news-details

مسلسل الأخطاء الشائعة..في زمن الكورونا!| فتحي فوراني

* عن "الوَفِيّات"..والوَفَيات!

يخطئ الكثيرون فيستعملون كلمة "وفِيّات" في غير مكانها قاصدين بها حالات الموت المختلفة. وهم يخلطون بين هذه الكلمة وبين كلمة "وَفَيات"، وبذلك يطيش سهمهم ولا يصيب الغرض المقصود.

استمعوا وأنصتوا إلى وسائل الإعلام المسموعة من الإذاعات والفضائيّات العربية التي تتحفنا هذه الأيام بما هبّ ودبّ من المجازر اللُغوية.

فكلمة "وَفِيّات" جمع لكلمة "وفِيّة" مؤنث كلمة "وَفِيّ" من الوفاء نقيض الغدر. كما تعنيالخُلُق الشريف العالي الرفيع. وكلمة "وفاء" هي مصدر الفعل "وفى" الذي يحمل معاني مختلفة لا مجال لتعدادها، منها المعنى الذي يهمنا في هذا السياق، وهو: وفَى (بالوعد والعهد): أي أتمه وحافظ عليه وعمل به وأنجزه. وهو ضد الغدر. ومن الفعل "وفَى" كلمة "وفِيّ" التي تعني فيما تعنيه: المخلص. يقال: صديق "وفيّ". مؤنث هذه الكلمة "وفيّة" التي تُجمع جمع مؤنث سالمًا على "وفِيّات".

  • أما كلمة "وَفَيَات" فتعني شيئًا آخر بالمرة. وهي جمع لكلمة "وفاة" بمعنى الموت. مثلها مثل (فتاة - فَتَيات. قناة- قنوات).

وفي علم الإحصاء وعلم الاجتماع تستعمل عبارة "نسبة الوَفَيات" مقابل نسبة الولادة والتكاثر السكاني. وأبرز مثال على هذا هو لفظ اسم الكتاب "وَفَيات الأعيان" لابن خلّكان. وقد سُمّي هذا الكتاب "وَفَيات الأعيان" لأن المؤلف رتبه في البداية بحسب سنوات "الوَفَيات"، ثم عدل عن ذلك ورتبه حسب حروف الهجاء. (اُنظر مقدمة الكتاب. تحقيق إحسان عباس، دار صادر، بيروت، المجلد الأول، ص19-20)

حمى الله الأمهات والنساء والفتيات "الوفيّات"..وأبعد عنهن شرّ الدخول إلى صفحة "الوَفَيَات" في صحيفة "زمن الكورونا"!

 

  • اعتذر الشاعر عن الحضور!

وقف عريف الأمسية الشعرية ليقدم الاعتذار السريالي التالي للحضور الكرام:

جاءنا الآن أن الشاعر "الكبير" أحمد الوردي "يعتذر عن الحضور" للمشاركة في هذه الأمسية الشعرية!

وراحت عينا عبد الله تفتشان في وجوه الحضور، وراح يستعرض الجمهور الذي ملأ القاعة ليرى أين يجلس حضرة الشاعر المتهم بأنه "كبير"- وهو بريء من هذه التهمة!- والذي ينتظر دوره للصعود إلى المنصة!! غير أنه حضر على مضض، وأراد أن يعتذر عن حضوره.. وكما يبدو..فقد ندم، وتمنى لو لم يحضر!!

لقد اتضح أن الشاعر لم يكن حاضرًا في القاعة ولا أثر له البتّة!

ويبدو أن عريف الأمسية الشعرية كان بحاجة ماسّة إلى "شلعة أذن" وإلى لفت الانتباه لوقوعه في زلّة لُغوية شائعة تنضمّ إلى أخواتها الكثيرات من الزلّات الشائعات!

فالشاعر الذي يتمتع بخفّة دم عزّ نظيرها.. لم يحضر! وكان الأولى بعريف الأمسية أن يقول "إن الشاعر يعتذر عن عدمالحضور".

والتقطتْ أذني همسة رشحت عن جاري العزيز الجالس إلى جانبي، قالها بصوت خافت له دلالة عميقة "كفانا الله شرّ حضوره"!

فحضوره وغيابه سواء!

وبينه وبين الشعر ألف سنة ضوئية!

وتنفس صاحبي الصُعَداء!

ورغم محاولة بعض "الفقهاء" إيجاد تسويغات مغتصبة لهذا الاستعمال المتهافت، فقد جاءتنا "جهينة" بالخبر اليقين، وجاء الخبر اليقين من قاهرة المُعزّ لدين الله الفاطمي. ففي مؤتمر مجمع اللغة العربية في القاهرة، وفي دورته الأربعين المنعقدة بين 25 شباط و11 آذار 1974، رأت أغلبيته أن من الخير أن "يعتذر المرء عن عدم الحضور". (معجم الأغلاط اللغوية المعاصرة، ص 436)

وحسنًا فعل الشاعر "الكبير" الذي "تكرّم" علينا بغيابه وعدم حضوره!

وكفى الله المؤمنين القتال وشرّ القتال!

 

  • العِلمانية والعَلمانية!

في نقاش بين كاتب دعيّ لا يهشّ ولا ينشّوبين مثقف ذي علم ومعرفة ومن العالمين بخبايا "فقه اللغة" العربية، قال الكاتب بلهجةلا تخلو من ادعاء: أنا أعتقد أن العِلمانية (بكسرة تحت العين) هي التي ستنهزم في النهاية!

فردّ المثقف النبيه بهدوء: لم أسمع بكلمة "عِلمانية" (بكسرة تحت العين)إلا الساعة!

فما كان من الكاتب إلا أن ردّ بلهجة نزقة لا تخلو من الثقة بالنفس: لم أسمع بكلمة "عَلمانية" (بفتحة فوق العين) إلا الساعة!

وتخندق كلٌّ منهما في رأيه!

ثم احتكم الاثنان إلى المعاجم الناطقة باللغات الثلاث!

جاء القول الفصل في "المعجم الوسيط" الذي أصدره المجمع العلمي في القاهرة تحت المادة (ع.ل.م.) ما يلي:

العَلمانيّ: نسبة إلى العَلْم بمعنى العالم.

وهو خلاف الدينيّ والكهنوتيّ.

وجاء في قاموس دافيد سيجف (عبري-عربي- ص 561):

חילוני: دُنيَويّ. عَلمانيّ. غير مقدس. غير دينيّ.

חילוניות: دُنيويّة. عَلمانيّة. زمنيّة. لا يختص بالدين.

وكذلك الأمر في قاموس أبراهام شاروني (המלון המקיף ערבי עברי- الجزء الثاني. ص 908 )

ويقابلها في الإنجليزية Secularity

إذن، فالكلمة هي عَلمانيّة (بفتحة فوق العين) وليس عِلمانيّة (بكسرة تحت العين).

حمى الله العين من "الكسرة" وأعلى شأنها ومقامها بـ"فتحة" من عنده!

"العَلمانيّة" سيدة الموقف..ولا صوت يعلو على صوت "العَلمانيّة"..وسيكون النصر حليفها في نهاية المطاف..شاء من شاء..وأبى من أبى!

 

  • وثُمّ!

بعث أحد القراء الذين تهمهم سلامة اللغة العربية الفصيحة رسالة إلى إحدى الصحف، يشير فيها إلى ظاهرة تفشّي الأخطاء اللُغوية الشائعة، كما يشير إلى التشويش الذي يحدث عند كتابة الأسماء الأجنبية، وذلك، كما يقول في رسالته "دون أن يدقق المترجم (وثُمّ) عامل المطبعة (وثُمَّ) المصحح.. بحقيقة الاسم..".

  •  

إلى أين أنت ذاهب يا أخ العرب؟ على رِسلك!

لحظة لو سمحت!

يخطئ الكثيرون فيستعملون هذا التركيب دون أن ينتبهوا إلى مُركّباته وموادّه الأوليّة:

  •  

"ولقد أرسلنا نوحًا (و) إبراهيمَ".(سورة الحديد)

"فأنجيناه (و) أصحاب السفينة". (سورة العنكبوت)

  •  
  •  

فالواو حرف عطف، وصاحبتها (ثُمَّ) حرف عطف أيضًا، والجمع بينهما خطأ شائع، لأن حرفَي عطف لا يجتمعان ولا يتعايشان.

والصحيح في الجملة المشار إليها أن تكون على النحو التالي:

لم يدقق المترجم (ثُمَّ) عامل المطبعة (ثُمَّ) المصحح بحقيقة الاسم.

(ثُمَّ) وليس (وثُمَّ).

 

  • ومن (ثُمَّ)!

قضينا وقتًا ممتعًا في الجولان الأشم (ومن ثُمَّ) عدنا إلى مدينة حيفا.

وضّحنا في الملاحظات السابقة أنّ(ثُمَّ) حرف عطف. إذن، كيف نفسر جرّ حرف العطف (ثُمَّ) بحرف الجرّ (مِن)؟

يبدو أنّ هذا التركيب العجيب قائم على خطإ نابع من الخلط بين (ثُمَّ) وبين (ثَمَّ).

وهنا لا بدّ من توضيح الفرق بينهما.

  • (ثُمَّ) بضمّة على الثاء، كما أسلفنا، حرف عطف يفيد الترتيب مع تراخي الزمن.
  • أمّا (ثَمَّ) بفتحة على الثاء، فهي اسم يشار به إلى المكان البعيد، وهي بمعنى (هناك). وهي ظرف مبنيّ على الفتح.

جاء في القرآن الكريم "ولله المشرق والمغرب، فأينما تُوَلُّوا فثَمَّ وجه الله" (سورة البقرة)

ومما تقدم، نرى أنّ الجملة المشار إليها يجب أن تكون على النحو التالي: وصلنا إلى الجولان الأشم، ومن ثَمَّ- بفتحة على الثاء (أي: من هناك، أو: بعد ذلك)،(لاحظ التشابه اللفظي بين المفردة العبرية שם  وبين كلمة "ثَمّ" العربية، وبعدها التركيب العبري ומשם- "ومن ثَمّ" (بفتحة على الثاء). فقد استمتعنا بالجولان الأخضر ومناظره الخلابة وهوائه النقيّ "ومن ثَمَّ"  امتطينا صهوة الريح وعدنا إلى حيفا..فقد كان في انتظارنا الحجْر الصحيّ والإقامة الجبرية داخل حصار القرن التاريخي في عروس الكرمل!

 

(من "كتاب الأخطاء الشائعة في اللغة العربية"- تأليف: فتحي فوراني).

الصورة: الحب من شيم الكبار للخطاط عثمان أوزجاي.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب