news-details

الحب في زمن الكورونا: "غوغل اللعين"| يوسف حيدر

من آذار لنيسان 2020؛

(5)

قلت لكم وأنا في البيجاما..

إنّني أنرت فانوسي.. أتى رمضان.. فظننت نفسي ديك الصباح.. كل صباح يصيح.. ويظن بصياحه تشرق الشمس.

فابتداء من السادسة قبل موعد الإفطار بقليل فرضت الحكومة بقوانين طوارئها اغلاق الحوانيت والمخابز والمقاهي والملاهي واكشاك "الفخفخينا" والفول والذرة.. وأي حركة وضجيج يملأ شهر رمضان فغدت الزينة في الشوارع وحيدة باهتة بلا نفس وناس وبلا أطفال وبلا إحساس. جاءنا رمضان هذه المرّة منذ أكثر من ألف عام باهتا يشوبه الخوف وترقب المستقبل المجهول، ففيروس كورونا أصبح شيفرة العصر ولا يوافينا ويخبرنا بضحاياه القادمة.. هذا “القاتل الصامت" الآتي من مختبر مجهول لا أحد يعترف أنّه صنعه.. لا له سيرة ولا مسيرة وراثية ولا حس ولا نس من ابواق كشف المستور او من الاسرار المسكوت عنها.

لا حيلة للصائمين إلا اللّجوء للفضائيات، يلهون أنفسهم بالبرامج اليومية من البرامج المتنوعة والمسلسلات العديدة والمتعددة ونشرات الأخبار التي يكون "بطلها" دائما وخبرها الأول عنه هو فيروس الكورونا وضحاياه. أما أنا فكنت الجأ إلى حاسوبي كما أسلفت لكم سابقًا أتناقل الإشارات والرموز وأضغط الأزرار على لوحة المفاتيح، وعندما أعجز أحرّك الفأرة شمالًا ويمينًا وأغدو مهزوزا ومبهورا بما يلقنني إيّاه "غوغل اللعين" وأفكر وأقول: ما الفرق بيننا وبين الحاسوب؟ هذه الآلة الالكترونية التي لها القابلية الهائلة لاستقبال البيانات ومعالجتها لمعلومات ذات قيمة يخزنها في وسائط تخزين. فأمام هذا اللّعين المعدني أردت ان أفرّغ مخزون وكوامن نفسي على شبّاك شاشته. وليقول البعض أنّه جن ويكلّم الجماد. وما جدوى مخاطبة جهاز مأمور بذكاء إنسان صنعه وكوّنه ولملمه في صندوق صغير. حتى غدا هذا الجهاز يتحكّم في حياة وتصرفات الناس إلى جانب سيطرته على كلّ المعلومات والأخبار والأحداث. فالرواة كانوا إن حدّثوا عن حادثة أو ذكروا موقعة ما، بدأوا حديث نقلهم عن فلان عن علان عن فلان وعن وعن.. وقلت في نفسي لماذا لا أكون من الرواة في عصر الذكاء الصناعي المسيطر علينا كي أحدّث: نقلًا عن اللعين غوغل غضب الله عليه ومنه.. لما اغرقنا من أكاذيب وأضاليل وأتحفنا بأسرار وأباطيل. ولا غرابة أنّنا استبدلنا سؤال الله بسؤال غوغل الذي خلق وأنتج تريليون دولار بينما الله خلق وأنتج مليارات البشر قذفهم خارج جنته يتزاحمون على المكان والزمان، وعلى الحاضر والمستقبل، الا اليهود يزاحموننا على الزمان والمكان في الماضي والحاضر والمستقبل نحن الشعب الفلسطيني الفقير والمشرّد واللاجئ. وكلّه بناءً على وعود روحانية وموثّقة من وعد الله إلى وعد بلفور ووعد ترامب وخليله محمد بن سلمان "بسرقة القرن" و(سايس بيكو العصر) الذي أطلق شعار فلسطين ليست قضيتي. فبعيدا عن خيبة ترامب وبن سلمان ونقلًا عن غوغل اللّعين غضب الله عليه.. وعلى لسان الشّاعر أبو الكمامة الكوروني المحبّ العاشق في زمن الكورونا.. أنّه قال:

وكنت أعشق قبلا لحن عطستها

وصرت إن عطست ينتابني الهلع

أفرّ منها كما الغزلان من أسد

ما العمر بعثرة في الريح يا جدع

وكنت عاهدتها ألّا أفارقها

لو مسّها جرب أو جاءها صلع

(منقول أيضًا عن محمد حمدي غانم) وليس عن غوغل اللعين ..

وباستطاعتي بعد مراجعاتي الالكترونية أن أعترِف أمامكم أنّني قد طوّرت ثقافتي الافتراضية وصرت أصول وأجول في الافتراض.. وكلّه عن بعد طبعًا.. فمنذ إعلان "سرايا إسرائيل" بالحجر القسري.. وانصياعي اللامحدود للتعليمات والتوجيهات.. وخوفا عليّ.. فهي رؤومة رؤوفة على مواطنيها.. حتّى الذين من "الدرجة ب"، عدلت عن كوني مستهلكًا للثقافة فلا ارتياد للمسارح ولا للاحتفالات أو للمهرجانات في الهواء الطلق أو في القاعات أو في ميادين بلادي لمشاهدة العروض والتفاعل معها.. فانطويت في بيتي وقفصي الاسمنتي أشاهد العروض ببث حي ومباشر. عروض السّيد نتنياهو. فهو اليوم وبتسريع مقصود منه يريد إعادة الحياة إلى طبيعتها في إسرائيل (مع إنها كلّ الوقت مش طبيعية) شفقة بالاقتصاد المنهار والمستقلين "والموفطليم" كما قالوا! بينما انا أقول كي ينتشر الفيروس الخطير مرة أخرى ويفرض حالة الطوارئ (حتى الآن فرض 70 أمر نظام طوارئ وهذا رقم قياسي بسبب فيروس الكورونا) وتؤجل محاكمته المتهم بها بالفساد وسوء استغلال السلطة مرة أخرى.

هذه لا ينشرها غوغل اللعين.

ولأنني من خريجي مدرسة التحليل الجدلي أقول: لماذا قلّ حبّنا وحناننا لأولادنا؟

طبعًا بسبب المجتمع الاستهلاكي الرأسمالي والانشغال بالأعمال والركض وراء الغنى أو المستوى البرجوازي.. المقبول.. وهذا لم يجر بالتوازي مع فهم وتوسيع آفاق تكوين العائلة والتعامل مع أفرادها بأنفسنا. فأصبح أكلنا سريعًا ولم نُطِق الجلوس مع فلذات أكبادنا فاستعضنا عن أدواتنا الروحية بغوغل اللعين وأدواته الافتراضية العديدة والمغرية. والمطالبة كي يلهو بها أولادنا وأطفالنا بعيدًا عن الحنان والعلاقة الإنسانية المباشرة فحدث إهمال كبير في تربية الأولاد وارتباك فاضح في حماية مستقبلهم.

وهذه أيضًا لا يعرفها غوغل اللعين.

غريب هذه السنة رمضان.. رغم انهم اغتصبوا فرحتنا ولمّتنا وجمعتنا في رمضان.. إلّا أنّ من هذه الضّارة هناك فائدة. عدنا نشمّ روائح الطبيخ بحاراتنا مثل أيام زمان، حينما كنا نشمّ رائحة الخبز الطازج وصواني المحمّر من الخبّازات ومن الأفران "الكانت"* المنتشرة في بيوتنا* محور الخبز والطبخ والنفخ المنزلي.. والله الله على أيام زمان.

وهذه أيضًا لا يحسّها غوغل اللعين..

وعلمت بعد بحثي الالكتروني في غوغل أنّ هناك أسئلة لا يمكنك سؤالها لهذا اللعين.. مثلًا لا تسأله عن خسارة الوزن.. مع أننا كسبنا وزنًا زائدًا لجلوسنا في البيت "محاصرين" بتعليمات وزارة الصحة والحكومة.. أو ما هي أعراض السرطان ..أو من انا؟ في زمن الكورونا.. وفي قفصي الإسمنتي.. وعزلي عن بيئتي.. وحجري القسري أسمع يوميًا عدد المصابين بالفيروس والّذين ماتوا منه..  فأنا وإن متّ (لا سمح الله) سأوصي الدافنين أن يبقوا يديّ خارج الكفن.. إشارة على رحيلي وأنا لا أملك أي شيء..  مع أن اللّعين من تعرّفي عليه بدأ يزاحمني.. على الحبّ.. ففيه تجد وتحصل على كل عبارات العشق والحبّ والرّسومات والأغاني والأشعار فقط ما عليك إلّا تعليم الجملة إلصاقها.. ثم إرسالها افتراضيا إلى من تحبّ وتعشق.. وهذا بشكل افتراضي!!

ومع كتابتي هذه السّطور أقسمت قسمي الكبير والمهم أنّني سأبذل كل جهد في كيفية منع غوغل اللّعين من سرقة بياناتي بعد مماتي.. فأنا أدين بدين الحبّ الحقيقي.. الباقي على طبيعته وبساطته بوسائله المباشرة وجها لوجه.. المليء بدموع الشوق واللّوعة.. ولاعتراضي على الافتراضي.. سأقطف لكم حبًّا أكثر.. في الباقي من مقالاتي القادمة.

وللحبّ بقية..

(يتبع)

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب