news-details

مطالبات بتحقيق عادل في التورط الأمريكي بتفجيرات نورد ستريم   

بعد 20 يوما من تقرير سيمور هيرش الحائز على جائزة بوليتزر حول تورط الولايات المتحدة في تفجيرات نورد ستريم، لا تزال واشنطن ترفض الكشف، ولا تزال غالبية أوروبا متكتمة، ولا تزال وسائل الإعلام الغربية الرئيسية تغض الطرف عما تم الكشف عنه.

بيد أن التفاصيل المروعة التي كشف عنها التقرير أثارت شكوكا وشواغل بالغة لدى المجتمع الدولي. ومع اعتبارهم بأن تقرير هيرش شيء لا ينبغي التغاضي عنه، يطالب المزيد من الناس في جميع أنحاء العالم الآن بإجراء تحقيق موضوعي وعادل ومهني في الحادث، وتسريع كشف الحقيقة.

 

//عقرب الشك

في 26 سبتمبر 2022، وقعت سلسلة من التفجيرات التخريبية وتسرب للغاز تحت الماء نتيجة لذلك على خطوط أنابيب نورد ستريم 1 ونورد ستريم 2، التي تنقل الغاز من روسيا إلى أوروبا. بعد ذلك بوقت قصير، وجهت واشنطن وبعض الدول الأوروبية أصابع الاتهام إلى روسيا.

لكن المفكرين المستقلين رأوا العكس. بعد أيام من التفجيرات، قال جيفري ساكس، مدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، لوكالة ((بلومبرغ)) في برنامج تلفزيوني إن الولايات المتحدة، وليس روسيا، يمكن أن تكون وراء الهجوم، مما دفع مقدمي البرنامج التلفزيوني إلى إبعاده فجأة عن الهواء.

وتضيف رواية هيرش في 8 فبراير ثقلا لتأكيدات ساكس. وفي مقال من 5200 كلمة نشر على البوابة الأمريكية ((سابستاك))، كشف هيرش كيف تعاونت الولايات المتحدة مع النرويج في تنفيذ عملية سرية للغاية في يونيو 2022 لزرع متفجرات تعمل عن بعد قامت بتدمير ثلاثة من خطوط أنابيب نورد ستريم الأربعة بعد ثلاثة أشهر.

وردا على ذلك، نفت واشنطن هذا الاتهام في مناسبات مختلفة. وفي حديثه إلى قناة ((فوكس نيوز)) في 19 فبراير، وصف المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي تقرير هيرش بأنه "قصة كاذبة تماما".

ومع ذلك، لم يقتنع الجميع برواية واشنطن. وفي مقابلة عبر البريد الإلكتروني مع وكالة أنباء ((شينخوا))، اعتبر ساكس تقرير هيرش "ذا مصداقية" ومتسقا مع العديد من الحقائق الموجودة.

وكتب إدوارد سنودن، الموظف السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكية والكاشف عن برامج المراقبة التجسسية، تغريدة على موقع التدوين المصغر (تويتر) في وقت سابق من هذا الشهر قال فيها إن الولايات المتحدة تضيع الوقت والمال في إسقاط "أجسام طائرة مجهولة الهوية" فوق الأراضي الأمريكية والكندية لضمان تكليف مراسلي الأمن القومي بالتحقيق في هراء البالونات "بدلا من ميزانيات (الولايات المتحدة) أو تفجيرات (نورد ستريم)".

وأشار موقع ((تقرير الأجندة السوداء)) إلى أن "الولايات المتحدة كانت لديها الدافع والوسائل والفرصة وأمضت عدة أشهر في الاعتراف بالمؤامرة ثم بالجريمة بعد وقوعها"، مستشهدا بتعهد الرئيس الأمريكي جو بايدن في فبراير 2022 بوقف مشروع نورد ستريم 2، وتصريحات وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية فيكتوريا نولاند في يناير من هذا العام بأن واشنطن "مسرورة" لمعرفة أن نورد ستريم 2 هو الآن "قطعة كبيرة من المعدن في قاع البحر".

هناك "أسباب كثيرة" لتورط الولايات المتحدة في تفجيرات نورد ستريم، كما نقل موقع ((ويسترن ستاندرد)) الكندي عن سيفيم داجدلين، وهو برلماني من حزب اليسار الألماني، قوله في تقرير نشر في 13 فبراير.

وقالت وزيرة الخارجية النمساوية السابقة كارين كنيسل لوكالة أنباء ((سبوتنيك)) في مقابلة إن "العديد من العواصم الأوروبية وجهت أصابع الاتهام ضد روسيا، قائلة 'روسيا هي التي فجرت خط الأنابيب الخاص بها'، وهو هراء". وأضافت "بالنسبة لي، هناك شيء واحد واضح منذ عام 2018 وهو أن الولايات المتحدة كانت مصممة بشدة على التأكد من أن منظومة خطوط الأنابيب هذه لن تصبح عاملة أبدا".

وقدمت التغريدة المحذوفة الآن والتي تضمنت عبارة "شكرا لك، الولايات المتحدة الأمريكية"، والتي نشرها وزير الخارجية البولندي السابق راديك سيكورسكي نظرة ثاقبة جديدة حول مدى اقتناع بعض المسؤولين الأوروبيين بضلوع الولايات المتحدة.

 

// صمت جماعي

عندما أشار عقرب الشك إلى الولايات المتحدة، سكن الحكومات الأوروبية صمت جماعي مريب.

وتحقق الدنمارك وألمانيا والسويد في عملية التفجير، لكن الجميع لا يزالون ملتزمين الصمت إزاء من قام بإحداث ثقوب في خطوط الأنابيب.

وفي الأسبوع الفائت، أبلغت الدول الثلاث مجلس الأمن الدولي في رسالة مشتركة أن التحقيقات "مستمرة". ولم يقال أي شيء عن هوية المسؤول، وإنما ذكروا فقط أن "التحقيقات لم تنته بعد" و"لا يمكن القول متى سيتم الانتهاء منها".

دون السماح حتى لأعضاء البوندستاغ الألماني بالوصول إليها، تم تصنيف جميع المعلومات المتعلقة بهذه المسألة بأنها "سرية للغاية" بسبب ما يسمى بقاعدة الطرف الثالث التي تمنع التعارض مع مصالح الدول الحليفة أو أجهزة استخباراتها.

وقال إيغور يوشكوف، المحلل البارز في الصندوق الوطني لأمن الطاقة في روسيا، إنه "حتى لو وجد الألمان أو السويديون أو الدنماركيون أنفسهم بعض الأدلة على تورط الولايات المتحدة في الانفجارات، فإنهم بالكاد سيتحدثون عنها لأنهم لن يكونوا قادرين على تحمل مثل هذه المسؤولية".

إلى جانب ذلك، تجاهلت الأغلبية الساحقة من وسائل الإعلام الأمريكية تقرير هيرش. وقامت دراسة أجرتها هيئة ((مينت برس نيوز)) المستقلة لرصد الصحافة بتحليل الوسائل الإعلامية الـ20 الأكثر نفوذا في الولايات المتحدة، ووجدت ذكرا للتقرير في أربعة منها فقط.

وكتبت صحيفة ((ليان خه تساو باو)) السنغافورية الصادرة باللغة الصينية في 11 فبراير إن "الأمر الأكثر غرابة في هذه الحالة هو أن وسائل الإعلام الأمريكية الرئيسية ذات التأثير السياسي والاجتماعي، مثل ((نيويورك تايمز)) و((واشنطن بوست))، ظلت عمدا غير مبالية وصامتة عندما نشر هيرش، وهو صحفي مخضرم أثبت مصداقيته في تحقيقاته في الماضي، تحقيقه الأخير حول تفجيرات نورد ستريم".

وقال المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية (سي آي أيه) راي ماكغوفيرن، أثناء مخاطبته مجلس الأمن الدولي مؤخرا، "عندما نرى حدوث هذا النوع من الأمور (انفجارات نورد ستريم)، نذهب إلى شخص قد يكون بوسعه حمايتنا وقد يكون بوسعه نشر الخبر. الآن، كان هذا قبل أسبوعين. هل ذكرت صحيفة ((نيويورك تايمز)) مقال سيمور هيرش؟ أم هل أوردت تقريرا حتى عن الإنكار؟ كلا ليس بعد. هذا تماما (كما يصفه) الألمان بكلمة ميركورديغ (غريب) ".

 

// من المستفيد الأكبر؟

ونقل تقرير حديث لموقع ((فيرست بوست)) الإخباري الهندي عن هيرش قوله إن الولايات المتحدة ترى بدائل الطاقة لأوروبا "تهديدا" وتخشى إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من أن أوروبا "ستنسحب" من الأزمة الأوكرانية إذا ما شعرت بالحاجة إلى الوقود الروسي الذي يحمله خط الأنابيب، الذي كان خاضعا للعقوبات.

وذكر هيرش أن "الخوف من فقدان الدعم الأوروبي في الصراع الأوكراني جعل الولايات المتحدة تدمر الخيار الوحيد الذي كان أمام أوروبا إذا أرادت استئناف شراء الوقود من روسيا".

تماما مثل هيرش، أشار العديد من الآخرين المقتنعين بالتخريب الأمريكي أيضا إلى دوافعه الإستراتيجية والاقتصادية وراء الكواليس.

وقال جونار بيك، عضو البرلمان الأوروبي، في مقابلة مع صحيفة ((إزفستيا)) الروسية في 12 فبراير، "لم تعجب الولايات المتحدة بالعلاقات الاقتصادية الوثيقة بين ألمانيا وروسيا. وهم يفعلون شيئا أو يعتزمون محاولة فعل شيء من شأنه أن يكسر هذه العلاقات".

وأفاد بيك أن واشنطن كانت موجهة بأسباب إستراتيجية لقطع علاقات روسيا في مجال الطاقة والاقتصاد مع ألمانيا ومعظم دول أوروبا الغربية والشرقية.

من المنظور السياسي والاقتصادي، فإن الولايات المتحدة هي المستفيد الرئيسي من الحادث، كما قال المستشار السابق لوزارة الدفاع الفرنسية آلان كورفيز لشبكة ((تلفزيون الصين)) العالمية في 14 فبراير.

كما قال الصحفي الإيطالي جيلبرتو ترومبيتا إن تقرير هيرش موثوق به لأن الجهة الوحيدة التي ستستفيد بالتأكيد من الانفجارات هي الولايات المتحدة.

وصرح الخبير الأمني الكرواتي ميركو فوكوبراتوفيتش لوكالة أنباء ((شينخوا)) في 21 فبراير إن كشف هيرش "ليس مستحيلا" لأن الولايات المتحدة استفادت أكثر من غيرها من الحادث حيث يمكنها بيع الغاز إلى أوروبا بسعر أعلى بكثير، إضافة إلى ممارسة الضغط على روسيا.

وفي الوقت نفسه، تصاعدت الدعوات في جميع أنحاء العالم لإجراء تحقيق شامل في الحادث لكشف الحقيقة. على سبيل المثال، أخبر ساكس مجلس الأمن الدولي في إحاطة في 21 فبراير أن فتح تحقيق من قبل المجلس في الانفجارات يمثل أولوية عالمية عالية.

ولدى إشارته إلى أن خطوط أنابيب نورد ستريم هي بنية تحتية رئيسية عابرة للحدود وشرايين لنقل الطاقة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية وانغ ون بين يوم الأربعاء إن الصين تؤيد تسريع التحقيق في الانفجارات لمعرفة الحقيقة على وجه السرعة.

وأشاد فوكوبراتوفيتش بدعوة الصين، قائلا إن "الموقف الصيني بأن التحقيق يجب أن يكون موضوعيا ومحايدا هو الموقف الصحيح الوحيد. وفقط عندما يتم تنفيذه بشكل احترافي يمكننا التحدث عن نوايا أولئك الذين تسببوا في الانفجار".

وفي تغريدة لها نشرتها يوم الأربعاء، شددت وكيلة الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون السياسية وبناء السلام روزماري أيه ديكارلو أيضا على أهمية "البحث عن الحقيقة" فيما يتعلق بهذه المسألة.

 

صورة أرشيفية مُقدمة من غفر السواحل السويدية يوم 28 أيلول 2022 تظهر تسربًا للغاز في خط أنابيب نورد ستريم 1. (غفر السواحل السويدية / نُشر عبر شينخوا)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب