يطرح السؤال : اذا كان الأمر بالنسبة لكل من اليهود السود واليهود البيض على السواء، فعلى أي أساس تدعي الصهيونية بأن كل يهود العالم شعب واحد، قد لحقه الشتات ؟ من الذي شتت يهود روسيا ؟ وكل يهود اوروبا الشرقية ؟ الصهيونية تلعب بذلك لهدف سياسي وتدعي أن كل يهود العالم من الجنس السامي.
هناك اثنتا عشرة نظرية على الأقل تحدثت عن أصل يهودية اليهود الأثيوبيين المعروفين بالفلاشا، والذين نجحت الحركة الصهيونية من ترحيل حوالي عشرين الفا منهم الى اسرائيل، لاثبات أنه من حق كل يهودي الهجرة الى اسرائيل، في حين السلطة الفاشية في اسرائيل تمنع عودة فلسطيني واحد إلى وطنه الذي شٌرد منه. وقصة ترحيل يهود الفلاشا معروفة منذ عدة سنوات، ساهمت بها امريكا والحكومة الأثيوبية والحكم السوداني في حينه.
يكره اليهود الأثيوبيون تسميتهم بالفلاشا، ويعتبرونها اهانة لهم، حيث تعني باللغة الامهرية الغريب أو المنفي، وهذا المعنى ينطبق على العبيد، أما الاسم الذي يطلقونه على أنفسهم، فهو بيت اسرائيل وينطقونه بلفظ قريب من اللغة العربية.
أول هذه النظريات هو ما لفقه الرؤساء الدينيون اليهود، خلال القرون الماضية، لقد ادعوا من أن هؤلاء اليهود الأثيوبيين هم من سلالة سبط دان، أحد الأسباط الضائعة حسب رأيهم بعد الغزو الآشوري لمملكة اسرائيل الشمالية عام 722 قبل الميلاد، و دان هذا هو الابن الخامس ليعقوب، وقال عنه والده كما ورد في العهد القديم دان يكون حية، إذا لسع عقبي الفرس، سقط فارسها إلى الوراء.
ويعلق الدكتور جوزيف يوست واضع قاموس الكتاب المقدس، ان الربانيم الذين وقفوا وراء العهد القديم، أرادوا اثبات ان سبط دان هو جزء من أسباط اسرائيل، وذكر يوست ان يعقوب ذكره في نبوءته ان دان ابن جارية غير يهودية، وان يعقوب وصف وتنبأ بأن تكون ذرية دان مارقة وخبيثة وتحيك المكائد.
هناك نظريات أضعف في هذه النظرية تتحدث عن الفلاشا، منها ان هؤلاء اليهود الأحباش هم من سلالة زواج النبي موسى من امرأة حبشية، ونظرية أخرى تقول أنهم من سلالة الملك سليمان كونه تزوج من امرأة بشرتها سوداء، أما النظريات الحديثة العلمانية، فتقول احداها، هم سلالة قبيلة جوا المعروفة في الحبشة، لكن اجدادهم لقنوا الديانة اليهودية من قبل التجار اليمنيين الذين كانوا يفدون الى بلادهم، ويذهب بعض الدارسين ان هؤلاء قد اعتنقوا بعض الجوانب من الديانة اليهودية، ومنهم من اعتنق بعض طقوس الديانة المسيحية.
الواضح من تباين تلك النظريات وتضاربها والطابع الاسطوري لمعظمها، ما هو إلا جزء من مقدار الفساد والبطلان في النظرية الصهيونية التي تزعم ان يهود العالم هم شعب واحد، تشتت في أنحاء المعمورة، وأكثر هذه النظريات قربًا الى العقل ما دونه أحد العلماء الروس وهو يهودي يدعى نيقولاي ديمتري، يقول هذا الباحث من أن اليهودية هي مجرد ديانة قابلة للانتشار في أنحاء الأرض، مثل سواها من العقائد، كالزردشتية والبوذية والمسيحية والاسلام، وقد اعتنقت هذه الديانة عناصر من شعوب كثيرة، ولا يمكن اعتبار اليهودية هوية قومية.
اذا كان ذلك شأن اليهود الفلاشا، وهم في النهاية من أبناء هذا الشرق العربي الافريقي، فماذا عن اليهود الغربيين أو الأوربيين، وهم الغالبية العظمى من يهود العالم، خاصة من وفد منهم من روسيا وشرق اوروبا الى فلسطين، ومن ثم الى اسرائيل، وهم اصحاب السطوة في الدولة سياسيا وعسكريًا واقتصاديًا، وهم يعرفون باليهود الاشكناز.
اذا كان هؤلاء يعتمدون على التوراة بالنسبة لاثبات يهودية الحبشة، فإن هذه التوراة ذاتها تتنكر تمامًا لنسب اليهود الاشكناز لليهودية. فاشكناز المنسوب اليه هؤلاء هو في سفر التكوين ابن جوفر بن يافت بن نوح عليه السلام، بينما ابراهيم وابناؤه وحفيده يعقوب المعروف باسم اسرائيل، هم من بني عابر من سلالة سام بن نوح، وأرض اشكناز حسب تعريفها بقاموس الكتاب المقدس الذي اشرنا اليه فيما تقدم، هي بلاد واقعة شمال البحر الأسود والشمال الشرقي من هذا البحر، وهذا التعريف والتحديد ينطبق على بلاد القوقاز، أو جنوب روسيا حاليًا. وهي البلاد التي عرفها العرب في صدر الاسلام باسم بلاد الخزر لأن سكانها خزر العيون أي أن عيونهم ضيقة، وطبقًا للمصادر التاريخية، وفي مقدمتها المصادر العربية، فإن الخزر قد تحولوا الى اليهودية قبل حوالي 13- 12 قرنًا، أي بعد ظهور كل من المسيحية والاسلام، وان ذلك قد تم في عهد الدولة العباسية في الشرق ودولتي بيزنطية - والفرنجة بقيادة شارلمان في الغرب، بقرار من ملوك الخزر، بعد أن كانوا قومًا وثنيين، وكانوا على حالة من البدائية يدينون بعبادة الاله فالوس رمزًا لآلهة الخصب عندهم، في البداية دخل قسمًا منهم الديانة المسيحية، ومنهم من دخل الاسلام بحيث انه كان لملك الخزر نائبان، احدهما مسيحي والآخر مسلم، ثم قرر الخاقان بولان أحد ملوكهم اعتناق اليهودية، لكي يمنع بقية أبناء شعبه من اعتناق المسيحية أو الاسلام، ولكي يكون متميزًا عن جاريه القويين العباسيين والبيزنطيين. بفضل هذا الخاقان تهود جميع من في البلاط الملكي لدولة الخزر ثم تبعهم غالبية أبناء الشعب، تمشيًا مع مقولة – الناس على دين ملوكهم – وقد أكدت المصادر ان من حمل الديانة اليهودية الى هؤلاء كانوا من التجار اليهود كما هو الحال ليهود الحبشة.
جدير بالذكر ان الفضل يعود الى التجار العرب ومجموعة من الدراويش في نشر الدين الاسلامي بين القبائل التركية، والعديد من القبائل الافريقية.
يطرح السؤال : اذا كان الأمر بالنسبة لكل من اليهود السود واليهود البيض على السواء، فعلى أي أساس تدعي الصهيونية بأن كل يهود العالم شعب واحد، قد لحقه الشتات ؟ من الذي شتت يهود روسيا ؟ وكل يهود اوروبا الشرقية ؟ الصهيونية تلعب بذلك لهدف سياسي وتدعي أن كل يهود العالم من الجنس السامي.
لم يسلم يهود الفلاشا من فتاوى بعض الربانيم بعد قدومهم الى اسرائيل، فقد طالب هؤلاء بأنه يجب على يهود الفلاشا القيام باجراءات متشددة كي يتم الاعتراف بيهوديتهم، هذه الاجراءات هي نفس الاجراءات التي يتطلب على المتهودين الجدد القيام بها، هناك الكثير من الطقوس الدينية التي يقوم بها اليهود الاشكناز تختلف عن الطقوس التي يقوم بها اليهود الاحباش، وبقية اليهود الشرقيين.
مع قدوم يهود الفلاشا والخلافات حول يهوديتهم، تقرر الحاق جميعهم بالمدارس الدينية كي يعاد تعليمهم الدين من جديد ولغرض آخر غسل عقولهم، وزرع بذور العنصرية في أذهانهم ضد المواطنين العرب، لقد انضم يهود الفلاشا الى القطاعات السكانية داخل اسرائيل التي تعاني من التمييز العنصري، مثل اليهود الشرقيين وغيرهم خاصة المواطنين العرب.
حتى اليوم لم يسلم المجتمع الاسرائيلي، خاصة الاشكناز منهم بوجود اليهود الاحباش، وهناك احياء في العديد من المدن رفضت السماح لهم بالسكن داخلها، كما أن العديد من المدارس والحضانات رفضت استقبالهم، وقد تم اسكان العديد منهم في أماكن خاصة بهم مثل مدينة عكا، وقد طالب رئيس بلدية المدينة بعد اسكانهم في مدينته ابعادهم عن المراكز السياحية.
إضافة تعقيب