news-details

متطلبات الوحدة بين الجزائر والناصرة| جمال زقوت

بدأت هذا الأسبوع في العاصمة الجزائرية اجتماعات الفصائل الفلسطينية في مسعى جاد من قبل الرئيس عبد المجيد تبون، وبلد المليون شهيد صاحب مقولة "نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة" التي كان قد أطلقها يومًا الزعيم هواري بومدين، وظلت من يومها وحتى الآن بوصلة الموقف الجزائري من فلسطين وشعبها وقضيته، حيث تتبنى الجزائر في إطار تحضيراتها للقمة العربية جهداً هادئًا ومخلصاً لاستعادة مكانة القضية الفلسطينية على رأس جدول أعمال واهتمامات هذه القمة، ومعها الحاجة لاستعادة ما يسمى بالتضامن العربي، في ظل عالم يشهد متغيرات كونية هائلة تموج بين محاولات إلغاء هيمنة القطبية الأمريكية التي تتفرد بمصير العالم، وبين الحديث المتواتر عن احتمال الانجراف نحو خطر تدمير نووي لهذا الكون.

ما تحمله الثورة الجزائرية وروح التضامن الشعبي الجزائري لفلسطين وشعبها في أكثر من مشهد ومحطة، بما في ذلك احتضانها لحوارات فصائل منظمة التحرير بين حركة فتح وما كان يعرف بالتحالف الديمقراطي "الشعبية والديمقراطية والشيوعي والفلسطينية" التي أفضت بنجاح لاستعادة الوحدة في إطار المجلس الوطني التوحيدي في أبريل/نيسان 1987، والتي شكلت رافعة جوهرية لاندلاع الانتفاضة الكبرى قبل نهاية ذلك العام، يؤكد أهلية هذا البلد الشقيق ليكون حاضنة استعادة الوحدة الفلسطينية، وهو يسعى لاستعادة دوره المركزي على الصعيدين العربي والإقليمي. 

المفارقة المؤلمة أن تلك الفصائل التي تهيمن على إرادة الفلسطينيين، لا تبدي قدرًا كافياً من الجدية تتناسب مع إرث الثورة الجزائرية، ولا مع مدى الحاجة في هذه اللحظة التاريخية لضرورة وحدة الشعب الفلسطيني واستعادة مكانة قضيته، وتجديد حركته الوطنية لاستئناف دورها في معركة التحرر الوطني والبناء الديمقراطي الهادف أساساً لتعزيز صمود الشعب في هذه المعركة التي باتت كما يبدو فاصلة.

الخيبات التي ألمت بالشعب الفلسطيني من فشل كل الحوارات السابقة وغياب الجدية لتحرير إرادة القرار السياسي الذي طالما تغنينا باستقلاليته، تجعل شعبنا يبدو وكأنه غير مكترث بما يمكن أن تفضي إليه تلك الحوارات، وهو في الواقع منشغل في الدفاع عن أرضه وحياة أبنائه من المواجهة الدامية التي تحاول فيها إسرائيل استكمال اخضاع الناس بما تسميه كي الوعي، ويبدو أن الشعب قد ينجح تدريجياً استعاد زمام المبادرة الميدانية نحو إسقاط وهم الاحتلال بفرض شروط الاستسلام عليه. فهل تفاجئ القوى المهيمنة على المشهد الانقسامي الشعب بوضع مصلحة الوطن فوق مصالحها الخاصة، والاتفاق، الذي باتت اسسه معلومة، على انهاء الانقسام، بدلاً من أن يستمرا في أن يتقمص كل منها شروط الآخرين "المتقادمة"، سواء المتعلقة بوهم العودة للمسار التفاوضي"شروط الرباعية " أو "شعاراتية مقاومة حلف الممانعة" التي يسعى أصحابها لهدنة طويلة الأمد تكرس الواقع الانقسامي انتظارًا لمتغيرات تُمكِّنُها من الهيمنة الكلية على المشهد. لا يوجد أمل كبير في عودة "الأخوة الأعداء" لطريق الصواب الذي يرسمه شهداء ومناضلو فلسطين يومياً، وهم يشقون الطريق الذي سبق وأن فرضه الشعب الجزائري على الكولونيالية الفرنسية وأجبرها على الرحيل. 

في ذات السياق، وبينما ينجرف المجتمع الإسرائيلي نحو اليمين وتنامي العنصرية حد الفاشية، وما يستدعيه ذلك، من وحدة وطنية شاملة للفلسطينيين، يتم التضحية بالإنجاز الأهم الذي حققه أبناء شعبنا داخل الخط الأخضر منذ عقود، عندما شكلوا القائمة العربية المشتركة لانتخابات الكنيست عام 2015 حيث أصبحت القوة الأهم في "الكنيست؛ فبعد انسحاب العربية الموحدة "منصور عباس" لاهثاً خلف سراب الحقوق المدنية في زمن قانون القومية العنصري، تتفكك المشتركة مجددًا بين الجبهة والعربية للتغيير من جهة والتجمع منفرداً من جهة أخرى، ورغم ما يكتنف هذا التمزق من خطر انتخابي باتساع نسبة امتناع المصوتين الفلسطينيين، الأمر الذي يجب معالجته بحكمة ومسؤولية عالية، فإنه قد يُقدم لقوى اليمين المتطرف هدية غير متوقعة، إلا أن الأهم ليس عدد المقاعد حتى لو تجاوزت الكتل الثلاث نسبة الحسم وتعدت ال 12 مقعداً.

فالضربة السياسية بتفكك النموذج الوحدوي الذي سبق وقدمته المشتركة عام 2015، هي الأخطر على الحالة الفلسطينية الشاملة. فبدل أن يقود زعماء المشتركة حينها جهداً يكرس مكانتهم الموحدة كمكون أساسي في إطار قيادة الحركة الوطنية، ودفع مكوناتها الاخرى نحو استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام المدمر، فإنها تنزلق مع الحالة العامة للتفكك، وهو ما تسعى قيادة الحركة الصهيونية بمختلف مكوناتها لتعميقه، في إطار معركتها المحتدمة مع الحركة الوطنية الفلسطينية لحسم الصراع على هذه البلاد ومستقبل الشعبين فيها، والتي لا يمكن وقف المشروع الصهيوني الكولونيالي أو إمكانية هزيمته في هذه المعركة، إلا بوحدة كل الفلسطينيين في كل تجمعاتهم وإعادة بناء حركتهم الوطنية الشاملة ومؤسساتهم الجامعة على هذا الأساس، وبما يساهم في استنهاض شامل لطاقات الشعب الفلسطيني في معركة التحرر والوطني، واستحقاقاتها من البناء المؤسسي الفعّال الذي يستجيب لمتطلبات تعزيز الصمود الوطني على الصعيدين الميداني والسياسي.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب