news-details

لماذا نفشل ! 

 " نحن لا نفكر بحرية ذلك لأن ثقافتنا الاجتماعية المتسقة مع البنية السياسية هي وليدة لحضارة الزراعة البدائية او الرعي التي علمتنا أن نخضع للمركز – السلطة – القوة... ومثلما ترى السلطة نفسها هي الأمة – المجتمع – الدولة، كذلك المثقف أو المفكر يفكر في الأمة والشعب من منظور السلطة، ويرى حريته في تبعيته لها وليس في اكتشاف أو معاناة اكتشاف الحقيقة."

-شوقي جلال 

مع انكسار الثقافة التي هي العلاقة ما بين الفكر والعمل علينا أن نعود الى هذه الجذور من أجل أن نبحث بحثًا نقديًا عن جواب السؤال المركزي – لماذا فشلنا؟ في نقد الفكر القديم وبتحديثه من خلال فهم تناقضاته الأساسية، وفي نقد العمل القديم الذي اثبت بُعده عن الواقع المحيط الذي يشكل الأساس المادي للعمل والتفاعل. 

أولًا علينا أن نعترف كأصحاب ثقافة عربية واحدة بأننا فشلنا في صياغة النقد ونقد النقد داخل فكرنا وأعمالنا الى أن أصبح استخدامنا لهذه المفاهيم مُستنسخًا ومبتذلا معيقًا لهدف النقد ذاته، بل وأكثر من ذلك فقد أصبح استنساخنا لعملية النقد من خلال استحضارها لغويًا من الثقافات الأجنبية استحضارًا شكليًا عاريًا من المضمون المادي للمفهوم والقائم على القاعدة الأساسية التي تقول بأن لا وجود لنظرية كاملة، ولا وجود لحتميّة شاملة، ولذا فانّ النقد مشاع للجميع وعلى حساب كل النظريات والأفكار والعقائد والتطبيقات. انّ هذا المشاع المهم هو الطريق الوحيد الذي قد يدلّ أصحاب الثقافة على جذور الاختلال في الفكر والعمل أي في أساس الثقافة ذاتها مما يساهم في سلب السالب من أفكارنا وأعمالنا لننتقل بها الى مرحلة أنقى وأكثر تطورًا واتساقًا بتغييرات العصر وظروفه. 

ثانيًا علينا أن نعيد فكرنا الديني الى مركز النقد بشكل خاص من أجل نتيح لثقافتنا حرية النقد بشكل عام، انّ ذلك ينبع من الدور التاريخي والمركزي للدين في صقل التراث الوجداني والروحاني للفكر الذي يؤثّر بدوره طبعًا على صقل الكيان المادي للفكر – الدافع الوحيد للتطور والتقدّم. علينا أن نعرف بأن السبيل ليس تبعية عمياء للماضي ولا قطيعة حضارية مع العصر وانما تحصيل أسباب التقدّم فكرًا وعملًا، انّ نقد الدين لا يعني أبدًا نقد الايمان الفردي انّما نقد التراث الديني الواسع من أجل تحصيل المقوّمات التي تساهم في تطوير عملنا الحاضر المرهون للعصر وللمتغيرات، ومن أجل عزل المقوّمات التي تساهم في تطوير الفجوة ما بين عملنا وما بين حاضرنا المذكور سابقًا.

"جاء الرسول ليعلم الناس الدين لا ليعلمهم الطب" (ابن خلدون)، المشكلة الأساسية هي أننا ننظر الى الحاضر بعيون الماضي وننطلق من رؤية  منفصلة عن التاريخ بمعنى الفضاء الزماني والمكاني، وبأننا نفكر بأنّ ما صلح للأمس صالح للأبد وما أثمر هنا صالح للإثمار في كل مكان، وهكذا نعيش غربتين، غربة في الزمان مع اعتناقنا للماضي وغربة في المكان في تبعيتنا الاستهلاكية للغرب، انّ خوفنا البدائي من نقد التراث الديني هو الأساس في خوفنا من نقد أيّ شيء آخر بنيناه أو جلبناه من خارج ثقافتنا الينا الى أن صرنا مستهلكين معزولين عن عملية البناء بفعل خوفنا الأول. 

ثالثًا علينا أن نستحضر العلمانيّة الحقيقيّة الى داخل ثقافتنا فكرًا وعملا والعلمانية كانت قبل الغرب وبعده وهي اِعمال العقل في شؤون الدنيا وهي مجال مسؤولية الانسان (الانسان كوحدة واحدة مع المجتمع) ومجال ممارسة العقل والإرادة في ثوبها الحضاري الجديد اي بما يسرته الحضارة من إمكانيات وقدرات، وقد دعا المسلمون للعلمانية في البلدات التي كانوا فيها أقلية بما فيها من تلبية لمصالحهم وحقوقهم من ممارسة شعائرهم الخاصة والمميزة، وانّ في هذه العلمانية الأصلية ما يعطي للفكر مساحة من المادية الخلّاقة والمختصة التي عليها تنمو وتعلو أسس التطوّر والتقدّم والتكيّف، وفي ذات الوقت لا تمسّ هذه العلمانيّة بمساحة الروح والوجدان من علاقة ما بين الفرد والغيب المرتجى والمقبول، انّ لهذه العلمانية الأصلية جذور تنويريّة لا علاقة لها بالعقائد والأفكار المختلفة والتنوير نقيض الجاهلية وهو محو للظلامية ولتغييب العقل وهو مقدمة كل تحول حضاري على مر العصور واسترداد لاعتبار العقل في كل المجتمعات الناهضة ولا يختص به مجتمع دون الاخر. 

رابعًا علينا أن نفهم جيدًا بأنّ الأبعاد الناتجة عن النقاط المذكورة أعلاه جعلت من تعاملنا مع الأفكار الثوريّة والتقدميّة والتغييريّة تعاملًا رومنسيًا وروحيًا، ادّى الى افراغ النظريات والأفكار تلك من مضمونها المادي القادر على صناعة التحويل الطبيعي للثقافة المجتمعية، أي أنّنا وبوعي زائف تعاملنا مع النظريات اليسارية بروحنا الأصولية الخائفة من النقد والعلم، ولهذا ابتعدت النظرية المُعتنقة من قبلنا عن واقع أعمالنا المرهونة بتراث الماضي ممّا أدى الى فشل التجربة العملية لسوء فهمها وثقافة مُعتنقيها لا لسوء النظرية نفسها، وانّ التجربة الماركسية في العالم العربي هي خير دليل على مقالي هذا. فاذا كانت الثقافة العربية علمتنا استظهار النص والتزام الحرفية والتلقين وأن المرجعية خارج الواقع والذات فقد نحا الماركسيون العرب نحوًا متسقًا معها بحيث جعلوا فكرهم كلمات جديدة بآلية قديمة، وذلك يتصل مباشرة بالحقيقة التي تنص على انّ غياب الفعل (العمل الاجتماعي الإنتاجي والابداعي) ومن ثم غياب الفكر بالتلازم الى شيوع ورسوخ خاصية التبعية الفكرية لتراث الماضي على ما فيه من تشوهات، أو لفكر الحداثة الغربية على ما فيه من عناصر استلاب، ونحن في الحالين عاجزين عن النقد العقلاني.

"يمكن القول بأن الجماهير في ذلك الوقت كانت مستعدة لأن تستمر في سلوك طريقنا ولكننا لم نكن نعرف الى أين نقودها" (زعيم عربي لحركة يسارية).

خامسًا علينا أن نفهم بأن غياب العمل الاجتماعي النسقي هو سبب التحجر والجمود، والفكر الاجتماعي ليس أفكار أفراد، وليس تراكما عدديًا بل أنساق، وهو في حركته يتحرك من نسق الى نسق والنسق هو العمل المشترك نحو أهداف مشتركة خاصة.

 

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب