news-details

مَن وراء الارهاب الدولي

(1-2)

خرافات الإعلام الغربي وخاصة الامريكي والاسرائيلي في وصف محور المقاومة بالارهاب يجب ان توصف بأنها تحريض عنصري شوفيني استعلائي متغطرس و"كذبة العصر". وهذا ما قامت به الولايات المتحدة في القرن العشرين بعد الحرب العالمية الثانية ضد الاتحاد السوفييتي، هذه الدولة التي كان مرسوم السلام اول وثيقة لها ونزع السلاح مثلا اعلى لها، وفي ذلك الوقت تقدم الاتحاد السوفييتي بدون كلل بالمزيد من المبادرات السلمية، ومنها وبشكل وحيد الطرف، تحديد وتخفيض اسلحتها. ومع ذلك استمر رجال السياسة والاعلام وعلماء الجامعات وقساوسة الكنائس المسيحية الصهيونية ورجال الكنس اليهودية الصهيونية في الولايات المتحدة والغرب الامبريالي بوصف الاتحاد السوفييتي في ذلك الوقت بدعم الارهاب والعدوانية، وهذا ما تفعله الولايات المتحدة الآن ضد محور المقاومة وخاصة ايران وسوريا وحزب الله وفنزويلا وكوبا وكوريا الشمالية وضد كل من يعارض هيمنتها الامبريالية العنصرية الشوفينية المتغطرسة حول العالم، وفي منطقة الشرق الاوسط بالتعاون والتنسيق الاستراتيجي مع اليمين الصهيوني العالمي واليمين الاسرائيلي والرجعية العربية وخاصة الوهابية السعودية.

وهكذا قامت الولايات المتحدة بتصنيف قوات الحرس الثوري الايراني، كمنظمة ارهابية اجنبية في العام 2019، وفي بيان ادلى به الرئيس اليميني المأفون ترامب بتاريخ 8 نيسان عام 2019، قال: "ان هذه الخطوة غير المسبوقة التي تقودها وزارة الخارجية، تعترف بالحقيقة التي مفادها ان ايران ليست فقط دولة راعية للارهاب، ولكن ايضا ان الحرس الثوري الايراني يشارك بنشاط في الارهاب، ويمول ويشجع الارهاب كأداة من ادوات الحكم". وأكد في بيانه اياه بان "الحرس الثوري الايراني هو الوسيلة الاساسية للحكومة الايرانية لتوجيه وتنفيذ حملتها الارهابية العالمية". وبهذا القرار تكون الولايات المتحدة قد اضافت قوات الحرس الثوري الايراني الى قائمة وزارة الخارجية الامريكية للمنظمات الارهابية الاجنبية، وتضم القائمة 67 منظمة اخرى تصفها الولايات المتحدة بالارهابية، بما فيها حزب الله، وحركة حماس ومنظمة الجهاد الاسلامي الفلسطينية، وما قامت به الولايات المتحدة بتصنيف الحرس الثوري الايراني بالارهاب تعتبر المرة الاولى على الاطلاق التي تقوم فيها الولايات المتحدة بتصنيف جزء من حكومة اخرى منظمة ارهابية اجنبية.

أما وزير الخارجية الامريكي مايك بومبيو فقال بان الحرس الثوري الايراني "ينتهك بشكل منتظم قوانين النزاع المسلح، فهو يخطط وينظم وينفذ حملات ارهابية في جميع انحاء العالم".

الادارات الامريكية المتتالية، وخاصة ادارة بوش التي قامت بعملية ارهابية ضد الشعب العراقي شبيهة لأعمال الفاشية حيث تم قتل اكثر من مليون عراقي، ونظام ترامب الحالي يتناسون التاريخ الارهابي للولايات المتحدة على مدى عقود عديدة وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية وحتى الآن.

فقد صورت في الماضي الولايات المتحدة، وبدعم صهيوني اسرائيلي وخاصة في الثمانينيات من القرن الماضي، الاتحاد السوفييتي بمظهر من يمارس سياسات الارهاب الدولية وقد اعلن وقتها الكسندر هيغ وزير الخارجية الامريكي حين صرح في مؤتمر صحفي يوم الثامن والعشرين من كانون الثاني عام 1981 ان الاتحاد السوفييتي يمارس سياسة وينفذ برامج تشجع وتؤيد وتوسع الارهاب الدولي. وفي ذلك الوقت أقيمت لجنة فرعية لشؤون الامن والارهاب اعاد تشكيلها مجددا مجلس الشيوخ الامريكي، كلفت بالكشف عن "شبكة الارهاب العالمية" التي اقامها الروس.

وفي تلك الفترة، لا بل منذ قيام دولة اسرائيل اصبحت هذه الدولة مركزًا من المراكز الاساسية للعداء ضد الاتحاد السوفييتي، والى مخفر امامي للامبريالية في الشرق الادنى موجه ضد حركة التحرر الوطني للبلدان والشعوب العربية وأمست "دركا اقليميا" وقاعدة امامية للامبريالية الامريكية وشريكة في تطبيق السياسة الاستعمارية الارهابية العنصرية الشوفينية من قبل الدول الامبريالية في بلدان آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، وهذا النهج الذي يرافقه تعزيز صبغ الدول المقاومة للامبريالية والصهيونية بالصبغة الفاشية قد طبقته بمزيد من النشاط حكومة الليكود وخاصة في فترة حكومات نتنياهو، والتي اصدرت جملة من القوانين والمراسيم العنصرية الظلامية، وهي أي هذه السياسة انعكاس لتسلط الاكليريكية والدور الكبير العائد الى الاحزاب والمنظمات الدينية الصهيونية والحاخامات سواء في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية ليست بظاهرة جديدة في "الدولة اليهودية"، فاسرائيل شكل من اشكال الدولة التيوقراطية – حكومة دينية – حولت الدولة الى دولة الدين اليهودي، ونفوذ رجاله أي رجال الدين اليهودي، يتخطى بعيدا اطار الكنيس.

وهنا علينا ان نؤكد بان شركات صناعة السلاح، وطبقة رأس المال اليهودي الكبيرة التي تقوم بدور الشريك والحليف للامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة هما اللذان يحكمان اسرائيل منذ قيامها، وسوية مع الولايات المتحدة تمارسان سياسات الارهاب والعدوان والاحتلال والتنكر للحقوق العادلة للشعب الفلسطيني وحقه في اقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، واوضح تعبير عن ذلك ما يتم طرحه الآن من قبل ترامب، ما يسمى بـ "صفقة القرن".

ان عرقية الحركة الصهيونية العنصرية الشوفينية يجب ان يندد بها في جميع المؤسسات والمحافل العالمية، مثلما يندد بمعاداة السامية، فالصهيونية ومعاداة السامية هما وجهان لعملة واحدة، ومن السخرية ان نسمع رئيس روسيا بوتين ويقول بان اسرائيل تعترف وتحتفل بدور الجيش الاحمر في النصر على النازية ويذكر النصب التذكاري الذي اقيم في نتانيا والآن في القدس، في حين كانت احتفالات وذكرى النصر على النازية، يقوم بها الحزب الشيوعي وحركة الصداقة مع الاتحاد السوفييتي بدون أي مشاركة رسمية حتى من قبل الاحزاب الصهيونية الاسرائيلية التي تدعي انها يسارية.

ان ما جرى في الفترة الاخيرة من احياء لذكرى 75 عام على تحرير اوشفيتز وبمشاركة العشرات من رؤساء الدول بدون أي ذكر لممارسات اسرائيل الارهابية العدوانية سوية مع الولايات المتحدة ضد شعوب منطقة الشرق الاوسط، خاصة الشعب الفلسطيني هو تشويه للتاريخ واستغلال للكارثة وللدين اليهودي لتبرير ممارسات اسرائيل العدوانية الارهابية في المنطقة.

وهنا اتذكر خطاب عضو البرلمان البريطاني عن حزب المحافظين مكسويل هيسلوب حيث استعرض في خطابه في مجلس العموم في اكتوبر عام 1973 حديثا مع احد زعماء الصهيونية في اسرائيل هاكوغن، حيث تذكر هذا البرلماني البريطاني هذه "اللحظة الرهيبة" على حد قوله، فإن هاكوغن "قد تكلم زمنا طويلا جدا وبلهجة هستيرية للغاية، وعندما استرد انفاسه اضطررت الى طرح سؤال عليه: "يا دكتور هاكوغن، يغضبني جدا كيف تتكلم عن الناس الآخرين، فبهذه التعابير بالذات تكلم يوليوس شتريخر، (احد زعماء النازيين، اصدر لسان الحال الرئيسي المعادي للسامية في المانيا الهتلرية جريدة "در شتورمر") عن اليهود، فهل حقا لم تتعلموا شيئا؟". ويقول النائب البريطاني بانه يتذكر جوابه أي جواب هاكوغن للعمر كله: "ولكنهم ليسوا ناسا، انهم عرب" وقد قصد اللاجئين الفلسطينيين، ولو كان هناك عدالة انسانية ومواقف عادلة تجاه القضية الفلسطينية الكونية الانسانية العادلة لكان يجب ان يقول رئيس المانيا وباللغة العربية وليس بالعبرية في مستهل كلمته، حقا يا حكام اسرائيل ويا قادة الحركة الصهيونية لم تتعلموا شيئا من دروس التاريخ. فسياسات الولايات المتحدة واسرائيل العدوانية الارهابية والتنكر لحقوق الشعوب وحريتها هي دليل بان هتلر لم يمت بل ترك من يستمر بطريقه وأعني الامبريالية الامريكية وخاصة المحافظين الجدد كهنة الحرب والصهيونية العالمية وحكام اسرائيل. وهؤلاء صانعو الارهاب في عالمنا المعاصر.

ان الارهاب الدولي الذي تمارسه الولايات المتحدة وربيبتها اسرائيل يهدف الى تركيع شعوب العالم من فنزويلا الى ايران ومن سوريا الى اليمن ومن ليبيا الى لبنان، خدمة لمصالح طبقة رأس المال العالمي وشركات النفط وشركات صناعة السلاح. وهذا المشروع الارهابي مصيره الفشل، وصمود ايران والشعب العراقي الذي تظاهر بملايينه ضد الوجود الاحتلالي الامريكي في العراق، وفشل المؤامرة على سوريا، وزيادة قوة وصمود حزب الله في لبنان وصمود الشعب العربي الفلسطيني ورفضه لما يسمى صفقة القرن لأكبر دليل على ذلك.

فشعوب المنطقة ستستمر في نضالها من اجل التحرر ورفض الهيمنة الامبريالية الصهيونية الوهابية على المنطقة. والولايات المتحدة تمارس الارهاب الرسمي من خلال ممارسة سياسة اغتيال المناضلين، واكبر مثل على ذلك اغتيال تشي جيفارا، وإحراق القرى والمدن بسكانها المسالمين بأيدي المرتزقة واسقاط الحكومات غير المرغوب فيها، وهذا ما تمارسه الآن ضد فنزويلا، ويحق له أي للولايات المتحدةا ان تسلح اسرائيل بأحدث انواع الاسلحة لكي تمارس سياسة الارهاب الرسمي في المنطقة وقتل الوف الابرياء من اللبنانيين والفلسطينيين نساء واطفال وشيوخ بحجة مكافحة الارهاب الدولي، في حين من يمارس الارهاب الدولي الرسمي هما اسرائيل والولايات المتحدة. والولايات المتحدة مستمرة حتى الآن بتمويل وتسليح الانظمة الديكتاتورية في امريكا اللاتينية وكذلك في دعم التحالف السعودي في حربه الاجرامية ضد الشعب اليمني.

وما تمارسه الولايات المتحدة في الفترة الاخيرة خاصة في فترة حكم بوش وترامب هو عودة لمفاهيم الحرب الباردة من اجل فرض الهيمنة الامبريالية وطبقة رأس المال العالمي بهدف ايقاف أي تحولات تقدمية في دول امريكا اللاتينية والمثل على ذلك كوبا وفنزويلا وغيرها، وكذلك فرض الهيمنة الامبريالية الصهيونية المطلقة على منطقة الشرق الاوسط وغرب آسيا.

كل ممارسات الولايات المتحدة وخاصة في الفترة الاخيرة تؤكد بان الارهاب على مستوى الدولة قد اصبح منذ امد بعيد احد المكونات الاساسية للسياسة الخارجية للامبريالية الامريكية التي تسعى للعب دور الدركي العالمي الارهابي، ويتزايد هذا الدور مع مرور الزمن، ووضوح هذا الارهاب الذي يكاد ان يكون اهم السبل في همجية وعنصرية وبربرية سياسة الولايات المتحدة ضد الشعوب المضطهدة عالميا وفي امريكا اللاتينية والشرق الاوسط خاصة.

وهنا لا بد وان نثبت بالوثائق والادلة الدامغة ان وكالة المخابرات المركزية الامريكية اشتركت واشرفت على ارتكاب الجرائم الدولية التالية: انقلاب في ايران واسقاط حكومة الدكتور محمد مصدق عام 1953، انقلاب عسكري في غواتيمالا واسقاط حكومة غوسمان اربينس عام 1954، مؤامرة لاغتيال الرئيس المصري جمال عبد الناصر عام 1958، اغتيال سولومون باندرانايكه رئيس وزراء سيلان (سريلانكا حاليا) عام 1959، مؤامرة ضد جواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند، اغتيال باتريس لومومبا رئيس وزراء جمهورية الكونغو (زائير حاليا) انقلاب في جمهورية الدومينيكان عام 1961، دعم اسرائيل في عدوانها عام 1967، اغتيال أ. موندلانيه رئيس جبهة تحرير موزمبيق عام 1969، اغتيال اميلكار كابرال الامين العام للحزب الافريقي لاستقلال غينيا وجزر الرأس الاخضر عام 1973، اسقاط حكومة الوحدة الشعبية في تشيلي واغتيال رئيس الجمهورية سلفادور الليندي عام 1973، اغتيال مجيب الرحمن اول رئيس لجمهورية بنغلادش الشعبية عام 1975، اغتيال ماريان نغوابي رئيس جمهورية الكونغو الشعبية عام 1977، وعام 1973 كادت اسرائيل ان تكون مسببة لحرب عالمية ثالثة وبصمت امريكي.

ففي عام 1976 نشرت مجلة "تايمز" الامريكية خبرا اثار الضجيج، مفاده انه اثناء حرب عام 1973 عندما عبر المصريون قناة السويس، وتراجعت القوات الاسرائيلية في هضبة الجولان بفعل هجمات الجيش السوري وقام العلماء النوويون في المبنى السري تحت الارض في ديمونة بتجهيز عدد من القنابل للاستخدام، وخلال 78 ساعة من العمل أعدوا ثلاث عشرة قنبلة نووية. جرى هذا في الثامن من اكتوبر عندما بلغٍ الجنرال خوفي قائد الجبهة الشمالية للحكومة الاسرائيلية بانه غير واثق من قدرة قواته على الصمود مدة اطول، حينها علق موشي ديان محذرا، "هذا يعني نهاية اسرائيل". فقررت رئيسة الوزراء غولدا مئير السماح للقوات الاسرائيلية باستخدام القنبلة النووية.

تم تجهيز القنابل، وفقا للمصدر الصحفي الاجنبي، ونقلت الى المدرجات الجوية الحربية لتحملها الطائرات، ولتركيب الرؤوس النووية على صواريخ "يريحو". لكن قبل التحرك لتنفيذ المهمات عاد الاستقرار على الجبهة، حيث تمكن الجيش الاسرائيلي من ايقاف القوات السورية عند هضبة الجولان، والمصرية، في صحراء سيناء، فأعيدت القنابل والرؤوس النووية الى مستودعات التخزين في الصحراء، حيث ما تزال موجودة حتى يومنا الحالي جاهزة للاستخدام (التايمز عام 1976 12 ابريل). فالولايات المتحدة واسرائيل هم اصحاب سياسات ومفاهيم استعمال السلاح النووي، وطرح مفاهيم وسيناريو لحرب عالمية ثالثة، واستمرار سياسة حكام اسرائيل في دعم سياسات المواجهة مع ايران تدفع في هذا الاتجاه الاجرامي العدواني البربري فبدل البحث عن سياسات الحوار والتفاوض والالتزام بالاتفاقيات الدولية والقانون الدولي، تدفع سياسات حكام اسرائيل نحو سياسات المواجهة والتحدي وحتى نحو الحرب ضد ايران، واذا حدث هذا فستحدث كارثة انسانية ستدفع ثمنها الانسانية جمعاء، بما في ذلك الشعب الاسرائيلي وشعوب المنطقة.

ان عملية اغتيال سليماني والمهندس هي استفزاز عدواني امريكي، ستدفع ثمنه امريكا واسرائيل، وهنا اود ان اقول بان القرصنة الدولية للامبريالية الامريكية والصهيونية العالمية وعملاءهما من العرب ومن زعماء بعض دول امريكا اللاتينية مثل العميل الفنزويلي غوايدو، مستمرة بشكل مثابر ومدروس، واستمرار المواجهة مع محور المقاومة لاكبر دليل على ذلك وفي فترة حكم ترامب تزداد وقاحة ممارسة الارهاب على مستوى سياسة الدولة في المسرح العالمي.

(يتبع)

* الصورة لباتريس لومومبا رئيس وزراء الكونغو (زائير حاليا) الذي اغتالته المخابرات الأمريكية عام 1969.

 

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب