news-details

مخطط ضمّ الضفّة الحالي وُلد فور هزيمة 1967 | هشام نفاع

خلف مثل هذا المنظار الكولونيالي، سيكون من العقيم التفكير أنه قد تظهر، ولو بأعلى درجات الشحوب والرثاثة والتمزّق، أية صورة لتسوية عادلة جديّة جريئة، تحفظ للفلسطيني مكانًا ومكانة متكافئين. فمخطط الضم الراهن يعبّر عن عناصر خطيرة كثيرة، لكن أخطرها أن إسرائيل الرسمية لم تتخلّص بعد، ولا تريد التخلّص حتى الآن، من بُنيتها ورؤيتها ونواياها الكولونياليّة التوسعية، بكل ما يحمله هذا.

يعود اليوم الى الأخبار والتعليقات والتحليلات اسم سياسيّ إسرائيلي سابق، يقول كثيرون إنه بمثابة المرجعيّة الصهيونية التاريخية لمخطط الضم الاحتلالي الراهن في الضفة الغربية. المقصود يغآل ألون الذي عُرف بـ"مشروعه" الذي صاغه فور انتهاء حرب 1967 بنتائجها الكارثيّة على الفلسطينيين والعرب، وعلى إرث وقيمة ومفهوم التحرر الوطني بحدّ ذاته.

كان ألون إحدى الشخصيات المركزيّة في الحركة الصهيونيّة وفي المؤسّسة الاسرائيليّة الحاكمة لاحقاً. تولّى قيادة عصابة "هبلماح" (اختصار عبري لـ"كتائب السّحق") التي تحوّلت إلى مركّب أساسي في الجيش الإسرائيلي لاحقاً، وقاد، باعترافه، جرائم تهجير واسعة لقرى فلسطينية عام 1948. كان مرشّحاً لتولّي وزارة "الأمن"، وترأّس عدداً من الوزارات أبرزها التعليم والخارجية.

لإلقاء بعض الضوء على هذه الشخصية، فيما يلي بعض ما أورده مؤخرًا محرر الشؤون التاريخية في صحيفة وموقع "هآرتس"، عوفر أديرت، بالتزامن مع ذكرى 100 عام على تأسيس "الهغاناه"، أكبر ميليشيا مسلحة صهيونية قبل نكبة عام 1948. وتعود بداياتها الى منتصف حزيران 1920، وكانت بمثابة الذراع العسكرية لما يُعرف بـ"حركة العمل" الصهيونية، التي تعتبر "يسار" الصهيونية. خلاصة حجج الكاتب أن هناك كتابة انتقائية لتاريخ هذه المنظمة، نظرًا لهيمنة "حركة العمل" في بدايات الدولة، حيث جرى شطب الملفات القاتمة والإبقاء على واجهة مؤلفة من بطولات ومآثر ومزاعم "نقاء السلاح".

يقول الكاتب: يكشف فحص وقراءة مواد من أرشيف الجريدة ومجموعة مختارة من كتب التاريخ والمذكرات أن معظم اللطخات في ماضي الهغناه -لم يتحمل عناصرها وأنصارها المسؤولية عنها حتى اليوم. في حالات أخرى، اكتفوا بإدانة عامة ورفضوها مكتفين بالقول إنها من صنع "الأعشاب الضارة". ومن الأمثلة البارزة على ذلك المجزرة التي اقتُرفت في إحدى ليالي صيف عام 1939 في قرية لوبية العربية. فقد جاء عناصر الهغاناه إلى هذه القرية الواقعة في الجليل الأسفل، دخلوا منزلًا اختاروه عشوائيًا وأطلقوا النار فيه على رجلين وامرأة فقتلوهم. وأصابوا طفلة ورضيعًا صغيرين. لقد كان جميع الضحايا مدنيين أبرياء. هذا الهجوم الإرهابي، الذي عُرض على أنه "فعل انتقامي" على قتل يهودي نُسب الى أشخاص من القرية، نفذه "أفضل أبناؤنا" عناصر "العمليات الخاصة" في الهغاناه. ويحظى كل منهم بمكانة مرموقة محترمة في كتب التاريخ المحلية. أبرزهم كان يغآل ألون، الذي صار لاحقًا قائد البلماح".

لزيادة توضيح الملامح السياسية والأيديولوجية لهذه الشخصية، ألون، بجانبها الكولونيالي خصوصًا، يصحّ إيراد التالي:

في أواخر السبعينيّات، بُعيد انتهاء حياته السياسية، أدلى العسكري والسياسي ألون بسلسلة مقابلات لمؤرّخ إسرائيلي شاب، ظلّت قيد السريّة ولم تسمح الرقابة العسكرية بالكشف عنها سوى بعد مرور قرابة ثلاثة عقود من الزمن. وهي تصل إجمالًا إلى نحو ألف صفحة، بعضها ما زال ممنوعاً عن الجمهور وحقه في المعرفة. تحدّث ألون في المقابلات التي تضمّنتها الوثائق عن كثير من القضايا، إحداها "نظريته" لتغيير الشرق الأوسط. وهي مرتبطة بعقليّة التوسع ورفض احترام كيانات ولا سيادات وطنيّة لأيّ من شعوب المنطقة.

من بين ما قاله ألون: "هناك أربع أقليات شغلت أفكاري طيلة الوقت، حتى قبل أن أصبح وزيراً للخارجية: الأكراد في العراق، الدروز في سوريا، المسيحيّون في لبنان" وأيضاً "القبائل الأفريقية في جنوب السودان"! وفقًا للوثائق، كانت لديه خطّة ضخمة "لمساعدة الدروز على إقامة دولة مستقلة تفصل بين سوريا ودولة إسرائيل". وهو يصف حالة الاستحواذ التي تملّكته بشأن هذه المؤامرة، بكلماته التالية: "لقد كان هذا بمثابة جنوني الخاص".

ولم يختلف الأمر في تفكيره التآمري بشأن لبنان، حيث أراد إقامة دولة طائفية مسيحيّة. وقد قال: "كانت نصيحتي (للحكومة الإسرائيلية) أن نلقي على الموساد هذه المهمّة مباشرة". واقترح خطوات عمليّة منها "إرسال بعثة دائمة من المستشارين للشؤون التكتيكية، المدفعية والاتصالات والتفجيرات، لمساعدتهم على إقامة هيئة عمليات وتدريبهم".

خطط ألون هذه ليست نموذجاً بحدّ ذاتها بقدر ما تشكّل مثالاً صارخاً على فكر كولونيالي نموذجي حملته الحركة الصهيونية، وما زالت تتمسّك به المؤسّسة الحاكمة في إسرائيل. فتبرير وجود إسرائيل "اليهودية" كان بحاجة دائماً إلى اختلاق نماذج دينية/ طائفية مشابهة، تكون أدنى سقفاً من النموذج الوطني والقومي.

خلف مثل هذا المنظار الكولونيالي، سيكون من العقيم التفكير أنه قد تظهر، ولو بأعلى درجات الشحوب والرثاثة والتمزّق، أية صورة لتسوية عادلة جديّة جريئة، تحفظ للفلسطيني مكانًا ومكانة متكافئين. فمخطط الضم الراهن يعبّر عن عناصر خطيرة كثيرة، لكن أخطرها أن إسرائيل الرسمية لم تتخلّص بعد، ولا تريد التخلّص حتى الآن، من بُنيتها ورؤيتها ونواياها الكولونياليّة التوسعية، بكل ما يحمله هذا.

للتبحّر أكثر في هذا الجانب الظلامي، نقدّم مقالَين لكاتبين صحفيّين شيوعيين بارزين، هما الراحلان صليبا خميس وعلي عاشور، كانت نشرتهما "الاتحاد" مطلع السبعينيات، يتناولان فيهما "مشروع ألون" بالعرض والتحذير. وهما يؤكدان عمليًا وبنظرة استشرافيّة من جهتهما، وبنظرة استرجاعية من جهة حاضرنا، على أن مخطط الضمّ الحالي في الضفة الغربية، وملحقاته المترتّبة عليه من تفتيت وفصل، قد وُلدت فور هزيمة 1967. ومن نافل القول إنه استمرار "طبيعي" لرؤية صهيونية كولونياليّة الجوهر والممارسة سبقت النكبة قبل أن تقترف جرائمها.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب