهمية لوحدتنا من اجل مجابهة جماعية لسياسة حكام إسرائيل العنصرية والفاشية ضد جماهيرنا العربية والتي تجلب الويل للجماهير اليهودية أيضا. هذه هي البوصلة التي يجب ان توجهنا جميعا في مثل هذه المرحلة.

لا شك ان قيادة الحزب والجبهة عملت بكل مثابرة وإخلاص على تحقيق إقامة القائمة المشتركة سنة 2015، وكل هذا انطلاقا من مسؤوليتهم التاريخية الملقاة على عاتقهم أمام جماهير شعبنا وكذلك الجماهير الكادحة اليهودية وهذا كله انطلاقا من فهمهم الصحيح وإيمانهم الواضح بضرورة العمل المشترك.

إنني اعتز وافتخر بالقيادة الحالية لحزبنا وجبهتنا على مثابرتهم وطول النفس الذي تحلوا به في هذه المرحلة من اجل إعادة بناء القائمة المشتركة، وإنني اعرف جيدا أنهم واصلوا العمل ليلا ونهارا من اجل تحقيق هذا الهدف الهام والذي هو ضرورة تاريخية في مثل هذه المرحلة الصعبة التي نمر بها على المستوى المحلي والمنطقي والعالمي.

وأقول لهم يعطيكم العافية على هذا الجهد الهام الذي بذلتموه وأقول بكل صدق وإخلاص إنكم أهل لقيادة حزبنا وجبهتنا في مثل هذه المرحلة.

ولا شك ان كل مرحلة في التاريخ ولها قيادتها وانتم أثبتم قيادتكم لهذه المرحلة الهامة في حياة جماهيرنا. وكذلك اعتز بجيل الصبايا والشباب الواعدين الذين سيكون لهم دور قيادي هام في مستقبل حزبنا وجبهتنا.

بالرغم من بعض الملاحظات إلا إنني احيي بكل صدق وإخلاص جميع مركبات القائمة المشتركة على هذا الانجاز الهام والذي كان بالإمكان انجازه قبل هذا الوقت الأمر الذي كان حتما سيعطي نتائج أفضل لصالح جميع مركبات القائمة المشتركة.

في النهاية انني ادعو جماهيرنا العربية بشكل عام والشباب والشابات بشكل خاص لوضع النقاشات والانتقادات جانبا حاليًا لان هذا لا يفيدنا بل يفيد العدو نتنياهو وزمرته. وعلينا جميعا اخذ دورنا التاريخي من اجل تحقيق نصر كبير لجماهيرنا ومن اجل إيصال اكبر عدد ممكن من ممثلينا الى الكنيست حتى يكونوا شوكة في حلوق الفاشيين والعنصرين وإسقاط حكومة نتنياهو التي هي أسوأ حكومة وجدت في تاريخ هذه البلاد. هذا واجبنا الوطني والأخلاقي والإنساني من اجل معاقبة أعدائنا وليس معاقبة أنفسنا. ويا أهلا بالمعارك ويا بخت مين يشارك وجماهيرنا قدها وقدود وأبدا على طريق الوحدة الكفاحية.

(عرابة البطوف)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب