news-details

وداعًا لليفني التي أعلنت افلاسها السياسي

// تميم منصور

هناك عدد لا بأس به من بين المواطنين العرب من خدعتهم دموع السياسية المعروفة تسيبي ليفني عندما قررت كما تدعي الترجل عن منصات السياسة، وعدم المشاركة في الانتخابات القادمة، كما شاركت في نعيها العديد من الصحف الإسرائيلية ومنها صحيفة " هآرتس ".

في الجهة المقابلة فإن عناصر يهودية متطرفة عبرت عن شماتتها بعد قرار ليفني مغادرة الساحة السياسية، فقد اتهمها هؤلاء بأنها حمامة من حمائم السلام في إسرائيل، وأن سياستها ومواقفها تهدد الأمن الإسرائيلي.

حقيقة أن قرار ليفني بإخلاء الساحة السياسية لم يكن نوعًا من الإشباع من العمل السياسي أو أنه جاء من باب الشهامة، أو العجز الجسدي، بل كان تعبيرًا واعترافًا بافلاسها السياسي، بعد أن شعرت بأنها تدحرجت خلال السنوات القليلة الماضية من القمة الى القاع، وأنها أصبحت كالعملة الورقية بدون رصيد،  لا أحد يقبل صرفها، وأول من رفض حوالياتها النقدية هم حلفاؤها من حزب العمل، الذي وصل هو الآخر الى طريق التفكك والافلاس.

بعد أن حاولت إعادة شبابها السياسي بالركوب في قطار هذا الحزب، وكانت تحلم بأن تعود الصهيونية كمنظمة عنصرية الى سابق عهدها، من خلال المعسكر الذي أقامته مع حزب العمل وحمل اسم " المعسكر الصهيوني ".

لكن رئيس حزب العمل آبي غباي بدد أحلامها وخذلها بعد أن أعلن بدون سابق انذار عن الاستغناء عنها، وقام بانزالها من قطار هذا الحزب، لأنه شعر بأنها هي السبب الذي يمنع هذا من السير بالسرعة المطلوبة، لقد شعرت هذه القطة الشقراء أنها خُذلت وجُرحت، فأخذت تبحث لحزبها الصغير عن مأوى آخر بدلًا من حزب  العمل لكنها لم تجد.

ما يهمنا من مسيرة ليفني السياسية : اعتبارها من قبل الذين سارعوا الى نعيها عربًا ويهودًا لأنهم اعتبروها امرأة حديدية قادرة على تحقيق السلام، وهناك من شبهها برئيسة وزراء بريطانيا السابقة " مرجريت تاتشر "، لكن هذا يجافي الحقيقة، لأنها هي ترفض أن يُنسب اليها بأنها  تحمل مشروعًا للسلام العادل، وهذا النعي أعاد الى ذاكرتنا صورة حلقات الردح التي أقيمت بعد اغتيال إسحاق رابين، خاصة من قبل المواطنين العرب، والسبب أنهم اعتبروا رابين نبيًا للسلام، مع أنه كان قطبًا من أقطاب الرافضين للسلام العادل.

من بين الذين سارعوا لإضفاء صفة السلام على ليفني ايهود براك قال عنها : أنها أقوى النساء الاسرائيليات اللاتي نادين بالسلام مع الفلسطينيين، هذا الاطراء الكاذب جاء لخدمة براك نفسه، لأنه أراد أن يقول لكل الإسرائيليين بأنه لا زال موجودًا، لأن ليفني لم تتقدم خطوة واحدة باتجاه أي مشروع للسلام، العكس هو الصحيح فقد شاركت في افشال كل مشاريع السلام العادل التي طرحت في عصرها الذهبي.

وهناك من يعتبرها خلال مسيرتها السياسية بأنها شوهت القيمة العليا للسلام، لأن السلام الذي نادت به وتمنته هو السلام العنصري، سلام يكون حسب مقاسات مفاهيمها وفكرها الصهيوني المتطرف، نعم هي كانت تحلم بتوقيع اتفاق سلام مع الفلسطينيين أثناء توليها وزارة الخارجية في حكومة الاحتلال، وكانت تحلم أكثر هي وايهود أولمرت بالفوز بجائزة نوبل للسلام على حساب تعاسة وحقوق الشعب الفلسطيني، كما كان الأمر لإسحاق رابين  وبيرس ومناحم بيغن، الاتفاق الذي كانت تحلم به يضمن ويحافظ على يهودية الدولة ، دولة يهودية ديمقراطية، والديمقراطية تصبح لعنة وعارًا على التاريخ إذا نسبت الى إسرائيل العنصرية.

كيف يمكن بناء صروح السلام في ظل التنكر لحقوق الطرف الثاني من المفاوضات، العديد من زملائها الذين رافقوها في العمل، اعترفوا بأنها كانت ازدواجية في مواقفها، ومنهم من وصفها بأنها كانت ملونة كالحرباء، في داخلها كانت تشمئز وتتقزز من كل فلسطيني، كل ما كانت تريده هو فك الارتباط مع الفلسطينيين، رفعت شعار " هم هناك ونحن هنا "، لكن هناك بالنسبة لها كان يعني عدم الانسحاب من الكثير من المناطق داخل الضفة الغربية، خاصة مناطق الأغوار والقدس وضواحيها، مع بقاء غالبية المستوطنات على حالها، كانت تستفز الفلسطينيين عندما تقول هذا هو الموجود، والبديل أن يبقى كل شيء على حاله، أي يبقى الاحتلال الى ما شاء الله، هل هذه تستحق  من يأسف عليها من المواطنين العرب ؟!

الزعيم الافريقي المعروف " نلسون مانديلا " قال : أنا أرفض مصادرة إرادة المواطنين البيض رغم جرائمهم بحق السود، وعندما أصبح رئيسًا لجنوب أفريقيا عاملهم بالمساواة كما عامل السكان السود، كما اعترف " مناحيم بيغن " أنه من غير الممكن عقد اتفاق للسلام مع مصر دون ارجاع كل شبر من الأراضي المحتلة، أما ما أرادته ليفني فهو سلام مع الاحتلال.

هناك من بكاها على اعتبار أنها من اليسار الصهيوني، هذه كذبة اسمها يسار صهيوني، لأن اليسار الحقيقي والصهيونية لا يلتقيان، وقد فطن لهذه الظاهرة بعض قادة حركة ميرتس عندما فكروا بتطويرها، فطالبوا بعدم الانتماء للصهيونية، لأنها حركة عنصرية كولونيالية، مهما حاول البعض تزيينها، والسؤال كيف يمكن أن تكون ليفني يسارية وهي مصرة على بقاء الاحتلال وترفض منح الشعب الفلسطيني حقه.

من خلال مفاوضاتها طلبت من الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل دولة لليهود فقط وديمقراطية، تجاهلت بهذا الطلب وجود ما يزيد عن مليون وربع مليون فلسطيني يعيشون داخل وطنهم، الذي أصبح اسمه إسرائيل، وعندما لفت نظرها أحد المفاوضين الفلسطينيين، بأن مناحيم بيغن لم يطلب من المصريين ولم يطلب من الأردنيين الاعتراف بأن إسرائيل دولة الشعب اليهودي فقط، فسارعت الى القول كل مرحلة ولها قادتها، هناك من قال ان عقليتها وفكرها السياسي هو امتداد لعقلية وفكر " تومي لبيد " الذي حارب الحرديم والعرب بفكره العلماني القومي العنصري.

لم تكن هذه السياسية، الحديدية كما وصفوها، تنظر أية نظرة إيجابية تجاه الفلسطينيين، لا تعنيها معاناتهم تحت الاحتلال، وعندما وقع العدوان قبل الأخير على قطاع غزة والذي حمل اسم " الرصاص المصبوب "، كانت ليفني تشغل منصب وزيرة للخارجية، وقد دعمت هذا العدوان بكل قوة وتلطخت أياديها بدماء ضحايا هذا العدوان من الأطفال والنساء والشيوخ، هذا يؤكد بأنها جزء لا يتجزأ من الاجماع القومي العنصري الذي تبناه بن غوريون وبيغن ورابين وبراك وأولمرت ونتنياهو، وإذا اختفت ليفني عن الساحة السياسية، سيولد أكثر من ليفني واحدة، أمثال شاكيد، وريغيف، وغيرهم.

أخبار ذات صلة

إضافة تعقيب