news-details

متى تضع الحرب أوزارها وتُطبَّع العلاقات اليمنية – السعودية؟

هل نقول عما قريب اشتدي يا أزمة تنفرجي لأن لكل حرب نهاية ولأن من يبدأها ليس الوحيد القادر على إنهائها وخاصة إذا كان يعتمد على الغير. لقد  طالت العاصفة السعودية في اليمن التي بدأت في26 مارس 2015 لإعادة الشرعية بأكثر مما توقعه العاصفون من السعوديين والإماراتيين والامريكيين والبريطانيين. في البداية استُسهِل النصر واستُعجِلت معه وبسذاجة فرحة سعودية عارمة بشرت فجأة بقيادة السعودية للوطن العربي، وكأنما كانت حرب اليمن من شروط  قيادتها أو أن اليمن كان عائقا لتبوئها. وقع في هذا الفخ الراحل – الضحية جمال خاشقجي.

السعودية لم تستفد من خبرتها في حربها الأولى ضد الجمهورية في شمال اليمن (1962 – 1970) لإعادة الشرعية الملكية، واليوم تتورط من جديد وتحارب لاستعادة شرعية جمهورية حاربتها قبلا بضراوة بزعم أنها كانت تحارب الوجود المصري الداعم لثورة اليمن.

يومها تماهى الموقفان السعودي والبريطاني في تصوير دور مصر بأنه كان توسعيا ويستهدف السعودية وهدفه الخفي  السيطرة على عدن ذات الأهمية الاستراتيجية ثم الخليج العربي كله. كل هذا كان محض هراء وقد دحضته الدبلوماسية  المصرية عندما حث الرئيس عبد الناصر الرئيس السلال على الإعلان عن احترام اليمن للاتفاقات الدولية وكان القصد  الوحيد اتفاقية الطائف 1934 مع السعودية .

وقد كان  عبد الناصر هو  الساعي دائما لحل المشكلة اليمنية سلميا  أما التوسع فلم يكن في حساباته أو ضمن المهام الدفاعية لقواته في  اليمن. ومن جهة واقعية لم يكن عبد الناصر ساذجا ليراوده هذا التفكير وهو الذي نصح عبد الكريم قاسم بعدم غزو الكويت لأن بريطانيا لن تقف مكتوفة اليدين. في حرب السعودية اليوم تبرز أسئلة عن استقلاليتها في تشكيل تحالفها العربي والدولي وهل  توخت فيه مصلحتها الوطنية البحتة وهل وضعت مسبقا سقفا زمنيا لتحقيق هدفها منها؟

حربها اليمنية الثانية شُنّت ضد من يوصف دوليا بجارها الأكثر فقرا في الوطن العربي والذي زادته عواصفها المتواصلة بؤسا وإملاقا. ومنذ أول غارة تدميرية على صنعاء فجر 26 مارس 2015  بح صوت كثيرين بالقول بأنها غير مشروعة ولا تخدم أمتنا العربية لانتفاء مبرراتها ولكلفتها الباهضة بشريا وماليا، ولاستحالة إحراز نصر ضد شعب مقاوم يختزن ذكريات غير حميدة عن السعودية. لقد قرأت السعودية ما كتبه وما قاله ناصحون وشامتون بأن مغامرتها في بلد يوصف بأنه مقبرة الغزاة لا طائل منها ولكنها لم تصغ. السعودية قبل العاصفة  كانت أقوى ومُهابة أكثر. اليوم يتداول الناس نكتة في صنعاء تقول ”قد احنا عدوان” وهي تعبير ساخر بأن السعودية هي التي تشكو اليوم من ضحيتها. ومنذ حرب عام1934 التي احتلت فيها السعودية حوالي 75000كم من الأراضي اليمنية في جيزان ونجران وعسير، والعلاقات اليمنية – السعودية لم تستقر وجراحات اليمنيين لم تطب والسبب إدمان السعودية لسياسة التدخل  في الشؤون الداخلية لليمن بشطريه قبل الوحدة وبعدها (ما لايعلمه البعض أنها لعبت أدورا خفية في صراعات الجنوبيين قبل الوحدة) ورغبتها في الوصاية على القرار اليمني وتوجيه سياسة اليمن الخارجية وتحديد تسليح جيشه والإصرار على أن يبقى فقيرا معتمدا عليها، رغم ثراوته البشرية النشطة، والنفطية والزراعية الوافرة. في العهد الملكي الذي نصبت السعودية نفسها نصيرا له بعد ثورة سبتمبر 1962  كانت العلاقات معه متوترة ويسودها الشك المتبادل بين الأسرتين الحاكمتين، ولولا أن عبد الناصر فتح في جدة في لقاء ثلاثي عام1956 مع الملكين سعود وأحمد نافذة صغيرة قدمت السعودية عقبه دعما ماليا لتمويل صفقة سلاح سوفييتة لليمن، لما وجدنا ما يمكننا الحديث عنه في علاقاتهما.

وحتى عام  1962 لم تكن السعودية قد استطعمت أو مارست شهية التدخل في الشؤن اليمنية أو انتهجت سياسة الحرب الاقتصادية. وعندما أتى الامريكي وندل فيليبس عام 1952 للتنقيب عن النفط في مأرب لم تعترض  بعكس موقفها في ثمانينيات القرن الماضي، عندما أبلغت شركة هنت الامريكية رسميا بأن توقف التنقيب في نفس المنطقة لأنها تنقب في أراض سعودية. ولم تكتف السعودية بذلك بل عدلت منهجا دراسيا ووضعت محافظتي مأرب والجوف في خريطتها السياسية. الشهية التوسعية السعودية لم تقف عند حد فعندما أراد الرئيس الراحل علي صالح تعبيد طريق مأرب  – حضرموت أبلغت السعودية البنك الدولي بأن العمل سيتم في أراض متنازع عليها ولولا أنه أسرع بالتنفيذ لظل الزعم التوسعي السعودي قائما حتى اليوم. السعودية لم توفر وسيلة لإضعاف اليمن أو تقطيع أجزائه إلا واستخدمته ومعلوم دعمها الشامل الذي أحبطته واشنطن عام 1994 لفصل الجنوب. في عاصفتها الحالية تمارس في اليمن استراتيجية التجويع والإفقار وتفكيك الدولة والوطن  ولم تكن غاراتها على المزارع والمصانع والبنية التحتية إلا تطبيقا لها.

العاصفة مكنتها من الهيمنة المشتركة مع الإمارات على حضرموت وتنفرد هي بالسيطرة على محافظة المهرة المحاددة لسلطنة عمان لتحقيق حلمها القديم  في أن تمتد حدودها إلى البحر العربي، لكي لا تعبر ناقلات نفطها مضيق هرمز ولكي تصبح السلطنة أكثر تطويقا من قبل جارتيها.

لم تسلك السعودية ما تسلكه الدول الناضجة التي تحترم سيادة الجار كأن  تأخذ في الاعتبار أن المهرة التي يقاوم سكانها وجودها العسكري فيها محافظة يمنية وأن عليها التفاوض مع الحكومة الشرعية التي تكرر القول أنها تحارب نيابة عنها، بينما هي والإمارات تمارسان انتهاكا متواصلا لصلاحياتها و لوحدة  التراب اليمني ولاستقلال واستقرار اليمن ولقرارات مجلس الأمن وأهمها القرار 2216 الذي تدعي هي والإمارات الالتزام بها. وفي هذا المضمار رفضت السعودية طلبا لصالح يسنده القانون الدولي عندما فاتحته برغبتها شق طريق إلى البحر العربي لنقل نفطها عبر محافظتي حضرموت والمهرة. صالح اشترط فقط أن تظل السيادة لليمن على الأراضي التي ستشق فيها الطريق ولكنها لم تقبل. السعودية تقتل السيادة اليمنية يوميا   وتحتل جزء من حضرموت والمهرة وتشق الطريق بدون أن تطلب موافقة مؤسسات الشرعية.

إن ما تقوم به هي والإمارات ينتهك السيادة اليمنية وقرار مجلس الأمن رقم 2216  (أنشأت الإمارات أحزمة أمنية في حضرموت وسقطرى وشبوة وعدن وتمول وتسلح وتدرب قوات طارق محمد عبد الله صالح وقوى سلفية لا تخضع للسلطة الشرعية بل تناصبها العداء). وفي هذا السياق ألا  تشكو كل دول الخليج بما فيها العراق من السياسة التوسعية السعودية؟ وأليس من حق وواجب كل اليمنيين الحفاظ على وحدة وسلامة ترابهم الوطني ورفض الشهية المستدامة للتوسع السعودي وتقليم مخالبه. لقد ظهر لنا  اليوم أن شن السعودية للعاصفة كان لتحقيق هذه الرغبة التوسعية. وليس بغائب عن النخب والأنظمة العربية طموح السعودية لأن تصبح الدولة القائدة في المنطقة العربية وأن تتقمص دور مصر الناصرية ولكن في اتجاهات مغايرة و بدون رؤية قومية وحاضنة عربية. إن موقفها من “الناتو العربي- الامريكي!” يسدد ضربة قاتلة  لمشروعية هذا الطموح ولكن هذا لا يهمها، لأن من لا يعنيه مواطنيه لا يهمه غيرهم لأنها تعتقد أن المال وحده يخلق الدور. إن من مقومات الدور لمن يريد قيادة الأمة العربية رفض الهيمنة الأجنبية والاصطفاف مع مطالب الجماهير العربية في العدالة الاجتماعية والديمقراطية والوحدة

بح صوت كثيرين بالقول بأنها حرب غير مشروعة ولا تخدم أمتنا العربية لانتفاء مبرراتها ولكلفتها الباهضة بشريا وماليا، ولاستحالة إحراز نصر ضد شعب مقاوم يختزن ذكريات غير حميدة عن السعودية. لقد قرأت السعودية ما كتبه ناصحون وشامتون بأن مغامرتها في بلد يوصف بأنه مقبرة الغزاة لا طائل منها ولكنها لم تصغ. السعودية قبل العاصفة  كانت أقوى ومُهابة أكثر

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب