news-details

مداخلة حول كتاب - رأس المال لماركس (2)

لا شك بان الاستنتاجات الواردة في كتاب "رأس المال" لمن يدرسها ويتعمق في فهمها ويسعى الى ممارستها على ارض الواقع، وخاصة في عصرنا الحالي يصل الى نتيجة بان هذه الاستنتاجات هي التعبير الادق عن وضع الطبقة العاملة وعن امانيها.

بعد صدور المجلد الاول من كتاب "رأس المال" في عام 1867 كان من مهام ماركس وانجلز احباط مؤامرة الصمت التي حسبت البرجوازية وطبقة رأس المال ان تقتل بواسطتها في المهد بالذات المذهب الذي تكرهه، وهذه الرغبة في قتل كتاب "رأس المال" وفي قتل الماركسية تعمقت وازدادت في عصرنا الحالي، لذلك مهم جدا بذل الجهود الجبارة من قبل الاحزاب الشيوعية والماركسية والطبقة العاملة من اجل احباط هذه الخطة، هذا البرنامج المدروس من اجل الغاء وتهميش هذه الفلسفة التي لا بد وان تقود الى الثورة الاجتماعية المحتومة والاطاحة بعبودية رأس المال، فكارل ماركس، كشف في كتابه "رأس المال" القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الرأسمالي، وخلص الى القول وعلى اساس بحوث اقتصادية فلسفية جدلية لا ريب في نزاهتها بانه يجب القضاء على اسلوب الانتاج الرأسمالي.

يبدأ كارل ماركس في الجزء الاول من كتاب "رأس المال" بطرح قضية البضاعة والنقد، حيث يكتب: "تبرز ثروة المجتمعات التي يسودها الاسلوب الرأسمالي للانتاج بوصفها "تكديسا" هائلا من البضائع"، (كارل ماركس: مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي"، برلين 1859 ص 2) بينما تبرز كل بضاعة على حدة كشكل اولي لهذه الثروة، لذلك يبتدئ بحثنا بتحليل البضاعة". ويستمر ماركس ويكتب في بداية الكتاب: "ان البضاعة هي في بادئ الامر مادة خارجية، شيء يلبي بفضل خصائصه حاجة ما من الحاجات البشرية وطبيعة هذه الحاجات – سواء كان مصدرها المعدة ام الخيال لا تغير في الامر شيئا" ("ان الرغبة تفترض الحاجة، فهي شهية الروح وهذه الشهية تلازم الروح بصورة طبيعية مثلما يلازم الجوع الجسد... وان معظم الاشياء لها قيمة لأنها تلبي حاجات الروح". ويستمر ماركس ويقول "كما ان القضية لا تنحصر في كيف يلبي الشيء المعني الحاجة البشرية بصورة مباشرة كوسيلة للمعيشة أي كمادة للاستعمال، ام بصورة غير مباشرة كوسيلة للانتاج" ويستمر ماركس ويقول: "ويمكن النظر الى كل شيء نافع، مثل الحديد والورق والخ، وجهتي نظر: من الجانب الكيفي ومن الجانب الكمي، فكل من هذه الاشياء هو مجموع للكثير من الخصائص ولذلك يمكنه ان يكون نافعا بمختلف جوانبه. وان الكشف عن هذه الجوانب المختلفة، وبالتالي عن الاساليب المتنوعة لاستخدام الاشياء هو من عمل التطور التاريخي" (للاشياء خاصية داخلية ملازمة لها، وهذا هو لدى باربون التعريف المميز للقيمة الاستعمالية)، "تبقى في كل مكان على حالها بدون تغير، مثلا قدرة المغناطيس على اجتذاب الحديد" (باربون. المؤلف المذكور ص 6)، وان خاصية المغناطيس المتمثلة في اجتذاب الحديد لم تصبح نافعة الا عندما تم بواسطة ذلك الكشف عن الاستقطاب المغناطيسي)، ويستمر ماركس ويقول: "ويجدر قول الشيء ذاته فيما يتعلق بايجاد المقاييس الاجتماعية من اجل الجانب الكمي للاشياء النافعة، فاختلافات في مقاييس البضائع اما انها تعود الى اختلاف طبيعة المواد موضع القياس وإما انها تعتبر اصطلاحية".

 

ماركس: "ان التداول البضاعي هو نقطة انطلاق رأس المال، والمقدمات التاريخية لنشوء رأس المال هي الانتاج البضاعي والتداول البضاعي المتطور أي التجارة، وان التجارة العالمية والسوق العالمية تفتتحان في القرن السادس عشر التاريخ الجديد لرأس المال". فيقول: "اذا تركنا جانبا المضمون المادي للتداول البضاعي تبادل شتى القيم الاستعمالية وأخذنا ننظر فقط في الاشكال الاقتصادية التي تولدها هذه العملية، لرأينا ان النقد هو الناتج الاخير لها، وهذا الناتج الاخير للتداول البضاعي هو الشكل الاول لتجلي رأس المال"

 

ويضيف ماركس ويقول: ان منفعة الشيء تجعله قيمة استعمالية، ولكن هذه المنفعة ليست معلقة في الهواء، فهي لكونها مشروطة بخصائص جسد البضاعة لا توجد بدون هذا الاخير، ولذلك فان جسد البضاعة، كالحديد والحنطة والماس والخ.. هو بحد ذاته قيمة استعمالية او خيرة من الخيرات وطابعه هذا لا يتوقف على كثرة او قلة العمل الذي يقتضيه من الانسان تملك خصائصه الاستعمالية. وعند النظر في القيم الاستعمالية يقتضي الامر دائما تحديدها كميا، مثلا: دزينة من الساعات وذراع من النسيج وطن من الحديد والخ.. وتشكل القيم الاستعمالية للبضائع موضوع علم خاص هو علم البضائع، ولا تتحقق القيمة الاستعمالية الا من خلال الاستعمال او الاستهلاك، وان القيم الاستعمالية تشكل المضمون المادي للثروة مهما كان الشكل الاجتماعي لهذه الثروة. وفي ظل شكل المجتمع الذي نحن بصدده تعتبر القيم الاستعمالية في الوقت ذاته حاملات مادية للقيمة التبادلية". "وتبدو العلاقة التبادلية قبل كل شيء كعلاقة كمية كنسبة يجري بموجبها تبادل قيم استعمالية من نوع ما بقيم استعمالية من نوع آخر، علاقة متغيرة على الدوام تبعا للزمان والمكان".

ويستمر ماركس في القسم الاول – الفصل الاول، البضاعة من كتاب "رأس المال" ص 57 ويقول: "وتتمايز البضائع عن بعضها البعض بوصفها قيما استعمالية من الناحية الكيفية بالدرجة الاولى، اما بوصفها قيما تبادلية فلا يمكن ان تختلف الا من الناحية الكمية وبالتالي فانها لا تنطوي ولا على ذرة واحدة من القيمة الاستعمالية" ويستمر قائلا: "فان قيمة القيمة الاستعمالية لا تتحدد الا بكمية العمل، او بكمية وقت العمل الضروري اجتماعيا لصنعها" "ولا يمكن للشيء ان يكون قيمة بدون ان يكون شيئا معدا للاستعمال، فاذا كان الشيء غير نافع فان العمل المبذول في صنعه غير نافع ايضا، ولا يعتبر عملا ولا يخلق بالتالي اية قيمة" (القسم الاول البضاعة والنقد ص 62) وبعد ذلك يعرض ماركس في كتابه رأس المال الجزء الاول، العلاقة بين البضاعة والنقد وينتقل الى الرأسمال في القسم الثاني – الفصل الرابع ويطرح الصيغة العامة لرأس المال ويقول: "ان التداول البضاعي هو نقطة انطلاق رأس المال، والمقدمات التاريخية لنشوء رأس المال هي الانتاج البضاعي والتداول البضاعي المتطور أي التجارة، وان التجارة العالمية والسوق العالمية تفتتحان في القرن السادس عشر التاريخ الجديد لرأس المال". فيقول: "اذا تركنا جانبا المضمون المادي للتداول البضاعي تبادل شتى القيم الاستعمالية وأخذنا ننظر فقط في الاشكال الاقتصادية التي تولدها هذه العملية، لرأينا ان النقد هو الناتج الاخير لها، وهذا الناتج الاخير للتداول البضاعي هو الشكل الاول لتجلي رأس المال".

فالاشكال الاقتصادية التي تولدها عملية التداول البضاعي ومضمونها المادي، نجد بان النقد هو الناتج الاخير لها، وهذا الناتج الاخير للتداول البضاعي هو الشكل الاول لتجلي رأس المال، في هذا الطرح نقترب من النقطة المركزية في هذا البحث. ما هو الرأسمال؟ - انه النقد الذي يتحول الى بضاعة لكي يتحول من جديد من بضاعة الى مبلغ من النقد اكبر من المبلغ الاول، ويكتب ماركس ايضا في الفصل الرابع ص 218 – 219 ما يلي: "فالقطن الذي تم شراؤه مثلا بـ 100 جنيه استرليني يباع من جديد بـ 100 + 10 جنيهات استرلينية او بـ 110 جنيهات استرلينية، ولذلك يعبر عن الشكل الكامل لهذه العملية على النحو التالي:

 ن – ب – نَ،

حيث نَ = ن + ن،

أي يساوي المبلغ الموظف في البداية زائدا بعض الزيادة وأني اسمي هذه الزيادة او الفائض على القيمة الاولية بالقيمة الزائدة، وهكذا فالقيمة الموظفة في البداية لا تقتصر على بقائها في التداول وحسب، بل انها تغير حجمها ايضا، وتضم لنفسها القيمة الزائدة او انها تزداد، وهذه الحركة بالذات هي التي تحولها الى رأسمال". ويضيف ماركس ويقول في نفس الفصل الرابع ص 221 ويقول: "فنتداول النقد بمثابة رأسمال هو هدف بحد ذاته نظرا لان ازدياد القيمة لا يتحقق الا في حدود هذه الحركة المتجددة على الدوام، ولذا لا تعرف حركة الرأسمال الحدود" ويستمر بقوله في المجلد الاول – الجزء الاول – الفصل الرابع القسم الثاني ص 222 – 223 – تحول النقد الى رأسمال: "ان مالك النقد بوصفه حاملا واعيا لهذه الحركة يصبح رأسمالي، وان شخصه او بالاحرى جيبه هو تلك النقطة التي ينطلق النقد منها واليها يعود. والمضمون الموضوعي لهذا التداول – ازدياد القيمة – انما هو هدفه الذاتي، وبما ان الاستهلاك المتزايد للثراء المجرد هو الباعث المحرك الوحيد لعملياته فلذلك – ولذلك فقط – يعمل كرأسمالي، أي كرأسمال مشخص يتمتع بالارادة والوعي ولذا، لا يجوز اعتبار القيمة الاستعمالية ابدا الهدف المباشر للرأسمالي، والامر كذلك ايضا حيث ان الحصول على الربح المنفرد لا يعتبر هدفه، بل ان هدفه هو حركة هذا الربح الدائمة، وهذا السعي نحو الاثراء المطلق وهذا الركض المتحمس وراء القيمة هما من الامور المشتركة للرأسمالي وللمكتنز على السواء، ولكن بينما لم يكن المكتنز سوى رأسمالي متهوس،  فان الرأسمالي هو مكتنز عاقل، وان ازدياد القيمة المتواصل الذي يسعى المكتنز لاحرازه عن طريق انقاذ النقد من التداول يحققه الرأسمالي الاكثر فطنة بواسطة القاء النقد في التداول المرة تلو المرة". ويستمر ماركس ويقول في نفس الفصل الرابع من القسم الثاني لكتاب رأس المال الجزء الاول ص 224 ما يلي: "فاذا لم يتخذ النقد الشكل البضاعي لن يستطيع ان يصبح رأسمالا، وهكذا لا يعارض النقد هنا البضائع جدليا كما هو الحال عند الاكتناز، فالرأسمالي يعرف ان سائر البضائع مهما يكن مظهرها رثا ومهما تكن رائحتها كريهة، هي نقد من حيث الروح والحقيقة، هي يهود ذوو ختان داخلي، يضاف الى ذلك انها وسيلة عجيبة تتيح ان تصنع من النقد كمية اكبر منه".

"وهكذا تصبح القيمة قيمة متحركة تلقائيا، نقدا متحركا تلقائيا وبصفتها هذه تصبح رأسمالا، فهي تخرج من مجال التداول وتدخله من جديد وتحافظ على نفسها وتضاعف نفسها فيه، وترجع الى الوراء بزيادة وتبدأ من جديد وجديد نفس الدورة، ن – نَ، النقد الذي يلد النقد – ذلك هو الوصف الذي اطلقه على الرأسمال مفسروه الاوائل، أي المركنتليون" فالرأسمال هو قيمة تضاعف نفسها بلا انقطاع. ويقول ماركس في الفصل الرابع القسم الثاني الجزء الاول حول تحول النقد الى رأس ص 226 ما يلي: "وهكذا فان ن – ب – نَ هي فعلا الصيغة العامة لرأس المال كما يتجلى مباشرة في مجال التداول". ثم يتطرق ماركس بعد ذلك في نفس الفصل الرابع الى تناقضات الصيغة العامة لرأس المال، ويقول في الصفحة 242 من كتاب رأس المال الجزء الاول: "ولكن صاحبنا مالك النقد لن يفلح في استدرار القيمة من استهلاك البضاعة الا اذا اسعده الحظ فاكتشف في حدود مجال التداول، أي في السوق، بضاعة تتمتع قيمتها الاستعمالية ذاتها بخاصية اصيلة لان تكون مصدرا للقيمة، بضاعة يكون استهلاكها الفعلي تجسيدا للعمل وبالتالي خلقا للقيمة. وان مالك النقد يجد في السوق مثل هذه البضاعة الخاصة، انها القدرة على العمل، او قوة العمل".

(يتبع)

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب