news-details

 هاني سلّوم المنتصر للحب والحرية الشخصية في "قلاقل جميل وهيام"|  نسب أديب حسين

يخرج هاني سلّوم عمله الأدبي الثاني إلى النور، بعد ثلاثة وعشرين عامًا من إصداره الأول، جاعلا من الأدب نافذة يبتعد فيها كلّ حين عن عمله في هندسة الحاسوب، ليبعث عبرها صرخته المتحديّة لقضايا اجتماعية شائكة، تشكّل هاجسًا لديه. وبعد أن صرخ صرخته الأولى عبر رواية "الخروج من حلقة الراقصين" عام 1997، استقبلنا في أيلول 2020 مسرحيته "قلاقل جميل وهيام"، صادرة عن دار طباق للنشر والتوزيع في رام الله، بعد خمس سنوات من الشروع في كتابتها.

إلى جانب الطرح الجريء، أقدم الكاتب على كتابة مسرحية في عمله الأدبي الثاني، دون دراسة أو إطلاع على فنون الكتابة المسرحية، ليزداد مقدار الجرأة في هذا العمل، سواء في الموضوع أو في القالب الفني.

تتمثل جرأة الموضوع في تمركز المسرحية حول الحب الذي يجمع بطليها الرئيسيين جميل وهيام، المنتميان إلى ديانتين مختلفتين؛ جميل مهندس الالكترونيات المسيحي وهيام الطبيبة المختصة بالأورام السرطانية المسلمة. تنطلق وتتقدّم فصول المسرحية الخمسة (المقسم كل منها إلى ثلاثة مشاهد)، بقرار العاشقين الإعلان عن عشقهما ونيتهما بالزواج، وردود فعل عائلتيهما على هذا الخبر.

في المسرحية طروحات سريعة لبعض المواضيع الأخرى، مثل المضايقات الذي يتعرض لها الفلسطينيون في الداخل في مطار اللد الإسرائيلي عند السفر، والقدرة التي يتمتع بها الغربيون من  التعبير عن الحريات الشخصية دون المس بالمجموعة، وغيرها.

في تسلسل أحداث المسرحية وإيجاد معارضين وداعمين لهذه العلاقة وقرار الزواج، لعلّ أكثر ما يفاجئنا به الكاتب، هو موقف والدة جميل التي ظهرت كأقوى المعارضين والمحاربين لهذه العلاقة، هذا التصرف الذي متوقعًا من والد هيام أكثر، الذي رغم معارضته في البداية، وقف داعمًا لها متصديا لكلّ من يحاول مقاطعتها، حينما تأكد من رغبتها.

تطالب المسرحية باحترام الخيارات والحرية الشخصية، التي قد تكون أحيانا مناقضة لما هو سائد في المجتمع، ولما تحلل الديانات. في الوقت عينه لا يطالب الكاتب بأن تتحول هذه الحالة من الزواج المختلط حالة طبيعية، لكنّه يطالب احترامها في حالة وجودها وعدم محاربة أصحابها. إذ يقول على لسان شخصياته، بأنّ الحب لا يطلب الإذن والتحديد المسبق لهوية المحب الملائمة للمجتمع.

يحاول سلّوم أن يجد مخارج دينية تحلّل هذا الزواج، سواءً في القرآن الكريم أو في العهد الجديد، ويترك المقتبسات لتفكير المتلقي. ثمّ يعود ليستدرك، أنّ من الممكن أن يكون صاحبي العلاقة نفسيهما غير متبعين لهذه القواعد الدينيّة، ويعرِّفان نفسيهما علمانيين، بذلك فبمنظورهما الشخصي لا يسيران وفق الأحكام الدينية، لأنّهما غير تابعين لها بخيارهما. من هنا يطالب احترام هذه الخيارات، وعدم شنّ حروب ومقاطعات بسببها، دون أن يغفل عن ظاهرة عدم ظهور هذا المقدار من المعارضة الشديدة من قبل المجتمع، عندما يكون زواج أحد الأبناء بأجنبي/ة، رغم اختلاف الثقافات الكبير.

في قالب المسرحية، وباعتمادٍ كبير على الحوار يطرح الكاتب رسالته، بلغة متينة وسلسة، وأسلوب شيّق. تمكنتُ من إنهاء هذا الكتاب الذي يأتي في 257 صفحة من القطع المتوسط، خلال جلستين لم تزيدا مجتمعتين على الساعتين، ممّا يدلّ على قدرة الكاتب في شدّ القارئ ونجاحه في تسلسل الأحداث. تختتم المسرحية بمشهد مفاجئ، يبعث الابتسامة والراحة في روح القارئ، ويُحسبُ للكاتب.

يمكن لهذا العمل بطرحه الجديّ، الواقعي، المطعم بروح فكاهية، أن يخرج من الأوراق إلى خشبة المسرح، مع بعض التعديلات القليلة على أجزاء من مشاهد ورد فيها بعض التكرار، لتكون عملا فنيًا ناجحًا وجاذبًا قادرًا على الوصول إلى شريحة أخرى من الجمهور، وبعث المتعة والإثارة التي ظهرت عبر "قلاقل جميل وهيام"، فمبارك للكاتب هذا النجاح وهذه العودة الأدبية.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب