news-details

لماذا أغفل العرب دور العراق في حرب تشرين عام 1973 (2)

في اليوم الرابع لبداية الحرب أي يوم 10/10/1973 بدأت طوابير القوة العراقية بالتحرك باتجاه سوريا، وتقرر أن تدخل الأراضي السورية عن طريق معبر "أبو الشامات".  تنظيم هذه القوات واسلوبها في التحرك سهل مهمة وصولها الى مشارف دمشق خلال مدة قصيرة، وصلت مع غروب الشمس، يقول قائد القوة العراقية: "لكننا فوجئنا بأننا لم نجد ما يشير الى معرفة الأركان العامة السورية ولا غيرها بوصولنا"...

 

تحدث أكثر من دبلوماسي عراقي واحد وأكثر من ضابط واحد للصحافة العربية والأجنبية عقب انتهاء حرب تشرين، خاصة بعد ان سمعوا القيادة المصرية بقيادة السادات، والى جانبها القيادة السورية بقيادة حافظ الأسد، كانوا يتفاخرون بان جيوشهم وحدها حققت ما حققته من نصر على الجبهة المصرية والسورية، دون ذكر الجيوش العربية التي قاتلت الى جانبهما، وهذه أنانية ونكرانًا للجميل.

فعلى الجبهة المصرية وصلت قوات جزائرية قدرت بأربعة  آلاف مقاتل وتمركزت في منطقة الدلتا، وقد أعطى وصول هذه القوات الفرصة للواء 124 واللواء 125 المصريين من قوات الصاعقة للزحف على الجبهة، هذا ما ذكره الجنرال خالد نزار قائد الجيش الجزائري في مذكراته، وعرض قائمة بأسماء  وكمية العتاد العسكري الذي قدمته الجزائر للجيش المصري أثناء الحرب، شمل هذا العتاد عشرات الطائرات المقاتلة والعربات العسكرية  والمدافع، كما قاتل الى جانب الجيش المصري على جبهة القناة ثلاثة كتائب من جيش التحرير الفلسطيني، لكن السادات تجاهل ذلك كي ينسب النصر لنفسه فقط.

هذا ما ذكره العميد الركن العراقي  سليم شاكر الاماني قائد القوة العراقية التي قاتلت ببسالة على الجبهة السورية، ويثني هذا الضابط الكبير أيضًا على القوة الأردنية التي شاركت في القتال، وكانت مكونة من أفضل لواء في الجيش الأردني اللواء الأربعون، وقد كانت مهمة هذا اللواء حماية ميسرة الجبهة السورية عند قيام الجيش الاسرائيلي بعملية التفاف عبر الأراضي الأردنية على القوات السورية المقاتلة.  

يقول الكاتب العقيد الركن سليم  شاكر الاماني قائد القوة العراقية التي قاتلت على الجبهة السورية بأن هذا التجاهل من قبل القيادات العربية السياسية والعسكرية لا يوفر مناخ التعاون العربي العربي، ويحبط الهمم ويضيف بأن هذا يذكرنا بموقف الحلفاء خلال الحرب العالمية الثانية، عندما ترددوا أكثر من مرة لإرسال الدعم العسكري لجيوش الاتحاد السوفياتي، عندما كانت وحدها تتصدى لاندفاع قوات هتلر على كافة الجبهات، وان الحلفاء استمروا في المماطلة لفتح جبهة ثانية ضد دول المحور بهدف انهاك جيوش الاتحاد السوفياتي وفكروا قبل فتح الجبهة بوضع شروط تخدم مصالحهم التوسعية وبهدف للقضاء على النظام الشيوعي.

هذه ما أراده السادات رغم ان قيادته العسكرية رفضت اقتراحاته ومخططه أثناء القتال، وثبت ان هدفه من الحرب كان تحريك وليس تحرير ولفت نظر الامريكان، لأنه قدم لهم خدمة هامة واستراتيجية وهي قيامه بطرد الخبراء الروس من مصر، كما قدم لهم كافة المعلومات عن الأسلحة الروسية، خاصة الصواريخ والطائرات ودبابات تي 72، ولكي يكمل مخططه السري هذا مع الامريكان، أوقف تقدم القوات المصرية حسب الخطة المتبعة، وهي الوصول الى مضيقي المتلى والجدي، وأمر قواته بالثبوت في مواقعها شرق القناة وفاجأ السوريون بوقفه لإطلاق النار دون التشاور معهم.

هذه الخطوة باعتراف اسرائيل، دفعت الجيش الاسرائيلي على تغيير مخططاته، وبأن حول غالبية طيرانه للعمل على الجبهة السورية، وقد طلب منه السوريون عدم وقف اطلاق النار لكنه رفض.

بالنسبة لعمل القوات العراقية الميداني على الجبهة السورية، يذكر العقيد الركن سليم شاكر الاماني ان القيادة العراقية السياسية والعسكرية طلبت منه ان يتولى قيادة القوات التي تم ارسالها في الحال الى الجبهة السورية، والمكونة من اللواء المدرع الثاني عشر التابع للفرقة الثانية، وهو لواء يصل تعداد قواته حوالي أربعة آلاف جندي وضابط، ويعترف هذا الضابط بأن سوريا طلبت الدعم العسكري من العراق بعد أن فقدت قواتها زخم الهجوم وتكبدت خسائر فادحة في سلاح الدروع، الى درجة ان عبد الجبار شنشل قائد الجيش العراقي أبلغ قائد القوة المتوجه الى سوريا بأن السوريين ابلغوه بأنه لم يبق لديهم أعدادًا كافية من الدبابات.

في اليوم الرابع لبداية الحرب أي يوم 10/10/1973 بدأت طوابير القوة العراقية بالتحرك باتجاه سوريا، وتقرر أن تدخل الأراضي السورية عن طريق معبر "أبو الشامات".  تنظيم هذه القوات واسلوبها في التحرك سهل مهمة وصولها الى مشارف دمشق خلال مدة قصيرة، وصلت مع غروب الشمس، يقول قائد القوة العراقية:

"لكننا فوجئنا بأننا لم نجد ما يشير الى معرفة الأركان العامة السورية ولا غيرها بوصولنا،  بل لم نجد ولا ضابط سوري واحد أو مفرزة من الشرطة العسكرية لملاقاتنا وارشادنا الى المواقع المخصصة لنا، حتى أن النقاط العسكرية السورية المتواجدة على الطريق أو بين الحدود السورية العراقية، لم تعلم بتحركنا باتجاه الأراضي السورية، لم يكن لديهم فكرة عن وصولنا". ويضيف: شعرت أنني كالأعمى لأنني لم أجد مع من أتحدث، الخيار الوحيد الذي بقي أمامي الاستمرار في التقدم نحو دمشق، دخلت المدينة، كانت شوارعها مكتظة ومزدحمة بالمركبات العسكرية وغير العسكرية، وبالمارة هذا الوضع عرقل سرعة سيرنا، كوننا كنا نندفع مع قوات وآلات عسكرية ثقيلة. أنهى حيرتنا أحد ضباط الشرطة العسكرية السورية عندما أشار علي بالذهاب الى دائرته القريبة منا جدًا، حيث وجدت ضابطًا يدعى عمر قال انه رئيس اركان الشرطة العسكرية، وحين سألته ان كان لديه اي شيء عن فكرة المكان الذي يجب ان نتوجه اليه، اجاب لا أعرف شيئًا، ولكن لا بد من الانتقال للجبهة بالسرعة الممكنة لأن الموقف حرجًا.

بدأت حديثي مع هذا الضباط بأن قلت له: "عيني أغاتي" باللهجة العراقية، والله أني أعرف طريق الجبهة، وأنا على عجلة من امري للوصول اليها، ولكن هل بوسعك الاتصال مع الاركان العامة للأخبار بوصول لواء مدرع عراقي لنعرف أين يريدونني أين اذهب فلم يعرف ووقف معي حائرًا.

موقف الحيرة  العراقي، هذا يذكرني بما كتبه المؤرخ الفلسطيني عارف العارف في موسوعته "فلسطين والفردوس المفقود" يذكر المؤرخ المذكور عن المعارك التي خاضها بعض فصائل جيش الانقاذ في مدينة يافا، يقول عارف العارف "وصلت قوة مكونة من متطوعين جاءوا من البوسنة وكانت البوسنة حينها ضمن جمهورية يوغسلافيا، عندما وصلت هذه المفرزة الى مدينة يافا بقيادة العقيد حسن شوقي، كانت بحاجة الى من يرشدها، خاصة وأن يافا كانت متداخلة في تل ابيب، فالقوة القادمة لا تعرف اين العدو؟ وأين الصاحب؟ طلب الضابط شوقي من عدد من سكان يافا ان يساعدوه أين يوجه قواته، لأن هذه القوة تتعرض للقنص من قبل العصابات الصهيونية، فلم يجد أي مواطن يدله أو لديه الاستعداد لمساعدة هذه القوة الراغبة في القتال، فاضطرت هذه القوة الى العودة من حيث جاءت لتلافي الوقوع في كمائن معادية، قال : الضابط العراقي لزميله السوري يا أخي الأوامر التي لدينا تطلب منا التوجه مباشرة لجبهة القتال، لا نريد أن تتكرر مأساة فلسطين عام 1948 عام ماكو أوامر...

(يتبع)

كلام الصورة: تلال ابو الشامات في سوريا

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب