news-details

ملاحظات اوليّة بعد الانتخابات للنهوض بحراكنا السياسي

ابدأ بملاحظة عامة حول نتائج الانتخابات القطرية: هذه النتائج جددت، بالمجمل، سيطرة اليمين على مقاليد الحكم في البلاد، واعطت قادته فرصة متجددة لمواصلة ترسيخ الاجندة اليمينية المتطرفة في مراكز اتخاذ القرار بالبلاد.   

وتحديدًا،  فقد بات من الواضح ان الحكومة القادمة ستنتهج المزيد من التصعيد على المستويين السياسيين الاساسيين: اولًا، ترسيخ يهودية الدولة وصهيونيتها في عمل مؤسسات الحكم وفي انظمتها، وثانيًا، ترسيخ الاحتلال الاسرائيلي للاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 من خلال تعزيز الاستيطان والتمهيد لضم المستوطنات لاسرائيل. كما ان نجاح نتنياهو لولاية حكومية خامسة - ورابعة على التوالي - يحمل اهمية خاصة بهذا السياق في ظل الدعم الامريكي الكبير الذي يحظى به في ظل ادارة الرئيس الامريكي دونالد ترامب، والتوافق الكامل بين اسرائيل والولايات المتحدة بالقضايا الجوهرية، وكان آخرها اعتراف ترامب بالسيادة الاسرائيلية على مرتفعات الجولان السورية المحتلة.

بالمقابل، اظهرت النتائج ايضًا تآكل ما كان يسمى "بمعسكر اليسار الاسرائيلي"، وخاصة حزب العمل، مما يؤكد فشل هذا الحزب، كجزء رئيسي من المعارضة في الدورة البرلمانية الأخيرة، بطرح بديل حقيقي للشارع في اسرائيل يضع امام الناخب اليهودي خيارات سياسية بديلة. وبالواقع، فبغياب طرح سياسي بديل وواضح يقوم على الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني باقامة دولتة الفلسطينية ذات السيادة، ويدافع عن المعايير الديمقراطية التي استهدفها اليمين بمنهحية واضحة، بقي الشارع اليهودي اسيرًا للطرح اليميني الذي يتنكر لحق الفلسطينيين وللمبادىء القيمية الاساسية، مما رسّخ مكانة نتنياهو في المشهد السياسي كصاحب الطرح السياسي المهيمن في الخطاب الاسرائيلي، وبالتالي المهيمن في رأس الهرم الحكومي.

اما من ناحية اسقاطات ذلك على الشارع العربي في الانتخابات، فيبدو ان للتصعيد البارز في سياسات وتشريعات اليمين في السنوات الأخيرة كان تأثير واضح نحو دفع جزء من الناس الى الاحباط، وهو ما تم التعبير عنه أيضًا بعدم المشاركة المطلوبة بعملية الاقتراع، او الى البحث المتسرع عن بدائل وهمية، مثل التصويت لاحزاب صهيونية على حساب الموقف المبدئي وموقف الضمير.

 

دعوة لحوار مجتمعي واسع

في نظرة نقدية الى نتائج الانتخابات وما رافقته من ظروف سياسية ومجتمعية، فان هذه النتائج تحتم علينا في قيادة الاحزاب المبادرة لحوار عميق ومفتوح مع كوادنا ومع الجمهور الواسع،  حول مكانة تمثيلنا البرلماني والسبل الى تقويته وتعزيزه. وذلك من اجل الحفاظ على الثقة المطلوبة بين الجمهور والأحزاب، وتقوية حلقات التواصل بين العمل السياسي والحراكات الشعبية على انواعها.

ان الأحزاب السياسية هي ادوات القيادة والتغيير في كل مجتمع، وهذا صحيح بالطبع في مجتمعنا الذي يعاني التمييز الممأسس في التشريعات والممارسات اليومية. الأحزاب السياسية في جوهرها  تطرح الموقف السياسي، تنظم الجماهير، تبادر للحراكات الشعبية، وتحمل راية التغيير نحو مستقبل افضل. بالتالي، فان المصلحة الوطنية تستلزم تقوية الاحزاب السياسية وتعزيز صفوفها في خدمة مسيرة البقاء والتطور.

في صلب التحديات التي تقف امام الاحزاب اليوم اقناع الناس ان الرد على تصاعد اليمين هو بتقوية الاحزاب السياسية التي تلعب دورًا مركزيًا في قيادة المسيرة الوطنية، فهذه الأحزاب تمثل المصلحة الوطنية الحقيقية لجماهيرنا في كل ظرف سياسي، وفي مقدورها أيضًا بظروف معينة المساهمة بتغيير موازين القوى كلما زاد تمثيلها بالكنيست.

في واقع جماهيرنا الفلسطينية في البلاد، فان تقوية الأحزاب السياسية هي جزء من مسيرة الصمود والتحدي، وذلك الى جانب تعزيز التنظيم المجتمعي الداخلي والمؤسسات الجماهيرية التمثيلية، وخاصًة لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، بالاضافة الى المؤسسات الأهلية الحقوقية. بهذا المفهوم الواسع، فان التنظيم المجتمعي الجماعي والداخلي يكمّل التمثيل البرلماني بل يمكن ان يقويه (لا ان يستبدله).

ولا شك ان تقوية الثقة بالاحزاب السياسية تتطلب ايضًا اعادة الاعتبار للعمل الوحدوي بين هذه الاحزاب، وتنقية الأجواء من ترسبات الفترة الماضية، والتعالي عن المناكفات الداخلية، بحثًا عن خلق اجواء ايجابية وبناءة للعمل السياسي والوحدوي. برأيي ان مثل هذه المناكفات السلبية بحد ذاتها ساهمت بعزوف الجمهور عن الأحزاب، وذلك اكثر من اشكالية انقسام المشتركة الى قائمتين، فلو حدث الانقسام في أجواء ايجابية مغايرة، وهذا كان ممكنًا، لما رأينا هذه الاسقاطات السلبية في الشارع العربي.

ان معادلة البقاء والصمود في وطننا تعتمد اذا على تعزيز كل هيئاتنا وتنظيماتنا الكفاحية، بما في ذلك بالطبع الأحزاب السياسية كجزء اساسي من المشهد الوطني، وعلي تعزيز العمل الجماعي الوحدوي الذي يجمع كل هيئاتنا وتنظيماتنا في حراك متناسق وموحد. هذه الرؤية هي الصيغة الصحيحة للحفاظ على هويتنا الوطنية وروايتنا التاريخية، وهي البوصلة لمواصلة مسيرتنا الجماعية في وطننا.

وبالتوازي مع العمل على تحقيق هذه الأهداف بالفترة المقبلة، من الأهمية بمكان تعزيز دور النواب المنتخبين في عمل ونشاطات الهيئات التمثيلية القطرية وخاصة لجنة المتابعة واللجنة القطرية للرؤساء، وتوثيق العلاقة اكثر بين النواب وممثلي المؤسسات الاهلية، وخاصة الجمعيات الاهلية والمبادرات المجتمعية المختلفة. وهي مسؤولية متبادلة للنواب وللهيئات المذكورة على حد سواء.

وعلى الصعيد الشعبي، فمن الأهمية بمكان المبادرة للقاءات مستديمة لقيادات الأحزاب مع الاهالي، من خلال زيارات ميدانية للبلدات العربية تشمل لقاءات عمل في المؤسسات الجماهيرية فيها، وذلك الى جانب السعي لتقريب الجماهير للعمل البرلماني من خلال تشجيع الناشطين وممثلي الهيئات المختلفة للمشاركة في جلسات لجان الكنيست والتواجد بابحاثها بشكل دائم وفعّال. وللحديث بقية.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب